آفاق المشهد السياسي الباكستاني بعد عزل عمران خان

آفاق المشهد السياسي الباكستاني بعد عزل عمران خان


13/04/2022

أحمد دياب

بعد مرور حوالي شهر من الدراما السياسية، أُطيح برئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من خلال تصويت بحجب الثقة في البرلمان، في 10 أبريل الجاري، حيث صوَّت 174 عضواً في مجلس النواب المؤلف من 342 عضواً لصالح القرار.

وتاريخياً، لم يُكمِل أيٌّ من رؤساء الوزراء الباكستانيين فترة ولايته التي تستمر خمس سنوات. ومن النادر أن يستمر أي رئيس وزراء في منصبه لأكثر من ثلاث سنوات؛ فهناك ثلاثة فقط من أصل 22 رئيس حكومة تمكنوا من تجاوز علامة الأربع سنوات في الـ 74 عاماً الماضية. ومن المثير للاهتمام، أن معظمهم تمت إقالتهم من خلال إجراءات غير دستورية (برلمانية أو قضائية)، ومع ذلك لم يُعزَل أي رئيس وزراء من خلال تصويت بحجب الثقة. ويعد عمران خان أول رئيس وزراء في تاريخ باكستان يتم عزله من منصبه من خلال تصويت بحجب الثقة. 

أسباب الإطاحة بعمران خان

تراكمت على مدى الشهور القليلة مجموعة من الأسباب التي ساهمت في الإطاحة بعمران خان وحكومته: 

 1. تراجُع شعبية عمران خان: لم يحظ عمران بشعبية كبيرة على مدار العامين الماضيين. وقد تبين لكثيرين أن "نايا باكستان"(باكستان الجديدة) التي وَعد بها خان ناخبيه كانت مجرد خدعة. وتعرَّضت حملة خان لمكافحة الفساد لانتقادات شديدة، باعتبارها أداة لتهميش المعارضين السياسيين الذين سُجن الكثير منهم بتهمة الكسب غير المشروع، ووصفهم بأنهم "بلطجية ولصوص". وقبل وصوله إلى السلطة، وعد عمران خان، بتوفير 10 ملايين وظيفة وبناء 5 ملايين منزل، وفي الوقت نفسه وعد عدة مرات بأنه سيقتل نفسه قبل أن يأخذ قرضاً من صندوق النقد الدولي. لكن لم يفِ خان بالوعدين الأولين، وقد انتهك الوعد الثالث ليس مرة واحدة بل مرات عديدة. 

وأدت محاولة خان الصارخة لإعادة تنظيم السياسة الخارجية لباكستان تجاه روسيا والصين من خلال رواية معادية للغرب إلى زيادة المشاكل المالية للبلاد بسبب المطالب الضريبية التي طرحها صندوق النقد الدولي وفريق العمل المالي (FATF).

2. نجاح المعارضة في توحيد صفوفها: نجحت المعارضة المشتركة، بما في ذلك التحالف المكون من تسعة أحزاب لـ"الحركة الديموقراطية الباكستانية"، وحزب "الشعب الباكستاني"، وحزب "الحركة القومية المتحدة"، وحزب "عوامي الوطني"، وحزب "العمال الاشتراكي"، وعشرات من أعضاء حزب "العدالة والتنمية" الساخطين، في توحيد صفوفها للإطاحة بخان، بعدما عجزت عن ذلك في احتجاجات مارس 2021، وقدَّمت أحزاب المعارضة اقتراحاً بسحب الثقة في 8 مارس 2022 للإطاحة بخان. واستشهدت المعارضة بسوء الإدارة الاقتصادية، وعدم الكفاءة السياسية في طرح اقتراحها بسحب الثقة. 

3. انشقاقات تحالف خان الحاكم: على الرغم من حملة المعارضة الحازمة، فإن الشقوق داخل حزب "تحريك إنصاف" الباكستاني الحاكم هي التي تسببت في عزل خان. وقد خسر خان الأغلبية في الجمعية الوطنية في الأسابيع الأخيرة بعد انشقاقات العشرات من نواب حزبه وتخلي شركائه في التحالف. وبَدَّل العديدُ من شركاء خان في الائتلاف مواقفهم للانضمام إلى المعارضة. وكان تحالف باكستان "تحريك إنصاف" (PTI) الحاكم بقيادة خان يضم أغلبية 179 عضواً في مجلس النواب المكون من 341 عضواً، لكنه انخفض إلى 140 قُبيل التصويت.

4. صدام عمران مع المؤسسة العسكرية: رغم عدم رغبة الجيش في تولي السيطرة المباشرة على البلاد، فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة أنه يُريد إزاحة خان بعد أن دعم انتخابه في عام 2018. ففي أكتوبر 2021، اشتبك خان علناً مع كبار الضباط عندما أمر قائد الجيش الحالي، الجنرال قمر جاويد باجوا، بترقية الجنرال فايز حميد، رئيس وكالة المخابرات الباكستانية (ISI). وثمة تكهنات واسعة النطاق بأن خان كان سيُرشِّح حميد ليحل محل قمر جاويد باجوا الذي تنتهي فترته الثانية في منصبه في نوفمبر 2022. 

ومن خلال الإشارة إلى استيائه من خان خلال الأشهر القليلة الماضية، شجَّع الجيشُ المعارضة، والأحزاب المتحالفة مع خان (تحريك إنصاف) على التخلي عنه، وبالتالي حرمانه من الأغلبية في الجمعية الوطنية. 

5. تزايُد خلافات خان مع الغرب: كثيراً ما وجَّه خان انتقادات شديدة لموقف واشنطن في كثير من القضايا الدولية، وصرّح في يونيو 2021، أنّه لن يسمح على الإطلاق لواشنطن باستخدام قواعد في باكستان للقيام بعمليات في الداخل الأفغاني. 

وأثار خان غضب الغرب بمواصلته زيارته لموسكو في اليوم الذي بدأت فيه روسيا غزو أوكرانيا (في 24 فبراير 2022)، وفي أعقاب عودته إلى إسلام أباد، وجَّه خان كلمات حادة لممثلي الاتحاد الأوروبي بالقول: "لسنا عبيداً لكم"، وذلك على خلفية مطالبتهم الحكومة الباكستانية بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. ومؤخرا، صرَّح خان أن واشنطن تقف وراء محاولة الإطاحة به "من خلال التآمر مع المعارضة"، بسبب تحالفه مع موسكو وتقاربه مع الصين. في حين أكَّد قائد الجيش الجنرال باجوا أن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة لا تزال على رأس اهتمامات باكستان. 

آفاق المشهد السياسي الباكستاني 

1. تولي شهباز شريف رئاسة الحكومة

مهَّد عزل خان لتولي زعيم حزب "الرابطة الإسلامية" شهباز شريف، رئاسة الحكومة الباكستانية المقبلة، ليصبح شهباز رئيس الوزراء الثالث والعشرين لباكستان. وفي 11 أبريل الجاري، وبأغلبية 174 صوتاً، انتخب البرلمان الباكستاني شريف زعيماً للأغلبية البرلمانية ليتولى منصب رئيس الوزراء، وبحيث يشكل لاحقاً حكومة جديدة، فيما قدَّم نواب حزب خان "حركة الإنصاف" استقالة جماعية من مجلس النواب قبيل التصويت احتجاجاً على تشكيل الحكومة الجديدة. 

وبعد عزل خان، يمكن أن يستمر البرلمان في العمل حتى تنتهي مدته البالغة خمس سنوات في أغسطس 2023، وبعد ذلك من المقرر إجراء انتخابات عامة في غضون 60 يوماً. لكن يمكن لرئيس الوزراء الجديد الدعوة لإجراء انتخابات عامة مبكرة، دون الانتظار حتى عام 2023. 

ورغم أن شهباز شريف لا يحظى بشهرة كبيرة خارج وطنه، لكنه يتمتع بسمعة محلية بوصفهِ مسؤولاً إدارياً ذا كفاية أكثر من كونه سياسياً. وخلال رئاسته لوزراء إقليم البنجاب، عمل عن كثب مع الصين في المشاريع التي تمولها بيجين، في إطار مبادرة الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الضخمة. 

وفي تناقُضٍ صارخٍ مع علاقة خان العدائية في الآونة الأخيرة مع واشنطن، قال شهباز إن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة ضرورية لباكستان في السراء والضراء. وعلى خلاف خان أيضاً، والذي يُندِّد دوماً برئيس وزراء الهند الهندوسي القومي ناريندرا مودي، فإن عائلة شريف السياسية تتبنى مواقف أكثر سلمية تجاه الهند التي حاربتها إسلام آباد ثلاث مرات.

ويتمتع شهباز، على عكس شقيقه نواز شريف، بعلاقات ودية مع الجيش. فرغم أن شهباز انتقد الجيش سابقاً، لاسيما بعد الإطاحة بحكومة شقيقه نواز، وسجنهما ونفيهما، إثر انقلاب العسكري للجنرال برويز مشرف عام 1999، إلا أنه اتخذ نبرة أكثر تصالحية خلال السنوات الأخيرة. وفي الفترة التي سبقت انتخابات 2018، قال شهباز إن البلاد بحاجة إلى "المضي قدماً" وتجاوز الخلافات مع الجيش، عارضاً العمل مع الجنرالات إذا اُنتخبَ رئيساً للوزراء.

2. تحديات منتظرة

المؤكد أن رئيس وزراء باكستان الجديد سيواجه تحديات هائلة، إذ سيتعامل مع التحديات ذاتها التي أفضت إلى عزل سلفه خان:

أ. تحديات اقتصادية

يتولى شهباز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، زمام الأمور في وقت يثير فيه الاقتصاد القلق، مع احتمال ضئيل لحصول تحسُّن حقيقي في أدائهِ، حيث تبلغ ديون البلاد حوالي 283 مليار دولار أمريكي. وفقدت الروبية 50% من قيمتها على مدى السنوات الثلاث الماضية. وتصل الاحتياطيات الباكستانية إلى الحضيض وسط تضخم قياسي في أسعار المواد الغذائية، والبطالة، وتزايد الواردات، وعجز تجاري يزيد عن 35 مليار دولار. 

وتحتل باكستان المرتبة 92 من أصل 116 دولة بدرجة 24.7، وفقاً لمؤشر الجوع العالمي لعام 2021. وانخفضت قيمة الروبية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 181.35 روبية مقابل الدولار الأمريكي. ومن المتوقع أن تتواصل الحكومة الجديدة مع صندوق النقد الدولي لإحياء برنامج الإنقاذ البالغ 6 مليارات دولار، والذي عُلِّقَ بسبب حالة عدم اليقين السياسي القائمة، وعدم الاستقرار في البلاد.

 ب. تحديات أمنية

من المشكلات الأمنية الكبرى التي تصاعدت مؤخراً، تزايد هجمات حركة "طالبان" الباكستانية. وحاول عمران خان التفاوض مع مقاتلي الحركة لوقف العنف، لكن المحادثات لم تنجح العام الماضي قبل انهيار هدنة استمرت شهراً. ويرى الخبراء أنه لا توجد حلول سهلة في هذا الملف؛ حتى بالنسبة إلى الحكومة الجديدة. 

أما في بلوشستان الغنية بالمعادن، أكبر ولايات باكستان، فيُطالب الانفصاليون منذ أعوام بتعزيز الحكم الذاتي ونصيب أكبر من الثروة، في حين تعاني المنطقة من اضطرابات طائفية وعنف بعض الجماعات الإسلامية

ج. تحديات سياسية

تقضي المهمة الأولي لشهباز شريف تشكيل ائتلاف حكومي مع "حزب الشعب" (يساري) بقيادة بيلاوال بوتو زرداري نجل الرئيس السابق آصف علي زرداري ورئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو التي قتلت عام 2007، وتنظيم صغير محافظ هو "جماعة علماء الإسلام" بزعامة مولانا فضل الرحمن. و"حزب الشعب" و"الرابطة الإسلامية" هما التشكيلان الرئيسان اللذان هيمنا على الحياة السياسية الوطنية على مدى عقود، لكن اتسمت العلاقات بينهما بالمواجهة أكثر منها بالتوافق. ومن غير المتوقع أن يصمد التحالف الظرفي بينهما، الذي كان هدفه الإطاحة بعمران خان، مع اقتراب الانتخابات المقبلة في أكتوبر 2022 على أبعد تقدير.

من ناحية ثانية، هناك حالة من عدم اليقين في البلاد لأن عمران خان دعا بالفعل إلى الاحتجاج السلمي ويطلب من أنصاره النزول إلى الشوارع. إذ تعهّد خان في أول تغريدة له بعد إطاحته بعدم الاستسلام، وقال إن "باكستان أصبحت دولة مستقلة في عام 1947. لكن النضال من أجل الحرية يبدأ مرة أخرى اليوم ضد مؤامرة أجنبية لتغيير النظام". 

ومن المتوقع أن يحشد خان قاعدة ناخبيه في الأسابيع المقبلة للضغط من أجل انتخابات جديدة. وبالفعل، قررت "حركة الإنصاف" الباكستانية أن نوابها سيستقيلون بشكل جماعي من الجمعية الوطنية، لإحداث أزمة سياسية للحكومة المقبلة. وتتطلب الاستقالات الجماعية إجراء انتخابات فرعية جديدة على ما يزيد على 100 مقعد. 

الاستنتاجات والتوقعات

يبدو أن حياة عمران خان السياسية لن تنتهي عند عزله؛ فالقاعدة المؤيدة له ما زالت على حالها. وتأكيدات خان في الأشهر الأخيرة أنه ضحية "مؤامرة أجنبية" جعلته يكسب قدراً من الدعم من خلال إثارة الناخبين المعادين للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يبقى التطور الأكثر إثارة للقلق على الإطلاق في إسلام أباد اليوم هو شبح التدخل المتزايد من قبل الجيش، الذي يمتلك تاريخاً طويلاً ومتقلباً في الاستيلاء على السلطة في مثل هذه اللحظات من الاضطرابات. 

ومع تعبئة كل من الحكومة وأحزاب المعارضة مؤيديها لمواجهة محتملة، يبدو من الواضح أن باكستان تتجه نحو اضطراب سياسي جديد. ومن غير المرجح أن تظل الحكومة المقبلة في مناصبها لفترة طويلة. وفي الأثناء، من المؤكد أن شهباز شريف لن يتصرف باستقلالية تامة، إذ سيتعين عليه خلال هذه المرحلة العمل على أجندة جماعية مع أحزاب المعارضة الأخرى. 

وفي النتيجة، لا يبدو أن الاستقرار السياسي سيعود إلى باكستان في وقت قريب، حيث يتطلع خان إلى مُحاربة المستفيدين الجدد من النظام الذي استفاد منه في الماضي.

عن "مركز الإمارات للسياسات"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية