"هيئة تحرير الشّام" تنفي ضلوعها باغتيال خليفة "داعش"... ولكن؟

"هيئة تحرير الشّام" تنفي ضلوعها باغتيال خليفة "داعش"... ولكن؟

"هيئة تحرير الشّام" تنفي ضلوعها باغتيال خليفة "داعش"... ولكن؟


06/08/2023

عبدالله سليمان علي

نفت "هيئة تحرير الشام" في بيان صادر عن جهاز الأمن العام لديها، صحة ادعاء تنظيم "داعش" بأن الهيئة مسؤولة عن استهداف زعيمه أبو الحسين القرشي. وجاء النفي ليزيد الغموض بشأن حادثة الاغتيال التي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء حملته الانتخابية الأخيرة قبل حوالي ثلاثة أشهر أن القوات التركية هي من نفذتها.

وقال المتحدث باسم جهاز الأمن العام لدى الهيئة ضياء العمر، في رسالة نُشرت يوم الجمعة الماضي، أن "أمن عام" الهيئة "ينفي ادعاءات استهدافه وتصفيته لزعيم التنظيم وتسليمه للجانب التركي، جملة وتفصيلاً".

وجدد العمر موقف الهيئة من تنظيم "داعش" "وجرائمه"، والسعي لكف شره عن الأهالي في المنطقة بحسب وصفه، لافتاً إلى أنه إذا قُتل خليفة التنظيم على يد "الأمن العام" لكان "بشّر بذلك المسلمين وأعلنه مباشرة".

لكن العمر الذي نفى علاقة الهيئة بالاغتيال لم يذكر شيئاً عن مصير المتحدث الرسمي باسم تنظيم "داعش" أبو عمر المهاجر الذي ذكر أبو حذيفة الأنصاري، المتحدث الرسمي الجديد باسم "داعش"، أنه اعتُقل في عملية موازية لعملية اغتيال خليفته أبو الحسين القرشي.

وصدر نفي جهاز الأمن العام الذي يُتّهم بتبعيته لـ"هيئة تحرير الشام" وتنفي الأخيرة ذلك، بعد ساعات قليلة من إعلان تنظيم "داعش" عن مقتل زعيمه واعتقال المتحدث الرسمي باسمه على يد من سماهم "هيئة الردة والعمالة".

منعطف جديد

ويعتبر تبادل الاتهام والنفي بمثابة منعطف جديد في العلاقة بين "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "داعش"، إذ لم يسبق للأخير أن وجّه أي اتهام رسمي لأبو محمد الجولاني وجماعته بالمساهمة في عمليات اغتيال خلفائه السابقين، بالرغم من وقوعها في مناطق تخضع لسيطرة "هيئة تحرير الشام"، حيث اغتيل أبو بكر البغدادي في خريف عام 2019 في بلدة باريشا بريف إدلب الشمالي، وقُتل أبو إبراهيم القرشي في بلدة أطمة عام 2022.

ويدلّ توجيه اتهام علني من قبل تنظيم "داعش" إلى "هيئة تحرير الشام" باستهداف زعيمها على انتهاء فترة طويلة من الغموض والضبابية بشأن طبيعة العلاقة بين قيادة الهيئة ومئات من قادة وعناصر "داعش"، ممن توجهوا إلى إدلب عبر طرق التفافية بعد الهزيمة التي مُني بها التنظيم في آخر معاركه في بلدة الباغوز بدير الزور ربيع عام 2019.

وخلال هذه السنوات، لم تكن "هيئة تحرير الشام" تتوقف عن تنفيذ حملات أمنية ضد خلايا تنظيم "داعش" في مناطق سيطرتها، وأسفرت هذه الحملات عن مقتل واعتقال الكثير من قادة وعناصر التنظيم، من بينهم قادة في الصف الأول، وكانت الهيئة لا تتردد في الإعلان عن حصيلة هذه الحملات، ولكنها واظبت على البقاء بعيدة مما بدا كأنه خط أحمر لا تجرؤ على الاقتراب منه، وهو إظهار أي دور لها في عمليات اغتيال زعماء "داعش"، رغم أن الكثير من التقارير الإعلامية والعديد من الجهات كانت تقدم معلومات حول وجود تنسيق بين الهيئة والتحالف الدولي الذي كان يتبنى عمليات الاغتيال السابقة.

في المقابل، كانت خلايا تنظيم "داعش" المنتشرة في إدلب لا تقابل حملات الهيئة بأي ردة فعل، بل كان ثمة قرار على ما يبدو بأن لا تقوم هذه الخلايا بأي نشاط ضد عناصر الهيئة وقيادتها، وكأن ثمة تفاهماً ضمنياً بين الطرفين للسماح لعناصر "داعش" باتخاذ إدلب مأوى لهم مقابل عدم تعريض سلطة الهيئة لهزات أمنية.

ومما لا شك فيه أن أبو محمد الجولاني لم يفتح الباب أمام خلايا "داعش" للجوء إلى إدلب بعد فرارهم من معركة الباغوز، حباً بهم، بل كان يخطط منذ البداية لاستغلال ذلك للتقرب من بعض أجهزة الاستخبارات الدولية من خلال إظهار نفسه بصورة المحارب للتنظيم المصنف على قائمة الإرهاب العالمي.

وبرز تناقض رئيسي بين الرواية التركية حول مقتل أبو الحسين القرشي، حيث ذكرت أن الحادثة وقعت في بلدة جنديرس بريف عفرين التابعة لمحافظة حلب، بينما ذكر أبو حذيفة الأنصاري في كلمته الأخيرة أن اغتيال الحسيني جرى في ريف إدلب من دون أن يذكر مكاناً أو تاريخاً محددين.

حسابات الجولاني

وقد يكون الجولاني بدأ يشعر باليأس من إمكان الحصول على براءة دولية من وصمة الإرهاب، فقرر رفع سقف المواجهة مع تنظيم "داعش" والانخراط في اغتيال خليفته الأخير من باب تقديم مزيد من أوراق الاعتماد أمام بعض أجهزة الاستخبارات الغربية والإقليمية، لعلها تساعده في تحقيق غرضه. أو ربما يكون الاغتيال قد وقع نتيجة حادث غير مخطط له كما حصل مع مقتل زعيم "داعش" أبو الحسن الهاشمي في درعا، ويكون عناصر من الهيئة قد دخلوا في مواجهة مع خلايا من التنظيم أسفرت عن مقتل زعيمه من دون أن تكون لديها معلومات عن وجوده فيها، وعندما تكشفت لها حقيقة هوية الشخص المقتول عمدت إلى تسليمه إلى تركيا للتخلص من تبعات مقتله.

ولكن ما يثير الاستغراب أن ما نسبه "داعش" من تنسيق بين الجولاني وتركيا جاء في وقت شهدت العلاقة بين الجانبين الكثير من الشد والجذب، على خلفية انخراط أنقرة في مسار التطبيع مع دمشق، ورفضها كذلك لجهود الجولاني الرامية إلى التوسع في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون الواقعتين تحت سيطرتها، وبلغ التصعيد ذروته مع اتهام الجولاني لأنقرة بأنها تعمل ضد أهداف الثورة السورية.

ولكن سواء كانت الهيئة متورطة أم لا، فإن صدور اتهام رسمي من "داعش" ضدها من شأنه أن يشير إلى إمكان تسارع التطورات في العلاقة بين الطرفين واتخاذها منحى تصعيدياً من الناحية الأمنية.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية