لماذا تصعّد إسرائيل في غزة؟

لماذا تصعّد إسرائيل في غزة؟


21/11/2018

نفّذت إسرائيل عملية أمنية عسكرية في قطاع غزّة مؤخراً، أسفرت عن مقتل قائد مجموعة الاقتحام، وهو برتبة مقدّم، إضافة إلى عدد من الجنود الإسرائيليين، فيما استشهد أحد أبرز كوادر الجناح العسكري لحركة حماس "كتائب القسام"، ويدعى نور بركة، وهو المكلّف بمتابعة الأنفاق التي برعت حماس في استخدامها، على غرار تجارب حزب الله اللبناني، وهو ما حال، العام 2014، دون تمكين إسرائيل من هجوم برّي واسع على القطاع.

اقرأ أيضاً: هل يلتزم الكيان الصهيوني بالتهدئة في غزة؟
يبدو أنّ العملية العسكرية الأمنية الإسرائيلية، كانت تهدف إلى اختطاف بركة، وربما هناك أهداف أخرى، لكنّها غير بعيدة عملياتياً عن اختطاف كوادر من حماس، للمساومة عليهم في عمليات تبادل الأسرى والجثث، والحصول على مزيد من المعلومات، خاصة حول الأنفاق وتسليح حماس، من حيث أماكن تخزين الأسلحة وورش التصنيع.

اقرأ أيضاً: تحذيرات دولية ومخاوف من حرب جديدة في غزة
السياقات العامة لتطورات الصراع بين إسرائيل وحماس، تتناقض مع تنفيذ عملية أمنية بهذا الحجم، وما ترتب عليها من تصعيد، يبدو أنّه لم يكن بحسبان متخذ قرار هذه العملية  في الجانب الإسرائيلي، هذه السياقات المرتبطة بمفاوضات إسرائيلية مع حماس، بوساطة مصرية وأخرى قطرية، متصلتين من قبل الداعمين الدوليين، ومنفصلتين في إطار العلاقة المعروفة بين مصر وقطر، لكنّ مخرجات هاتين الوساطتين تشير إلى دور سياسي وأمني لمصر، بالتدخل لدى حماس وممارسة ضغوط عليها، وبالتوازي؛ تقدّم قطر غطاءً مالياً لمساندة حماس بالتخفيف من الضغوطات التي تتعرض لها غزّة، بعد التضييق عليهم بوقف صرف رواتب موظفي القطاع من قبل السلطة، في ظلّ انقسام بين فتح وحماس، و"فشل" أو "إفشال" جهود المصالحة بين الطرفين، لارتباط الطرفين بالمحاور العربية والإسلامية في المنطقة والإقليم.

معسكر اليمين الإسرائيلي يرى في أية هدنة تعقد مع حماس تنازلاً من إسرائيل وإضعافاً لها

ويبقى السؤال مطروحاً حول كيفية تفسير العملية الإسرائيلية، في ظلّ هكذا سياقات، والتي ثبت بعد استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، من الحكومة، أنّها مرتبطة بخلافات وحسابات داخلية إسرائيلية، في ظلّ ارتهان رئيس الحكومة، نتنياهو، لتحالف مع أحزاب يمينية صهيونية، ربما شكّلت عملية غزّة الفاشلة، رأس جبل الجليد لخلافات أكثر عمقاً، ستكون أكثر وضوحاً في مراحل لاحقة، خاصة إذا ذهب نتنياهو لانتخابات مبكرة في بداية العام المقبل، جوهر هذه الخلافات؛ أنّ معسكر اليمين الإسرائيلي يرى في أية هدنة تعقد مع حماس تنازلاً من إسرائيل وإضعافاً لها، وهو ما تمّ التعبير عنه من قبل المستوطنين، بعد إعلان التوصل للهدنة مؤخراً، وهو ما يؤكّد، وبقوة، احتمالات أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي، ليبرمان، اتخذ منفرداً قرار تنفيذ العملية.

اقرأ أيضاً: الكيان الصهيوني يشنّ غارات على غزة وحماس تردّ

منذ انطلاق حركة حماس في غزة، عام 1987، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والحركة، خاصّة بعد توسعها في تنفيذ عمليات استشهادية، تشكّل أحد أبرز محددات التنافس بين الأحزاب الإسرائيلية، خاصة في المرحلة التي كان فيها التنافس أساسا بين "الليكود والعمل"، فيما كانت الأحزاب الدينية التي أصبح لها دور اليوم في القرار الإسرائيلي، هامشية، وملحقة بالحزبين الكبيرين.

اقرأ أيضاً: عملية عسكرية للكيان الصهيوني في غزة.. هذه تفاصيلها

وبعيداً عن المبالغة، وعلى خلفية ردّ المقاومة الفلسطينية، وجوهرها حماس، على العملية الإسرائيلية، بأنّ الردّ الفلسطيني عكس تغيراً في موازين القوى العسكرية، خاصة مع استخدام صواريخ كورنيف المضادة للدروع، إلا أنّ ردّ المقاومة عزّز توازن الرعب بين أهالي قطاع غزة، ومساحات واسعة جداً من المستعمرات في وسط وجنوب إسرائيل، وصلت إلى "إيلات" على البحر الأحمر، وباعتراف مصادر إسرائيلية؛ بأنّ أكثر من مليون إسرائيلي يقعون تحت تهديد متواصل من حماس.

تشير تحوّلات حماس إلى أنّ همّها اليوم إنهاء معاناة أهالي غزة مع تقديم تنازلات تضمن جلوسها على طاولة المفاوضات

كان معروفاً، منذ البداية، أنّ هذه العملية، سيتمّ احتواؤها والتعامل معها باتجاه تهدئة جديدة، بوساطة مصرية، وضغوط دولية وأممية على إسرائيل وحماس، ارتباطاً بكون نتنياهو ليس بوارد خوض معركة واسعة غير مضمونة النتائج مع حماس، على أبواب الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وكي لا يتحمّل مسؤولية إفشال "صفقة القرن" المنحازة لإسرائيل، فيما تشير تحوّلات حماس إلى أنّ همّها الأول اليوم؛ إنهاء معاناة أهالي غزة، بالتوازي مع تقديم تنازلات تضمن جلوسها وحيدة على المقعد الفلسطيني، على طاولة مفاوضات "صفقة القرن".

ربما كانت الرسالة الأهم فيما شهده قطاع غزة من تطورات، خلال اليومين الماضيين، بعد العملية الإسرائيلية الفاشلة؛ أنّ استمرار الانقسام الفلسطيني بين حماس وفتح، واستمرار رهن الملف الفلسطيني لتجاذبات الصراعات الإقليمية والعربية، سيضعف الموقف الفلسطيني، ويجعل إمكانية أن تكرّر إسرائيل العملية لاحقاً أمراً وارداً، تبعاً للحسابات الإسرائيلية، كما أنّ حماس لن تتمكن من تحقيق نجاحات في إستراتيجيتها، الهادفة إلى أن تكون بديلاً للسلطة الفلسطينية، تماماً كما فشلت السلطة الفلسطينية، حتى اليوم، في تجاوز حركة حماس وإلغاء وجودها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية