النفوذ عبر وكيل: حدود الدور التركي داخل هيئة الإغاثة الإسلامية في إثيوبيا

النفوذ عبر وكيل: حدود الدور التركي داخل هيئة الإغاثة الإسلامية في إثيوبيا


04/02/2021

محمد عبدالكريم

تعد إثيوبيا من أكبر الدول الأفريقية المتلقية لمعونات ومساعدات خارجية، وقدر حصولها في الفترة 2004-2013 على متوسط 3.5 بليون دولار من المانحين الدوليين مما مثل 50-60% من موازنتها القومية. وتتمثل أهم الجهات المانحة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID” والخارجية الأمريكية ومجموعة البنك الدولي والمملكة المتحدة([1]).

 وإلى جانب المانحون الكبار لإديس أبابا هناك مجموعة من الهيئات المانحة التي يسمح لها بالعمل في إثيوبيا من بينها هيئة الإغاثة الإسلامية بالمملكة المتحدة. ويواجه دور الهيئة في إثيوبيا تساؤلات حقيقية حول حدود هذا الدور وتوسعه ليشمل تداعيات أزمة اللاجئين من إقليم التيجراي (منذ ديسمبر 2020)، إلى جانب مناطق العمل التقليدية للهيئة في إثيوبيا (منذ العام 2000) وهما إقليما العفر والصومالي، الأكثر فقرًا وتخلفًا وتهميشًا بين الأقاليم الإثيوبية.

  يتطابق ذلك على نحو ملفت مع انتشار نشاط جماعة “تضامن” الإثيوبية التي تعد أقرب أيديولوجيًا وحركيًا إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين، ولتنظير القيادي السوداني الراحل حسن الترابي. كما تبدو ثمة دلالات قوية للحضور التركي القوي في المشهد الإثيوبي برمته من جهة، والصلات التنظيمية والتمويلية بين قيادات هيئة الإغاثة وجهات تركية رسمية وأهلية منخرطة بشكل مباشر في تعزيز النفوذ التركي في إثيوبيا والقارة الأفريقية.

ما ملامح نشاط هيئة الإغاثة الإسلامية في إثيوبيا؟

تأسست هيئة الإغاثة الإسلامية في العام 1984 كهيئة إغاثة دولية، وتتحصل الهيئة على تمويلات من حكومات وهيئات وأفراد تشمل الاتحاد الأوروبي، سويسرا، المملكة المتحدة، الوكالة الكاثوليكية للتنمية الخارجية (CAFOD)، و منظمة Finn Church Aid، وكير الدولية ، وبنك التنمية الإسلامي و قطر الخيرية (التي حددها أسامة بن لادن من قائمة ممولي تنظيم القاعدة، وضاعفت تمويلها للهيئة من 196 ألف دولار في العام 2017 إلى 1.1 مليون دولار في العام التالي)، ومنظمة Action Aid الدولية وغيرها.

وقد بلغ إجمالي دخل الهيئة في العام 2018 نحو 128 مليون جنيه استرليني (جاء على رأس مموليها حكومات ألمانيا والسويد وكندا) فيما تجاوزت نفقاتها في العام نفسه 128.6 مليون جنيه استرليني([2]).

تقع إثيوبيا ضمن قائمة 33 دولة تشملها أنشطة هيئة الإغاثة الإسلامية-المملكة المتحدة في أفريقيا وآسيا وأوروبا (إلى جانب جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وكينيا، ومالاوي، ومالي والنيجر، والصومال وجنوب السودان والسودان وتونس وجنوب أفريقيا في أفريقيا).

وبدأت الهيئة نشاطها في إثيوبيا في العام 2000 وركزت على مواجهة تداعيات الجفاف خاصة في “الإقليم الصومالي” قرب الحدود مع الصومال. وبعدها بأربعة أعوام افتتحت الهيئة مكتبًا في أديس أبابا لتمثيلها.

واعتمدت الهيئة على العمل عن كثب مع الحكومات الإقليمية لتقديم البرامج التنموية متوسطة وبعيدة المدى في الأقاليم النائية وفي العاصمة. كما تركز الهيئة نشاطها في إقليم العفر على الحدود الإثيوبية مع جيبوتي وإريتريا.

وتقدم الهيئة في إقليمي العفر والصومالي([3]) وحدات رعاية طبية للأمهات والأطفال. وتوفير خدمات تعليمية لاسيما للمرأة والفتيات. كما تقدم الهيئة في أديس أبابا ائتمانات صغيرة وتدريب مهني وفني للشباب. وتدعم في إقليمي العفر والصومالي مشروعات الزراعة الصغيرة لاسيما الري والماشية وتربية النحل([4]).

ويلاحظ أن نشاط الهيئة في هذه المناطق الحدودية يتطابق تقريبًا مع الانتشار التاريخي لحركة “تضامن” المتأثرة بأيديولوجيات الإخوان المسلمين لاسيما بين العفر وإقليم الصومالي الإثيوبي (أوجادين بالمعنى الجغرافي- التاريخي الواسع). وفسر متخصصون في دراسة جماعة “تضامن” في إثيوبيا تركز عناصر تضامن في هذه المناطق الحدودية لتوفيرها ملاجئ آمنة للهروب من قمع نظامي الإمبراطور هيلاسيلاسي (1930-1974)، ثم نظام “الدرج” Derg العسكري (1974-1991)([5]).

ما أهم الارتباطات بين هيئة الإغاثة الإسلامية والإخوان المسلمين؟

تواجه الهيئة، وبشكل خاص منذ أغسطس 2020، مشكلات في تمويلها عقب استقالات بأعضاء مجلس إدارتها على خلفية منشورات معادية للسامية على صفحات التواصل الاجتماعي، وتراجع في التمويل الدولي بدأ بمبادرة الحكومة السويسرية بنأيها عن مثل هذه الملاحظات والأشخاص الذين وضعوها، وتأكيدها اللاحق عدم انخراط وزارة الخارجية السويسرية “في أية أنشطة تعاونية مع هيئة الإغاثة الإسلامية”.

وفي نوفمبر 2020 أكدت وزارة الداخلية الألمانية وجود “صلات مهمة” بين الهيئة وجماعة الإخوان المسلمين وأعلنت إنهاء مشروعاتها مع الهيئة. وفي يناير 2021 قررت سيجريد كاج وزيرة التجارة الخارجية والتعاون التنموي في هولندا “عدم دعم هيئة الإغاثة الإسلامية” استنادًا إلى معلومات تلقتها من الدول المانحة الأخرى.

 وفي نفس الشهر قطعت وزارة الخارجية الأمريكية صلاتها مع الهيئة بسبب “إظهار معاداة للسامية على نحو متكرر من قبل قادة الهيئة”، وسبق جميع هذه التحركات قرار وزير الدفاع الإسرائيلي (يونيو 2014) بعدم قانونية عمل الهيئة استنادًا لدورها في تمرير أموال لحماس، ومنعها من العمل في إسرائيل والضفة الغربية([6]).

وجاءت الخطوة الأهم في سياق تحجيم أنشطة هيئة الإغاثة الإسلامية في ديسمبر 2020 عندما أدانت الخارجية الأمريكية، عبر مكتب المبعوث الخاص لمراقبة ومكافحة معادة السامية، “السجل الموثق جيدًا” للمواقف المعادية للسامية التي بادر بها كبار مسئولي هيئة الإغاثة الإسلامية IRW، معتبرة أنه في ضوء تجاوز موازنة الهيئة السنوية 100 مليون دولار فإن “سجلها في معاداة السامية يمثل مسألة خطيرة لجميع المانحين والدول المانحة للهيئة، وأن انتظام الإشارات المعادية للسامية يدفعنا للتساؤل عن القيم الأساسية التي تقوم عليها الهيئة”([7]).

وسبق أن تراكمت اتهامات لعدد كبير من القيادات العاملة بالهيئة، ومن بينهم عدد من مؤسسيها، بوجود صلات لهم مع جماعة الإخوان المسلمين وأبرزهم هاني البنا (مؤسس الهيئة، الذي نفى وجود قرابة بينه وحسن البنا، وإن أقر بتبنيه فكر البنا في أكثر من مناسبة). وعصام الحداد (مؤسس مشارك وعضو سابق بمجلس أوصيائها وفرعها في المملكة المتحدة، وهو مسئول بارز بجماعة الإخوان وكان مستشارًا للأمن القومي للرئيس المعزول محمد مرسي، وواجه تهمًا من بينها استخدام الهيئة في تمويل جماعة الإخوان المسلمين المصرية).

أما أحمد الراوي فهو(رئيس سابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE) ورئيس الجمعية الإسلامية في بريطانيا MAB، وعدتا جزءًا من “جماعة الإخوان المسلمين الأوروبية”)، وعصام البشير وهو المدير السابق للهيئة وشغل منصب وزير الشئون الدينية بالسودان وقيادي بارز بجماعة الإخوان المسلمين)، وعبد الوهاب نور والي، وإبراهيم الزيات (المدير الحالي لهيئة الإغاثة الإسلامية في استراليا، والممثل الأوروبي بالجمعية العالمية للشبان المسلمين)، وعدنان عبد الرحمن سيف، وهو يمني من أنصار الشيخ عبد الله الأحمر الذي كان زعيمًا لحزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن وعد من أنصار “حزب الله”)([8]). وإبراهيم منير (عضو بمكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تتخذ من كريكلوود Cricklewwod شمال غرب لندن مقرًا لها، والتي وصفتها صحيفة الجارديان في العام 2014  بالمركز العصبي الجديد للجماعة)، وانتخب نائبًا لمرشد الجماعة قبل سنوات قليلة([9]).

وتوضح هذه الشواهد وجود صلة قوية للغاية بين الهيئة وتنظيم الإخوان المسلمين، الذي يحظى بدعم سياسي ولوجيستي كبير من نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتوقع معه أن تتسق سياسات الهيئة –إن لم يكن وضعها بالأساس- مع مصالح تركيا وسياساتها الخارجية في أفريقيا وإثيوبيا التي تشكل مجالًا لتمدد نفوذ تركيا في القرن الأفريقي ومساعي أنقرة الدؤوبة لتحجيم المصالح المصرية الحيوية في هذه المنطقة.

كيف توظف تركيا هيئة الإغاثة في إثيوبيا؟

ثمة ملاحظة مبدئية -قائمة على شواهد كثيرة- تبين جنوح سياسات تركيا في أفريقيا إلى الاضطلاع بدور منسق الجهود الإسلامية، سواء للدول أم المنظمات غير الحكومية. وقد تبلور ذلك التوجه منذ نحو عقد عندما استضافت أنقره اجتماعًا لمنظمة التعاون الإسلامي (2011) حضره قادة أكثر من 40 دولة إسلامية اتفقوا على التعهد ببرنامج مساعدات رئيس للصومال يتجاوز 350 مليون دولار، وتأكيد تركيا على دور فاعل لها في أفريقيا بالتزامن مع تعهدها بفتح سفارة تركية في مقديشو([10]) وسط هذا الزخم الإسلامي الذي تصدرته تركيا بامتياز دون أن تسهم بنصيب كبير في حزمة المساعدات المقررة.

ويمكن تتبع صلة تركيا بأنشطة الهيئة في إثيوبيا منذ العام 2016 بشكل واضح عندما حل الجنوب أفريقي طاهر سالي محل الزيات رئيسًا لهيئة الإغاثة، وإضافة إلى ما هو معروف في الدوائر الأمنية عن “سالي” بصلاته مع الإخوان المسلمين العالمية وحماس، فقد أكد موقع تابع للهيئة عضوية سالي بمجلس محافظي منتدى الأعمال الدولي (IBF)  ومقره في اسطنبول، وتصفه Oxford Business Group بأنه: “ينعقد كل عام منذ 1995 برعاية رجب طيب أردوغان، وهو منصة يناقش عبرها القادة وصناع القرار والبيروقراطيين والأكاديميين والصحفيين القضايا الاقتصادية والمتعلقة بالأعمال. كما أن سالي يرتبط–عبر هذا المنتدى-  بصلات قوية مع جمعية رجال الأعمال والصناعين المستقلين “الموصياد” MUSIAD([11]) وهي جمعية أعمال تركية إسلامية تحصل على الدعم من الرئيس التركي، ويعرف سالي “بمواقفه الداعمة للفلسطينيين ومناهضة لإسرائيل” وعلاقات قوية للغاية بالشرق الأوسط عبر قسم علاقاتها الخارجية، ومنها علاقات مع جماعات اقتصادية تدعم حماس([12]).

وتبرز هذه الصلة بشكل إضافي عند تلمس دور التعاون بين الفاعلين من غير الدولة الهام في وجود تركيا في القارة، ويأتي “موصياد” في مقدمة هذه الأدوات إلى جانب الاتحاد التركي لرجال الأعمال والصناعيون (TUSKON) ، ومجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية (DEIK) التي تنظم اجتماعات ومنتديات، وأسهم المجلس بالتعاون مع غرفة التجارة الإثيوبية في تكوين مجلس تركي- إثيوبي للأعمال منذ العام 2009([13]).

ويمكن القول أن دور الهيئة في إثيوبيا لا ينفصل عن مجمل سياسة تركيا الخارجية في هذه الدولة المهمة عبر فتح قنوات الاتصال الرسمية والأهلية لخدمة العلاقات الثنائية بين البلدين في ملفات كثيرة.

ما آفاق دور هيئة الإغاثة في أزمة إقليم التيجراي؟

مع تعقد الأزمة في إقليم التيجراي وما نتج عنها من نزوح عشرات الآلاف من سكان الإقليم إلى السودان المجاور تكثف الهيئة نشاطها في مساعدة اللاجئون منذ نوفمبر 2020.

ومع تجاوز عدد اللاجئين نهاية ديسمبر الفائت حاجز 54 ألف لاجئ في السودان (45% منهم من الأطفال). تعمل الهيئة في هذا المجال بتعاون وثيق مع مفوضية حكومة السودان لللاجئين وهيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لتقديم المساعدات الإنسانية (ووصلت خدماتها في يناير 2021 إلى أكثر ثلاثة آلاف أسرة أغلبهم في معسكر أم راكوبة بشرقي السودان)([14]).

وتنجح الهيئة حتى اللحظة، حسب تأكيد مدير مكتبها في الخرطوم الصادق النور، في حشد الموارد لتقديم مساعدات لآلاف اللاجئين التيجرانيين في معسكر أم راكوبة (عبر توزيع 784 عبوة غذائية للأسر وتوزيع مستلزمات نظافة عامة وصحية لنحو 1100 رب أسرة، وتكثيف الاهتمام بالنساء الحوامل وكبار السن([15]).

ولا يتوقع تراجع دور الهيئة في أزمة إقليم التيجراي مرحليًا نظرًا لاحتمالات استمرار تداعيات الأزمة على المدى البعيد في ظل استمرار حالة الاستقطاب الحالية داخل إثيوبيا، وعدم قدرة أديس أبابا مستقبلًا على إعادة الاستقرار في الإقليم، عوضًا عن تفادي وقوع أزمات مشابهة في أقاليم أخرى بالبلاد لاسيما إقليمي الصومالي وأوروميا.

ما أهم التداعيات على الأمن القومي المصري؟

يجمع مراقبون دوليون على أن طموح تركيا في إثيوبيا يتجاوز مشروعات ترميم المواقع القديمة مثل مسجد النجاشي في “مملكة أكسوم القديمة”، أو المصالح الاقتصادية التركية الثنائية والإقليمية في منطقة القرن الأفريقي إلى مواجهة أي وجود مصري في المنطقة. وقد زادت تركيا من جهدها في إثيوبيا بشكل خاص منذ سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر واتباع الرئيس أردوغان سياسة عداء واضح تجاه نظام الرئيس السيسي.

 وعلى سبيل المثال فإن تركيا وقفت باستمرار إلى جانب إثيوبيا في مسألة سد النهضة، فيما يقتنع محللون غربيون بأن أردوغان يستغل “خطابه الديمقراطي” لتعزيز أجندته الإسلامية سرًا، وأن عداء مصر تجاه إثيوبيا، وعلاقات الأخيرة الطيبة مع تركيا يجعل الدولة الأفريقية الفقيرة هشة تمامًا أمام نمو التطرف الإسلاموي بها([16]).

ويمثل هذا السيناريو، في ضوء علاقات تنظيمية محتملة بين هيئة الإغاثة والمسئولين الاتراك في الإقليم والعناصر الإثيوبية القابلة لتبني الفكر الراديكالي على خلفية قناعات مختلفة، تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري حال رسوخ العديد من التنظيمات الإرهابية على الأطراف الإثيوبية والتي تتقاطع بدورها مع مراكز مهمة في سياسات مصر الخارجية مثل الإقليم الصومالي مع الصومال، والعفر مع جيبوتي وإريتريا، والتيجراي مع السودان، وإقليم أوروميا مع السودان وجنوب السودان.

خلاصة

تلعب هيئة الإغاثة الإسلامية دورًا بارزًا في تقديم خدمات إغاثة طارئة لقطاعات كبيرة من الشعب الإثيوبي (لاسيما في أقاليم العفر والصومالي والتيجراي)، لكن هذا الدور يواجه مشكلات تنظيمية وتمويلية متصاعدة في ضوء ارتباطات الهيئة بجماعة الإخوان المسلمين، وتعمق النفوذ التركي بها على نحو يجعل سياسات الهيئة وخططها منسقة على مستوى رفيع مع عمليات صنع السياسة الخارجية التركية، ويحول دون قيام الهيئة بأدوار مهنية تعزز رسالتها المعلنة كمنظمة خيرية.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية