لماذا يهاجم الخزعلي الموالي لإيران جهاز المخابرات العراقية؟

لماذا يهاجم الخزعلي الموالي لإيران جهاز المخابرات العراقية؟


21/03/2021

عادت المناوشات الإعلامية بين الساسة العراقيين وحكومة مصطفى الكاظمي مجدداً، بعد فترةِ هدوءٍ نسبيٍّ نتيجة زيارة بابا الفاتيكان، فرنسيس الأول للعراق، بداية الشهر الجاري. 
المناوشات ابتدأها زعيم عصائب أهل الحق الموالي لإيران، قيس الخزعلي، باتهامهِ الحكومة بخرقِ سيادة البلاد لدى استعانتها بدولة عربية للتنسيق بشأن ملفات داخلية، أبرزها المنافذ الحدودية، وكيفية القضاء على الفساد المستشري في تلك المنافذ. 

تصريحات قيس الخزعلي ضدّ جهاز المخابرات العراقية جاءت استباقاً لتقديم الجهاز تقريره حول تحركات الميليشيات وتمويلها والمصالح التي تديرها في الداخل والخارج
 

ويرى مراقبون عراقيون؛ أنّ تصريحات الخزعلي التي استهدفت جهاز المخابرات لدى نقل بعض عناصره للمنافذ الحدودية "محاولة استباقية" للردّ على ملفات تكشف تورط العصائب وباقي الميليشيات بعمليات فساد كبيرة، من المرجح أن يكشفها الجهاز للإعلام على المدى القريب؛ لذا يحاول الولائيون لإيران أن يبرئوا ساحتهم أمام الجمهور العام، وفق نظرية "المؤامرة" الرائجة في خطابهم الإعلامي في العراق.

اقرأ أيضاً: الاغتيال السياسي بين التجربتين الإيرانية والعراقية
وتعدّ المنافذ الحدودية أبرز الجوانب الاقتصادية التي ترفد الموازنة العراقية بعد النفط، لكن تلك المنافذ يتم استثمار عوائدها المالية من قبل جهات مسلحة تعمل على إدخال بضائعها التجارية دون الخضوع للتعريفة الجمركية والسياق الإداري العام نتيجة هيمنتها وتواطؤ بعض موظفي المنافذ معها. 

اقتصاديون: المنافذ بيد عصابات نافذة 

ويمتلك العراق 22 منفذاً برياً وبحرياً تتوزّع على المحافظات الخاضعة للحكومة المركزية، وحكومة إقليم كردستان، وتعود جميع واردات تلك المنافذ لهيئة الضرائب العامة في الإقليم وبغداد، ويؤكد باحثون اقتصاديون أنّ الفساد مستشرٍ في تلك المنافذ، لا سيما تلك الخاضعة للحكومة المركزية، وقد فشلت أكثر من حكومة في مكافحة فساد موظفي المنافذ الحدودية.

رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لدى زيارته منفذ زرباطية الحدودي في وقت سابق
ويقول الباحث المختص في الشأن الاقتصادي، حسن مظفر؛ إنّ "غالبية المنافذ الحكومية خارج سيطرة الدولة، وتتبع جهات وعصابات نافذة"، مبيناً أنّ "حكومة حيدر العبادي السابقة حاولت حلّ هذه الإشكالية بالأتمتة والاستعانة بشركات أجنبية، لكنّ الفكرة فشلت عبر وسائل عدة؛ أوّلها عدم تعاون الموظفين، وثانيها الزوبعة الإعلامية التي أثيرت حول العبادي بأنّ الدول تخرق سيادة العراق عبر شركاتها المستعان بها من الحكومة وقتذاك".

اقرأ أيضاً: العراق: هل تتمكّن قوى "تشرين" من هزيمة العلمانيين وتحجيم الإسلاميين؟
ويضيف لـ "حفريات": "فساد المنافذ كبير جداً، ويكشفهُ الفرق بين مبيعات البنك المركزي من الدولار لغرض الاستيراد وواردات الجمارك، فلو افترضنا أنّ مبيعات البنك المركزي سنوياً ٥٠ مليار دولار، يفترض، على أقل تقدير، أن تدعم الجمارك الموازنة بخمسة مليار دولار"، ويستدرك قائلاً: "لكن تجد الرقم في بعض الأحيان ٤٠٠ مليون دولار فقط". 

الكاظمي يستعين بالمخابرات لضبط المنافذ

وعن أنواع الفساد المستشري على المنافذ الحدودية في العراق، يكشف الباحث الاقتصادي بعضاً منها قائلاً: "البضائع عالية الجمارك تدخل بفواتير مزورة؛ فعلى سبيل المثال تفرض ضريبة بمقدار ٣٠٠٪؜ على المشروبات الكحولية، ما يعني ارتفاع أسعارها محلياً، في حين تجد أسعارها لا تتناسب مع أرقام جماركها"، معللاً السبب في ذلك بأنّ "تلك المشروبات تدخل بفواتير سيراميك، أو مواد بناء لانخفاض ضريبتها".

اقرأ أيضاً: العراق: الكاظمي يستعرض إنجازات حكومته وسط غضب شعبي
ويشير إلى أنّ "هناك مواد أهلية معفية من الجمارك، وهناك مواد حكومية معفية أيضاً من الجمارك، وهنا يتم التلاعب في وصف البضائع من أهلية إلى حكومية"، مضيفاً أنّ "إجراء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في إشراك جهاز المخابرات لضبط المنافذ، قابلتهُ أصوات متضررة من هذه الخطوة، وأثارت الرأي العام تجاه الجهاز من أنّه مخترق، أو بالتذكير بدور الجهاز في اغتيال الجنرال قاسم سليماني وحليفه العراقي "أبو مهدي المهندس"، بداية العام الماضي، على يد الأمريكيين". 
ومؤخراً، أمر القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، بنقل 300 ضابط ومنتسب من جهاز المخابرات العراقي إلى هيئة المنافذ الحدودية، وهذا القرار يعدّ مكملاً لقرار مسك الجيش العراقي للمنافذ، الذي أصدره في آب (أغسطس) الماضي. 

اتهامات بخرق سيادة العراق
وكان رئيس عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي،  قد وجّه الأسبوع الماضي، اتهامات لدولة عربية، بخرق سيادة العراق بالتعاون مع حكومة مصطفى الكاظمي، التي يناكفها الخزعلي منذ اليوم الأول لتشكيلها. داعياً إلى عدم السكوت على ما يحصل في البلاد. 

وقال الخزعلي، في تغريدة عبر حسابهِ بتويتر؛ إنّ "هناك أسئلة تطرح نفسها، وهي: هل وصل العراق إلى هذه الدرجة من الضعف حتى يستباح بهذه الطريقة؟ 
وتساءل زعيم عصائب أهل الحق، مستنكراً "ما حجم المؤامرة التي تحاك ضدّ العراق، وما أسرع خطوات تنفيذها في الفترة الأخيرة وما أجرأ منفذيها!"، مستهجناً الصمت الرسمي بالقول: "لا أعلم سبب السكوت أو التهاون إزاء هذا الموضوع! وما يجري ومنذ فترة أقل ما يقال عنه إنّهُ خطير ويهدّد مستقبل الدولة". 

الجهاز يهدّد بمقاضاة المسيئين إليه 
اتهامات الخزعلي لجهاز المخابرات العراقي، قوبلت بردّ رسمي من قبل الجهاز الذي هدّد بمقاضاة كلّ من ينال من "كرامة منتسبيه"، ومن يتعرض له باتهامات "ظالمة"، من ساسة وإعلاميين، وفقاً لمعلومات "خاطئة". 

الباحث الاقتصادي حسن مظفر لـ"حفريات": إشراك رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي جهاز المخابرات لضبط المنافذ، قابلتهُ أصوات متضررة من هذه الخطوة

وقال في معرض ردّهِ على الخزعلي؛ إنّه اطلع "على تصريحات سياسية تحاول الإساءة إلى سمعة الجهاز والنيل من كرامة ووطنية ضباطه ومنتسبيه"، معرباً عن "استغرابه لمثل تلك التصريحات التي تتجاوز كلّ السياقات الطبيعية للتعاطي مع حساسية الجهاز وطبيعة عمله، ناهيك عن الطعن بانتمائه الوطني، على خلفية إجراءات إدارية اعتيادية مثل نقل مجموعة من منتسبيه إلى مؤسسة أخرى".
ومضى بالقول: "يؤكّد ضباط ومنتسبو الجهاز أنّهم جنود أوفياء لوطنهم في أيّ موقع يعملون فيه، وأنّ الإجراء الإداري المشار إليه تمّ وفق هذه الرؤية الوطنية والمهنية وتلبية لطلب هيئة المنافذ الحدودية بالحاجة إلى مجموعة من العناصر لتدعيم عمل المنافذ مهنياً وأمنياً، ووصل إلى الجهاز وفق القنوات الأصولية، وقد استجاب الجهاز لهذا الواجب بعد دراسة السياقات القانونية".

 المنافذ الحدودية العراقية حالة فساد مستشرية تستثمرها الجماعات المسلحة في البلاد لإنعاش اقتصادها الخاص
وأعرب جهاز المخابرات الوطني عن أسفه لاضطراره إلى الردّ والتوضيح "على مثل هذه الاتهامات الظالمة من بعض الفئات السياسية والإعلامية والمستندة إلى معلومات خاطئة تماماً، وبما يتقاطع مع كلّ الأعراف والسياقات في التعاطي مع السرية والحساسية في عمل أجهزة المخابرات، حيث تفتخر الدول بأجهزة مخابراتها وترفض الزجّ بها في أيّ جدل سياسي وإعلامي"، مؤكداً "الاحتفاظ بحقّه القانوني بمقاضاة كلّ من يحاول النيل من كرامة منتسبيه، كما يجدد العهد لشعبنا بأن يواصل واجبه الوطني والدستوري في حماية أمن العراق ومصالح شعبنا العليا".

محللون: الخزعلي يستبق إعلان الجهاز عن تحركاته
هذا وقد رأى محللون سياسيون، أنّ تصريحات قيس الخزعلي ضدّ الحكومة العراقية، وتحديداً جهاز المخابرات، تأتي كمحاولة استباقية لقيام الجهاز بكشف تحركات الميليشيات ومشاريعها الاقتصادية في داخل وخارج العراق. 

اقرأ أيضاً: العراق في مواجهة الميليشيات

ويقول محمد باسم (اسم مستعار لمحلل سياسي داخل العراق) لـ "حفريات"؛ إنّ "تصريحات الخزعلي ضدّ جهاز المخابرات جاءت استباقاً لتقديم الجهاز تقريره حول تحركات الميليشيات وتمويلها والمصالح التي تديرها في الداخل والخارج"، مضيفاً "حيث أعدّت العمليات الخاصة بالجهاز تقريراً يوضح دور عصائب أهل الحق في عملية ما يسمى (المتعاملين على القطعة)، وهم خلايا غير مرتبطة عضوياً أو تنظيمياً بالعصائب، لكنّهم ينفذون عمليات ويديرون مصالح لصالحها، ويتسلمون أموالاً أو عقودَ عملٍ مقابل ذلك".

اقرأ أيضاً: العراق يختبر أياماً مفصلية في علاقته مع أمريكا.. والسبب إيرا

ويشير إلى أنّ "طرح الخزعلي الاستباقي أفصح عن إساءة واضحة منهُ للدولة العراقية ومؤسساتها، خصوصاً بعد ردّ الجهاز بشكل غير مباشر على تصريحاته"، التي أثارها زعيم العصائب من أجل استثارة مشاعر العراقيين قبيل تسريب التقرير المذكور".

وتعدّ عصائب أهل الحق من الحركات السياسية المسلحة في العراق، والمنضوية في تحالف الفتح، بزعامة هادي العامري، الولائي لإيران، والذي يمتلك 48 مقعداً في البرلمان العراقي، 15 منها لكتلة "صادقون" النيابية، الجناح السياسي للعصائب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية