"الممر" فيلم مغامرات تقليدي أم علامة بارزة في السينما المصرية؟

"الممر" فيلم مغامرات تقليدي أم علامة بارزة في السينما المصرية؟


23/06/2019

حرب حزيران (يونيو) 1967، أو نكبة حزيران (يونيو)، أحد أهم الأحداث التي تسبّبت في تحوّلات جذرية وعميقة في مصر والمنطقة العربية، فالضربة الإسرائيلية جاءت في شدّة توهّج الأنظمة القومية، الداعمة لحركات التحرر الوطني في المنطقة، تلك الدعوات التي أعطت شعوراً بالتميز للمواطن العربي، ثم فجأة، ومن دون أيّ استعداد، انكسرت شوكة أحد أكثر الأنظمة القومية في مصر وسوريا، بعد معركة غير متكافئة مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً: هل أخفق فيلم "حرب كرموز" في إظهار فظائع الاستعمار البريطاني؟
ورغم تناول السينما لتلك المرحلة عن طريق العديد من الأفلام السينمائية، إلا أنّ نكبة حزيران (يونيو)، وما حدث بعدها من حرب الاستنزاف، ثم حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، ما تزال تخفي الكثير من الأسرار التي تحتاج للمزيد من الأفلام، وربما ذلك ما دفع صنّاع فيلم "الممر"، للمخرج شريف عرفة، والفنان أحمد عز، لتقديم عمل حربيّ متميز، عن واحدة من عمليات حرب الاستنزاف، التي قدمتها الصاعقة المصرية في حربها مع إسرائيل.

الإعلان الرسمي للفيلم:

حقيقة الهزيمة كاملة
عمل صنّاع فيلم "الممر" على تقديم حقيقة الهزيمة كاملة، دون مواربة، أو استشعار الحرج، المسألة التي وضعت "نظام يوليو" تحت وطأة المحاكمة في فيلم "الممر"، فما حدث من المؤكّد أنّ له سبباً، ذلك السبب هو ما حاول صنّاع الفيلم توضيحه، من فوضى غير مفهومة عاشها الجيش المصري في تلك المرحلة، قبل حزيران (يونيو) 67، فوضى أشار إليها صناع العمل بشكل غير مباشر، عن طريق العديد من المشاهد في مقدمة العمل، أبرزت حجم الاستخفاف بالوضع الأمني المأزوم الذي عاشته المنطقة العربية في تلك الفترة، أو بشكل مباشر عن طريق حوارات بين أبطال العمل، تناولت تلك الفوضى، التي أنهت عليها تماماً تبعات نكبة حزيران (يونيو) 67، ليبدأ الجيش المصري مرحلة جديدة من ضبط كلّ شيء، انتهت بتحقيق النصر.

الفيلم هو الأضخم إنتاجياً حيث تجاوزت تكلفة إنتاجه 100 مليون جنيه وحرب الاستنزاف جسّدت إرادة النهوض من الكبوة

الفيلم هو الأضخم إنتاجياً؛ حيث تجاوزت تكلفة إنتاجه 100 مليون جنيه، واستُخدمت فيه تقنيات عالية جداً لتقديم المعارك والمواجهات المسلحة بين الصاعقة المصرية والجيش الإسرائيلي بشكل شديد الاحترافية، وهو ما يدعو للتجاوز عن بعض هنات السيناريو، التي أضعفت العمل، خصوصاً في الثلث الأول منه، قبل أن تبدأ مواجهات حرب الاستنزاف.
لم يتناول الفيلم أسباب نكبة حزيران (يونيو) 67 فقط، لكنّه أيضاً قدّم صورة مميزة جداً لمقاومة أهالي سيناء للمحتل، وتقديمهم الدعم الكامل لقوات الجيش المصري، وهي المسألة التي قطعت الشكّ باليقين، ضدّ كلّ من يدّعي أنّ هناك تخاذلاً شاب تصرفات أهل سيناء في أثناء المواجهات المصرية في المنطقة، وقدم ذلك الدور ببراعة؛ الفنان المصري محمد جمعة، والفنانة أسماء أبو اليزيد، عندما شخّصا دور اثنين من بدو سيناء، قدّما الدعم الكامل لقوات الصاعقة المصرية في اقتحامهم للعمق الإسرائيلي من أجل تنفيذ مهاماتهم العسكرية.

اقرأ أيضاً: لماذا يُتهم فيلم "الآباء والأبناء" بالانحياز إلى النظام السوري؟
فيلم "الممر" يعدّ فرصة كبيرة للأجيال التي لم تُزامن فترة الحرب لتدرك حجم العداوة بيننا وإسرائيل، بغضّ النظر عن اتفاقيات السلام، فرغم الاتفاقيات ما يزال هناك دم مسال اختلط برمال سيناء دفاعاً عنها، دماء كان سببها حلم إسرائيلي مجنون بتمدّد المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل حتى نهر النيل في القاهرة.
إرادة النهوض من الكبوة
الناقد الفني، شريف ثابت، قال لـ "حفريات": إنّ حرب الاستنزاف جسدت إرادة النهوض من الكبوة واستدعاء رصيد القوة والعزيمة والصمود، وهي لحظة التوحّد بين الشعب والجيش والسلطة، وبداية الطريق لتحويل الهزيمة إلى نصر.
وبحسب ثابت، "يرصد الفيلم هذه اللحظة المفصلية في التاريخ المصري المعاصر، من خلال قصة مُقسمة إلى ثلاث حبكات فرعية تروي معاً أحداث العملية الصعبة المُكلفة بها إحدى مجموعات الصاعقة في عُمق الأرض المُحتلة شرق قناة السويس في إطار حرب الاستنزاف".

اقرأ أيضاً: فيلم "واجب": الفلسطيني خارج إطار الأسطورة
وأوضح ثابت: "الفيلم من تأليف شريف عرفة، الذي كتب القصة والسيناريو. وبالنظر إلى أفلامه الأخيرة التي شارك في كتابتها؛ نلاحظ احتواءها بذرة جيدة ومضموناً مهمّاً، مقابل خفّة معالجاتها وافتقارها لإحكام السيناريوهات، مقارنةً بما تقدم من أفلامه، التي كتبها ماهر عواد ووحيد حامد".
من كواليس تصوير الفيلم:

نزهة بين جبال سيناء
يضيف ثابت: "بإمكاننا النظر هنا في "الممر" إلى خفة المُعالجة باعتبارها هدفاً مقصوداً في حدّ ذاته، من أجل استيفاء الشروط التجارية لأفلام العيد؛ من إنتاج سخيّ، ومشاهد حربية مبهرة بحقّ، و"أكشن" مُغلّف بجرعة "زائدة" من الكوميديا، إضافة إلى شعارات وطنية رنانة "يرقعها" أحمد عز (قائد مجموعة الصاعقة) كل شوية".

فيلم الممر يعدّ فرصة كبيرة للأجيال التي لم تُزامن فترة الحرب لتدرك حجم العداوة مع إسرائيل

ويستدرك الناقد الفني: "كلّ هذا مفهوم ومُقدر، غير أنّه اتسم بقدرٍ عجيب من الاستسهال، سواء في بناء الشخصيات التي جاءت كلها بلا استثناء مُقولبة وكرتونية تماماً، أو تصاعد أحداث العملية التي يُفترض أنها شديدة الخطورة، فإذا بها أقرب إلى نزهة بين جبال سيناء، إضافة إلى تشكيلة "من اللي قلبك يحبها من الكليشيهات الحوارية المهروسة في مئات الأفلام"، الأمر الذي جعلني –لا إرادياً- أستدعي المقارنة مع فيلم "الطريق إلى إيلات"، واعتناء مخرجته، إنعام محمد علي، ببناء شخصيات حقيقية، ابنة زمانها، وبالجدية والدقة في تتبع تفاصيل العملية الحقيقية، إضافة إلى ذلك؛ ثمة أخطاء واضحة على مستوى "الميزانسين"، مثل: ديكورات منزل ضابط الصاعقة، والتي جاءت أقرب لشقة فاخرة بالرحاب، بدلاً من منزل تعيش فيه أسرة متوسطة بالحقبة الناصرية اشتراكية الهوى، أضف إلى ذلك أنّ المشاهد الخارجية جاءت مفتعلة تماماً، بفضل تصويرها بين ديكورات مسرحية الطابع، كذلك توغّل فرقة الصاعقة داخل العمق السيناوي، شرق القناة، بأردية الجيش المصري، لأيام طويلة، دون اعتبار لخطر اكتشافهم بواسطة مروحيات الجيش الإسرائيلي".

اقرأ أيضاً: فيلم "ليلة طولها اثنتا عشرة سنة".. تحفة فنية عن أدب السجون
ويرى ثابت؛ أنّ تجربة "الممر"، كأول فيلم حربي يتم تنفيذه بتقنيات متطورة وميزانية هي الأضخم، تضمّنت ميزات كثيرة بالفعل، غير أنّ اضطلاع شريف عرفة بكتابة القصة والسيناريو خصم من المحصلة النهائية. وبدلاً من الفوز بفيلم عظيم يجسد بطولات وتضحيات المصريين، تحوّل الممر إلى فيلم مغامرات تقليدي، على غرار "كازابلانكا" و"حملة فرعون".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية