قواعد الفكر الإخواني (2): الثقة بالمرشد كأنه نبي أو ولي

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (2): الثقة بالمرشد كأنه نبي أو ولي


08/11/2017

مايزال مشهد المئات من أعضاء جماعة الإخوان وهم يحاصرون مقر المحكمة الدستورية العليا بمصر في نهاية العام 2012 وبداية 2013، ويمنعون قضاتها من دخولها بعد أن صدرت لهم التعليمات من قيادتهم بالتحرك إلى هناك، في انتظار قرارات مهمة ستنعكس على مستقبل البلاد والعباد في مصر كلها، دون أن يتجشموا عناء السؤال عن تلك القرارات أو يستشاروا فيها أو يقتنعوا بجدواها، مشهداً مثيراً للتساؤل، وهو ليس منفصلاً عن مشاهد أخرى التزمت فيها قواعد الجماعة وشجعت قرارات المرشد، حتى لو تضمنت الشيء ونقيضه؛ مثلما كان عندما أعلن أنّ الجماعة لن ترشح أحداً لمنصب الرئاسة، فامتدح الصف الإخواني القرار وتغزلوا في حكمة ووعي القيادة، وعندما صدر القرار بترشح محمد مرسي أكد الصفّ الإخواني ذاته من جديد قناعته بالقرار وطاعته للقيادة.

بنى التنظيم الثقة في المرشد مستنداً إلى التعسف بفهم النصوص الدينية وإسقاطها على واقعه ثم التوسل بالحيلة والمكر والدهاء السياسي لجعل ذلك ممكناً

قداسة المرشد
ما الذي يدفع تلك الجموع إلى هذه المستوى من الطاعة المطلقة لقيادتها؟ إنها الثقة بالقيادة.. تلك القاعدة التي تبدو أحد أهم القواعد التي بُنيت عليها الجماعة، التي تبدو معها تنظيماً أكثر منه فكرة أو نظرية تجمع الأعضاء؛ حيث يبدو التنظيم حريصاً على تأكيد مكانة وقداسة المرشد في عقول الأتباع أو الجنود، والتأكيد على صيغة التنظيم العسكرية المصبوغة برداء ديني يجعل من المرشد صاحب قدرات فذة تستدعي من الأتباع لوناً من ألوان التقديس، والثقة التي جعلها حسن البنا ركناً من أركان البيعة للملهم الموهوب، كما سماه التلمساني في كتاب عن مؤسس حركة الإخوان، الذي صاغ ركن الثقة بمفردات تكشف نظرة الرجل لنفسه، وكذلك كيف ينبغي أن ينظر له الأعضاء؛ يقول البنا في الركن العاشر من أركان البيعة في (رسالة التعاليم) "وأريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه، اطمئناناً عميقاً ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" (سورة النساء)؛ فهو يتحدث عن قائد ملهم وجنود وجيش لا عن دعوة دينية، ولا حتى حزب سياسي تحكمه تقاليد الديمقراطية وتداول الرأي بين أنداد، ولا يخفى الإيحاء الذي يتضمنه الاستشهاد بالآية التي تتحدث عن الرسول الكريم ووجوب طاعته وهو الموصول بهدى السماء!

 

الثقة بالقيادة هي كل شيء
ثم يفصّل البنا في توضيح معنى الثقة "والقائد جزء من الدعوة ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب، (فأولى لهم طاعة وقول معروف)"، مرة ثانية يطلب لنفسه الطاعة التي اختص الله بها رسوله الكريم وجعلها طريقاً إلى طاعته ومرضاته! ثم يكمل "وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعاً، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات"، هل من الممكن أن تجتمع كل تلك المواهب في شخص واحد إلا إذا كان نبياً أو ولياً، هذا معتقد البنا في نفسه ولا شيء غيره.

أصحاب رسول الله وحملة رايته
ثم يكمل "ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف مدى ثقته بقيادته: هل تعرف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟ هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟ هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعاً، قاطعة لا مجال فيها للجدل ولا التردد ولا الانتقاص ولا للتحوير؟ مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟ هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفى القيادة الصواب إذا تعارض ما أمر به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي؟" هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة؟".

 تحرص الجماعة على تأكيد مكانة المرشد في عقول الأتباع المصبوغة برداء ديني تجعل منه صاحب قدرات فذة تستدعي لوناً من ألوان التقديس

ثم يسوق البنا مخاطبيه إلى النتيجة التي يريد الوصول إليها: "وبالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ أن يطمئن على مدى صلته بالقائد وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)"..
دائماً ثمة تعمد لإسقاط الآيات القرآنية التي تخاطب النبي وعلاقته بأصحابه على واقع الجماعة؛ ألم يخاطب البنا أتباعه في رسالة "الإخوان المسلمون تحت راية القرآن" بقوله "نحن أيها الناس ولا فخر أصحاب رسول الله وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا ورحمة الله للعالمين (ولتعلمن نبأه بعد حين)، أيها الإخوان المسلمون هذه منزلتكم فلا تصغروا في أنفسكم فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلاً غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله، بغيرها من الدعوات التي تبررها الضرورات وتذهب بها الحوادث والأيام"!

يتحدث البنّا عن المرشد باعتباره قائداً ملهماً وعن أتباعه باعتبارهم جنوداً وجيشاً تحت تصرفه لا عن دعوة دينية ولا حتى حزب سياسي تحكمه تقاليد الديمقراطية وتداول الرأي بين أنداد

ما لا يبنيه المرشد محكوم عليه بالفشل
يكشف نص مهم لأحد المحسوبين على هذا التنظيم، وهو المستشار طارق البشري الذي كتب في بداية السبعينيات كتاباً يستعرض بنية الحركة السياسية في مصر في الفترة من 1945 إلى 1952، التي شهدت أوج نشاط الجماعة السياسي، عن جانب غامض من شخصية البنا في مواجهة ما يعطل تلك الثقة التي أرادها من أتباعه؛ إذ يظهر، كما يقول، في أحاديث المرشد العام تأكيده على الدور الشخصي الذي يقوم به ونظرته إلى نفسه على أنه محور الدعوة جماعةً وأعضاءً، وهو لا يطمئن لأمر إلا أن يبنيه بنفسه أو يشارك الإخوان فيه، حيث كتب يقول: "إن فرعي جمعية الإخوان بالمحمودية وشبراخيت سوف لا ينفعان كثيراً، لأنهما أنشئا بغير أسلوبي، ولا ينفع في بناء الدعوة إلا ما بنيت بنفسي"، يكمل البشري: "ومع هذا الحرص على أن يكون هو مصدر كل شيء، حاكماً بالفشل على ما يبنى بغير أسلوبه، ورافضاً الاعتماد على كل من كانت له أساليبه الخاصة، وعلى من نظر إليه نظرة الأنداد، كان المرشد يفقد الثقة في قدرة الآخرين على القيام بعمله أو مشاركته فيه؛ كان يرى أن الكل ضعاف ويشكو من أنه يجد نفسه بين ضعف الأمين وخيانة القوي"، وتعني هذه النظرة أن الأمين عنده هو الضعيف، وأن القوي مصدر للخطر وخبث مستتر، وهي نظرة يبدو أنها تلازم التسلط الشخصي.

 توحي استشهادات البنا القرآنية في كتاباته بأنه يطلب لنفسه الطاعة التي اختص الله بها رسوله الكريم وجعلها طريقاً إلى طاعته ومرضاته

تفتيت القوى المعارضة داخل التنظيم
وهذا اللون من ألوان الاستبداد الذي يتمسح بنصوص دينية جلب لا شك معارضة داخل التنظيم، واعتمد البنا في مواجهتها وفق ما يوضح البشري بتفتيت القوى المعارضة، وتوريط المعارضين في الأخطاء، وإظهار نفسه بمظهر البريء، المخدوع المعتدى عليه والعفوّ المتسامح مع المعتدين عليه، ويبدو أنه كان يستميل العواطف بهذا المظهر فقد كان حريصاً في مذكراته أن يرسم هذه الصورة لنفسه عند حديثه عن أي واقعة خلاف حدثت معه، وعندما لا تكون ثمة معارضة وتلتقط بذورها تباعاً، وعندما لا يكون ثمة أنداد وترتفع الهامة على سائر القرناء ويصير الباقون أتباعاً، وعندما تتجسد الدعوة في شخص يصير رمزاً لها ويمارس أعماله من خلال الآخرين، فترتد إليه فضائلهم ولا يبدو منه إلا الوجه الناصع والساعد القادر، ويتحمل الآخرون ما يثير النقد ويكشف الوهن، عندئذ يبدو الزعيم لا ككل الناس جمعاً للفضائل، وبراءةً من العيوب، وامتلاءً بالحكمة والكفاية والاقتدار، وعندما يمسك وحده بأطراف التنظيم فلا يصل خيط بين فردين ولا بين جهازين إلا عن طريقه، ويبدو قرين المعرفة يفوق البشر ويظهر إدراكه قرين الإلهام.
لقد بنى التنظيم الثقة في المرشد مستنداً إلى التعسف في فهم النصوص الدينية وإسقاطها على واقعه من جهة، ثم التوسل بالحيلة والمكر والدهاء السياسي لجعل ذلك ممكناً، وتمهيد نفوس الأتباع لقبول ما يخالف معتقداتهم وأفكارهم أو أعراف المجتمع أو قوانين الدولة بهدف التأسيس لثيوقراطية عتيدة، وهذا يفسر جانباً مهماً لسر صمود التنظيم وبقائه رغم تغير الأنظمة السياسية المتناقضة من ملكية وجمهورية.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية