رمضان أخضر: صلاح المسلم من صلاح بيئته

رمضان أخضر: صلاح المسلم من صلاح بيئته

رمضان أخضر: صلاح المسلم من صلاح بيئته


20/04/2023

بُني مسجد الاستقلال الكبير في جاكرتا برؤية تجعله يصمد ألف عام. وصممه الأب المؤسس لإندونيسيا أحمد سوكارنو ليكون رمزا مبهرا لاستقلال البلاد.

وتستقبل منافذه السبعة التي تمثل أبواب الجنة في الإسلام الزوار من جميع أنحاء الأرخبيل والعالم. لكنهم لا يرون النور فقط، بل يغذيهم. حيث تقرر إجراء تجديد كبير في 2019 بتركيب ما يزيد عن 500 لوحة شمسية على سطح المسجد الواسع، مما حوّله إلى مصدر رئيسي ونظيف لكهربائه الخاصة.

وبعث المسجد في رمضان الحالي وقفا إسلاميا للطاقة لتنمية قدرته على إنتاج الطاقة المتجددة. ويأمل نائب رئيس قسم صيانة مسجد الاستقلال هير برامتاما أن يوفر أقدس شهر في الإسلام الزخم لمشروع الاستقلال للطاقة الشمسية من خلال التبرعات، حيث يتدفق المؤمنون على المساجد بأعداد أكبر خلال رمضان.

ويندرج تحرك مسجد الاستقلال ضمن مبادرات “رمضان الأخضر” المختلفة في إندونيسيا وحول العالم، التي تشجع مجموعة من التغييرات خلال الشهر المقدس.

وتمتدّ التوصيات في الشهر الذي يركز فيه المسلمون على ضبط النفس والعمل الخيري إلى استخدام كمية أقل من المياه أثناء أداء الوضوء السابق للصلاة، واستبدال الزجاجات البلاستيكية وأدوات الأكل المعتمدة خلال موائد الإفطار بخيارات قابلة لإعادة الاستخدام وتقليل هدر الطعام.

وتشمل الاقتراحات الأخرى مشاركة السيارات للذهاب إلى المساجد، واستخدام المنتجات المحلية، والتأكيد على إعادة التدوير واعتماد التبرعات لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة.

وأكد العلماء أن تقليل تأثيرات تغير المناخ (والذي يتسبب بزيادة تدهور الجفاف والفيضانات وموجات الحرارة) يتطلب تقليل استخدام الوقود القذر في إنتاج الكهرباء والنقل، والمواد البتروكيماوية لإنتاج منتجات مثل البلاستيك، والانبعاثات الناتجة عن بقايا الأطعمة في مدافن النفايات.

وتبقى المبادرات الفردية مجرد جزء صغير من هذا التحول. وغالبا ما تسلط المجموعات الإسلامية الضوء على التأويلات البيئية لبعض الآيات القرآنية وأحاديث النبي وممارساته المرتبطة بالأرض والماء ونهيه عن التبذير.

ودعا نائب رئيس الدولة معروف أمين في العام الماضي، خلال اجتماع المؤتمر الإسلامي من أجل إندونيسيا المستدامة، رجال الدين وقادة المجتمع إلى “لعب دور نشط في نقل القضايا المتعلقة بالضرر البيئي”، وطالب باتخاذ إجراءات ملموسة بشأن تغير المناخ بما في ذلك من خلال التبرعات لمشاريع الطاقة الشمسية مثل التي بُعثت في مسجد الاستقلال.

وقال عضو مجلس إدارة مؤسسة نهضة العلماء الدينية لإدارة الكوارث وتغير المناخ في إندونيسيا محمد علي يوسف إن نشر الوعي حول الطاقة النظيفة هو “مسؤولية مشتركة” للمسلمين، حيث يمكن أن تمثّل الألواح الشمسية في المساجد محفزات نحو انتقال أكبر.

وقال الإمام سافيت جاتوفيتش، وهو ناشط بيئي في المجتمع المسلم الأميركي، إن مجموعات بيئية برزت خلال منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عبر الولايات المتحدة وكندا، وكانت مستقلة عن بعضها البعض. وتتبنى اليوم “تفاهمات إسلامية خضراء” تعتمد على مبادئ الإسلام.

وذكر أن بعض المساجد رحّبت بهذه المبادرات لكن بعض الأئمة لم يدركوا جدواها. وقال إن رمضان يوفر “إمكانية التدريب البيئي الذي ينفرد به المجتمع المسلم. حيث تمكّن ثلاثون يوما أي شخص من تغيير عاداته”. ويدعو موقع “الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية” المسلمين إلى أن يكونوا “مجتمعا صديقا للبيئة”، مشددا على أن الاهتمام بالبيئة “يقوم على فرضية أن الله قد بعثنا لنكون رعاة هذا الكوكب وحماته”.

وتستجيب بعض المساجد وأعداد من المسلمين حول العالم لمثل هذه الدعوات بخطوات صغيرة كل مرة. وتلقى مسجد مدرسة المعهد الإسلامي الداخلي في إندونيسيا قبل شهر رمضان هذا العام لوحات شمسية بتبرعات إسلامية، وتمكنت من توفير ما يكفي من الطاقة لتلبية كافة احتياجاته. كما تضيء الكهرباء المنتجة من اللوحات الشمسية المدارس والطرق في المنطقة المجاورة.

وانتشرت الألواح الشمسية عبر سطح مسجد النظامية في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، وتضخّ الطاقة في المسجد والمدارس والعيادة والبازار المحيطين به. وتغطي الألواح الـ143 أكثر من ثلث استخدام الطاقة في المنطقة في بلد كافح خلال السنوات الأخيرة لتوفير ما يكفي من الكهرباء.

واعتمد مسجد الولي في إديسون بنيو جيرسي تغييرات مثل بيع قنينات المياه القابلة لإعادة الاستخدام وتركيب المزيد من مبردات المياه للثني عن استخدام الزجاجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، حسب عضو مجلس الإدارة عقيل المنصوري الذي قال إن “الحفاظ على البيئة هو الأمر السليم دينيا. إن الناس يقبلون الرسالة، لكن تبنيها يكون دائما أبطأ”.

وقرر مسجد الوالي قبل عدة سنوات تركيب الألواح الشمسية. وقال المنصوري إن وجبات الإفطار في رمضان في المسجد تأتي في علب بلاستيكية معبأة مسبقا. لكنه أكّد أن المشرفين على المساجد يشجعون الأعضاء على تناول بقايا الطعام وإعادة استخدام العلب بدلا من التخلص منها، مضيفا أنه يأمل في استبدالها في رمضان المقبل.

وتقود منظمة مشاريع ضد البلاستيك الخيرية في بريستول بالمملكة المتحدة حملة رمضانية خالية من البلاستيك. وقال مؤسسها نسيم تالوكدار “أشعر بصفتي مسلما أن المساجد هي محور المجتمعات ويجب أن تتولى دورا قياديا أكبر لتحقيق الاستدامة. رأيت خلال شهر رمضان استخدام كمية كبيرة من البلاستيك والتخلص منها”.

وتحثّ المساجد على رفع مستوى الوعي بشأن التلوث البلاستيكي وتقليل الاعتماد على البلاستيك ذي الاستخدام الواحد. وشاركت سبعة مساجد في بريستول العام الماضي في مشروع تجريبي كانت نتائجه متفاوتة، وتقرر إطلاق حملة وطنية شملت أكثر من 20 مسجدا هذا العام.

ويكمن تحد آخر في عدم توفر الأموال الكافية للمساجد لشراء أدوات مائدة قابلة لإعادة الاستخدام وغسالات أطباق وحنفيات المياه. وقال تالوكدار “كنا نعلم أننا سنواجه العقبات وبعض محاولات الصد، لكن المشاركة التي شهدناها كانت كبيرة. ووجدنا شهية حقيقية لهذا النوع من المبادرات داخل المسجد على الرغم من تقدمها البطيء”.

وتحث مبادرة “الأمة من أجل الأرض”على تمكين المجتمعات الإسلامية التي تواجه تغير المناخ، والمسلمين على التعهد بتبني ممارسة واحدة صديقة للبيئة خلال شهر رمضان. وتشمل الخيارات مطالبة الإمام بمعالجة القضايا البيئية والتبرع للجمعيات الخيرية في هذا المجال وشراء المنتجات المستدامة.

وقالت نهاد عوّاد، الناشطة المقيمة في بيروت ومنسقة التوعية العالمية ضمن مشروع “الأمة من أجل الأرض” في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن “الكثير من المسلمين لا يدركون وجود تعاليم بيئية في القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد، وأن دورهم يشمل حماية الكوكب".

وذكرت أن الناشطين الذين يعملون على نشر الوعي يواجهون في الكثير من الأحيان حججا مفادها أن تغير المناخ “مُقدر” وأنه "لا يمكن تغيير القدر".  وتابعت “نحن نحاول تغيير المسلّمات. يمكننا القيام بأشياء كثيرة على المستوى الفردي والمجتمعي والسياسي".

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية