محمد الكيلاني: الإسلام السياسي أكبر عائق أمام الديمقراطية

محمد الكيلاني: الإسلام السياسي أكبر عائق أمام الديمقراطية


26/04/2021

أجرت الحوار: حنان جابلي

قال السياسي والمفكّر اليساري التونسي محمّد الكيلاني إنّ كل محاولات توحيد اليسار التونسي باءت بالفشل، وهو يحتاج، على حد تعبيره، إلى سنواتٍ طويلةٍ ليتعافى، واصفاً إياه أنّه مايزال احتجاجياً بالأساس، وليس له وعي الوصول للحكم، وتوقع في سياق قراءته للمشهد السياسي التونسي عدم حدوث مفاجآت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة؛ "لأنّ التحالف الجديد بين حزب "النهضة" والشاهد المحسوب على حزب "تحيا تونس"، سيكون الأقوى على الساحة السياسية"، مشيراً إلى خطر الإسلام السياسي الذي تمثّله حركة النّهضة على تجربة الانتقال الديمقراطي التونسي.

حركة النّهضة اعتادت تكوين تحالفات بعد صدور نتائج الانتخابات مع من حقّق نتائج أفضل

وأضاف رئيس الحزب الاشتراكي اليساري، في حواره مع (حفريات)،  أنّ الحركات الإسلامية والإسلام السياسي عموماً براغماتية في السياسة، لكن اليسار بقي عقائدياً في تعاطيه السياسي، "وظلّ يقدّم الشعار الإستراتيجي والمبدأ على شروط وظروف العمل السياسي"، منتقداً رفاق اليسار ممن مازالوا يحملون نفس أفكار العام 1917، ومازالوا يعيشون مع الثورة البولشيفية، "في حين أنّ كل المعطيات بما فيها المجتمع وقضاياه تغيّرت".
وهنا نص الحوار:
المشهد السياسي التونسي

المشهد التونسي مضطرب جداً وفي إعادة تشكّل
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كيف تقرأ المشهد السياسي التونسي الحالي؟

المشهد التونسي مضطرب جداً وفي إعادة تشكّلٍ، خاصّةً أنّ الحزب الأوّل (نداء تونس) تراجع وانتهى إلى مجموعاتٍ وأحزابٍ متعدّدة، وفقد موقعه كأكبر قوّةٍ في البرلمان، ليترك مكانه لحزب حركة النهضة الإسلاميّة، التي عزّزت مواقعها قاعدياً في المجالس البلدية، خلال الانتخابات المحليّة التي اُجريت في 2018، وتغلغلت في كلّ المحليّات.

اقرأ أيضاً: قرارات جديدة لحزب نداء تونس.. ما علاقة حركة "النهضة" الإخوانية؟
يجب الإشارة أيضاً إلى أنّ قواعد حركة النّهضة وجمهور الإسلام السياسي لم ينحرفوا عنها بسبب انتمائها الأيديولوجي، وظلّت أكبر حزبٍ في البلاد، أمّا باقي الأحزاب بمختلف تكويناتها شهدت صعوباتٍ في الانتخابات المحليّة الماضية، وبقي العديد منها في حالة إعادة تأصيل نفسه، وتأصيل تواجده في الساحة، كما فقد بعضهم مواقعه، وتشتّت أغلبهم، وعليه يمكن أن نعتبر أنّ الخريطة السياسية مهيّأةٌ لإعادة تشكّلٍ من جديد مع قرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
هل يمكن أن تحدث مفاجأة غير متوقّعة في الانتخابات المقبلة؟
لن تحدث مفاجأة غير متوقعة؛ لأنّ التحالف الجديد بين حزب حركة النهضة الإسلامية والشاهد المحسوب على حزب تحيا تونس، المكوّن حديثاً سيكون الأقوى على الساحة السياسية، خاصّة إذا ما تعزّز بدعم الاحزاب المتحالفة مع الشاهد في الحكومة، كما أنّني أجزم أن يحقّق أي حزبٍ الأغلبية البرلمانية وحيداً، ودون الدخول في تحالفاتٍ حزبيّةٍ.
ولا ننسى أنّ حركة النّهضة اعتادت على تكوين تحالفاتٍ مع باقي الأحزاب بعد صدور نتائج الانتخابات، لتتحالف مع من حقّق منهم نتائج أفضل، وقد أعدّت رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد حليفاً إستراتيجياً لها.
ما هو موقع الحزب الاشتراكي حالياً من المشهد السياسي ككلِّ ومن اليسار المعارض بشكلٍ خاصٍّ؟
في الواقع ليس لنا حضور كبير في المشهد السياسي؛ لأنّ وسائل الإعلام تعمل وفق لوبيات الأحزاب القويّة والحاكمة، لكن لنا وجودٌ حزبي وتأثير قاعدي وميداني على مناطق ما بات يُعرف بخطّ الفقر في تونس؛ أي في الظهر الغربي لتونس من محافظة جندوبة شمالاً إلى محافظة قفصة جنوباً مروراً بمحافظة سيدي بوزيد والقصرين والقيروان بالوسط الغربي، وهي إستراتيجية الحزب باعتباره هذه المناطق موطن فقر، وغياب ومسؤولية السلطة في التنمية الجهوية فيها، لذلك أخذنا العمل فيها كرهانٍ، للدفاع عنها.

قواعد حركة النّهضة وجمهور الإسلام السياسي لم ينحرفوا عنها بسبب انتمائها الأيديولوجي

حزبنا له أيضاً حضوره الجماهيري ونتوقع أن نحقّق نتائج جيدة في هذه الجهات وسنكون ممثلين لها مهما كانت الظروف، ولن يستطيع المال الفاسد أن يغري الظواهر الحيّة في هذه المناطق، لأنّ الأحزاب الحاكمة خذلتهم و"لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين".
أمّا في ما يتعلّق بالجزء الثاني من السؤال حول موقعنا من اليسار، فنحن ابتعدنا عنه قليلاً، بعدنا جاء بعد محاولاتٍ مريرةٍ من أجل توحيد أحزاب اليسار والحركة الديمقراطية ككل، لكنّنا فشلنا في كلّ المحطّات الانتخابية، وأنا شخصيّاً ساندت الناطق باسم الجبهة الشعبية (ائتلاف معارض يضم 11 حزباً يسارياً) حمة الهمامي في الانتخابات الرئاسية لعام 2014، رغم أنّني أنتمي حينها إلى حلفٍ منافسٍ، لإيماني بضرورة توحيد اليسار لكنّني فشلت للأسف في ذلك، وتبيّن لي أنّ اليسار مريضٌ ومعتلٌ لدرجة تستحق الكثير من الوقت ليتعافى.
اعتلال اليسار

 

 

برأيك ما سبب هذا "الاعتلال اليساري"؟
سبب هذا المرض الخطير، ليس محلياً، بل دولي لأنّ اليسار في العالم تراجع أمام العولمة ورأس المال الليبرالي، وشهدت كل تجاربه فشلاً، وتونس ليست بمعزل عن ذلك، لكنّنا مازلنا نأمل في ظهور يسارٍ موحّدٍ في حال قام اليساريون بمراجعة منطلقاتهم الفكريّة وبرامجهم وتصوراتهم، لأنّنا لا نستطيع معالجة مشاكل 2019 بفكر 1917، لذلك نحن توجّهنا لبناءٍ حزبي خاصّ بنا.
ما هي حظوظ اليسار في الانتخابات القادمة؟
الانتخابات الرئاسية ستنحسر بين أساطين المال، ومن الوهم أن يفوز أي مرشّحٍ ليس له رأس مالٍ محلّي وجهوي وعالمي، ومن لا يحظى بدعم فرنسا وأمريكا لن يفوز مهما كانت قوّته، إلاّ في حال كانت وراءه حركةٌ جماهيريةٌ قويّة، لهذا بالتحديد نحن لسنا معنيين بالمشاركة فيها، بل معنيون فقط بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي سنحصل فيها على مقاعد عن المناطق الغربية للبلاد، والباقي سنترشح فيها فقط للتعريف بالحزب.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يكشف عن مرشح النهضة للانتخابات الرئاسية

أمّا بالنّسبة لليسار وأعني بهذا الجبهة الشعبيّة، فقد خسرت جزءًا كبيراً من الثقة الطبيعية التي منحها إيّاها الشعب، ومرت بخماسية معارضة فقط، في حين الناخبين ينتظرون حلولاً لقضاياهم، ومشاركةً في صنع القرار، لذلك كان حضورها سلبياً، مع ذلك أظنّ أنّها ستصعد مجدّداً لكن ليس بنفس عدد المقاعد.
وأتوقّع أيضاً أن تكون الرئاسة من نصيب يوسف الشاهد في حال لم يترشح رئيس البلاد الحالي الباجي قايد السبسي، خاصّةً أنّ حركة النّهضة لن تدعم من يعارض السبسي؛ لأنّها مازالت في حاجةٍ إليه باعتباره حامٍ لها أمام التحوّلات الدولية والاقليمية في علاقة بالإسلام السياسي.
هل تعتقد أن الخطاب السياسي مازال دون الآمال التي يرسمها العمال أم أنّ الدعاية والتشويهات بالإلحاد والتكفير كانت عاملاً وراء ذلك؟
ليست الدعاية ضدّه فقط، بل لأنّ الواقع تغيّر واليسار لم يعِ ذلك، كما أنّ عمّال السبعينيات والثمانينيات ليسوا هم أنفسهم عمّال اليوم، حتّى المؤسّسات الكبرى انتهت، لأنّ العولمة قضت على عمّال اليسار، وفكّكت الطبقة العاملة، وتغيّر النسيج كما زادت الأزمة الاقتصادية، والاجتماعية الأمر سوءاً، لذلك لم تتجدّد الطبقة العاملة، وظهرت الطبقة المثقّفة (أساتذة ومهندسون وإداريون.. )، ولم تعد الطبقة العاملة داخل الاتّحاد تتكوّن من عمّالٍ بل طغى عليها الشغّالون، زد على ذلك تآكل الطبقة الوسطى.
وأعتقد أنّ اليسار يتحمّل مسؤولية عدم استيعابه لكلّ هذه التغيّرات في النسيج الاجتماعي، وحافظ على نفس الخطاب القديم، ولم يحاول أقلمته مع المستجدّات، كما أنّه ظلّ بعيداً عن قواعده ولم يتوجّه  إلى المحليات حيث منظوريه، وبقي مركزياً.
حركة النّهضة لن تدعم من يعارض السبسي؛ لأنّها مازالت في حاجةٍ إليه

هل يبرر ذلك فشل اليسار في أن يكون بديلاً للحكم رغم فشل الإسلاميين؟
ليس لهذا فقط، بل لأنّه يسارٌ احتجاجي بالأساس، ليس له وعي الوصول للحكم، هو يريد السلطة برمّتها لتنفيذ مشروعه، من قمع المستبدين، وسجن الفاسدين، فبقي يحتج ضد الحكومة والسلطة، دون أن يكون له بديلٌ ملموسٌ للسلطة، ولا مشروع المشاركة في الحكم أو اقتراح سياسة حكم جاهزٍ، بل أنّ كل تفكيره عن الغد، وليس اليوم، وهذا السبب الرئيسي في عدم نجاحه في أن يكون بديلاً للحكم.
الإسلام السياسي والديمقراطية
بعد ابتعادك عن أحزاب اليسار بدت مواقفك تجاه حركة النهضة الإسلاميّة أقلّ حدةً من السابق، هل هي بداية تصالحٍ مع الإسلام السياسي؟

أنا مازلت أعتبر أنّ الإسلام السياسي عائق أمام الديمقراطية، وأعتقد أنّ النهضة مهما كانت ظروفها، إن لم تقطع مع الإسلام السياسي، وتتحوّل إلى حزبٍ مدني ستظل عائقاً أمام التحوّل الديمقراطي، وخطراً محدقاً يتربّص بالانتقال الديمقراطي، فقد يجهضه في أيّ لحظةٍ، لأنّها لو تنفرد بالسلطة ويخف عليها الضغط الاقليمي والدولي ستفعل ما بدا لها، وستبني سلطةً قائمة على الإسلام السياسي وعلى الشريعة، وستبني دولةً مستبدة باسم الدّين.
لماذا برأيك نجح الإسلام السياسي حيث فشل اليسار العلماني الذي قاد جلّ ثورات العالم؟
الحركات الإسلامية والإسلام السياسي عموماً براغماتية في السياسة، لكن اليسار بقي عقائدياً في تعاطيه السياسي، وظلّ يقدّم الشعار الاستراتيجي والمبدأ على شروط وظروف العمل السياسي، ولم يؤمن بأنّ السياسة فنّ الممكن"، هو يؤمن بـ"إمّا كلّ شيءِ أو لا شيء"، ويمكن أن نعتبر هذا تكلّساً وتحجّراً فكرياً، فتح الطريق أمام الإسلاميين لافتكاك ما كان لليسار.
مستقبل اليسار

 

 

هل تنبع مواقفك من اليسار من خلافك مع رفاق أمسك اليساريين ومع حمّة الهمامي بشكلٍ خاصٍ؟
لا أبداً، فأنا لا أبني مواقفي على خلافاتٍ، بل مواقفي مرتبطة بالفكر، وأنا راجعت فكري وقمت بنقد ذاتي للأفكار والمقولات النظريّة و الفلسفة التي كنّا نؤمن بها، لكن رفاقي لم يقوموا بذلك ومازالوا يحملون نفس أفكار العام 1917، ومازالوا يعيشون مع الثورة البولشيفية، في حين أنّ كل المعطيات بما فيها المجتمع وقضاياه تغيّروا.
إذاً هي نابعةٌ من الخلاف بين الشقّ الشيوعي والشقّ البيروقراطي؟
فيما بعد أصبح كذلك، لكن يجب التأكيد على أنّ الفكر الاشتراكي العلمي في حاجةٍ الى أن ينزل في إطار الواقع المحلي للبلدان ومن دونه يصبح بمثابة القوالب الجامدة، فاليساريون لم يطرحوا السؤال على أنفسهم؛ هل مازال الواقع كما كان زمن لينين وتروتسكي وستالين وماركس وإنجلز وغيرهم أم تغيّر؟

اقرأ أيضاً: مؤتمر نداء تونس يقطع نهائياً مع النهضة وفروع الإسلام السياسي

هم لا يستطيعون طرح هذا السؤال على أنفسهم لأنّهم يخافون أن يؤدي طرحه إلى نكران الأصل، في حين أنّي أرى أنّه يجب المحافظة على النواة الفلسفية للتفكير مع مراعاة أن المجتمع متحوّلٌ ومتغيّرٌ، وفيه ظواهر جديدة غير موجودة سابقاً، وجب التعامل معها ومع الواقع لتقديم الجديد.

برأيك هل ينجح محمد الكيلاني في الحزب الاشتراكي بما فشل فيه اليسار في الجبهة الشعبية وباقي الأحزاب المتناثرة عنها؟
أعتقد أنّنا نتقدّم بخطىً ثابتة في مختلف المحافظات، واليوم أصبح لدينا إطارات جديدة من اليسار ليست موجودةً في أيّ حزبٍ آخر، ثمّ نحن نتّجه نحو التطوّر البنيوي، وسنبني مكاتب محلية في عدّة مدن ومحافظات جديدة، ناهيك أنّ عدد منخرطينا تضاعف خلال السنوات الأخيرة، كما أن مؤتمراتنا شهدت نجاحاً جماهيريا كبيراً في بعض محافظات الوسط التونسي، وسجّلت إقبالاً فاق كلّ الأحزاب ما عدا حركة النّهضة التي حافظت على منخرطيها.
هل لديكم مشروع سياسي لحزبكم للسنوات الخمس القادمة، يمكنكم من أن تكونوا بديلاً للحكم كحزب اشتراكي بعيداً عن اليسار؟
خوضنا للانتخابات البرلمانية، هو بالأساس من أجل المشاركة في الحكم، ولن ندخل البرلمان من أجل الاحتجاج ولن نأخذ دور المشاهدة فقط، بل سنتناقش مع كل الكتل النيابية، المشاريع والقوانين التي تخدم البلاد، وقد نتحالف مع حركة النّهضة في حال خرجت من فضاء الإسلام السياسي وأصبحت مدنية، ولن نتحالف مع الداعين إلى منظومة حكمٍ استبدادية كحزب عبير موسي الموالي لنظام بن علي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية