حوار مع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية حول فوضى الفتاوى وتجديد الخطاب الديني

حوار مع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية حول فوضى الفتاوى وتجديد الخطاب الديني


14/08/2018

أجرى الحوار: ماهر فرغلي


قال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الدكتور عمرو الورداني، إنّه ليس لدينا خطاب ديني؛ بل خطابات متعددة، مؤكداً ضرورة أن تتولى معالجة هذه القضية الشائكة عدة مؤسسات فضلاً عن الدينية، في سبيل الوصول إلى تصور حقيقي لكيفية فك الاشتباك بين هذه الخطابات.

وأضاف في حواره مع "حفريات" أنّ تجديد الخطاب الديني لا علاقة له بثوابت الدين وأصوله ولا بالعقيدة، إنمــا يكمن في تطويــر لغته وآلياته والمطالبــة بأخــذ كل ما هو جديــد لمواكبة الواقع المعاصر ومستجداته المستمرة، مشيراً إلى أنّ تراثنا يمثل خليطاً من الثقافة والعلم "ولا بد أن نمتلك الجرأة للتفريق بينهما".

الخطبة والموعظة يدخلان تحت مفهوم الخطاب الديني ولكنه لا يقتصر عليهما

وأوضح، مساعد مفتي جمهورية مصر العربية، أنّه لا بد أن تلعب دار الإفتاء دوراً شعبياً، داعياً إلى أن تكون علاقة الناس بالجهات الدينية طوعية، وأن يذهبوا إليها بإرادتهم "لا أن تكون في موقع سلطة أو قريبة من السلطة".

يذكر أنّ الورداني شارك في مجابهات كثيرة مع العقول المتطرفة، كان آخرها في إندونيسيا، ومن خلال إدارة التدريب في دار الإفتاء المصرية التي يتولاها قام بتأهيل العديد من الدعاة في العالم الإسلامي، ومؤخراً تم تكليفه بالإشراف على القسم الاجتماعي بالدار، وتأهيل المقبلين على الزواج.

وهنا نص الحوار:

إشكالية تعدد الخطاب الديني

كيف يمكن تعريف "الخطاب الديني" في ظل ما يدور حوله من جدل اليوم؟

عندما نتكلم عن الخطاب الديني فلا بد أن نتطرق أولاً إلى مفهوم "الخطاب" نفسه؛ لأن هناك جدلاً كبيراً حوله بالفعل، ولقد حاولنا في دار الإفتاء إزالة هذا اللغط؛ لأن مفهوم الناس حوله لم يتحدد جيداً في أذهانهم عندما يتطرقون له، وحتى من يفترض بهم التعامل مع قضايا الخطاب تسببوا في تعريفاتهم له بتضخيم حجم هذه المشكلة أيضاً، ومصطلح الخطاب ذاته معاصر وليس قديماً كما يعتقد كثيرون، يمكن أن نؤرّخ له بدءاً من القرن الماضي حين أثار هذه القضية المفكر المعروف ميشيل فوكو في الجمعية الفرنسية، وإذا أردنا أن نجمع بين ما قاله فوكو وغيره؛ فالخطاب تعبير عن كل ممارسة تحت مجال معين، سواء شفهية، أو مكتوبة.

يجب تعاون مؤسسات الثقافة والأمن مع الدينية

إذن لماذا يُحصر الخطاب الديني في خطبة مكتوبة أو موعظة دينية؟

الخطبة والموعظة يدخلان تحت مفهوم الخطاب الديني الذي لا يقتصر عليهما فقط، فما يقدمه الإخوان المسلمون مثلاً يتجاوز الأقوال إلى الممارسة على الأرض وهذا يمثّل خطابهم الذي يُقرأون من خلاله، وهذا يقودنا إلى المشكلة التي نعاني منها في هذا السياق، وهي أنّه ليس لدينا خطاب ديني؛ بل خطابات دينية، وهذا ما دفعنا للدعوة إلى أن ننشئ علماً لمناقشة الخطابات الدينية، على سبيل المثال، هناك الخطاب الديني السلفي، الخطاب الأزهري، الإخواني، الليبرالي، الشعبي، الإعلامي.. إلخ، وهذه الدراسات يجب أن تتولاها عدة مؤسسات فضلاً عن الدينية وعلى رأسها الأزهر، وهذا يشمل المعنية بالثقافة والأمن وحتى المؤسسات الاجتماعية في سبيل الوصول إلى تصور حقيقي لكيفية علاج مشكلة الخطابات الدينية وفك الاشتباكات بينها.

لماذا ثمة من يتحدث عن وحدة الخطاب الإسلامي؟

كما قلت آنفاً نحن بدأنا ندرك أنّنا بصدد خطابات دينية، وأعتقد أنّك تقصد النظرة الغربية إلى الإسلام؛ فللأسف الغرب يتحدث عن إسلامات ولم يتحدث عن خطابات، وهنا حدثت المشكلة، وهذا الأمر لم يتضح لكثير من المفكرين الغربيين، بأنّ لدينا إسلاماً واحداً، لكن بخطابات كثيرة، ولو تفهّموا ذلك لتغيرت نظرتهم إلينا وإلى الإسلام التي يحكمها الإسلاموفوبيا إلى حد بعيد.

اقرأ أيضاً: الفتاوى بين التوظيف السياسي وفخ التناقضات

تجديد الخطاب الديني

ما المقصود إذن بتجديد الخطاب الديني؟

تجديد الخطاب الديني لا علاقة له بثوابت الدين وأصوله ولا بالعقيدة، إنمــا يكمن في تطويــر لغته وآلياته والمطالبــة بأخــذ كل ما هو جديــد لمواكبة الواقع المعاصر والمستجدات المستمرة، وهــو الفهــم الجديد القويــم للنص الذي يؤدي إلى العلاج الواقعي، ومن ثم الوصول إلــى الخطاب المبني على صحيــح الدين انطلاقاً من قاعدة "المقدمات الجيدة تؤدي إلى النتائج الجيدة".

لماذا نشعر أن هناك خللاً في العلاقة بين المؤسسات الدينية في حل إشكالية الخطاب الديني؟

أي مشكلة على مستوى الأفراد أو الشخصيات الاعتبارية، أو حتى الطبيعية، أو بين مؤسستين، سببها الطرفان، نحن لدينا في دار الإفتاء أسباب، وهم لديهم صورة نمطية عن الإسلام، ونحن ساهمنا في وضع هذه الصورة، وفي أحيان كثيرة قمنا بها متبرعين، على سبيل المثال، ما يقال إنّ المسلمين يعادون العلم الحديث، هم لم يطلبوا أن نقول ذلك، لكننا أكدنا لهم أننا نكره العلم الحديث، فقالوا لنا أنتم تكرهون الإنسانية، ونحن حين أردنا أن نغيّر هذه الصورة التي كرّستها التيارات المتشدّدة، لجأنا إلى قضية الإعجاز العلمي وأخذنا نروج لها في كل المحافل.. وهذا غير مقبول مطلقاً في تعاملنا مع كتاب الله، فهو سقف للمعرفة، وليس ديواناً للمفردات العلمية، مثل الكيمياء والفيزياء والفلك.. فالقرآن أعلى من عقول الناس الظنية ولا يصح أن نقحمه في هذه المجالات، كما لا بد أن نعترف أنّ لدينا ثغرات دائمة في العلم المعاصر وأنّه لا يمثل الحقيقة المطلقة حتى نتمسح به بحجة نصرة الدين، والتراث من ناحية أخرى يمثل خليطاً من الثقافة والعلم.. ولا بد أن نمتلك الجرأة للتفريق بينهما.

تجديد الخطاب الديني لا علاقة له بثوابت الدين

أين دور دار الإفتاء المصرية من هذا كله؟

نحن قمنا بعقد دورة مكثفة مع مجموعة من الخبراء في تفكيك العقل المتطرف، وافتتحنا برنامج تأهيل المقبلين على الزواج، وقسماً كاملاً لتدريب الدعاة، فضلاً عن مرصد مكافحة التطرف، وغيرها من البرامج الأخرى، ودار الإفتاء هي إحدى الحصون الرئيسية في هذا المجال، بوصفها إحدى مؤسسات الدولة التي تقدم خدماتها على المستويين المصري والعالمي، من خلال إيماننا بأهمية الوعي؛ لأننا نرى أنّ أفضل الوسائل للتعامل المشكلات المجتمعية والدينية وحلها هو نشر الوعي بصورة مكثفة دائماً، وعدم الوقوف عند فكرة إثبات الحالة، والوعي هو من الصناعات الثقيلة التي تظهر ثمرتها في الأجيال القادمة.

وما علاقة برنامج تأهيل المقبلين على الزواج بالخطاب الديني؟

نعم بلا شك؛ فالأمم المتحضرة هي التي تفكر في مشكلاتها بشكل إستراتيجي ولا تجعل حلول مشكلاتها عبارة عن "طفاية حريق"، ولكن تحولها إلى لبنات للتنمية وبناء الإنسان، وإصلاح المنظومة الاجتماعية جزء من تطوير وتجديد الخطاب الديني، أما برنامج تأهيل المقبلين على الزواج في دورته الرابعة فقد أصبح يحظى بقبول شديد في المجتمع المصري، والدليل على ذلك تفاعل كل مكونات المجتمع معه، وهو ما يدل على أن كل من يقدم شيئاً لهذا الوطن يلقى الترحاب والتعاون.

البحث عن رأي وسطي يفرض على المؤسسات الدينية الرسمية ليس حلاً في مواجهة أفكار التطرف

كما أن دار الإفتاء ستبدأ في العام الجديد خدمة جديدة للقيام ببيان الأحكام الشرعية، وصحيح الدين ومواجهة فوضى الفتاوى؛ حيث سيتم تدشين "دار الإفتاء المتنقلة" التي ستجوب المدن لتلقي استفتاءات الناس والرد على تساؤلاتهم وبيان الأحكام الشرعية الصحيحة وتصحيح المفاهيم، وهذا له أهمية قصوى في دفع عجلة البناء ودحض حجج المتطرفين والغلاة في الدين، فالتطرف لا يعيش إلا في درجة من درجات انخفاض الوعي، الذي من علاماته فوضى الفتاوى، التي هي السند الحقيقي للجماعات المتشددة، والسبيل للخروج من حالة البلبلة الناجمة عن فتاوى غير المتأهلين هو الرجوع إلى الشروط التي حدّدها الشرع فيمن يتصدّى للفتوى، ومن أهمها العلم الشرعي، وهو ما يعبّر عنه في واقعنا المعاصر بـ"التخصص".

فصل المؤسسات الدينية عن السلطة

بماذا تختلف دار الإفتاء المتنقلة عن تجربة "أكشاك الفتوى" التي هوجمت بشدة؟

أكشاك الفتوى كانت من صناعة مجمع البحوث الإسلامية ولم تقم بها دار الإفتاء، ولا بد أن تعلم أن من أهم الأشياء التي يمكن أن نحصّن بها الفتوى هو أن نعرف أنّها ليست مجرد معارف وإنما صنعة ومهنة، وهذا من أهم المظاهر التي يمكن به أن نحصّن الفتوى، وعندما نقول إنّ الفتوى مهنة فهذا يقتضي أن يتوفر فيمن يقوم بها التعلم والتدريب والتربية؛ لأنّ أهل المهنة هم الذين يضعون معايير هذه المهنة، وكل مهنة لها خصائصها التي تتميز بها عن غيرها من المهن، ولها المهارات التي لا بد أن تتوفر فيمن يقومون بها، والمفتي الحقيقي هو من عُرف عنه القدرة على استنباط الأحكام، وهذا لن يكون إلا إذا كان قد تم تدريبه عليها بطريقة سليمة، وإلا فالدعوة ستنهار إذا لم يكن هناك إدراك للأحكام الشرعية إدراكا صحيحاً.

يبدو أن دار الإفتاء تريد لعب دور شعبي، ألا تخشون من الاصطدام بمؤسسات الدولة الأخرى؟

لا بد أن تلعب دار الإفتاء دوراً شعبياً، وانحيازنا الرئيسي هو إلى الانفصال التام بين الدولة والمؤسسات الدينية؛ فالدين ينبغي أن يكون مجال حرية وتعدد، والجهات الدينية يجب أن تكون علاقتها بالناس طوعية، يذهب إليها الناس بإرادتهم، لا أن تكون في موقع سلطة أو قريبة من السلطة، تقرر شؤون من لا يرتضون هذه الجهة من الناس، ممن يختلفون عنها في الانتماء الديني أو المذهبي، أو يختلفون معها في الرأي، وإن البحث عن رأي وسطي يفرض على المؤسسات الدينية الرسمية ليس حلاً في مواجهة أفكار يراها البعض متطرفة وتهدد حريتهم وحقوقهم، لكن الحل هو أن لا تكون هناك إمكانية لأن يمارس رأي ديني أية سلطة على عموم الناس، ولا حتى أن يتدخل من أجل الدفاع عن بنية معينة للمجتمع؛ لأنّ ممارسة الحريات ومنها حرية الفكر والتعبير، تتضمن الحق في نقد أي أفكار وأوضاع اجتماعية يمكن أن تُسمى "بنية المجتمع" كما تتيح الدعوة لتغيير هذه البنية.

ما هو مستقبل المواجهة مع المتطرفين من وجهة نظر دار الإفتاء؟

نحن نرى أنّ المواجهة الفكرية هي حجر الزاوية في مواجهة التطرف والغلو، وهذا ما يميز منهج دار الإفتاء المصرية في التعامل مع التطرف والإرهاب، لأن التطرف هو ظاهرة جذورها فكرية، ولا يمكن القضاء عليها إلا بالمعالجة العلمية المنضبطة، وهنا يأتي دور الخطاب الديني في محاربة الأفكار المتطرفة والهدامة، التي تسعى لنشر الخراب والفتن عبر اجتزاء النصوص الدينية وتأويلها بغير حقها، وتنزيلها على وقائع وأحداث لا تمت لها بصلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية