لمصلحة مَن إشعال نيران الصراع القبليّ في شرق السودان؟

لمصلحة مَن إشعال نيران الصراع القبليّ في شرق السودان؟


19/08/2020

تعيش ولاية البحر الأحمر في شرق السودان صراعاً قبلياً دموياً بين قبيلتَي النوبة والبني عامر، وبلغت حصيلة الضحايا؛ 25 قتيلاً، و87 جريحاً من الطرفين، وفق آخر إحصاء صدر عن لجنة أطباء السودان المركزية، وتعرّضت العديد من المنازل والممتلكات للحرق.

وكانت الاشتباكات القبلية قد اندلعت في مدينة بورتسودان، عاصمة الولاية، الأحد الماضي، وفشلت القوى الأمنية في احتوائه، وأعلن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، إرسال تعزيزات عسكرية إلى المدينة، وأقرّ حمدوك حظر التجوال الذي فرضه الوالي، المهندس عبدالله شنقراي، الثلاثاء الماضي.

وشهدت مناطق شرق السودان اشتباكات متكررة بين القبيلتين، العام الماضي، وتجدّدت العام الجاري، وترتبط بالاشتباكات قضية رفض تجمعات قبلية في ولاية كسلا، للوالي الجديد صالح محمد صالح، والتي لم تحلّ بعد.

الهدندوة والبني عامر

وصدرت قائمة تعيينات الولاة الجدد، التي ضمّت 18 والياً لولايات السودان، في 22 تموز (يوليو) الماضي، وشملت تعيين، صالح محمد صالح، لولاية كسلا.

وأثار اختيار صالح موجة من الاحتجاجات القبلية في الولاية؛ كونه ينتمي إلى قبيلة البني عامر، ويقود المعارضة القبلية ناظر عموم قبائل الهدندوة، محمد الأمين ترك، وعدّة تجمعات قبلية في الولاية، من بينها قبائل النوبة.

كانت الاشتباكات القبلية قد اندلعت في مدينة بورتسودان، عاصمة الولاية، الأحد الماضي

بينما تتمسك الحكومة بتعيين صالح، الذي وقع اختياره على أساس الكفاءة، فضلاً عن أنّه أحد رموز الحراك الثوري، وفق تصريحات حكومية.

ووقعت الاشتباكات في مدينة بورتسودان خلال عودة أفراد تابعين لقبائل النوبة من ولاية جنوب كردفان، بعد مشاركتهم في مسيرة احتجاجية، وحين مرّوا عبر حيّ دار النعيم في بورتسودان، الذي تسكنه البني عامر، وبسبب اشتباكات سابقة وقعت بين الطرفين، ظنّ البني عامر أنّ هذا هجوم على منازلهم، فاشتبكوا مع أفراد قبيلة النوبة، وانتقلت الاشتباكات إلى مناطق أخرى في شمال وشرق الولاية، واستُخدمت فيها الذخيرة الحيّة، والأسلحة البيضاء.

مراقبون: العداء التاريخي بين المكوّنات القبلية شرق السودان الذي غذّاه نظام البشير هو سبب الاشتباكات المتكررة التي بدأت بين البني عامر والنوبة بصراع حول موارد المياه

وانخرطت قبيلة البجا في الصراع، بعد مقتل أفراد تابعين لها، وفق ما صرّح به والي البحر الأحمر، لتلفزيون محلي سوداني.

وكانت حالة من الشحن وإثارة الكراهية قد انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شرق السودان، عقب الإعلان عن والي كسلا الجديد، وامتدّ ذلك إلى ولايات القضارف والبحر الأحمر، بسبب التداخل القبلي.

وبخصوص ذلك؛ يقول الناشط الحقوقي، عبد الله أحمد، الذي يعيش في كسلا: "ولاية كسلا مرتبطة ارتباط وثيق بولاية البحر الأحمر، وتتشاركان المكونات الاجتماعية نفسها؛ لذلك انتقل الصراع إليها".

اقرأ أيضاً: مَن يعبث في مسيرة الإصلاح الثوري في السودان؟

ويضيف أحمد: "هناك خطاب كراهية يُروج له، ضدّ البني عامر، يشكّك في هويتهم ووطنيتهم، ما تسبب في حالة احتقان وكراهية متبادلة، وبسبب هذا الخطاب الذي يُروج له مجهولون عبر الفيسبوك، اندلعت اشتباكات سابقة".

صراع قبلي أم أيدٍ خفية

شهدت مدينة بورتسودان اشتباكات سابقة بين البني عامر والنوبة، منها أحداث مطلع العام التي أسفرت عن مقتل 9 أشخاص، وإصابة 100 آخرين. وشهد شهر آب (أغسطس) العام الماضي، اشتباكاً مماثلاً أدّى إلى مقتل 13 شخصاً.

الناظر ترك، زعيم قبائل الهدندوة

ويرى مراقبون أنّ العداء التاريخي بين المكوّنات القبلية في الشرق، والذي غذّاه نظام البشير السابق، هو السبب في اندلاع الاشتباكات المتكررة، وكانت اشتباكات البني عامر والنوبة هذا العام قد بدأت بصراع حول موارد المياه، في أيار (مايو) الماضي، وخلّفت 7 قتلى.

ويرى آخرون أنّ هناك دولاً إقليمية، وعناصر من نظام الانقاذ البائد تغذي الحساسيات القبلية، لتتحوّل إلى اشتباكات وفوضى، بهدف تحقيق مصالح خاصة، أو إفشال حكومة حمدوك، المنبثقة عن الثورة.

اقرأ أيضاً: لماذا يبدو موقف السودان من سدّ النهضة "منزلة بين المنزلتين"؟

وفي تقدير الصحفي السوداني، محمد إسماعيل؛ فإنّ الصراع يعود إلى العداء بين المكوّنين القبليين، إذ إنّ "تفاقم الأوضاع بين القبيلتين في هذه المدينة بهذه الصورة ليس الأول من نوعه؛ إذ انطلقت شرارة الأحداث بينهما في ولاية القضارف، في شهر رمضان الماضي، وسرعان ما انتقلت إلى محلية خشم القربة بولاية كسلا، بالتزامن مع عيد الفطر، ومن ثم إلى ولاية البحر الأحمر، وتحديداً حاضرتها المدنية".

الصحفي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس لـ"حفريات": هناك جهات تستغل الخلافات القبلية في صراعها، إذ تُستَخدام القبائل لتحقيق مصالح البعض، أو الحفاظ على مكاسب منذ النظام السابق

ويردف إسماعيل، لـ "حفريات": "تعود جذور الخلاف بين البني العامر والنوبة إلى عصر الإنقاذ، حيث نشبت العديد من الخلافات، التي تطورت فيما بعد إلى صراعات، وكان الاحتواء لها مؤقتاً، وتفاقمت الأمور، وأصبح الصراع سيناريو معتاداً".

أما الصحفي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، فيعتقد أنّ هناك جهات تستغل الخلافات القبلية في صراعها على المصالح، ويقول: "الآن، في شرق السودان، تُستَخدام القبائل لتحقيق مصالح البعض، أو الحفاظ على مكاسب كانت منذ أيام النظام السابق؛ أي، باختصار، لمصالح بعض المستفيدين يتم تسييس القبائل".

ويضيف أبو إدريس، لـ "حفريات"، عن معارضي الوالي الجديد في كسلا: "كان منطقياً الاعتراض على الوالي بنقص كفاءة، أو أيّ سبب آخر مثلاً، لكنّ إدخال العامل القبلي من المعترضين على الوالي والمؤيدين له؛ هو إدراج القبائل في أتون صراع، لا ناقة لها ولا جمل فيه، فقط حفاظاً على مصالح البعض".

من المستفيد؟

ووفق ما صرّح به الناشط الحقوقي، عبد الله أحمد، لـ "حفريات"، فلا توجد استفادة لأيّ من القبائل في الصراع، الذي يذهب بخيرة أبنائها، ويقول: "ليس صراعاً قبلياً، ولا يوجد أدنى حدّ يجعلهم يقتتلون بين بعضهم؛ لا تجارة أو زراعة أو صناعة أو حتى سكن".

اقرأ أيضاً: هل يقطع السودان مع ماضيه الإسلاموي؟

واتّهم أحمد جهات داخل الجيش، من فلول النظام السابق، بالوقوف وراء الأحداث، من بينهم والي البحر الأحمر السابق، محمد طاهر إيلا، وعناصر في الأمن والجيش، بإشعال الصراعات القبلية، ونشر الفوضى، في مخطط للانقلاب على الحكومة، ويدعم ذلك تقصير اللجنة الأمنية في التصدي للعنف القبلي، وفق قوله.

اتّهامات لجهات داخل الجيش، من فلول النظام السابق، بالوقوف وراء الأحداث

وعلاوةً على ذلك؛ هناك مصالح خاصة لقادة قبليين في شرق السودان، وعلى رأس هؤلاء، الناظر ترك، الذي يرى الناشط الحقوقي، عبد الله أحمد؛ أنّ رفضه للوالي الجديد في كسلا غير منطقي، فهو ليس سياسياً، بل قائداً قبلياً.

ويقول أحمد، لـ "حفريات": "يعمل الناظر ترك بالتنسيق مع قياديي جبهة الشرق، الذين وقّعوا اتفاقية سلام مع الحكومة، عام 2006، والذين يخشون أن يأتي والي جديد يفتح ملف الفساد في صندوق إعمار الشرق، الذي كان ضمن اتفاقية أسمرا".

اقرأ أيضاً: لماذا يُتهم السودان بالتنازل لصالح أثيوبيا في أزمة سدّ النهضة؟

ولم يستبعد الصحفي، محمد إسماعيل، تورّط عناصر النظام البائد في خلق الأزمة، وأشار إلى أنّ إلقاء السلطات الأمنية القبض على مساعد الرئيس المخلوع، عمر البشير، والقيادي بالمؤتمر الوطني المحلول، إبراهيم محمود حامد، بتهم تتعلق بأسلحة وأموال وإثارة الحرب ضد الدولة.

ويضيف إسماعيل: "هناك أسلحة نارية استخدمت للمرة الأولى في الصراع القبلي، ممّا يكشف وجود تدخلات خارجية وداخلية لتأجيج الفتنة، ونقلها إلى مناطق أخرى، وستكشف الأيام المقبلة المستفيد من هذا الصراع".

وتعد قبيلة الهدندوة والبني عامر من أكبر القبائل البجاوية، ولهما امتداد من إريتريا حتى شمال السودان، والنوبة قبيلة أفريقية تعود أصولها إلى منطقة جنوب كردفان، هاجر أفراد منها إلى بورتسودان منذ عقود، للعمل في الميناء.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية