ما خيارات الأسد بعد دعوته إلى المحيط العربي؟

ما خيارات الأسد بعد دعوته إلى المحيط العربي؟


16/03/2021

بعد نحو عقد من الصراع العسكري في سوريا، والحرب الممتدة بالوكالة بين أطراف إقليمية ودولية عديدة، برزت مقاربة عربية جديدة، لجهة وضع مسار للحل السياسي المعقد، عبر عودة دمشق إلى الحاضنة العربية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، لاسيما وأنّ الأهمية الجيوسياسية التي تحوزها تضغط بإلحاح باتجاه نبذ التنافس الإقليمي المحتدم، والذي انحرف بأهداف الثورة التي اندلعت، في آذار (مارس) عام 2011، بينما عمد إلى توظيف بعض التكتلات السياسية لحسابات براغماتية ومحددات مغايرة، الأمر الذي ترتب عليه تنامي التدخلات الخارجية، واتساع الخريطة السورية تحت أقدام قوى عديدة، بنفس درجة القتل والإبادة والتهجير لآلاف للسوريين، تحت وطأة جحيم الآلة العسكرية للنظام وحلفائه.

إطالة أمد الحرب لحساب الميلشيات

مع نهايات عام 2011، وفي ظل تزايد تواجد ونفوذ الميليشيات المدعومة من إيران بسوريا، التي عرفت، في البداية، بـ"اللجان الشعبية"، الأمر الذي ساهم في خلق اصطفافات طائفية بين السكان المحليين، ظهرت أول جماعة مسلحة، عرفت باسم "لواء أبو الفضل العباس"، ومن ثم، تتابعت الألوية بعد ذلك، كما تضاعف أعداد المسلحين المنضوين في تلك المجموعات المسلحة والتشكيلات العسكرية؛ إذ بدأت أعدادها، في أيام الحرب الأولى، لا تتجاوز الـ5 آلاف مقاتل، إلى أن أصبحت الأعداد ترقى إلى نحو 30 ألف مقاتل، بحسب التقديرات الصحفية والحقوقية، المحلية والأجنبية، وجميعهم يخضعون لهيمنة الحرس الثوري الإيراني، كما استضافت طهران العديد من المقاتلين، خلال سنوات الحرب، مثل، فاضل صبحي، ويكنى بـ"أبو هاجر"، والذي لقى مصرعه في مدينة درعا، في أيلول (سبتمبر) 2013.

وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، بالعاصمة أبو ظبي

وفي ظل هذه المتوالية من الأحداث والتطورات التي جعلت الخريطة السورية تنكمش وتتمدد، وفقاً لمصالح أطراف الصراع التي تستهدف إطالة أمد الحرب، جاءت دعوة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، بخصوص عودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية، حيث قال في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، بالعاصمة أبو ظبي، إنّ "بدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، فالمسألة هي مسألة المصلحة العامة.. مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة"، كما لفت إلى أنّ العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بموجب "قانون قيصر"، تعد "التحدي الأكبر أمام التنسيق والعمل المشترك مع سوريا".

تتزامن دعوة وزير الخارجية الإماراتي مع انقضاء نحو عشر سنوات على الحرب في سوريا، دون انفراجة محتملة للصراع وحالة الانسداد السياسي

وتابع: "إبقاء قانون قيصر، كما هو اليوم، يجعل الأمر في غاية الصعوبة ليس لنا كدول وإنّما أيضاً على القطاع الخاص، واعتقد أنّ هذا لابد أن يكون الحوار الذي نتحدث فيه، بشكل واضح، مع أصدقائنا في الولايات المتحدة الأمريكية".

وشدد وزير الخارجية الإماراتي، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الروسي، أثناء جولة الأخير في عدد من دول المنطقة، من بينها السعودية، على ضرورة التعاون والعمل الإقليمي، وقد أوضح أنّ هناك "منغصات بين الأطراف المختلفة، ولكن لا يمكن إلا العمل على عودة سوريا إلى محيطها الإقليمي، وبحث الأدوار المهمة التي تعود فيها سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما يتطلب جهداً من الجانب السوري وأيضاً من زملائنا في الجامعة العربية".

أبو ظبي والقاهرة ومهام لدحر الإرهاب وحواضنه

في هذا السياق، يؤكد مدير مركز الإنذار المبكر للأبحاث، أحمد الباز أنّ الإمارات مهتمة باستقرار الأوضاع في سوريا وإنهاء الحرب هناك، ولهذا الغرض قامت بعدة إجراءات عملية على أرض الواقع؛ أهمها إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، وهي الإشارة التي يمكن تلقفها للتأكيد على أنّ أبو ظبي مدركة لجملة التحولات التي تمر بها المنطقة، بشكل عام، وأنّ الابتعاد عن سوريا وفر مساراً آمناً للتدخل التركي والإيراني، وقد تمت ملاحظته بسهولة في عمليات تتريك الشمال السوري، وكذا تحويل سوريا لجمهورية إيرانية ثانية.

مدير مركز الإنذار المبكر أحمد الباز

وقد نجم عن ذلك، تحول سوريا إلى حاضنة لإنتاج الإرهاب، ومن ثم، تأخد الإمارات على عاتقها مهمة تتبع الإرهاب وحواضنه وعدم السماح له بالتمدد والانتشار، حسبما يوضح الباز في حديثه لـ"حفريات".

 ويردف: "لتطبيق هذا النهج فإنّ سوريا غاية في الأهمية، ولأنّ الإمارات تفضل دائماً الحديث وفتح العلاقات مع الأنظمة الحكومية الرسمية وليس مع الميليشيات، فإنّ موقفها من بشار الأسد يندرج تحت هذا الإطار أكثر من كونه موقف شخصي، إيجابي أو سلبي، تجاه الرئيس السوري".

مدير مركز الإنذار المبكر للأبحاث، أحمد الباز لـ"حفريات": الإمارات مهتمة باستقرار الأوضاع في سوريا، ولهذا بإجراءات عملية؛ أهمها إعادة فتح السفارة في دمشق

ويردف مدير مركز الإنذار المبكر للأبحاث: "يحيلنا هذا إلى التأكيد على وجود مقاربة عربية لافتة بشأن عودة سوريا للجامعة، طرفاها مصر والإمارات، بشكل واضح، حيث أكدت مصر على ضرورة عودة الاستقرار إلى سوريا ودعم العودة للجامعة العربية، لأنّ مصر معنية كذلك بأن لا تضحى سوريا حاضنة للإرهاب أو القوى الداعمة له، حيث إنّ مكافحة هذا الأمر جزء أصيل من المشروع السياسي والاجتماعي للدولة المصرية الحالية، فضلاً عن النيل من النفوذ التركي؛ وهي المهمة التي عملت عليها مصر، خلال الفترة الفائتة، وأنجزت فيها".

اقرأ أيضاً: هل تتجه روسيا لتهميش إيران في تسوية الأزمة السورية؟

وحتى "يتم إنجاز مهمة التحييد تلك؛ فإنّ سوريا ضرورية جداً، وهي نفس القناعة التي تتشارك فيها الإمارات مع مصر، وربما نجد مسعى سعودياً أيضاً قد يتشكل، في المرحلة المقبلة، تحت وقع تسارع التحولات". يقول الباز.

إنهاء التدخلات التركية والتغول الإيراني

وبالتبعية، ستكون الإمارات مهتمة بـالحد من التغول الإيراني وتأثيره على نظام الحكم في سوريا، حسبما يوضح مدير مركز الإنذار المبكر، كما لن يكون أمام بشار الأسد سوى أن يقبل بالمطالبات العربية تلك لضمان حصوله على الدعم العربي وفي الجامعة العربية، وهو الدعم الذي سيساعده في استعادة جزء من شرعيته الدولية.

اقرأ أيضاً: هل تعود سوريا إلى الجامعة العربية من البوابة الخليجية؟

وعقّب وزير الخارجية المصري سامح شكري، على الدعوة الإماراتية، بأنّ عودة سوريا إلى "الحاضنة العربية" يعد أمراً حيوياً من أجل صيانة الأمن القومي العربي، مؤكداً على أنّه "يفترض أن تظهر سوريا بشكل جدي إرادة للحل السلمي"، كما شدد على رفض القاهرة لجميع التدخلات التركية في المنطقة، واستمرار تواجد قوات تركية على أراض عربية.

وقال شكري: "بخصوص التدخلات التركية في المنطقة فإنّنا نؤكد رفضنا القاطع لاستمرارها في المنطقة وأيضاً استمرار قوات تركية على أراض عربية".

تتزامن دعوة وزير الخارجية الإماراتي مع انقضاء نحو عشر سنوات على الحرب في سوريا، دون انفراجة محتملة للصراع وحالة الانسداد السياسي، حيث أوضح الاتحاد الأوروبي أولوية "الخيار السياسي" للحل في سوريا، كما أكد على أنّ العقوبات ضد النظام السوري مستمرة، بينما كشف، في بيان رسمي، عن تجديد العقوبات ضد النظام في دمشق، في أيار (مايو) المقبل.

اقرأ أيضاً: إيران تستولي على 50 منزلاً في البوكمال السورية... ما القصة؟

وبخصوص أزمة اللاجئين السوريين، قال بيان الاتحاد الأوروبي إنّها "أكبر أزمة نزوح في العالم؛ حيث يوجد 5.6 مليون لاجئ مسجل، و6.2 مليون نازح داخل سوريا"، بعدما فر قرابة 5,6 مليون نسمة إلى خارج دمشق، معظمهم إلى دول الجوار لا سيما تركيا ولبنان والأردن، ثلثهم تقريباً من الأطفال من عمر 11 عاماً وما دون، بحسب إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

اقرأ أيضاً: الإمارات تطلق النداء الأخير لإنقاذ سوريا

ومن جانبه، أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأنّه وثق مقتل نحو 400 ألف شخص، في الإحصائية المنشورة، مطلع الشهر الحالي، موضحاً أنّ عدد القتلى المدنيين "تجاوز 117 ألفاً، فيما بلغ عدد قتلى المقاتلين السوريين في صفوف الفصائل المقاتلة والإسلامية وفصائل وحركات وتنظيمات أخرى نحو 55 ألفاً، إلى جانب نحو 13 ألفاً من قوات سوريا الديمقراطية والوحدات الكردية، وبلغ عدد قتلى قوات نظام الرئيس بشار الأسد نحو 63 ألفا".

كما لفت المرصد إلى أنّ الإحصائية لا تشمل نحو "88 ألف شخص لقوا حتفهم تحت التعذيب في معتقلات النظام".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية