حماس تحاول إعادة تشكيل المشهد السياسي في الضفة الغربية

حماس تحاول إعادة تشكيل المشهد السياسي في الضفة الغربية

حماس تحاول إعادة تشكيل المشهد السياسي في الضفة الغربية


17/04/2023

 في تصريح تلفزيوني حديث ألمح مروان عيسى، نائب القائد العام لـ”كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، إلى تصعيد محتمل من قطاع غزة ردًا على الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية. فقد أعلن عيسى أن إعطاء الأولوية لمقاومة الضفة الغربية والقدس لا يعني أن “غزة ستبقى صامتة”، وحذر من أن يؤدي تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى إلى حدوث “زلزال” يضرب المنطقة بأسرها.

ويكشف هذا التصريح الجريء الذي صدر في بداية شهر رمضان عن إمكانية تجدد التهديد من قطاع غزة، ما يذكرنا بنزاع مايو 2021 حين شنت حماس هجمات صاروخية مفاجئة على القدس وتل أبيب ردًا على أعمال إسرائيل في القدس الشرقية والمسجد الأقصى آنذاك، ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 11 يومًا.

لكن الوضع الحالي يبدو فريدًا نوعًا ما مع تطور عنف حماس وتكتيكاتها في الضفة الغربية. ويبدو أن حماس، في صراعها المستمر مع إسرائيل، تفضل بشكل متزايد نهجًا دقيقًا ولكن فعالًا، بحيث تصعد العنف في الضفة الغربية تدريجيًا لتحدي إسرائيل وتقويض السلطة الفلسطينية. ويلوح هذا التكتيك جذابًا أكثر بكثير من شن حرب شاملة عبر جبهة غزة، بما أن التكاليف قد تفوق الفوائد المحتملة.

الديناميكيات الحالية

خلال السنوات الست عشرة الماضية كان نفوذ حماس في الضفة الغربية غير مستقر في أحسن الأحوال بعد أن تسببت سيطرة الجماعة الإسلامية على قطاع غزة عام 2007 في نشوب نزاع فلسطيني داخلي. ومنذ عام 2007 مارست السلطة الفلسطينية ضغوطًا شديدة على وجود حماس في الضفة الغربية، فقمعت الناشطين وجففت الموارد المالية وأغلقت الجمعيات الخيرية، والأهم من ذلك أنها أبطلت سيطرة حماس على المساجد.

وفي أوائل عام 2022 أطلقت موجة من الهجمات الفلسطينية القاتلة شرارة حملة عسكرية إسرائيلية سمتها تل أبيب “كسر الموجة”، بدأت في 31 مارس 2022. ومن خلال الحملة نفذت إسرائيل غارات شبه يومية لاعتقال مسلحين فلسطينيين ومصادرة الأسلحة.

لكن مع بدء هذه التطورات شهدت الضفة الغربية بروز جماعات مسلحة جديدة وتصعيدًا في عنف المستوطنين. فالتصعيد الأخير في الصراع المسلح والجمود الحالي في الحوار السياسي الفلسطيني - الإسرائيلي يوفران الآن لـحماس فرصة إعادة تنظيم صفوفها داخل الضفة الغربية، بينما تشهد السلطة الفلسطينية تراجعًا في سيطرتها على مناطق من الضفة الغربية، بما في ذلك نابلس وجنين.

وأدى المشهد الداخلي الفوضوي في إسرائيل إلى زيادة التوترات. بالإضافة إلى ذلك فإن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة في إسرائيل، التي تتميز بدعمها غير المسبوق للمستوطنين، تؤزم الوضع المتوتر أصلًا. ونتيجة لذلك أصبحت الضفة الغربية ساحة للاشتباكات المتكررة وسقوط ضحايا فلسطينيين كل أسبوع تقريبًا.

وفي ظل تدهور الوضع الأمني اكتشفت حماس فرصة ذهبية لإحياء أنشطتها العسكرية الموجهة ضد إسرائيل والمستوطنين، كما انخرطت في صراع على السلطة مع السلطة الفلسطينية لإضعاف سلطة رام الله أكثر.

ووصف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في خطاب ألقاه مؤخرًا، الضفة الغربية بأنها “ساحة معركة إستراتيجية”، بينما أشار إلى أن مرحلة جديدة من النزاع مع إسرائيل تلوح في الأفق، على الرغم من التنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة الفلسطينية.

ساحة معركة جديدة

يعتمد هدف حماس، المتمثل في استعادة نفوذها السابق في الضفة الغربية، على ثلاثة عوامل حاسمة. أولًا، إذا استمرت الإجراءات الاستيطانية الإسرائيلية العدوانية في الضفة الغربية، سيتحول المنظور الفلسطيني تدريجيًا نحو الانتفاضات العامة والمسلحة.

وتنسجم هذه البيئة مع إستراتيجيات المقاومة والشرعية الشعبية التي تتبعها حماس، والمتجذرة بعمق في مبادئ محاربة الاحتلال الإسرائيلي والسعي لتحرير فلسطين.

ويبدو أن فلسطينيي الضفة الغربية سيصبحون بذلك أكثر وثوقا بأن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحدي توسع المستوطنات، لاسيما مع استمرار الجمود في حقبة ما بعد اتفاقات أوسلو.

ويشير استطلاع رأي حديث أصدره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر 2022 إلى تزايد الاستياء من نهج السلطة الفلسطينية، إلى جانب زيادة الدعوات إلى الانتفاضات المسلحة، وفضلًا عن ذلك أظهر الاستطلاع أن دعم حل الدولتين الذي كان شائعًا في يوم من الأيام قد تضاءل مع استمرار التوسع الاستيطاني وتراجع الحلول السياسية. ويمثل ذلك تحولًا تاريخيًا في الرأي العام لم نشهده منذ نهاية الانتفاضة الثانية عام 2005، ما يوفر أرضًا خصبة أمام حماس لتوسيع نفوذها وأنشطتها داخل الضفة الغربية.

وثانيًا، تتزايد أنشطة حماس في الضفة الغربية. وفي حين أن وجودها لم يكن هو الشرارة التي أججت المواجهات المسلحة الأخيرة في المنطقة، استغلت حماس بمهارة الوضع الحالي لتوسيع نفوذها.

وخير مثال على ذلك هو دعمها الإعلامي والمالي لمجموعة “عرين الأسود”، وهي جماعة مسلحة ظهرت في نابلس في أواخر عام 2022 واكتسبت شعبية فلسطينية واسعة النطاق. وبالإضافة إلى قيام أعضاء حماس بترسيخ أنفسهم في هذا التنظيم المشكل حديثًا، شهد نشاط جناحها العسكري “كتائب القسام” زيادة ملحوظة، خصوصًا في منطقة جنين.

ومن المثير للاهتمام أن “كتائب القسام” بدأت تظهر علنًا إلى جانب فصائل مسلحة أخرى أكثر نفوذًا في شمال الضفة الغربية، مثل “كتائب الأقصى” التابعة لـفتح وأعضاء حركة “الجهاد الإسلامي الفلسطينية”.

ونتيجة لذلك لعبت حماس مؤخرًا أيضًا دورًا فعالًا في التأثير على مجرى الأحداث في جميع أنحاء الضفة الغربية. ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك شن أحد المسلحين من حماس هجومًا عبر إطلاق النار في اليوم الذي تم فيه انعقاد قمة العقبة، وهو مؤتمر متعدد الأطراف يهدف إلى تهدئة التوترات الأمنية المتصاعدة وتنامي العنف المسلح في الضفة الغربية.

وأسفر الهجوم عن مقتل مستوطنين إسرائيليين، وأدى في نهاية المطاف إلى حالة غليان لدى المستوطنين في حوارة، تخللتها اشتباكات مع فلسطينيين وهجمات بإضرام النيران ألحقت بممتلكات الفلسطينيين أضرارًا كبيرة. وبدلًا من تخفيف حدة النزاع في قمة العقبة، لم تؤدِ أفعال حماس إلا إلى ازدياد الصراعات الداخلية.

وأخيرًا، يعتمد نمو حماس في الضفة الغربية بشكل كبير على وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تؤيد المستوطنات وترفض أي شراكة سياسية مع نظام رام الله. ولا شك في أن هذه المواقف الحكومية تقوض وتهين السلطة الفلسطينية الضعيفة أصلًا، التي ليس لديها إلى حد الآن خليفة للرئيس محمود عباس البالغ من العمر 87 عامًا وتواجه تراجعًا في الموارد المالية. ومع انحسار السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية في مناطق مثل شمال الضفة الغربية وتنامي المشاعر الشعبية المعادية للإدارة الإسرائيلية، لدى حماس فرصة لاستثمار المزيد من الموارد في الضفة الغربية بدلًا من المراهنة على حرب مع إسرائيل انطلاقًا من غزة.

لا حرب ولا هدوء

على الرغم من أن حماس ستسعى جاهدة للحفاظ على موطئ قدم لها في غزة، من خلال تعزيز قدراتها العسكرية والاستعداد لصدام آخر كبير مع إسرائيل، من غير المرجح أن تكون هذه المعركة وشيكة. فقد يؤدي بدء النزاع إلى تعريض أهداف حماس في الضفة الغربية للخطر، الأمر الذي تريد بالتأكيد تجنبه نظرًا إلى الفرص السياسية والاجتماعية المتاحة أمامها.

وقد تؤدي مواجهة إسرائيل إلى وقف إطلاق نار متوتر، حيث تجد حماس نفسها تقدم تنازلات سياسية غير مرغوب فيها داخل الضفة الغربية، ما يعود بالنفع في النهاية على السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

ويمكن أن تبطل هذه النتائج التقدم الطفيف الذي أحرزته حماس في الضفة الغربية والسيطرة النسبية في قطاع غزة.

ومنذ حرب مايو 2021 قدمت قطر مساعدة مالية كبيرة لغزة، حتى أن إسرائيل سمحت لنحو 20000 فلسطيني بالعمل على أراضيها، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بـ7000 عامل الذين سمح لهم بالعمل، ما وفر لهؤلاء الأفراد دخلًا أعلى مما هو متاح لمعظم سكان غزة.

وترى حماس أيضًا أن هناك فرصة لتعزيز اقتصاد قطاع غزة من خلال تطوير أحد حقول الغاز الطبيعي قبالة ساحل غزة. كما تجرى حاليا مباحثات غير مباشرة بقيادة مصر وتشمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس بهدف التوصل إلى حل وسط بين جميع الأطراف بشأن هذا المشروع. ويُعد هذا التدفق النقدي ضروريًا لـحماس للحفاظ على الاستقرار الداخلي في غزة، لاسيما مع بلوغ نسبة البطالة 50 في المئة.

وإلى جانب المصالح الداخلية لحماس في قطاع غزة، لا تتوافق الظروف الحالية في غزة وإسرائيل والضفة الغربية ببساطة مع الظروف التي أدت إلى حرب مايو 2021، حيث استفز قرار السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات التشريعية في أبريل 2021 حماس ودفعها إلى المواجهة آنذاك، علمًا أن هذه الأخيرة اعتبرت هذا القرار محاولة متعمدة لتقويض سيطرتها.

حماس، في صراعها المستمر مع إسرائيل، تفضل بشكل متزايد نهجًا دقيقًا ولكن فعالًا، بحيث تصعد العنف في الضفة الغربية تدريجيًا لتحدي إسرائيل وتقويض السلطة الفلسطينية

وبنتيجة الحرب التي استمرت 11 يومًا ومع انتشار العنف الآن على نطاق واسع في الضفة الغربية، ترى حماس أزمة شرعية تلوح في أفق السلطة الفلسطينية ولا تشعر بأن خياراتها محدودة كما حصل سابقًا. ومع ذلك، فإن الهدوء التام في قطاع غزة ليس ممكنًا بالكامل بالنسبة إلى حماس.

وفي حين أن تجنب النزاع المباشر مع إسرائيل يصب في مصلحتها، قد يشهد قطاع غزة اضطرابات ردًا على التطورات في الضفة الغربية. وفي هذا السيناريو قد تسمح حماس لفصائل أصغر بإطلاق صواريخ على الأراضي الإسرائيلية القريبة من الحدود كردّ تكتيكي.

وفي غضون ذلك، يبدو أن حماس مستعدة لتقبّل عواقب الانتقام الإسرائيلي من خلال الضربات الجوية التي تستهدف منشآتها العسكرية عندما يتم إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل. كما أن إمكانية حدوث مظاهرات على طول حدود غزة ليست مستبعدة، نظرًا إلى الأحداث الأخيرة. ففي 24 فبراير نشبت مواجهات تخللتها أعمال شغب بالقرب من الحدود ردًا على مقتل 11 فلسطينيًا خلال عملية عسكرية في مدينة نابلس.

ويتضح أن كلفة الحفاظ على خط رفيع بين الهدوء والعنف هي أقل بالنسبة إلى حماس من كلفة الانخراط في حرب شاملة. ويسمح لها هذا التكتيك بادعاء المقاومة، مع التحكم أيضًا في السلوك غير المتوقع لجماعات مثل “الجهاد الإسلامي”. ويمكن أن يكون تكتيك “اللاحرب واللاتهدئة” هذا طريقة فعالة نسبيًا لحماس من أجل تحقيق أهدافها المباشرة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي النهاية، يبدو أن البيئة الأمنية المتطورة في الضفة الغربية قادرة على تغيير الديناميكيات السياسية إلى حد كبير. فترى حماس في الضفة الغربية ساحة معركة حاسمة ضد إسرائيل وحلبة منافسة جيوسياسية مع السلطة الفلسطينية الهشة. وفي الوقت نفسه لا تتردد في خلق حالة من عدم الاستقرار مع إسرائيل في قطاع غزة طالما أنها لا تتطور إلى نزاع مفتوح. ولكن إذا برزت ظروف معينة، مثل ضرورة الدفاع عن إنجازاتها في غزة أو تطورات استثنائية في الضفة الغربية، فقد تصبح المواجهة المفتوحة مع إسرائيل حتمية فيما تسعى حماس جاهدة للتمسك بأهدافها الإستراتيجية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية