تدوير الدائرة بين مصر وجماعة الإخوان

تدوير الدائرة بين مصر وجماعة الإخوان

تدوير الدائرة بين مصر وجماعة الإخوان


04/05/2023

علي الصراف

لم تثبت جماعة الإخوان المسلمين في شقها المصري أنها عمياء البصر والبصيرة من قبل بمقدار ما تثبت ذلك اليوم. فهي تناصب مصر ونظامها السياسي عداء لا ينتسب إلا إلى أحقادها الخاصة، فتعجز عن رؤية ما يدور من الدوائر الجديدة.

وفي ذلك ما يؤكد أن هذا التنظيم ميؤوس منه، حتى وإن زعم إجراء “مراجعات”، وحتى وإن عصفت بتنظيمه العواصف. وهذا بجملته ما كان، في الأصل، إلا من طبائع سوء التدبير وعماء البصر عما يتغير من أحوال البلاد.

مصر اليوم لم تعد تعادي تنظيم الإخوان كما كانت تفعل من قبل. ذلك شأن لم تبق منه إلا الذكريات، وبعض التحفظات التي تمضي في طريق الزوال التدريجي.

ثمة تطبيع يجري على قدم وساق بين مصر وبين الإخوان في ليبيا. قيادات هذه الجماعة، يُستقبلون في مصر ليس كأصدقاء فحسب، وإنما كحلفاء مستقبليين، يمكن التعاون وتقاسم المصالح والخطط والترتيبات معهم، ليس بأقل مما يجري مع خصومهم. بل أن الأساس للمصالحات بين الطرفين الليبيين المتنازعين، إنما وفرته مصر، في دلالة على أنها لم تعد تنظر إلى جماعة الإخوان وقياداتها على أنهم “العدو المبين”. ومثلما أصبحت شخصيات مثل خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، زائرا مرحبا به في مصر، فإن شخصيات أخرى تحتفظ بروابط مع ميليشيات الإخوان في ليبيا لم تعد الأبواب تغلق أمامهم الآن.

المشري حتى وإن كان أعلن استقالته من “الجماعة”، إلا أنه واحد من أبرز مؤسسي حزبها “العدالة والبناء”، وهو ما يزال يحتفظ بروابط متينة مع قيادته. الأمر الذي يسمح له بأن يلعب دور “الوسيط” لتهدئة الانطباعات بين القاهرة وبين هذا الحزب، على اعتبار أن مستقبل العلاقات بين ليبيا ومصر يمكنه أن يتحمل ما لم تتحمله مصر لنفسها في السابق. أي يمكنه أن يتحمل وجود “العدالة والبناء” كأحد أطراف العملية السياسية في ليبيا، وأنهم ليسوا على قائمة المنظمات الإرهابية بالنسبة إلى القاهرة.

ومنذ أن ألغت الولايات المتحدة في مايو العام الماضي تصنيف “الجماعة الإسلامية” المصرية وحزبها السياسي “البناء والتنمية” من قائمة المنظمات الإرهابية، فإن الدعوات تتوالى من أجل أن تعيد القاهرة النظر في تحريم نشاطات هذه الجماعة.

وكانت الخارجية الأميركية شطبت اسم هذه الجماعة، برفقة أربع منظمات أخرى، قائلة إن “تلك المنظمات لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك. ولذلك، وكما هو مطلوب من قبل قانون الهجرة والتجنس، فقد تم إلغاء هذه التصنيفات كمنظمات إرهابية أجنبية”.

وفي أول رد فعل له قال القيادي في الجماعة عبود الزمر في تغريدة على تويتر إن “القرار الأميركي صحيح، ومنصف، وإن كان قد جاء متأخراً عن حكم المحكمة الأوروبية بنفس المضمون، وأيضاً متأخراً عن الواقع الذي يؤكد على غلق الجماعة لملف الصراع المسلح الذي كان في حقيقته رد فعل لتجاوزات أنظمة سابقة مستبدة”. وذلك قبل أن يذهب إلى القول إن “الأجهزة الأمنية المصرية على علم كامل بالتزام الجماعة بمبادرة وقف العنف، ودورها الإيجابي في رعاية مصلحة الوطن وأمنه القومي، وكل هذا يدعو إلى السماح بعودة نشاط الجماعة وحزبها في إطار القانون”.

إلا أن جماعة الإخوان بقيادة المرشد الجديد صلاح عبدالحق تعمدت ألا تأخذ علما بأن الموقف الرسمي المصري يسير في اتجاه التطبيع، إن لم يكن مع الشق المصري للجماعة، فعلى الأقل مع أطرافها وفروعها الأخرى.

ولا تغرب عن الأجهزة المصرية حقيقة أن الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان هو بالأحرى جيش عمر حسن البشير، وأن قياداته مرتبطة بالمشروع الإخواني الذي كان يقوده الراحل حسن الترابي. ولكن مصر حرصت على دعمه في مواجهة “التمرد” الذي اُتهمت به قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وذلك على الرغم من أن الأجهزة المعنية في مصر تعرف جيدا، أنه إذا كانت قوات الدعم السريع تقصد القيام بتحرك، فإنما لكي ينصب ضد سلطة جماعة الإخوان التي تهيمن على قيادة الجيش، وهي الجماعة التي حرصت على تسويف وتعطيل التوجه من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين. وأرادت، بانقلاب البرهان على حميدتي، أن تنتقم من انقلاب حميدتي على البشير.

“المنعطفات” المصرية لم تترافق عبثا مع تطبيع يجري على قدم وساق مع تركيا وقطر، وهما الراعيان الإقليميان الرئيسيان، بعد بريطانيا، لتنظيمات الإخوان المسلمين. فحتى وإن بدا هذان الراعيان وكأنهما يقللان من حجم دعمهما للجماعة، خفضا للمظاهر، إلا أنهما ما يزالان يعتقدان أن هذا التنظيم يستطيع أن يلعب دورا سياسيا في المستقبل وأنه “معتدل” بما يكفي للاطمئنان إليه، وأنه مستعد للقبول بقواعد اللعبة الديمقراطية، ويكف عن فكرة “ركل السلم، بعد ارتقاء السلطة” التي كان يدافع عنها عصام العريان نائب رئيس “حزب الحرية والعدالة” وعضو مكتب الإرشاد السابق.

ويحاول عبدالحق زعيم الجماعة الجديد أن يظهر بمظهر المعتدل والساعي إلى الحوار ونبذ العنف وتقبل الاختلاف في الرأي، إلا أن موقفه العدائي من مصر وقيادتها ونظامها لم يطرأ عليه أي تغيير. وهو يتجاهل التسويات التي تجريها مصر مع فروع الجماعة الأخرى على المستوى الإقليمي. بل يتجاهل أن دعمها لنفوذ عبدالفتاح البرهان يثبت أنها لا تجد غضاضة في أن يعود الإسلام السياسي ليحكم قبضته على السودان من جديد.

وفي كل هذا ما يؤكد أن أحقاد الجماعة ما تزال هي الدافع الذي يقف وراء “عدم أخذ العلم بما يجري” من تغير في الموقف الرسمي الضمني.

الطبيعة الإرهابية لأي تنظيم حقود لا تحتاج أن ترفع السلاح لكي تشكل تهديدا. يكفي أنها ترد بالسوء على الموقف التصالحي، لتثبت أنها لم تتغير، وأن اعتدالها مجرد خدعة. والحقد الأعمى هو وحده الذي يجعلها تتجاهل أن رفعها من قائمة الإرهاب هو بمثابة تمهيد لتدوير الدائرة التي جاءت بها إلى السلطة ذات يوم، لعلها تعود إليها من جديد.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية