صفر مشاكل أم خدعة جديدة من أردوغان؟

صفر مشاكل أم خدعة جديدة من أردوغان؟


01/09/2022

عماد بوظو

لا توجد عبارة أكثر بعداً عن شخصية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من عبارة "صفر مشاكل"، فتاريخ هذا الرجل ليس سوى سلسلة متواصلة من المشاكل والصراعات على المستويين الشخصي والسياسي، بل هناك من يقول إن جميع صداقاته وتحالفاته السياسية كانت مؤقتة ولها هَدف واحد هو مساعدته في الصعود السريع لسلّم الحياة السياسية، والتي بدأها في ظلّ أب روحي هو نجم الدين أربكان، الذي رافقه في جميع أحزابه الإسلامية وعن طريق أحدها، وهو حزب "الرفاه"، أصبح الشاب أردوغان عُمدة إسطنبول، في عام 1994. 

ولكن عندما وجَد أردوغان أن مصلحته تقتضي الابتعاد عن وَصف الإسلامي التقليدي الذي التصق بأربكان، انشقّ عنه وأسّس، بالتعاون مع صديقه عبد الله غول عام 2001، حزب "العدالة والتنمية"، وادّعى وقتها أن هدف هذا الحزب "المحافظة على أُسس النظام الجمهوري الذي رَسمه كمال أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضّر والمُعاصر".

ونتيجة تجربة أربكان الطويلة مع أردوغان فقد حذّر قبل وفاته بأن الأخير سيقود تركيا إلى الظلام وأوصى المقرّبين منه قائلا: "افعلوا ما في وسعكم حتى تُبعدوا إردوغان عن السلطة"، وفقا لما نفله عنه، عبد اللطيف شَنر، أحد مؤسّسي حزب "العدالة والتنمية". 

وبعد وُصول أردوغان إلى السلطة، عام 2002، تعاون مع فتح الله غُولن، الداعية الإسلامي الوَسطي الذي أسّس مئات المدارس في تركيا وخارجها وامتلك صُحفا ومجلّات ومحطات تلفزيون والكثير من الأعمال التجارية والمؤسسات الخيرية، وفي ذلك الوقت اعتبر كثيرون غولن أستاذ إردوغان الحقيقي.

وكان غولن يتمتّع بسلطة على ما بين مئات الآلاف إلى بضعة ملايين هم أتباعه وطلاب معاهده وموظّفو مؤسّساته والمستفيدون من جمعياته الخيرية، وإذا أُضيف إلى هؤلاء عائلاتهم ومعارفهم يتّضح الدور الحاسم الذي لعبهُ غولن في فوز  أردوغان في انتخابات تلك المرحلة التي استمرت أكثر من عشر سنوات والتي تعاونَ غولن وإردوغان خلالها على تطهير مؤسّسات الدولة التركية بما فيها الجيش من الكثير من الديمقراطيين والعلمانيين الموالين لجمهورية أتاتورك

ولكن بمجرّد اقتراب حملة التطهير هذه من نهايتها انقلب أردوغان على مُعلّمه، غولن، وخطّط، في نهاية عام 2012، لإغلاق بعض مدارسه رُغم أنها مصدر هام لتمويل حركته.

وبعد عام، تطوّر الخلاف بين الرجلين إلى حرب علنيّة عندما قام مدّع عام في إسطنبول بحملة على عشرات الفاسدين من حزب" العدالة والتنمية"، بينهم أبناء وزراء ورجال أعمال وموظفين كبار، وتمّت مُصادرة ملايين الدولارات من منازلهم أمام الكاميرات في أكبر فضيحة فساد في تاريخ تركيا المُعاصر، واستقال على أثَرها أربعة وزراء وطالبَ كثيرون أردوغان ذاته بالاستقالة، فردّ الأخير باعتبار هذه الحملة مؤامرة من حركة غولن هدفَها النيل منهُ شخصياً، وقال وقتها إن حركة غولن هي كيان موازٍ مُتغلغل ضمن أجهزة الدولة وتمّ اعتقال عشرات الآلاف بتهمة الانضمام إلى هذه الحركة. 

وبعد الانتهاء من أربكان وغولن، أتى دَور صديق أردوغان وحليفه في كلّ صراعاته، عبد الله غول، الذي كان أول رئيس وزراء لحزب "العدالة والتنمية"، عام 2002، وأول رئيس إسلامي لتركيا عام 2007، وكان يُقال دائماً إنه الشخص الأقرب نفسيّاً وسياسياً لأردوغان.

واستطاع غول، نتيجة شخصيته المُعتدلة وإتقانه اللغة الإنكليزية، نَسج علاقات قويّة مع مختلف الأطراف والدول بما خدمَ إردوغان شخصياً وكانوا يقولون إن غول يكمّل نواقص أردوغان، خصوصاً لأنه لم توجّه إليه أي اتهامات بالفساد، بخلاف إردوغان، ولأنه وَراء سياسة "صفر مشاكل" خلال العقد الأول من حكم حزب "العدالة والتنمية".

ولكن، في عام 2013، احتجّ غول على قَمع الشرطة العنيف لمظاهرات في إسطنبول قُتل فيها عشرة أشخاص، ثم رفضَ بعدها التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي الذي زادَ من صلاحيّات أردوغان فخرجَ من الحزب ودَعا إلى عودة النظام البرلماني. 

وهناك البروفسور أحمد داوود أوغلو، الذي شغل منصب رئيس الحكومة ورئيس حزب "العدالة والتنمية"، والذي وضعته مجلة "فورين بوليسي" من بين أول 100 مفكّر عالمي لدوره في النهضة التركية ولسياسة "صفر مشاكل" التي اتّبعها والتي اعتمدت على التواصُل والتعاون والحوار في حلّ الخلافات.

ولذلك احتجّ داوود أوغلو عندما قام أردوغان باعتقال مجموعة من الأكاديميين الأتراك والأكراد الذين طالبوا باستئناف المفاوضات بين الحكومة التركية والأكراد لتسوية القضية الكردية، كما كانَت لديه تحفّظات على النظام الرئاسي، وقال إن النظام التركي الحالي يتلخّص "بالأمن والتضييق والظُلم والفساد"، وأن أردوغان يعود بتركيا إلى الديكتاتورية. وهناك أيضاً علي باباجان، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والاقتصاد السابق وغيرهم كثير بحيث لم يبقَ مع أردوغان من رفاقه القدامى أحد. 

ولا تختلف سياسة إردوغان الخارجية كثيراً عن علاقاته الشخصية، حيثُ كانت مشاكله مع المنظّمات الدولية والحكومات تزداد يوماً بعد يوم، ومن الممكن ملاحظة ذلك في علاقته المتوتّرة ضمن حلف الأطلسي والتي بلَغت أوجَها عند شراء تركيا منظومة "إس 400" الروسية وفي ابتزازه المتواصل للحلف، مثل معارضة خطط الحلف للدفاع عن دول البلطيق، عام 2019، أو مُحاولة عرقلة انضمام فنلندا والسويد للحلف في العام الحالي، والذي أدّى إلى خروج أصوات تُطالب بطرد تركيا من حلف الناتو، لأنها تنفّذ داخل الحلف أجندة تخدم الرئيس الروسي. فلاديمير بوتين. 

وعلى طريق مُشابه سارَت علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي، الذي لم يكن متحمّساً لإدخال تركيا، لأنها تحتلّ أراض من بلَد عضو في هذا الاتحاد، قبرص، ولأن لها صراعات لا تنتهي مع بلد ثان عضو في الاتحاد، اليونان، دون أن يقوم أردوغان بشيء لتحسين علاقته مع هذين البلدين.

كما أن مشاكل عميقة تجمعه مع ألمانيا، من خلال محاولة أردوغان تجنيد مئات آلاف الألمان من أصول تركية لخدمة سياساته على حساب مجتمعاتهم الجديدة، وهناك خلافه مع فرنسا الذي أخذ شكل شتائم من إردوغان بحقّ ماكرون، وهناك الخلاف مُتعدّد الجوانب مع الولايات المتحدة من ناحية علاقته مع بوتين أو التفافه على العقوبات بحقّ إيران وروسيا، إضافة إلى مشاكله مع الغرب عموما في ملفّ حقوق الإنسان. 

وكذلك كانت علاقات أردوغان سيئة في إقليم شرق المتوسط من مصر والعراق حتى دول الخليج، بحيث أصبحت الثقة بشخص أردوغان شبه معدومة، حتى لو حدَثت بعض الإتصالات أو الزيارات، ولم يتبق من علاقاته، التي تبدو مقبولة ظاهريّاً، سوى عَلاقته غير المفهومة مع روسيا وإيران.

فالبلدان هما عدوّان تاريخيان لتركيا وبينهم قرون من الحروب، كما أنهما يختلفان مع تركيا اليوم في كافّة الملفّات الإقليمية من سوريا والعراق حتى أرمينيا وأذربيجان، ولا يجمعهم سوى عداؤهم المشترك للغرب وثقافته وديمقراطيته وازدهاره. 

ويُدرك اليوم جميع الذين يتودّد لهم أردوغان أن السبب وراء ذلك هو سَعيه للفوز في انتخابات 2023، لأنها قضيّة بالغة الحساسية بالنسبة له، ولأنها توافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية والتي يُخطّط أردوغان لإقامة احتفالات كبيرة فيها ويَحلم بأن يُسجّل اسمه كمؤسّس للجمهورية الثانية ذات الطابع الإسلامي على أنقاض جمهورية أتاتورك العلمانية، وليسَ من المُستغرب أن يتخلّى عن كل تعهّداته بـ "صفر مشاكل" بمجرّد فوزه في هذه الانتخابات. 

ورُغم معرفة الكثير من الأتراك بأن أردوغان ديكتاتور نرجسي، كما وصَفه غولن، ولكن التوقّعات تقول إنه سيفوز في الانتخابات الرئاسية المُقبلة وأحد أهم أسباب هذا الفوز هو انقسام المعارضة التركيّة، التي يبدو أنها لم تُدرك بعد خطورة بقاء أردوغان في السلطة لخمس سنوات أخرى وما يعنيه ذلك من استكمال تدمير ما تبقّى من مؤسّسات الدولة الديمقراطية والعلمانية.

وإذا أرادت هذه المعارضة طَي صفحة أردوغان فربّما يكون من الأفضل لها البحث عن المرشّح الأكثر قدرة على هزيمته والتفاف الجميع حوله، ولو كان غول أو داوود أوغلو، فحتّى لو نجحت المعارضة في الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، كما هو متوقّع، فلن يكون لذلك هذا التأثير الكبير، لأن طبيعة النظام الرئاسي، الذي صمّمه أردوغان جَعلت الكثير من الصلاحيات بيد الرئيس، ممّا يعني أن هذا الفوز سيكون محدود الأثر بل قد يُدخل تركيا في فترة من الشلل السياسي أو عدم الاستقرار. 

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية