زيارة بايدن إلى السعودية.. اضطرار أم اقتناع؟

زيارة بايدن إلى السعودية.. اضطرار أم اقتناع؟


22/06/2022

نجاة السعيد

المتتبع لمسار الرئيس الأميركي، جو بايدن، منذ حملته الانتخابية إلى تسلمه الرئاسة يجد أن تصريحاته ومواقفه كانت عدائية طيلة الوقت ضد محور الاعتدال وخاصة المملكة العربية السعودية. فقد ذكر بايدن في حملته الانتخابية أن الولايات المتحدة يجب أن تجعل السعودية "تدفع ثمناً" لقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول وستعامل كدولة منبوذة إذا فاز بالرئاسة. وبالفعل حتى بعد توليه منصبه، استمر بهذه اللهجة متخذاً موقفاً صارماً بذريعة سجل حقوق الإنسان في المملكة، لكن الحرب الروسية الأوكرانية غيرت حسابات إدارة بايدن ودفعتها على مراجعة سياستها في المنطقة وخاصة تجاه المملكة خدمة لمصالحها، ومن هنا علينا التساؤل: هل زيارة بايدن إلى السعودية: اضطرار أم اقتناع؟

لو كانت زيارة بايدن – التي طال انتظارها إلى الشرق الأوسط – قبل الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط، لكان الانطباع أكثر إيجابية، لكن كونها ستكون بعد كل هذه الأحداث، فإن ذلك لا يعطي الانطباع أن النهج السياسي لإدارة بايدن قد تغير عن اقتناع تجاه محور الاعتدال وأمن المنطقة، بل هو أقرب للاضطرار أو كما يقال: "مُكرَه أخاك لا بطل". ففي هذه الزيارة، يجد الرئيس الأميركي أنه أمام كفتين: النفط وحقوق الإنسان. فالظروف اضطرته أن يعيد حساباته بسبب ارتفاع أسعار النفط والتي جعلته يأخذ خيبة أمل دول الخليج من موقف إدارته فيما يتعلق بالتهديد من إيران ووكلائها الإقليميين على محمل الجد، ومن ناحية أخرى ومع ضغوط المتشددين في الحزب الديمقراطي، يجبره أن يلتزم بملف حقوق الإنسان في المنطقة وتحديدا في دول الخليج التي يريدها أن تقوم بتأمين إمدادات بديلة للنفط والغاز الروسي والحفاظ على أسعار النفط.   

نجد هذا التضارب في الأهداف ينعكس في مواقف الإدارة الأمريكية، فمن ناحية نجد بوادر تعاون أميركي مع السعودية وتأكيد التزامها بأمن المنطقة، ومن ناحية أخرى نجد الطرف المتشدد في الحزب الديمقراطي وحلفائهم يضغطون على الرئيس الأميركي في زيارته للسعودية، والتأكيد على أن المواضيع المتعلقة بأسعار النفط وأمن المنطقة عليها ألا تطغى على ملف حقوق الإنسان، ولعل هذا يفسر لنا، بعد يوم من إعلان البيت الأبيض أن بايدن سيزور السعودية، جاء تصريح جو بايدن: "لن ألتقي بمحمد بن سلمان. أنا ذاهب إلى اجتماع دولي، وسيكون جزءاً منه"، كما أكد أنه لن يغير طريقة تعامله مع قضية مقتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي. 

إن هذه المواقف المتضاربة تؤكد أن النهج السياسي الأميركي الودي نوعا ما حاليا إزاء محور الاعتدال مؤقت ولا يعطي الانطباع طابع الاستدامة، بل هو أقرب للاستغلال لقضاء غرض معين. لذلك على دول محور الاعتدال أن توضح أولياتها في الاجتماعات المقرر تنظيمها في هذه الزيارة وفي مقدمتها الأمن الوطني، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) والتوضيح أن استراتيجية استبدال "الضغوط القصوى" بـ "الدبلوماسية القصوى" قد فشلت مع النظام الإيراني وجعلتها تكثف نشاط وكلائها في المنطقة ضد دول المنطقة خاصة السعودية والإمارات باستهدافهم بصواريخ تضر بأمنهم الوطني ومصالحهم. كما يجب التوضيح لإدارة بايدن أنه يجب وضع استراتيجية بربط بنود الاتفاق النووي بتصرفات إيران المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة من حيث دعمها للميليشيات الطائفية المسلحة في الدول المجاورة مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن. فما يجب التنويه له كيف يمكن الثقة بإقامة اتفاق نووي أو الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، مع استمرار دعم النظام الإيراني للميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق الدولة والمزعزعة للاستقرار.  

بالإضافة إلى ذلك، تصاريح بايدن عن السعودية في حملته الانتخابية وحتى في بداية توليه للرئاسة لا يجب أن تمر مرور الكرام، فهذه النوعية من التصاريح تعتبر فريدة من نوعها فلم يصرح بها أي رئيس أميركي أو مرشح انتخابي من قبل منذ عام 1943 وحتى بعد الحظر السعودي على مبيعات النفط للولايات المتحدة في عام 1973.  كذلك هاريس كان لها نفس التوجه فقد ذكرت يجب تحميل السعودية مسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في اليمن، كما أكدت على منع بيع الأسلحة إلى السعودية. وأغلب هذه المواقف هي بسبب سيطرة جناح اليسار المتشدد على الحزب الديمقراطي، مثل إلهان عمر وبيرني ساندرز وإليزابيث وارن وجميعهم لهم توجهات ضد السعودية خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وعلى رأسها قضية خاشقجي وسجن ما يطلق عليهم الناشطات في حقوق المرأة. 

لذلك من الدروس المستفادة التي يمكن استثمارها في هذه الزيارة تقوية العلاقات مع الديمقراطيين الأقل تشدداً إلى حد ما، لكن الاختلاف بين المتشددين في الحزب الديمقراطي والأقل تشددا ليس لهذه الدرجة الكبيرة من الاختلاف، لذلك على دول محور الاعتدال خاصة السعودية أن تستثمر هذه الزيارة بإلقاء الضوء على أهمية تكثيف نشاطها داخل الولايات المتحدة ديبلوماسيا وسياسيا والتأكيد على التعاون مع جماعات الضغط على جميع الأصعدة.

التوصيات في هذه الزيارة: 

إن الشرخ الذي قامت به إدارة بايدن في انتقاد السعودية سيأخذ الكثير من الوقت لإصلاحه، لذلك لو كانت هذه الزيارة عبارة عن إملاء الشروط للتحالف ضد روسيا من خلال حرب نفطية مفروضة فلن تنجح الزيارة، لأن أمريكا بسبب السياسة الخارجية المتأرجحة وغياب الاتفاق بين الحزبين في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة بشأن المواضيع التي تخص الأمن الوطني مثل كيفية التعامل مع أنظمة وجماعات الإسلام السياسي، والإرهاب الدولي والهيمنة الإيرانية وغيرها، لم تعد حليفا يثق به. وعلى أساس غياب الثقة وسعت دول محور الاعتدال تحالفاتها خاصة مع روسيا الصين. ولكي تعود هذه الثقة يجب التأكيد على وضع استراتيجية توازن بين "الضغوط القصوى" الأميركية مقابل "الدبلوماسية القصوى" مع إيران وكيفية مواجهة الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران من خلال حروبها بالوكالة التي تضر بالمصالح الأميركية في الخليج.   

كما على دول محور الاعتدال أن توضح عدم اتفاقها مع سياسات الجناح المتشدد من اليسار في الحزب الديمقراطي وتوضيح اتفاقهم بشكل أكبر مع الوسطيين في الحزب والشرح أن كثرة الهجوم المستمر على دول محور الاعتدال لن يغير في الواقع شيء إلا أنه سيكون تقوية لإيران بعدم تغيير سلوكها في دعم الميليشيات المسلحة في المنطقة، وكذلك سيكون دافعا في استمرارية جماعات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين بتخطيطاتهم الهدامة مما سيضر بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. 

حتى تثبت زيارة بايدن للسعودية أنها فعلا عن اقتناع لتغيير نهجها السياسي مع دول محور الاعتدال وخاصة السعودية ولم تكن اضطراراً، عليها أن تثبت أنها نقلة نوعية وليس مجرد تملق مؤقت ينتهي بمجرد انتهاء المهمة ثم يعود الهجوم والسياسات التي تخدم المتطرفين في المنطقة وما يسمى بمحور الممانعة، فدول محور الاعتدال لن تقبل بالإملاءات وأن تكون تابعة، فكما أنها ستكون مرحبة بالزيارة إلا أنها ستستمر في الحفاظ على سياسة متوازنة بين الغرب والشرق بما فيه روسيا والصين لتضمن مصالحها، لأن الفجوة التي قام بها الحزب الديمقراطي كبيرة وحتى تعود الثقة كما كانت سابقاً يحتاج ذلك إلى مدة طويلة وإثبات بالأفعال وليس الأقوال. 

عن "الحرة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية