تركيا والملف السوري: هل أسقطت سوريا أحلام العثمانية الجديدة؟

تركيا والملف السوري: هل أسقطت سوريا أحلام العثمانية الجديدة؟


07/07/2020

شكّل الارتباك والتناقض والانقلاب على المواقف إحدى أهمّ السمات التي تميزت بها السياسة الخارجية التركية تجاه الملف السوري، فحتى اللحظة لا أحد يستطيع تفكيك مرجعيات المواقف واتجاهات السياسة التركية تجاه القضية السورية وكلّ ما يرتبط بها من: الموقف من النظام السوري والعلاقة مع المعارضة السورية بأطيافها المختلفة، وخاصة الفصائل الجهادية والمسلحة، والرؤية التركية لمستقبل سوريا، والعلاقة المتناقضة مع موسكو وطهران وتناقض ذلك مع علاقات أنقرة مع واشنطن، إضافة للعلاقة المتشنجة مع الاتحاد الأوروبي على خلفية استثمار القيادة التركية لقضيتي اللاجئين السوريين والعناصر الأوروبية التي التحقت بتنظيمي؛ القاعدة وداعش.

بعد 9 أعوام على الثورة ما زال النظام قائماً يحكم سوريا ولم يتمكّن أردوغان من الصلاة فاتحاً في المسجد الأموي بدمشق

ورغم ذلك، فإنّ تطورات وتحولات مواقف أنقرة تجاه سوريا كشفت أنّ استراتيجيتها في إدارة الملف السوري انطلقت ضمن ثلاثة اتجاهات، شكلت أهدافاً كبرى لأنقرة، بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، قد تفاوت التعاطي التركي معها تبعاً للتطورات وعلاقات أنقرة مع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري وهي؛ أوّلاً: دعم إقامة نظام سياسي إسلامي في سوريا يتبع لحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان في إطار تبنّي تركيا للجماعات الإسلامية بعد ثورات "الربيع العربي" وتحقيق أحلام قيادة حزب العدالة باستئناف العثمانية الجديدة، مع ما تطلبه ذلك من دعم لتلك الجماعات بنسختيها العنيفة والمعتدلة، ثانياً: العمل بكلّ السبل للحيلولة دون قيام كيان كردي في شمال سوريا يتواصل مع أكراد تركيا ويفتح شهية أكراد تركيا للمطالبة بالانفصال، والعمل على إحداث تغيير ديموغرافي في مناطق شمال سوريا، بما يقلل الأغلبية الكردية في المنطقة، وثالثاً: استثمار تداعيات الأزمة السورية في الداخل التركي بما يقوي أوراق حزب التنمية والعدالة الحاكم ويعزّز قبضته على الحكم.

وبعد مرور 9 أعوام على الثورة السورية، فإنّ وقفة عند المحطات البارزة في تطورات الأزمة السورية وما آلت إليه هذه الأزمة تكشف أنّها أصبحت أزمة تركية داخلية وإقليمية، وفقاً للمعطيات التالية:

أوّلاً: لم تدرك قيادة حزب "العدالة والتنمية" التركي أنّ إسقاط الأنظمة في الشرق الأوسط لم ولن يكون عبر الثورات السلمية أو المسلحة وحدها، خاصة إذا كانت إسلامية، وأنّ سقوط أيّ نظام سياسي في الإقليم هو قرار دولي تحكمه مواقف الفاعلين الدوليين، فهذا التوافق هو الذي قدّم  الرئيس صدام حسين لحبل المشنقة، وأقرّ نهاية حسني مبارك وزين العابدين والقذافي، وهذا التوافق الدولي هو الذي قرّر الحيلولة دون سقوط النظام السوري على خلفيّة مرجعية الصورة التي يريد هؤلاء الفاعلون أن تكون عليها القيادة في سوريا، هذه المقاربة أفشلت مخططات القيادة التركية التي اندفعت في بداية الأزمة لـ"تجهيز" البديل الإسلامي لحكم سوريا بتعاون واسع مع الإخوان المسلمين، ولاحقاً مع تنظيمي؛ داعش والقاعدة، وهو ما أفضى إلى تراجع التحالف العربي مع أنقرة الذي تشكّل في بداية الأزمة، فيما تنحصر الجهود اليوم حول مستقبل الحكم في سوريا في إطار اللجنة الدستورية، والتي تشير مكوّناتها ومرجعيتها الأممية إلى أنّ الدور التركي فيها سيكون محدوداً.

اقرأ أيضاً: التدخل التركي في سوريا.. نهب يتستر بشعارات الإنسانية

ثانياً: بالرغم ممّا يبدو أنّه نجاح تركي في الحيلولة دون قيام كيان كردي شمال سوريا، إلا أنّ هذه المقاربة تتضمن مغالطة مرتبطة بأنّ أكراد سوريا لم يخططوا للانفصال عن الدولة السورية، وأنّ مشاركتهم في الثورة السورية كانت في إطار انتزاع حقوق مواطنة غير معترف بها، ومع ذلك فقد شنّت تركيا ثلاث عمليات كبرى ضدّ الأكراد على طول الحدود التركية ـ السورية (درع الفرات عام 2016 بهدف معلن ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنها كانت ضدّ الأكراد في مناطق شرق الفرات، وغصن الزيتون عام  2018، وهدفها تهجير الأكراد من منطقة عفرين، وقد شهدت العملية جرائم حرب وفقاً للقانون الدولي، ونبع السلام عام 2019 والتي استهدفت، وفقاً لأنقرة، مقاتلي حزب العمال الكردستاني شرق الفرات، فيما ثبت أنّ أهدافها الحقيقية تحقيق التغيير الديموغرافي)، ورغم المقاربات التركية بمحاربة الإرهاب الكردي على حدودها مع سوريا إلا أنّ الأكراد في الشمال السوري ما زالوا الحلفاء الأقرب لأمريكا والدول الأوروبية، وهي الأكثر مصداقية في مكافحة إرهاب داعش والقاعدة في المنطقة، مقارنة مع أنقرة التي ما زالت ترى في بناء علاقات معهما ورقة لم تمسك بها للتفاوض مع الغرب.

تحوّل الملف السوري منذ انطلاق الثورة لأزمة تركية داخلية ذات أبعاد إقليمية من أبرز نتائجها تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية التركي

ثالثاً: تحوّل الملف السوري منذ انطلاق الثورة السورية إلى أزمة تركية داخلية ذات أبعاد إقليمية، كان من أبرز نتائجها تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الذي أظهرته الانتخابات البلدية، وخاصة في البلديات الكبرى "اسطنبول وأنقرة وإزمير"، ثم الانشقاقات العميقة والمؤثرة داخل الحزب، والتي ستنعكس على مكانة حزب العدالة والتنمية ومستقبله في الحكم.

لقد كشفت انتخابات البلديات حقيقة مواقف قيادة حزب العدالة والتنمية من اللجوء السوري، "حوالي 4 ملايين لاجئ"، بأنّ هذه الكتلة البشرية لا علاقة لها بمزاعم الحزب باستقبالهم "مهاجرون وأنصار"، وأنهم مجرّد ورقة يتمّ ابتزاز الأوروبيين بها حيناً أو إجبارهم على أن يكونوا أداة التغيير الديموغرافي بإحلالهم محلّ المهجّرين الأكراد في شمال سوريا.

اقرأ أيضاً: أطفال سوريا..ضحايا أطماع أردوغان في ليبيا

اليوم، وبعد 9 أعوام على الثورة السورية ما زال النظام السوري قائماً يحكم سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد، ولم يتمكّن الرئيس أردوغان من الصلاة فاتحاً ومحرّراً في المسجد الأموي بدمشق، وما زال الأكراد قوة فاعلة في شمال سوريا، فيما مأزق الرئيس أردوغان يتعمّق في إدلب، رغم أنه قام بنقل كوادر وعناصر الفصائل المسلحة والجهادية من سوريا إلى ليبيا، وقدمّ دليلاً على حجم علاقاته الوثيقة مع الإرهاب، وهو ما يدركه الغرب، وبالتزامن فقد أفضت أجواء عدم الثقة من قبل طهران وموسكو بالمخططات والنوايا التركية، وما أنتجته عبر مؤتمرات أستانا، إلى حصر الدور التركي في جيب إدلب، الذي سيتمّ تحريره عاجلاً أو آجلاً، وفقاً لحسابات أمريكية-روسية، من المؤكّد أنّ تركيا ستكون الطرف الأكثر خسارة فيها.

ولعل السؤال المطروح اليوم هو: إذا كانت القيادة التركية على خلاف حاد مع العواصم العربية الفاعلة "الرياض والقاهرة وأبو ظبي"، وعلاقات غير مستقرة مع موسكو وواشنطن، وخلافات أكثر عمقاً مع دول الاتحاد الأوروبي، على خلفية قضايا تتجاوز الملفين؛ السوري والليبي، فهل ستحقق سياسات أنقرة نجاحات بالتعاون مع الدوحة وماليزيا وأندونيسيا؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية