ما لا تعرفه عن ديانة الزن

أديان ومعتقدات

ما لا تعرفه عن ديانة الزن


28/08/2018

ظهرت البوذية في الهند ومن ثم انتقلت إلى مختلف أرجاء شرق آسيا؛ حيث تطورت إلى مدارس ومذاهب مختلفة. و"الزِّن" هي البوذية كما تطورت في اليابان، وهي اليوم ثاني أكبر ديانة في اليابان بعد "الشنتو"، إضافة إلى أثرها العميق في الثقافة اليابانية. وإذا كانت البوذية التقليدية قد تمحورت حول الانعتاق، فإنّ "الزِّن" ركّزت على الانسجام في الحياة، لتعطي بذلك البوذية دفعة كبيرة وتسهم في وصول تأثيرها مجالات حياتية عديدة.
تعاليم بوذا.. طريق الاستنارة
كلمة "الزن" اليابانية هي اللفظ الياباني لكلمة "تشان" الصينية، وهي ترجمة لكلمة "ذيانا" الهندية، والتي تعني التأمل والاستغراق في التفكير. وتعتبر كل من "الزن" و"تشان" بمثابة مدارس ومذاهب محلية من البوذية، تطوّرت في كل من الصين واليابان، وهما تنتسبان وتنتميان إلى المعتقدات والممارسات البوذية القادمة من الهند.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن ديانة الشنتو اليابانية؟
جاءت بداية البوذية مع "غوتاما بودا" الذي عرف لاحقاً بالاسم الشهير "بوذا"، وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت تعاليم بوذا أقرب إلى كونها فلسفة للحياة من كونها ديناً، فهو لم يدعُ للإيمان بإله، أو اتباع شرع، وقامت تعاليمه على اعتبار بأن الأصل في الوجود هو الألم، وأن أصل الألم هو العطش للعالم والرغبة بالوجود؛ حيث ينشأ عن هذا العطش والرغبة كل  الشرور، من الشهوات، والحقد، ويقرر بوذا بأن الطريق الوحيد لإزالة الألم هو طريق الانعتاق الذي يكون عبر التجرد والزهد والتخلص من الشهوات، وعبر القيام بتمارين نفسية وجسدية تساعد على التركيز الروحي وتصل في نهايتها إلى حالة اليقظة والاستنارة، والتي هي حالة "النرفانا"، وتعني "النرفانا": الانطفاء؛ أي انطفاء الجهل، والأنانية.

كانت تعاليم بوذا أقرب إلى كونها فلسفة للحياة من كونها ديناً

التشان.. اندماج الثقافة الصينية بالهندية
ظهرت مدارس بوذية مختلفة بمرور الزمن، وكانت "بوذية الماهايانا" من بين المدارس المبكرة، والتي ظهرت في حدود القرن الميلادي الأول، وجاءت كرد فعل على البوذية التقليدية، محاولةً الإخلاص للتعاليم الأساسية للبوذا، وقد انتشرت "الماهايانا" تدريجياً من شمال الهند إلى التبت، ثم إلى الصين، واليابان. وفي الصين، عرفت "الماهايانا" باسم فرقة "تشان"، والتي تطورت وانتشرت هناك في عهد سلالة "تانغ" خلال القرن السابع للميلاد.

"التشان" دعت إلى العيش في حالة نرفانا دائمة ولكن مع الذوبان في الطبيعة المحيطة

أعطى الرهبان الصينيون الأولوية للاستنارة التي حققها بوذا، والتي اعتبرت بمثابة القانون الأسمى، واعتبروا أن نقلها يكون  عبر التعليم، ولكن من دون اللجوء إلى الكتابات أبداً، وإنما تنتقل المعرفة نحو نفس الأتباع مباشرة. وكان جانب من هذا التركيز عائد إلى أنّ الصينيين يتميزون بنفسية عملية، يحبون التعامل مباشرة مع الغاية، دون اللجوء إلى التفصيل في المنهج النظري والفلسفي كما عند الهنود. وهكذا، باتت مدرسة التشان صينية في شكلها وفي مضمونها.
تأثرت "بوذية التشان" بتعاليم الديانتين؛ الطاوية والكونفوشيوسية، بحيث كانت نتاجاً لتفاعل الثقافتين؛ الهندية والصينية، ومن خلال هذا التفاعل تحررت البوذية من رؤيتها السوداوية للعالم؛ فإذا كانت البوذية التقليدية تسعى لتحرير الإنسان من الآلام عن طريق التخلي عن الشهوات والوصول إلى حالة الانطفاء (النرفانا)، فإن "التشان" دعت إلى العيش في حالة نرفانا دائمة ولكن مع الذوبان في الطبيعة المحيطة، والذي يتحقق من خلال الفنون من موسيقى ورسم وشعر ورياضة.

كان الراهب "بودي دارما" أول من نقل البوذية الماهيانية من الهند إلى الصين

الزِن.. الاستغراق في اللحظة
انتقلت بوذية التشان من الصين إلى اليابان خلال القرن الثاني عشر  بواسطة عدد من الرهبان اليابانيين العائدين من الصين، وهناك عرفت باسم "الزن" بسبب الاختلاف في نطق الأحرف بين اللغتين. ومنذ ذلك الحين بدأت "الزن" تتطور على نحو مستقل في اليابان؛ حيث قامت على مبدئين أساسيين: الارتباط باللحظة والـ"ساتوري".

يعتبر مفهوم الـ "ساتوري" والذي يعني "الاستنارة" من أهم المفاهيم في بوذية الزن

ويعني الارتباط باللحظة الحاضرة في الزن: إسقاط التفكير في الماضي والمستقبل، وهو مختلف عن تقليد التأمل في البوذية التقليدية، الذي يقوم على مبدأ منع العقل من التفكير أثناء مدة زمنية محددة. الارتباط باللحظة الحاضرة هو الذوبان الكامل بعالم الطبيعة، عبر التفاعل مع عناصر الطبيعة المحيطة بالمرء، وهو ما يتم عبر ممارسات وتقاليد مختلفة، كما في كتابة قصيدة الهايكو، وتصميم الحديقة اليابانية، ورياضة الجودو، والرسم، وتقاليد إعداد وتقديم وشرب الشاي، ولذلك فإن أفضل طريق لفهم "الزن" هو عبر الممارسة لا الدراسة والبحث النظري.
كما يعتبر مفهوم الـ "ساتوري" والذي يعني "الاستنارة" من أهم المفاهيم في بوذية الزن، ويقصد به الوصول إلى رؤية جديدة للحياة والعالم من حولنا. فإذا كان امرؤ غير راضٍ عن حياته لأسباب معينة؛ فعليه البحث عن وجهة نظر جديدة ومختلفة، بدل الاستمرار في خوض الصراعات ذاتها بأشكال مختلفة، بحيث تعطيه هذه النظرة الشعور بالحيوية والمعنى، ويسمى هذا في الزن بـ "الساتوري".

من طقوس إعداد الشاي وتقديمه وشربه

اليوغا..تناغم المستويين الجسماني والنفسي
لا تتضح أسس الزن عبر الدراسات النظرية وإنما فيما أنتجته من فنون وممارسات؛ كالهايكو، والبستنة، والرسم، ورياضات الجودو ورمي القوس. وتعتبر رياضة اليوغا من أهم هذه الممارسات؛ حيث ركز رهبان الزن الأوائل على ربط ممارسة التامل بوضعية الجلوس الصامت، والتي عرفت بـ "اليوغا"، واعتبرت بمثابة الطريق المؤدية إلى الاستنارة (ساتوري). وتنعكس فلسفة الزن في اليوغا من خلال التركيز أثناءها على تحقيق التناغم والانسجام على المستويين؛ الجسماني والنفسي.

تنعكس فلسفة الزن في اليوغا بتحقيق التناغم الجسماني والنفسي

الكيودو.. الرامي هو الهدف
وتنعكس فلسفة الزن أيضاً في ممارسة رياضة رمي القوس اليابانية التقليدية المعروفة باسم "الكيودو"، ويظهر ذلك من خلال استغراق الرامي في اللحظة الحاضرة والتركيز التام في فعل الرمي وعلى اصابة الهدف. كما أن الرامي لا يعي نفسه لحظة الرمي، ويكون في حالة اللاوعي هذه قد أفرغ نفسه تمامًا من الذات، ويصبح وعيه متحداً مع الجسد. وبذلك فإن الرامي نفسه يكون هو الهدف!

تنعكس فلسفة الزن في "الكيودو" بتحقيق اتحاد وعي الرامي مع جسده

الجودو.. حكمة الجسم الغريزية
في العام 1882 أنشأ الدكتور الياباني "جيغورو كانو" الرياضة والفن القتالي المعروف بـ "الجودو" بعد إجراء تعديلات وتطويرات على رياضة الـ "جيو جتسو"، وقد وضع فيها مبادئ فلسفة الزن وذلك من خلال التركيز على تحقيق مستوى عالٍ من التناغم بين الوعي والجسم.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الكونفشيوسية؟
وتقوم "الجودو" على اعتبار أنّ الجسم يحمل حكمة غريزية تفوق إدراكات العقل، وهي حكمة ناجمة عن اتصال مباشر بـ "العقل الكوني". وهكذا فإن معلمي الجودو يعتبرون بأنّ الحركة المدبّر لها حركة غير موفقة، فحركات الدفاع عن النفس لا يمليها الدماغ، وإنما حكمة الجسم الغريزية.

تضمنت الجودو مبادئ الزِن بتحقيق التناغم بين الوعي والجسم

الهايكو.. رصد عناصر الطبيعة والتعبير عنها
تركّز الزِن على التفاعل مع عناصر الطبيعة المحيطة من حولنا، وذلك عبر رصدها وتتبعها والانسجام معها، وهنا جاء "الهايكو"، الفن الشعري الشهير، باعتباره يقوم على ملاحظة عناصر الطبيعة ومن ثم التعبير عنها بالكلمات.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الساينتولوجيا.. أحدث الديانات على الكوكب؟
التزم "الهايكو" بالمبدأ الأساس للزن، والمتمثل بالارتباط باللحظة الحاضرة، مع الذوبان بعالم الطبيعة؛ حيث يقوم الشاعر برصد لحظة تفاعل مجموعة من العناصر الطبيعية، كالغيوم، والشمس، والمطر، وشلالات الماء، والطيور، وغيرها، ومن ثم الوصول إلى شعور جياش يتم التعبير عنه من خلال سبعة عشر مقطعاً صوتياً تتوزع على ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة، خمسة).

التزم "الهايكو" بالمبدأ الأساس للزن والمتمثل بالذوبان في الطبيعة

البستنة.. الحدائق تجسد مفهوم التجريد
ومن الفنون التي تجسدت فلسفة الزن من خلالها: فن البستنة وتنسيق الحدائق؛ حيث طوّر أتباع الزن نمطاً خاصاً من الحدائق، عرفت بـ "حدائق الزن"، وتعتبر اليوم من أشهر أنماط الحدائق اليابانية، إلى جانب حدائق الشنتو.

اقرأ أيضاً: المجتمع الياباني: وفاء للعادات والتقاليد رغم إغواء الحداثة
وتعتبر حدائق الزن حدائق جافة؛ فهي تستخدم فقط الحجارة والحصى، والرمال، دون وجود الماء، ولذلك فهي تعرف أيضاً بـ "حدائق الحجارة"؛ والهدف من ذلك هو التعبير عن مفهوم التجرد في فلسفة الزن، وتحقيق أعلى مستويات التأمل من قبل رهبان الزن. ويوجد اليوم عدد كبير من هذه الحدائق في اليابان، وهي عادةً ما توجد ملاصقة لمعابد الزن التقليدية، وتنتشر بشكل خاص في كيوتو العاصمة الامبراطورية السابقة لليابان.

حديقة زن في معبد ريو-آن-جي في كيوتو


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية