قضايا عربية وإقليمية في انتظار الحسم بعد الانتخابات الأمريكية

قضايا عربية وإقليمية في انتظار الحسم بعد الانتخابات الأمريكية


01/10/2020

في الأشهر القليلة التي تسبق الانتخابات الأمريكية، يتحوّل اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي إلى القضايا ذات الصلة برفع شعبيته، إذا كان مرشحاً لفترة تالية، أو تسجيل مواقف تُحسب تاريخياً له إذا استنفد الفترتَين الرئاسيتَين.

ويعيش العالم وضعاً مشابهاً للحالة الأولى؛ فالرئيس ترامب يسعى إلى نيل فترة ثانية؛ لذا عمد إلى إعادة ترتيب جدول أعمال إدارته وفق ما يضمن له تصويت الناخبين، وتراجعت قضايا ذات أهمية في تأثيرها على الوضع الدولي والإقليمي، أو جُمدت لما بعد الانتخابات.

سياسي لبنان يتوقع تغييراً جذرياً خلال الـ 18 شهراً المقبلة، حال فوز ترامب، فهو سيعتمد مخططاً جديداً وجذرياً لإنهاء كل أشكال دعم الإرهاب، خصوصاً من دول إقليمية

وتُدرك دول العالم ذلك؛ فتسعى إلى ترتيب أوضاعها مع واشنطن على أساس نتيجة الانتخابات، فلا نجد اهتماماً إيرانياً بأية مبادرات سياسة في المناطق المتورطة في نزاعاتها هذه الفترة، ومثلها تركيا، وغيرهما.

ففي لبنان؛ ترجمت إيران وحلفاؤها ذلك بإفشال المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة لبنانية، انتظاراً لما بعد الانتخابات الأمريكية؛ حيث ستكون إيران على رأس أولويات الفائز، سواء ترامب أو بايدن.

ماكرون خلال زيارته لبيروت لدعم مبادرته لتشكيل حكومة اختصاصيين

وكذلك تركيا؛ التي تسعى إلى تعزيز أوراقها في المنطقة استعداداً لمرحلة أمريكية جديدة، لذلك رعت بقوة المفاوضات بين فتح وحماس، كي يكون لها دور في المرحلة المقبلة في قضية إسرائيل والعرب، وهناك قضايا عربية أخرى، مثل؛ سدّ النهضة، ليبيا، اليمن، سوريا، العراق، تنتظر الانتخابات.

إيران: لا خيار سوى التفاوض

بشكل صريح؛ ترهن إيران خطواتها المقبلة بالموقف الأمريكي ما بعد الانتخابات الأمريكية؛ حيث تنتظر هوية الرئيس الجديد، وسياسته تجاهها، ويُجمع المراقبون على أنّ إيران ستكون على رأس الأجندة الأمريكية المقبلة.

ولم يعد البرنامج النووي لإيران فقط هو محور الاهتمام؛ بل بات دورها الإقليمي ونفوذ ميليشياتها يحظيان بالأولوية.

اقرأ أيضاً: هل تستغل روسيا الانتخابات الأمريكية وتفرض حلولها في سوريا؟

وحول ذلك، يقول رئيس حزب السلام اللبناني، روجيه إده: "القضية الأساسية التي تنتظر الانتخابات الأمريكية هي التعامل مع إيران، وما عدا ذلك من قضايا هي قيد المتابعة، فلدى ترامب رؤية إقليمية جديدة للشرق الأوسط؛ تقوم على إقامة تحالف من الدول المتضررة من إيران، وتسعى الأخيرة إلى تحسين أوراقها انتظاراً لذلك".

ويردف إده، لـ "حفريات": "هناك خريطة جديدة لإدارة الإقليم، والتوقع أنّ يفوز ترامب، وحتى إن فاز بايدن فلن تشهد السياسات تجاه المنطقة اختلافاً كبيراً؛ فالأخير رجل مؤسّسي، على خلاف أوباما، والمتوقع أن يفرض ترامب مزيداً من العقوبات على إيران كي تتفاوض على جميع الملفات، وحتى الآن ما يزال لدى واشنطن خطوات عقابية أشدّ لم تستخدمها بعد".

اقرأ أيضاً: لماذا تتجه واشنطن لفرض عقوبات على حزب الله قبل الانتخابات الرئاسية؟

ويرى إده؛ أنّه لا خيار أمام إيران إلا المفاوضة، فقتل قاسم سليماني كان رسالةً مفاداها؛ أنّ إسقاط النظام لا يُكلف كثيراً، وإذا ما مضت واشنطن في ذلك فلن يقدر أحد أن يمنعها.

لبنان: لا حلّ قبل الانتخابات

وفي لبنان؛ هناك إجماع على أنّه لا يوجد حلّ قبل الانتخابات الأمريكية، فحزب الله ينتظر قراراً إيرانياً، لن يأتي إلا بحلّ أزمة العقوبات.

ويقول روجيه إده لـ "حفريات": "(ما في شيء اسمه حزب الله)، بل هو الأداة الإيرانية، وقضية سلاحه ستُبحث مع أمريكا، في إطار بند (تصدير الثورة)، وسيضطر الحزب لتسليم سلاحه، ولحفظ ماء وجهه، هو وإيران، سيسلم السلاح الفلسطيني في لبنان، ولأجل تعزيز هيبة الدولة".

اقرأ أيضاً: ترامب يثير الجدل حول الانتقال السلمي للسلطة حال خسارته الانتخابات... كيف؟

وأخفقت المبادرة الفرنسية في تشكيل حكومة لبنانية، نتيجة تمسّك الثنائي الشيعيّ، حزب الله وحركة أمل، بتسمية جميع مرشحي الشيعة، مخالفةً للمبادرة التي قبل وفقها مصطفى أديب بتشكيل الحكومة، وردّ الأخير بالاعتذار.

ولم تطرح المبادرة الفرنسية مسألة سلاح حزب الله، بل ركّزت على التوافق على حكومة اختصاصيين، لكنّ ما حدث لاحقاً أثبت أنّ مسألة سلاح الحزب قضية لا يمكن التغاضي عنها.

وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد انتقد المبادرة الفرنسية، بسبب عدم طرحها مسألة نزع سلاح حزب الله، الذي وصفه بالمسؤول عن كوارث لبنان.

لا مكان للإسلام السياسي

وأحد الخلافات بين دول من الإقليم مع واشنطن هو التغاضي الأمريكي عن دعم قطر وتركيا لجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية، في سوريا وليبيا ومصر وغيرها.

من لقاء جمع قيادات إخوانية دولية في تركيا

ووفق مراقبين؛ فإنّ تركيا تجاوزت الخطوط الحمراء الأمريكية، خصوصاً في دعم الجماعات الإرهابية، وكذلك قطر. ويتضادّ مشروع الإسلام السياسي مع التسويات التي يسعى ترامب لعقدها في الشرق الأوسط.

وتعليقاً على ذلك؛ يقول رئيس حزب السلام اللبناني، روجيه إده: "طرح الإسلام السياسي لم يعد مقبولاً أمريكياً أو دولياً؛ لأنّه ارتبط بالمنطق الذي يعتمده الإرهاب، مما يجعل بقاءه عائقاً أمام خطط تسوية الصراعات الإقليمية، وإعادة الإعمار وتشجيع التنمية، كضمانة للاستقرار".

القيادي في حركة فتح أسامة الفرا لـ "حفريات": المجتمع الدولي مشغول الآن بجائحة كورونا، ولن يُقدم على خطوة إحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية قبل الانتخابات الأمريكية

ويتوقع إده: "تغييراً جذرياً خلال الـ 18 شهراً المقبلة، حال فوز ترامب، فهو سيعتمد مخططاً جديداً وجذرياً لإنهاء كل أشكال دعم الإرهاب، خصوصاً من دول إقليمية، وكلّ من يستمر في دعم الإرهاب سيدفع الثمن".

أمّا عن قطر؛ فبحسب رؤية روجيه إده؛ "ستضغط واشنطن عليها للعودة إلى المنظومة الخليجية والعربية، والابتعاد عن إيران، والدخول في الإستراتيجية الجديدة للمنطقة".

فلسطين: ترتيب البيت الداخلي

ورغم اهتمام إدارة ترامب، حتى اللحظة الأخيرة، بإبرام اتفاقيات سلام عربية - إسرائيلية، إلا أنّ اهتمام إدارته بتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تراجع، بعد رفض خطته المعروفة باسم "صفقة القرن" من قبل الفلسطينيين والعرب والعالم أجمع، وما لم تعد الإدارة الأمريكية مناقشة طرحها، والتخلي عن الانحياز الأعمي لإسرائيل فإنّ الوضع على الصعيد العربي - الإسرائيلي ككلّ سيظلّ ملتهباً، مما يعرقل الرؤية الأمريكية لحلّ نزاعات المنطقة.

اقرأ أيضاً: كيف ستنعكس نتائج الانتخابات الأمريكية على تركيا؟

وفي ذلك، يقول القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا: "لا يمكن أن نتحدث عن إعادة مسار التفاوض برعاية امريكية في ظلّ اعتراف واشنطن بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وصفقة القرن التي تنسف فكرة حلّ الدولتين من جذورها، بالتالي؛ العودة للمفاوضات، لا بدّ من أنّ تستند على الشرعية الدولية، وتكون برعاية الرباعية الدولية، أو من خلال مؤتمر دولي يُخصص لهذا الغرض، بعيداً عما طرحه ترامب".

ترامب ونتانياهو أثناء الإعلان عما يعرف بصفقة القرن

ويردف الفرا لـ "حفريات": "المجتمع الدولي مشغول الآن بجائحة كورونا، ولن يُقدم على خطوة إحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية قبل الانتخابات الأمريكية".

وفي حال فاز ترامب، واستمرّ في الانحياز لإسرائيل فلا أمل لاسئناف المفاوضات، أما إذا فاز بايدن فسيكون استئناف التفاوض مُعلقاً بقدرته على التحلّل من انحياز ترامب.

ويؤكّد أسامة الفرا على أنّ "المطلوب الآن، فلسطينياً، هو تحسين أوراق التفاوض لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية، عبر مسارَين؛ الأول إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء الانقسام، ودمج المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير بعيداً عن فلسفة المحاصصة، وتجديد الشرعيات الفلسطينية؛ من خلال إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني.

اقرأ أيضاً: هل تدخّل نتنياهو لصالح ترامب في انتخابات 2016؟

أما المسار الثاني، بحسب القيادي بحركة فتح، فيتمثل في "معالجة التراجع الذي أصاب العلاقات الفلسطينية بمحيطها العربي، والذي يضرّ بالشعب الفلسطيني وقضيته، فنحن في حاجة إلى تحرّك عربي - فلسطيني ضمن رؤية واضحة، مبنية على المبادرة العربية للسلام، لعقد مؤتمر دولي للسلام، وفق قرارات الشرعية الدولية، وتكون قراراته مُلزمة لإسرائيل".

ويرى رئيس حزب السلام اللبناني، روجيه إده؛ أنّ "تسوية القضية الفلسطينية ستُترك لمرحلة تالية في مشروع واشنطن لإعادة ترتيب المنطقة، لكن لن تُترك إسرائيل دون ضغط كي تتنازل، من أجل ضمان الحقوق الفلسطينية، كي يشترك الفلسطيني في الوضع الإقليمي الجديد، القائم على السلام والتنمية والاستقرار".

ليبيا: انتظار تحجيم تركيا

وتشهد الساحة الليبية نشاطاً إقليمياً ملحوظاً لدفع الفرقاء الليبيين إلى الاتفاق على حلول مرحلية للأزمة، وترعى المغرب حواراً بين خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة - طرابلس، ورئيس البرلمان الليبي - طبرق، عقيلة صالح.

في غضون ذلك، تشهد مدينة الغردقة المصرية اجتماعات بين مسؤولين عسكريين عن الشرق والغرب، وبالتوازي تجري ترتيبات لعقد مؤتمر في برلين بين الفرقاء الليبيين والقوى الإقليمية، وسبق ذلك اجتماعات في سويسرا بين شخصيات من كامل ليبيا.

من مفاوضات الحوار الليبي في بو زنيقة

ورغم ما سبق؛ سيظلّ الوجود العسكري التركي، سواء بالمرتزقة والعسكريين الأتراك، أوالاتفاقيات الأمنية والحدودية، عائقاً أمام التسوية الجدية، ولا يملك أيّ فصيل في الغرب الليبي التوقيع على شيء لا تقبل به تركيا.

وما لم تتدخل واشنطن، سواء بشكل مباشر أو عبر الضغط على تركيا، فلا أمل في التوقيع على اتفاقية شاملة.

وفي سياق ذلك؛ يقول الناشط السياسي الليبي، مفتاح فرج ياسين: "ابتعدت أمريكا عن التدخل، وتركت لتركيا وأردوغان حرية الانغماس في الشأن الليبي، بعد ترميم علاقتهما التي كانت متهالكة بفعل قضية القسّ الأمريكي، وفتح الله غولن، لكن تظلّ السفارة الأمريكية هي الممثل لسياسات ترامب، وهي لطالما أثارت الريبة حول موقف واشنطن؛ فتارةً تتهم الجيش الوطني، وتارةً تحترمه كجيش وطني".

ويتابع ياسين، لـ "حفريات": "من المرجح أن تتقوى علاقات الجيش الوطني بترامب إذا فاز بفترة ثانية، خصوصاً أنّ اتفاق استئناف إنتاج النفط وتصديره كان بوساطة أمريكية".

ويرى ياسين؛ أنّ تركيا لاعب فاعل في ليبيا، ويتوقف دورها في التسوية في ليبيا على موقف الرئيس الأمريكي القادم، وفي حال فاز بايدن ستتعرض تركيا لضغط شديد؛ كونه هاجم أردوغان مراراً، ويريد إعادة هيكلة علاقته بواشنطن".

سدّ النهضة: حتيمة دور أمريكي فاعل

ويسيطر الجمود على قضية سدّ النهضة، عقب إخفاق المفاوضات التي رعاها الاتحاد الأفريقي، نتيجة التعنت الإثيوبي، الذي نجح في تهميش جلسة مجلس الأمن، ثم تحويل دور الاتحاد الأفريقي إلى مراقب فقط.

وكانت واشنطن قد رعت مع البنك الدولي مفاوضات مطلع العام الجاري بين أطراف الأزمة الثلاثة؛ مصر وإثيوبيا والسودان، وتوصلت إلى اتفاقية وقّعت عليها مصر، لكنّ إثيوبيا انسحبت ورفضت التوقيع، وامتنع السودان.

يسيطر الجمود على قضية سدّ النهضة

وتعليقاً على الدور الأمريكي، يقول خبير المياه الدولي، عباس شراقي: "الدور الأمريكي مهمّ، لكنّه تأخّر في فرض عقوبات على إثيوبيا، وكان عليه فرضها عقب تقويضها مفاوضات واشنطن، فهي طلبت وقتاً للتشاور على أن تعود، لكنّها أخلَّت بذلك".

ويرى شراقي؛ أنه "لا حلّ سوى في التوجه إلى مجلس الأمن، ويتطلب ذلك ترتيبات مع الدول الكبرى، خصوصاً واشنطن، وهو ما يتطلب انتهاء الانتخابات الأمريكية، قبل كلّ شيء".

كذلك تنتظر الإدارة الأمريكية الجديدة ملفات ساخنة؛ في سوريا، والعراق، واليمن، وشرق المتوسط.

الصفحة الرئيسية