لماذا يكره داعش الصوفية ويفجر أضرحتهم؟

لماذا يكره داعش الصوفية ويفجر أضرحتهم؟


07/11/2019

ترجمة: كريم محمد


إن الروح التي تنكر أنّ الحبّ الحقيقيّ شعارها
كان من الأفضل ألّا تولد؛ لأن وجودها عار.
لذا اسكر بالحبّ، لأن الحب هو كل ما هنالك.
ما لم تختبر الحبّ، فإن الطريق إلى الله مغلق.

هذه الأبيات من ضمن مئات القصائد التي كتبها الرومي، رسول الحب الصوفي في القرن الثالث عشر. هكذا كانت مكانته في القرون الماضية؛ حيث سميت قصيدته المثنوي "القرآن في الفارسية". وبالنسبة لأولئك الذين قرؤوا شعره، فإنّه من الصعب عليهم استيعاب كيف يمكن لأي شخص أن يزدري جمال الإسلام الصوفي. مع النظر إلى أنّ الصوفيين قدموا أنفسهم على الدوام على أنّهم الورثة الأوفياء للنبي محمد، عليه السلام، فإنّه من الأصعب عليهم فهم سبب ازدراء المسلمين لهم. حتى إنّ الموجات المتتالية للإصلاح الإسلامي وحركات التجديد قد نبذت كل أشكال الإسلام الصوفي. إنّ "الدولة الإسلامية" في العراق والشام (داعش) -التي قضت سلطتها بالحكم بإعدام المتصوفة في سوريا وأزالت أضرحتهم في ليبيا- ليست سوى أحدث الحركات المناهضة للتصوف.

لماذا؟ هناك بعض من الأسباب لذلك.

 

 

يكتسبُ الولي الصوفيّ الولاية من خلال تجربة باطنية ومن خلال قرب من الإله. حقيقةً، يطمح الولاة الصوفيون لأن يصبحوا ورثة عائلاتهم الصوفية المتنفذة والتي احتلت مكانة اجتماعية بارزة منذ أجيال. فمثلها مثل العائلات الكنسيّة في أوروبا القديمة، شكلت هذه السلالات الروحيّة مؤسّسة دينيّة. ومنذ الإمبراطورية العثمانيّة في القرن الرابع عشر حتى القرن التاسع عشر، حتى ورثتهم الأوربيين في القرن العشرين والواحد والعشرين، فإنّ مكانة العائلات الصوفيّة الاجتماعيّة البارزة قد منحنتها غالباً علاقة بالدولة.

الأصوليّون الذين يسعون إلى إعادة المسلمين لأصول الإيمان ينظرون للصوفية كشكل مذهبي ظهر في وقت لاحق بعد النبي وأتباعه

حتى في حالة العراق وسوريا؛ حيث أطاحت داعش بديكتاتوريتين علمانيتيْن، تمتعت علائلات صوفية بارزة بعلاقات عمل مع هؤلاء الديكتاتوريين. فقط في بعض الحالات، تمت إدانة صوفيين بارزين بالتعاون مع الطاغية. وباختصار، بغض النظر عن ادعائهم تمثيل الإسلام في بداياته، مقارنةً مع المؤسسة الصوفيّة القديمة، فإنّ الدواعش هم مُحدثون راديكاليّون. وهذا يخدم مصلحتهم: حيث يمتلكون اتفاقاً وسجلاً فارغاً لتتبع القادمين الجدد.

تساعد اقتصاديّات الصوفية أيضاً في توضيح سبب كون داعش، والعديد من المسلمين غيرها، يعارضونها. بالرغم من خطاب الصوفية عن الفقر -"الفقر فخري" هو أحد أقوال النبي محمد المفضلة-، فإن العائلات الصوفية أكثر ثراءً من أتباعهم. عادة، يأتي هذا الثراء من خلال منح الأراضي والأعشار العرفيّة من قبل أتباعهم، غير أنّ الصوفية الحديثة توجب عليها أن تنوع في كسبها من خلال تقديم خدمات شجبها منتقدوها باعتبارها خرافات تتاخم الشعوذة؛ حيث إنّ الواقع اليومي هو أنّ العديد من الصوفيين يعدون بالمعجزات ويقدمون تمائم مقابل الحصول على أموال من قبل أتباع أو مسؤولين. يشارك كلّ مجدد علمانيّ داعش في عداوتها للصوفيين، باعتبارهم طفيليات تتغذى على سذاجة الفقراء.

اقرأ أيضاً: من يخطط لاستدراج الصوفية إلى ملعب الإسلام السياسي في تونس

لدى مجندي داعش الأوروبيين أسباب مختلفة لعدم الثقة في الصوفية؛ إذ إنّ نشأتهم بعيداً عن الأضرحة الصوفية وحلقات الشرق الأوسط، لم تجعلهم ببساطة يخبرون الإسلام الصوفيّ. إنّ الشباب المسلمين الأوروبيين الذين نشأوا على ثقافة الإنترنت التي كان الصوفيون أبطأ في التكيّف معها من السلفيين- الأصوليين الذين تمنوا العودة إلى الإسلام "الحقيقي" لأتباع النبي محمد الأُوَل، كانوا أقل وعياً بشكل رهيب بتنوعات الإسلام بما فيها الصوفية. من المحتمل أن يعرفوا القليل عن التصوف مثل يافع أمريكيّ نشأ في كنيسة خمسينيّة في كانساس.

اقرا أيضاً: هل الصوفية في إفريقيا مهيأة لمواجهة الإسلام السياسي والتطرف الديني؟

ليست الأسباب السوسيولوجية هي الأسباب الوحيدة وراء كراهية داعش للصوفيين، فالأصوليّون الذين يسعون إلى إعادة المسلمين لأصول الإيمان كما بلغها النبي محمد، عليه السلام، ينظرون للصوفية كشكل مذهبي ظهر في وقت لاحق بعد النبي وأتباعه الأُوَل. ربما يكونون على صواب في هذا الأمر، بالرغم من ادعاءات المتصوفة بأنّهم يمثلون المذهب الباطنيّ للنبيّ. وبالنظر لتعاليم التصوف على أنّها "ابتداع" أتت بعد عصر محمد، فإنّ داعش تتماشى مع خط السلفية، الذين يرون أنّ الإسلام الحق هو ما مارسه السلف الصلح، "الأسلاف الأتقياء" من الجيل الأول بعد النبي محمد، عليه السلام. وبهذا، فإنّ داعش تنتهج المنطق نفسه الذي رفض به مسيحيو القرن السادس عشر الممارسات الكاثوليكية بناءً على أنّهم لا يقرون بالإنجيل الذي صاغه أتباع يسوع الأوائل.

لدى مجندي داعش الأوروبيين أسباب مختلفة لعدم الثقة في الصوفية

إنّ الاتساق المذهبيّ ليس أولوية للأصوليين، بما فيهم داعش. فبالرغم من خطابهم عن العودة للإسلام المبكر، مثلاً، فإنّ الحركة تعتمد على مبدأ التكفير أو "الردّة"، والتي ظهرت في كتابات سيد قطب. وحسب التكفير، الذي لم يذكره النبي محمد، عليه السلام، قط، يمكن اعتبار المسلمين الآخرين مرتدين خائنين يستحقون الموت. إنّ هذا المذهب تكتيكٌ قويّ ضد الصوفية، وبالأخص أتباعهم المحتملين، الذين ثُنوا عن الجهر بتأييدهم لمذهبهم.

اقرأ أيضاً: توظيف العمل الصوفي في مواجهة الظاهرة الإسلاموية

أمّا السلاح العقائديّ الآخر الذي تستخدمه داعش ضد الصوفية،  فهو السحر أو "الشعوذة". هذه أيضاً جريمة من المحتمل أن يُعاقب عليها بالموت. وهنا تظهر داعش نفسها مرة أخرى بمثابة الرفيق الأصوليّ للسلفية، التي ترى وضع الصوفية بكونهم مرتدين يستحقون الموت أو مجرد "أصحاب خرافات" محلّ جدال.

يقودنا هذا الخط الرفيع بين الانتقاد والقتل إلى البعد الاستراتيجيّ لسبب كره داعش للصوفية. لأنهم يعيشون ضمن بعض المجتمعات التي تسيطر عليها داعش؛ إذ يعد الصوفية منافساً محصناً للغاية. وهذا يتضح أكثر في اصطلاحات تسمية المتصوفة، الذين يحمل الكثير منهم لقب "الخليفة" وهو اللقب الذي يحمله زعيم داعش، أبو بكر البغدادي.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الصراع بين الفقهاء والصوفية؟

وكما ذكرنا سابقاً، فقد شكلت العائلات الصوفية البارزة لقرون مؤسسة دينيّة في مناطق عدة في الشرق الأوسط. وبالرغم من أنّ هذه المكانة قد عورضت في القرن العشرين، إلا أنّ الولاء للسادة ورثة الصوفية في المجتمعات الريفيّة قد بقي متشابكاً مع القبيلة ومع البنى الاجتماعيّة الأوسع. وفي حالات أخرى في المدينة، كما في الريف، فقد بقيَ الحجّ للأضرحة الصوفية دعامة إسلام المرأة؛ حيث إنّ الأضرحة توفر مساحات عامة محترمة للنساء للتواصل الاجتماعيّ، وفي الوقت ذاته الحصول على بركات إعجازيّة.

وعلى إثر ذلك، فإنّ عنف داعش استهدفَ كلّاً من الصوفيين الأحياء ولأضرحة الموتى منهم. وبالرغم من أنّ المنافذ الإخباريّة الغربية قد أولت اهتماماً أكبر لتدمير المتطرفين لمواقع ما قبل الإسلام، مثل تدمر، إلا أنّ التركيز الأكثر شيوعاً "للديناميت الإسلامويّ" كان التراث المعماريّ للصوفيّة.

لدى مجندي داعش الأوروبيين أسباب مختلفة لعدم الثقة بالصوفية؛ فنشأتهم بعيداً عن الأضرحة الصوفية لم تجعلهم يخبرون الإسلام الصوفيّ

بهذه البشاعة، فإنّ هذه هي الإستراتيجية التي تجعل داعش جيدة. بالرغم من أنّه من الأكثر شيوعاً هو الاعتقاد في الغرب بأنّ الصوفية مسالمة، إلا أنّ القادة الصوفيين ومزاراتهم غالباً ما كانت نقاط حشد للانتفاضات والمقاومة. وعبر الحدود من أراضي داعش في تركيا، أظهر فوز حزب العدالة والتنمية التقليد النقشبنديّ الصوفيّ، وهو مجموعة ذات توجّه شرعيّ، كقوة فعّالة خلف كواليس صعود صناديق الاقتراع الإسلامويّة. فمن خلال الاقتراع أو الثورات، امتلكت المنظمات الصوفيّة إمكانية المنافسة التي لا ترغب بها داعش.

إذن، هناك إستراتيجيات، وأسباب عقائديّة واجتماعيّة، خلف كره داعش للصوفية. بينما المحافظون في حزب العدالة والتنمية التركيّ يشيرون إلى أنّ الإسلام الصوفي ليس النقيض الليبراليّ لداعش، وإنما هو بديل، وبالتالي فهو منافس. وهذا شيء لا تسمح به طموحات داعش الشموليّة.


نيل جرين
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://aeon.co/ideas/could-sufism-offer-an-alternative-to-isis-for-young-muslims


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية