ماليزيا أمام معضلة صعود نسختين إسلاميتين متطرفة ومعتدلة

ماليزيا أمام معضلة صعود نسختين إسلاميتين متطرفة ومعتدلة

ماليزيا أمام معضلة صعود نسختين إسلاميتين متطرفة ومعتدلة


01/03/2023

هشام النجار

شهدت ماليزيا متغيرين من شأنهما تعزيز نفوذ تيار الإسلام السياسي، حيث تولى أحد قادته وهو أنور إبراهيم رئاسة الحكومة مؤخرا، وبعد أقل من أسبوعين من هذا التعيين أصبح الحزب الإسلامي (باس) ذراع الإخوان السياسية هو الكتلة الأكبر في البرلمان.

وخالف الحزب الإسلامي المتشدد التوقعات وحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان عن حزب واحد بنحو 49 مقعدًا من أصل 222 مقعدا، أي أكثر من ضعف المقاعد التي فاز بها عام 2018، وتولت شخصية مؤسسة ومُسهمة في المشروع الإسلامي منصبًا رفيعًا في ماليزيا، فقد عاد أنور إبراهيم إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى.

وحصد ائتلاف تحالف الأمل الذي يتزعمه إبراهيم والمكون من 4 أعضاء في الانتخابات أكبر عدد من المقاعد بحصوله على 82 مقعدًا، متفوقًا على ائتلاف التحالف الوطني ويضم الحزب الإسلامي الذي حل ثانيًا بحصوله على 73 مقعدا.

التنظيم الدولي للإخوان يسعى عبر أذرعه الآسيوية والقادة المحسوبين عليها لتعويض تراجع مشروعه في الشرق الأوسط

وإذا كان صعود نفوذ الحزب الإسلامي يمثل دعما لمشروع التنظيم الدولي للإخوان فإن صعود أنور إبراهيم إلى السلطة وانتقاله من المعارضة إلى الحكم هما انتصار أيضا لما يسمى بـ”مشروع الإسلام الليبرالي”.

وتقف ماليزيا بهذا الصعود الإسلامي، المعتدل والمتشدد، على مفترق طرق، وتحضر فرضية ضعيفة لتخفيف مسألة الإقصاء، بينما يهدد التوجه المحافظ بالانحراف بشكل أكبر نحو الأسلمة المغالية في التطرف، بالنظر إلى ما يتبنّاه الحزب الإسلامي من تصورات متشددة بحجة الدفاع عن الشريعة الإسلامية.

وتُعيد هذه المعادلة إلى الأذهان ثنائية حزب النور السلفي وجماعة الإخوان في مصر. وكما أثار صعود السلفيين حفيظة المسيحيين والليبراليين في التجربة المصرية عام 2012، أثارت مكاسب الحزب الإسلامي (باس) تخوفات وسط المجتمعات العرقية الهندية والصينية، غير المسلمة.

كما عول البعض على جماعة الإخوان في مصر عقب صعودها إلى السلطة بزعم أنها الجناح المعتدل داخل التيار الإسلامي للتخفيف من تطرف السلفيين وطروحاتهم وممارساتهم الإقصائية.

ويراهن كثيرون في ماليزيا وخارجها على شخصية أنور إبراهيم وجناحه الذي تتمحور رؤيته حول مجتمع أكثر شمولًا وأقل انقسامًا عرقيًا ودينيًا.

زحف الأسلمة

يواجه البلد الآسيوي الحيوي الآن زحف الأسلمة وفقًا لأيديولوجيا جماعة الإخوان التي تعمل على ترسيخ محاكم الشريعة في مواجهة المحاكم المدنية، وتعزيز الهوية الإسلامية داخل المؤسسات وتعميم مصطلحاتها في القضايا السياسية.

ويتأسس برنامج الحزب الإسلامي على تطوير ماليزيا بوصفها دولة إسلامية، مراهنًا على ما يتمتع به من نفوذ تزايد في الانتخابات الماضية.

ولدى الحزب خطة للسيطرة على الفضاء العام بزعم احتكار الحديث باسم الفضائل والمُثل الإسلامية، مُقصيًا خصومه السياسيين باستخدام سلاح التكفير والتشويه، حيث يتهمهم بأنهم “شيوعيون وأعداء الدين”.

ويهدف مشروعه في المجمل إلى تغيير نمط التدين الماليزي المتسامح والمنفتح على الآخر عبر تكريس النمط الأحادي المتشدد، وهو مخطط يخفي أهداف السيطرة على السلطة بوصفه الوصي على المجال الأخلاقي وما يعتبره تطبيقًا للشريعة.

ويصعب إغفال البعد الخارجي لهذا الصعود، حيث يسعى التنظيم الدولي للإخوان عبر أذرعه الحزبية الآسيوية والقادة المحسوبين عليها لتعويض تراجع مشروعه في الشرق الأوسط وعزله عن السلطة في دول مثل مصر وتونس بالصعود في مناطق نفوذ أخرى في جنوب شرق آسيا.

وظهرت خطط تعويض هزيمة وتراجع هذا المشروع في المنطقة العربية بتصعيده في ماليزيا ودول جنوب شرق آسيا عموما عندما استضافت كوالالمبور في عام 2019 القمة الإسلامية التي ضمت حلفاء الإخوان في المنطقة، وقادة التنظيم الدولي للإخوان في العالم وقادة حركة حماس.

محفزات وعوائق

يثير صعود تيار الإسلام السياسي داخل إحدى ساحات نفوذه في آسيا، عقب تراجعه في الشرق الأوسط، أسئلة تتعلق بمدى قدرته على إحراز نجاحات في السلطة من خلال تجارب بديلة، مقابل ترجيحات بتكرار الفشل.

ويتوقف نجاح التجربة على فرضية قدرة الجناح الإسلامي المعتدل نسبيًا (تحالف الأمل بزعامة أنور إبراهيم)، الذي أبدى استعداده للعمل مع مختلف العرقيات ويتبنى ما يسمى بـ”الإسلام الرحيم”، على احتواء الجناح الأكثر تشددًا ممثلًا في الحزب الإسلامي.

وتعزز السمات الشخصية لرئيس الحكومة الجديد فرضية نجاح هذا السيناريو، حيث يتبنى نهج الاحتواء والشراكة والشمول، وعلاوة على شعبيته الكبيرة وسط مختلف الأعراق الماليزية تربطه علاقات جيدة بالدوائر الإقليمية والدولية وتم وصفه سابقًا بأنه الرجل الأول في شرق آسيا.

ويكمن التحدي الرئيسي الذي يواجهه السياسي المخضرم، الذي مر على وزارات عدة وأشرف على نشاطات فكرية وأكاديمية، في مدى قدرته على احتواء الائتلافات العرقية والأحزاب السياسية في ظل التباين العرقي والاستقطاب السياسي الحاد.

لكن قد يمثل الصعود اللافت للحزب الإسلامي عائقًا في طريق أنور إبراهيم الذي واجه دوائر عرقلت مسيرته السياسية منذ التسعينات من القرن الماضي، لأن الحزب طور نسخة قومية من الإسلام السياسي (عقيدة السيادة الملاوية القوية) وكان سببًا في انقسام أمة متعددة الثقافات.

لن يكون طريق الوعود المتعلقة بتحسين الأوضاع وخفض تكاليف الغذاء سالكا مع ما أفرزته السنوات الأربع الماضية في ماليزيا من توتر سياسي ووضع معيشي قاتم

وينظر الإسلاميون المحافظون، الذين يتبنون تفسيرًا أكثر صرامة للشريعة الإسلامية، إلى نهج أنور إبراهيم التشاركي كليبرالية غير مرحب بها، ما سيحول دون نجاحه في تحقيق برنامج الإصلاحات الاقتصادية والحوكمة ومكافحة الفساد ومساعيه لتخليص ماليزيا من التعصب الديني والعنصرية.

ويواجه الرجل معضلة بشأن نجاحه في كسب ثقة وتأييد الملايو (أغلبهم مسلمون)، الذين يشكلون نحو 70 في المئة من سكان البلاد، من عدمه؛ إذ يحتم عليه موقعه كسب ثقة العرقيات الأخرى، ممثلة في صينيين ينتمي أغلبهم إلى البوذية والمسيحية، فضلا عن الهنود وهم ثالث أكبر عرقية ومعظمهم من الهندوس.

وبعد نجاحه في تشكيل الحكومة تبقّى لإبراهيم النجاح في مواصلة مسيرته في السلطة حتى النهاية، فارضًا حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي.

ويعتمد هذا بشكل كبير على الموازنة بين سياسة التمييز الإيجابي التي أُقرت في السابق والمحافظة على الصبغة الملاوية للدولة، مثل الدين واللغة وتوسيع حضور الملايو في الحياة السياسية ومنحهم مزايا تعليمية واقتصادية بلا انقسامات عرقية وتوفير ضمانات كاملة للهنود والصينيين.

ويتطلب بناء الانسجام الداخلي بعد إقرار التشكيل الوزارى حنكة كبيرة وقدرة فائقة على الاستيعاب والاحتواء لعدم الدخول في تحد مع الملايو، ما يحتم كسب ثقة أطراف محافظة إلى حد التزمت الديني مقابل تعزيز روح الإسلام التسامحية لتحقيق الاستقرار وتبريد الأجواء المشحونة بالعنصرية.

ولن يكون طريق الوعود المتعلقة بتحسين الأوضاع وخفض تكاليف الغذاء سالكا مع ما أفرزته السنوات الأربع الماضية في ماليزيا من توتر سياسي ووضع معيشي قاتم يعاني منه أصحاب الدخول المنخفضة.

إسلامان في الواجهة

ليس من السهل على أنور إبراهيم، الذي احتفت بصعوده بعض وسائل الإعلام الدولية وتحدثت عن ظهور رجل إصلاحي، تطبيق نموذجه مع صعود نفوذ الحزب الإسلامي الأكثر تشددًا؛ فقد أظهر الحزب من خلال سيطرته على حكومات ولايات كيلانتان وترينجانو وكيدا ممارسات متطرفة خاصة بتطبيق صارم للحدود وحظر مسارح رقص الملايو التقليدية وفرض ارتداء الحجاب على النساء، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء في العديد من المرافق العامة والمحال التجارية.

ويستغل الحزب الإسلامي سيطرته على الفضاء الثقافي والفني لفرض رؤيته بشأن القضايا السياسية الداخلية والعلاقات الإقليمية والدولية.

ولا يصب ما حققه الحزب الإسلامي في صالح التدين الماليزي المتسامح التعددي إنما في صالح التصورات المتطرفة التي تشترك فيها غالبية جماعات الإسلام السياسي، كما لا يصب في مربع التلاحم الوطني والتماسك المجتمعي بل يخدم حسابات عابرة للدول بالنظر إلى الارتباط الوثيق حركيا وفكريا مع التنظيم الدولي للإخوان.

وفي بلد مثل ماليزيا متعدد الأعراق والإثنيات وتتضمن معاييره الدستورية تفعيل الإسلام المحافظ يصعب أن يهيمن فكر أحادي فارضًا رؤاه المتطرفة، لأن العرق والدين من القضايا الخلافية التي يمكن أن تثير مشكلات وتؤجّج صراعات لا حصر لها.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية