الإباضية طريقة ثالثة للإسلام تتبنى التسامح وتنفتح على الثقافات

الإباضية طريقة ثالثة للإسلام تتبنى التسامح وتنفتح على الثقافات


كاتب ومترجم جزائري
06/02/2018

في زمن الانقسام بين السنة والشيعة في القرن السابع، وُلد فرعٌ ثالث من الإسلام. والإباضية هي اليوم الوريث الرئيسي لهذا الفرع. وسلطنة عُمان هي ملجأٌ لهذا الإسلام المتسامح .

الإباضيون ليسوا سُنة ولا شيعة، على الرغم من أنّ ممارساتهم الدينية تُقرّبهم من السنيين. هذا الفرع من الإسلام هو وريثُ الخوارج، وهم حركة منشقّة لم ترغب في الانضمام إلى أيٍّ من الجانبين بعد الانشقاق الذي أعقب وفاة النبي محمد  صلى الله عليه وسلم في سنة 632. كما اشتُقّ اسمُهم من اللغة العربية "خرج" التي تعني "الخروج". فإذا كان بعضُ الخوارج قد أبدوا الكثير من العنف، فإنّ الحركة الأكثر سلمية في هذا الفرع وحدها هي التي، بعد لجوئها على وجه السرعة إلى سلطنة عُمان الحالية، نجت، ألا وهي الإباضية. وتوجد مجتمعات صغيرة من الإباضيين في الجزائر وتونس وزنجبار. ولكنّ الإباضيين لا يمثلون اليوم سوى1٪ من مجموع المسلمين، ومسقط هي عاصمة العالم لهذا التيار.

حركة منشقّة لم ترغب في الانضمام إلى أيٍّ من الجانبين بعد الانشقاق الذي أعقب وفاة النبي محمد 

إذا كان العُمانيون يقولون إنّهم "مسلمون"، ويفضّلون التأكيد على ما يجمع المجتمعات المحلية بدلاً ممّا يُبعدهم، فقد تبنّوا عبر العصور نظاماً فريداً لتعيين زعيمهم السياسي والديني: التقليدُ يريد من الإباضيين أن ينتخبوا "أفضل المسلمين"، بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية أو القَبَلية. وكان هذا الرئيسُ يسمَّى سابقاً "الإمام". واليوم  يسمَّى "سلطان". وما إن يتمّ انتخاب هذا الزعيم حتى يصبح من حقّ أحفادِ السلطان أن يرِثوا وضعَه، ولكنّ الإباضيين يحتفظون مع ذلك بالحقّ في انتخاب واحدٍ جديد بعد ذلك. والحال أنه يمكن لعقودٍ كثيرة أن تمرّ دون تعيين إمام، ريثما يتم إيجاد شخصيةٍ يتمّ التوافق حولها.

 يؤكد الإباضيون على ما يجمع المجتمعات المحلية بدلاً ممّا يُبعدهم

التعليم والثقافة

عاصمة الإمامة لم تكن دائماً مسقط. وتشهد على ذلك حصون نزوى وبهلا وجابرين، التي تعتزّ بها السلطات. تحتفظ جبرين بالعديد من آثار الإمام بلعرب، الذي عاش في القلعة في القرن السابع عشر ودُفن فيها، في مكان صلاته المفضل. كان هذا الإمامُ يحمل همّاً عظيما للتعليم الديني، كما يتضح من مكتبته والمدرسة القرآنية المجاورة للمسجد على سطح المبنى. التعليمُ كان دوماً أولويّة في عُمان، حيث أنه من السهل العثور على المكتبات. وبالإضافة إلى ذلك، تُموّل الحكومة دراسات أطفال مواطنيها.

العُمانيون متمسّكون كثيراً بالحصون، بقايا تاريخهم الفريد، والتي كان بعضها مقراتٍ للإمامات المختلفة السابقة، ولذا يُولي العُمانيون هذه الأماكنَ التاريخية الكثيرَ من الاهتمام والرعاية. وقد استفاد حصنُ بهلا، الذي يعود بعض أجزائه إلى عصر ما قبل الإسلام، من العديد من الترميمات، وقد أُدرِج كموقعٍ للتراث العالمي لليونسكو منذ عام 1987. وتحظى الأسقفُ الخشبية المطليّة لحصن جابرين بالعناية بشكل جيد للغاية، وهي تُذكرنا ببعض السقوف الخشبية في القصور الإيطالية. وتوجد مثيلاتُها في سوق المطرح في مسقط، مزيّنة بأكاليل من الشعارات التي تحمل صورة السلطان قابوس - الحاكم الحالي للبلاد - في مزيجٍ مذهلٍ من التقليد والحداثة المُعطَّرة بروائح البخور.

عبد الله السالمي وزير الشؤون الدينية العُماني: الدين منطقة بلا حدود ويجب أن يكون الجميع قادرين على العبادة

تذوّقُ العُمانيين للثقافة والمعرفة يظهر بصورة واضحة في مؤتمر الفقه الإسلامي السنوي الذي يُعقَد في العاصمة مسقط، والذي يجمع العلماء من جميع أنحاء العالم. فالمحفوظات، الآمنة جداً، والتي تضم الكتب القديمة، في حالتها الجيدة أو مرمّمة. ويمكن للطلاب على هذا النحو الإطلاع على المصاحف القرآنية التي يرجع تاريخها إلى العصور الوسطى، والتي غالباً ما تكون مُرقّمة بسبب هشاشتها. لقد عبّر أحدُ الكهنة عن دهشته أمام المستوى اللاهوتي العالي للأسئلة التي سُئِل إياها عن يسوع المسيح والمسيحية عند وصوله إلى مسقط. لقد قال مازحاً "هذا يتناقض بشكل ملحوظ مع أسئلةٍ أكثرَ واقعية يطرحها مُؤمنو رعية الكنيسة".

التنوع والكونية (العالمية) واضحان في السلطنة

مُواطنيّة عالمية (كوسموبوليتية)

كانت سلطنة عُمان قد أسلمت خلال حياة النبي. ثم تمّ تنظيم البلاد في مملكةٍ بسكانٍ مستقرّين ويعيشون بشكل رئيسي من موارد البحر. وقد تلقّى العُمانيون منذ العصور القديمة أجانب من مختلف الأديان أتوا بالقوارب، وخاصة للتجارة، في شكلٍ من أشكال العولمة قبل الآوان. كانت بعض المجتمعات قد استقرت في السلطنة منذ فترة زمنية طويلة جدًا، على غرار الهندوس. بل وقد شاركت هذه القومياتُ في طرد المستوطنين البرتغاليين، جنباً إلى جنب مع العُمانيين في القرن السادس عشر.

تلقّى العُمانيون منذ العصور القديمة أجانب من مختلف الأديان أتوا بالقوارب في شكلٍ من أشكال العولمة قبل الأوان

فحتى اليوم، تتعايش مختلفُ الطوائف الدينية في السلطنة. حوالي 5٪ من بين السكان البالغ عددهم 2.7 مليون نسمة ينتمون إلى أقليّة دينية، هندوسية، وسِيخيّة أو مسيحيّة (معظمهم من الكاثوليك). وقد وفّرت الحكومة لمعظم الأقليات الأراضيَ التي يمكن للجميع أن يبني عليها مكان عبادته. أبراهام توماس، من كنيسة سانت توماس الهندية، لديه ألفُ تابع في منطقة مسقط. "معظمهم من الهنود". وجاره الكاهن الانجليكاني، كريس هوفيتز، من انكلترا، يستقبل بضع مئات من المسيحيين، من نحو ستين طائفة تعدادُها ما بين 50 و 500 تابع".

الأديان والدبلوماسية

ولذلك ربما ليس من قبيل المصادفة أنّ هناك "وزارة للشؤون الدينية"، وهو مصطلحٌ عام لا يميّز الإسلام الإباضي عن المذاهب الأخرى، ويضع جميعَ الأديان على نفس المستوى. وداخل هذه الوزارة، يُشغل عبد الرحمن السالمي منصبَ رئيس تحرير مجلة "التسامح"، التي تناقش قضايا رئيسية، مثل العدالة والشرعية في التجربة العربية الإسلامية، والمواطنة في الإسلام، أو الاعتبارات النظرية حول الدين والليبرالية.

وقال عبد الله السالمي وزير الشؤون الدينية العُماني: "الدين منطقة بلا حدود". "هنا، يجب أن يكون الجميع قادرين على العبادة في ظروف جيدة". ويؤكد الوزير أيضاً أنّ "هُوية البلد" نفسها بُنيت حول التعايش مع مجتمعات أخرى. وهنا ندرك أنّ ما بين السكان ارتباط قوي ببلدهم، وبعاصمته مسقط، المحاصَرة بين البحر والجبال التي يختلف لونُها باختلاف لمعان النهار.

مسقط المحاصَرة بين البحر والجبال التي يختلف لونُها باختلاف لمعان النهار

التنوع والكونية

التنوع والكونية (العالمية) واضحان في السلطنة. سكانُها، البَحّارةُ تاريخياً متعوّدون على هذا التنوع. أمّا الانفتاح على ثقافات العالم فهو جليٌّ ومرئيّ بشكل خاص في مسجد السلطان قابوس الكبير. ففي هذا المكان الواسع للعبادة، والذي يتميّز خارجه بالزهد والاعتدال، نكتشف أنّ الأبواب الخشبية الثمينة، والمنحوتة بشكل رائع، قد جُلِبت من الهند، فيما أوتِيَ بسجادة الصلاة البرتقالية السميكة في الصالة المخصّصة للنساء من اسكتلندا. وتتميّز باحةُ صلاة الرجال بأكبر سجادة فارسية في العالم، وهي من قطعة واحدة، فيما الثريا الضخمة مصنوعةٌ من بلوراتٍ على يد  صائغ المجوهرات الأوروبي سواروفسكي. في خارج المسجد عُرضت في داخل كُواتٍ على طول الممرات أشكالٌ من الأرابيسك (الزخرفة العربية) ونقوشٌ تزينيّة قادمة من جميع البلدان: من النمط المغولي إلى نمط بلاد المغرب، مروراً بالتأثيرات البيزنطية وبلاد ما بين النهرين. إنها جولةٌ ملوّنة حول العالم للفنون والهندسة المعمارية الإسلامية، توضّحها لوحاتٌ مكتوبة باللغة الإنجليزية. النزهةُ حول هذا المسجد تفضي إلى حديقة، فضاء أساسي للتخفيف من الحرارة الرطبة التي تنتشر في المنطقة.

 مسجد السلطان قابوس الكبير

الانفتاح وسُمعة الدبلوماسية

وممّا لا شك فيه أنّ هذا الانفتاح على الثقافات المختلفة يساهم في سُمعة الدبلوماسية العُمانية، إذ تتمتّع سلطنة عُمان بعلاقات جيدة مع معظم الدول، وقد استضافت مفاوضاتٍ أوليّةً في عام 2013 بين الولايات المتحدة وإيران. كما رحّبت فرنسا بتدخّل السلطنة للإفراج عن إيزابيل برايمي، الرهينة الفرنسية التي احتجِزت لعدة أشهر في اليمن في عام 2015 حيث كانت تعمل. وتُظهر هذه الدبلوماسية الحسنة والفعّالة يقظة العُمانيين إزاء الأوضاع غير المستقرة في البلدان المجاورة - ولا سيما اليمن – ولكنّها تبيّن أيضاً قدرتها على التوسط في المنطقة. ويرى البعض في هذا شهادةً عن روح الإباضية الجامعة التي تنفرد بها هذه الطائفة.

عن lemondedesreligions


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية