ماذا جنى الفلسطينيون من الوعود "الثورية" لأردوغان؟

ماذا جنى الفلسطينيون من الوعود "الثورية" لأردوغان؟


06/09/2020

في عام 2005 رصدت شبكات التلفزة ووسائل الإعلام العالمية والعربية الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي، حينها، رجب طيب أردوغان إلى إسرائيل والتقى خلالها برئيس الوزراء أرييل شارون، ووضع إكليل زهور على قبر الزعيم اليهودي الشهير، ثيودور هرتزل.

فهل تغير الأمر حينما أصبح أردوغان رئيساً؟

الوقائع المباشرة تشير إلى أنّ الرئيس التركي تعامل، بدهاء، مع الملف الإسرائيلي، لأسباب يقدرها المحللون بأنها انتخابية محضة، وآخرون يقول إنّ الدهاء والخداع والالتفاف على الحقائق جزء من التركيبة النفسية للرئيس التركي الذي يقوده غروره الإمبراطوري إلى ارتكاب حماقات دمّرت الوضع الاقتصادي في بلده، ومن يشكك في ذلك فلينظر إلى وضع الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي.

أرودغان يعلم أنّ "معاداة" إسرائيل هي مفتاح السر لكسب القلوب العربية والإسلامية التي ما زالت، وهي محقة إلى أبعد الحدود، ترى في الكيان الصهيوني احتلالاً بغيضاً.

ولتغذية هذه المشاعر مضى أردوغان في التكسب من هذا الملف، من أجل زيادة شعبيته التي قادته إلى سلوك دروب شعبوية هدفها خطف الأضواء، كما جرى في مؤتمر دافوس الاقتصادي عام 2009، وكان أردوغان حينها رئيساً للوزراء.

ماذا جرى في دافوس؟

في دافوس اندلعت مشادة كلامية حادة ونادرة الحدوث بين أردوغان، والرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، انسحب على إثرها الأول غاضباً، بسبب عدم إعطائه فرصة للرد بعد مداخلة مطولة للرئيس الإسرائيلي.

العلاقات التركية الإسرائيلية تشهد حالياً مؤشرات على تحسن ملموس، إذ التقى رئيس المخابرات التركية هاكار فيدان، رئيس الموساد، يوسي كوهين، عدة مرات خلال العام الماضي

ورغم اعتذار بيريز فيما بعد لأردوغان في مكالمة هاتفية بينهما وصفت بـ"الودية"، إلا أنّ المفاعيل التي كان يتوقعها أردوغان من خلال رده فعله أمام الكاميرات، تجلت استقباله في اسطنبول استقبال الأبطال؛ حيث تجمع نحو ثلاثة آلاف شخص، في محيط مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول، حاملين أعلاماً تركية فلسطينية لاستقبال أردوغان، ولوحوا بلافتات كتب عليها "مرحباً بعودة المنتصر في دافوس"، مرددين شعارات معادية لإسرائيل، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

أوغلو يكشف المستور

لكنّ ما كشف عنه مؤخراً، أحمد داود أوغلو، رفيق درب الرئيس التركي، يقدم رواية مختلفة عما جرى قبل أحد عشر عاماً؛ حيث بذل أوغلو جهوداً جبارة لاحتواء الأزمة مع إسرائيل بعد خشية أردوغان من تبعات موقفه الاستعراضي في مؤتمر دافوس.

اقرأ أيضاً: لماذا يُبقي أردوغان اتفاقيات بلاده العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل سرّية؟

وكشفت تصريحات، نقلتها صحيفة "زمان" لداود أوغلو رئيس حزب "المستقبل" حالياً بعد انشقاقه عن حزب "العدالة والتنمية"، ما وراء واقعة ما تم التعارف على تسميته "دقيقة واحدة – One Minute" الشهيرة بين أردوغان وبيريز، حيث احتد أردوغان بسبب أحداث غزة آنذاك، واتهم إسرائيل بقتل الفلسطينيين، لكنه خشي من تبعات موقفه فيما بعد.

أردوغان كان قد قال عن داود أوغلو: "من كانوا معنا في مؤتمر دافوس، أسسوا الآن حزباً جديداً. وعندما قلنا في ذلك اليوم"One Minute"، كانوا يخافون من عواقب هذا الموقف".

تصريح أردوغان جعل داود أوغلو، الذي شغل منصب وزير خارجيته طويلاً، يخرج عن صمته، ويكشف لأول مرة أّن أردوغان كان متخوفاً من العواقب التي قد تحدث جراء موقفه الاستعراضي  تجاه لإسرئيل، مشيراً إلى أنه عندما كان في منصب وزير الخارجية توسط لتهدئة الأجواء بين الطرفين.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت تركيا سوقاً كبرى للصناعات العسكريّة الإسرائيلية؟

وردّ داود أوغلو على أردوغان قائلاً: "في تلك الليلة، كنت أقوم بتحركات دبلوماسية بنفسي من وراء الستار من أجل جعل بيريز يعتذر لتركيا، في الوقت الذي كان البعض في دافوس وتركيا يخافون من تبعات موقف حادثة  "one minute"، وهو نفسه (أردوغان) يعرف جيداً أنّ الاعتذار الإسرائيلي لتركيا جاء بعد حديثي الهاتفي شخصياً مع المسؤولين الإسرائيليين".

توتر ظاهري

وواجهت العلاقات بين تركيا وإسرائيل نكسات في العقد الأخير، لكنّ ذلك لم ينعكس على الميزان التجاري بين البلدين، وتقول التقارير إنّ حجم المبادلات التجارية بين تركيا وإسرائيل في عام 2016 بلغ أكثر من من 4.2 مليار دولار، وأنها ارتفعت في العام التالي 2017 بنسبة 14% . لكنها لامست 6.6 مليارات دولار في عام 2019، وهو أعلى رقم بين بين البلدين، بحسب صحيفة "ديلي صباح" التركية، وذلك على الرغم من التوتر الظاهري في العلاقات بين البلدين.

كما أنّ مدير الطيران المدني الإسرائيلي كشف في عام 2013 أنّ شركات الطيران التركية تقوم بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعياً إلى إسرائيل، وأنها تنقل بين البلدين أكثر من مليون مسافر سنوياً.

وكانت إسرائيل مصدر السلاح الرئيس لتركيا لفترة طويلة، علاوة على التعاون العسكري في مجال التدريب وتطوير الأسلحة.

وكان التعاون العسكري بين البلدين لعقود في ذروته منذ سيطرة القوات التركية على شمال قبرص في عام 1974

اقرأ أيضاً: تركيا تحتل من سوريا أضعاف ما تحتله إسرائيل.

واعتمدت تركيا حينها على إسرائيل في تطوير جيشها، نظراً لعقوبات أمريكية وأوروبية فرضت على أنقرة على خلفية المشكلة القبرصية.

وتعد تركيا الدولة الأولى ذات الغالبية المسلمة، التي اعترفت بإسرائيل وأقامت علاقات رسمية معها منذ عام 1949.

القفزة الكبيرة في المجال العسكري

أما القفزة الكبيرة في المجال العسكري فكانت عام 1996 في عهد حكومة نجم الدين أربكان، الذي يعد، كما يقول موقع "سكاي نيوز عربية"، الأب الروحي والفعلي للتجربة الإسلامية السياسية، عندما أبرمت تل أبيب وأنقرة اتفاقيتين عسكريتين، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، لتكون أول اتفاق بين الدولة العبرية ودولة ذات أغلبية إسلامية.

حجم المبادلات التجارية بين تركيا وإسرائيل لامس 6.6 مليارات دولار في عام 2019، وهو أعلى رقم بين بين البلدين، بحسب صحيفة "ديلي صباح" التركية

وكان أربكان، زعيم حزب الرفاه، ذي التوجه الإسلامي، الذي خرج منه رحمه حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه الرئيس أردوغان.

وفي شباط (فبراير) من ذلك العام، تم توقيع اتفاق عسكري في مجال التدريب والمناورات، سمح بموجبه للطيارين الحربيين الإسرائيليين باستخدام الأجواء والقواعد التركية، أربع مرات في السنة، في مقابل تعرف نظرائهم الأتراك على التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية.

وكانت هذه الاتفاقية مكسباً كبيراً بالنسبة إلى إسرائيل، فمجالها الجوي صغير للغاية ولا يقارن بنظيره التركي، بحسب دورية "ستراتيجيك كومينتس".

وطبقاً لمركز دراسات الصراع، فإنّ الطيارين الإسرائيليين اكتسبوا خبرة كبيرة على مر السنين من جراء هذا الاتفاق، الذي مكّنهم من التحليق فوق مناطق جبلية "ستكون ضرورية للمهمات فوق إيران".

لكن الإعلان عن هذا التعاون بين الطرفين تم في نيسان (أبريل) 1996، وحينها صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، قائلاً: "بتشابك الأيادي التركية والإسرائيلية، فإننا نشكل قبضة قوية".

اقرأ أيضاً: أين حدود إسرائيل وتركيا وإيران؟

وفي آب (أغسطس) 1996، وقعت تل أبيب وأنقرة اتفاقية أخرى تشمل تبادل زيارات الوفود العسكرية والتعاون في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود والتعاون الجوي والبحري.

ورأى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في ورقة بحثية عام 1997، أنّ تركيا وإسرائيل عززتا في هذا الوقت من علاقتهما الاستخبارية الطويلة الأمد.

وبحسب المعهد، أدى تعزيز العلاقات العسكرية بين تركيا وإسرائيل وقتها إلى تعميق المخاوف العربية والإيرانية بشأن التداعيات المحتملة لهذا المحور المتبلور.

وفي عام 1997، ذكرت صحف تركية أنّ تل أبيب وأنقرة شرعتا في برنامج من أجل تقييم التهديدات التي تواجه البلدين، للمسارعة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة في حال وقوع أي حادث.

إسرائيل ساعدت تركيا ضد الأكراد

وساعدت إسرائيل تركيا في تأمين حدودها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الأكراد الذين يعملون انطلاقاً من قواعد في سوريا والعراق وإيران، بالاعتماد على تجربتها الخاصة في تأمين حدودها إبان احتلال جنوب لبنان.

وعلى الصعيد الأمني، اجتمع المسؤولون في مخابرات البلدين مراراً لتبادل المعلومات بشأن سوريا والعراق (في عهد صدام حسين) وإيران.

وبحسب معهد دراسات الصراع، فقد كانت التجارة بين البلدين لا تزيد عن 18 مليون دولار في 1987، ووصلت إلى ملياري دولار في 2004.

وخلال أزمة فيروس كورونا، وجد الموردون الإسرائيليون في تركيا بديلاً عن الصين، بسبب قرب تركيا الجغرافي وأسعارها المعقولة، بحسب صحيفة "ديلي صباح".

ويرى المتخصص في الشأن تركي، محمد عبد القادر، بأنّ تطور العلاقات مع إسرائيل، تم أساساً في عهد الإسلاميين. وأوضح عبد القادر في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية" أنّ العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مرت بثلاث قفزات: المرحلة الأولى التي تعرف بالتأسيسية، وارتبطت برئيس الوزراء في خمسينيات القرن الماضي عدنان مندريس.

اقرأ أيضاً: تقرير: التدخل التركي في سوريا يخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية

وأثمرت العلاقات الإسرائيلية التركية حينها عن تأييد أنقرة للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بحسب عبد القادر.

أما المرحلة الثانية فتمت في عهد أربكان الذي شن هجوماً كلامياً على إسرائيل في الحملة الانتخابية، لكنّ الاتفاقات العسكرية الاستراتيجية وقعت في عهده.

وجاءت المرحلة الثالثة في عهد أردوغان، الذي اتبع نفس السياسة، لكنه حافظ على العلاقات مع إسرائيل وجعل بعضها سرياً.

ويقول معهد "السادات بيغن" في ورقة بحثية إنّ العلاقات التركية الإسرائيلية تشهد حالياً مؤشرات على تحسن ملموس، إذ التقى رئيس المخابرات التركية هاكار فيدان، رئيس الموساد، يوسي كوهين، عدة مرات خلال العام الماضي.

الصفحة الرئيسية