من يوقف أردوغان عن الاستيلاء على مقدرات سوريا؟ ‎

من يوقف أردوغان عن الاستيلاء على مقدرات سوريا؟ ‎


07/07/2020

في خضم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتركيا، وترافقت مع هبوط في احتياطيات النقد الأجنبي وسعر صرف العملة المحلية، يبدو أنّ حكومة أنقرة أدرجت ضمن حلولها الاقتصادية السيطرة على مقدرات دول الجوار وثرواتها.

فمن سوريا إلى العراق مروراً بليبيا إلى قبرص واليونان، يحاول أردوغان إيجاد موطئ قدم ليستغلّ ثروات تلك الدول، ليحافظ على ما تبقى له ولحزبه من شعبية، بعد السخط الشعبي الذي لاحقه طوال الفترة الماضية بسبب سوء الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار والبطالة وحملات القمع التي تستهدف كل من فكّر بمعارضة سياسات الرئيس وحزبه.

تركيا توقف توريد المياه من محطة تخدم أكثر من نصف مليون سوري شمالي الحسكة

من سوريا كُشفت أطماع أردوغان شيئاً فشيئاً؛ حيث أدى التدخل التركي في هذا الملف إلى خلق حالة عشوائية، لم تتمكن جميع المحاولات التركية من تغطيتها والتستر عليها، تبرز في جانب البُعد الاقتصادي الذي أتاح نهب الموارد الطبيعية السورية في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الموالية لتركيا، بعد العمليات العسكرية التركية على امتداد الحدود المشتركة التي تمتد لأكثر من 800 كيلومتر.

اقرأ أيضاً: لماذا تشوه تركيا سمعة السوريين وتتعامل معهم كمرتزقة؟

كان أحدثها عملية "نبع السلام" التي أوجدت قاطعاً عسكرياً في منطقة رأس العين، يسيطر على مياه منطقة الجزيرة السورية التي تحت نفوذ حزب العمال الكردستاني.

ولم تراعِ أنقرة الظروف الصعبة المترتبة على انتشار فيروس كورونا مؤخراً، رغم المناشدات الدولية، التي قالت إنّه ينبغي على السلطات التركية "بذل كل جهدها لاستئناف توريد المياه من محطة ضخ المياه في علوك قرب رأس العين، والتي تخدم أكثر من نصف مليون سوري شمالي الحسكة، إضافة إلى 3 مخيمات للنازحين".

اقرأ أيضاً: التدخل التركي في سوريا.. نهب يتستر بشعارات الإنسانية

وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، مايكل بيج، إنه في خضم وباء عالمي يثقل كاهل أنظمة حكم وبنى تحتية متطورة، "قطعت السلطات التركية إمدادات المياه عن المناطق الأكثر ضعفاً في سوريا"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز" أول من أمس.

من سوريا كُشفت أطماع أردوغان شيئاً فشيئاً ولم تتمكن جميع محاولات تغطيتها والتستر عليها

كما أدّت مجموعة السدود التي بنتها تركيا، إضافة إلى المشروع الذي دشنه نظام الأسد في عين ديوار، إلى تحول نهر دجلة إلى ما يشبه الساقية الصغيرة في تلك المنطقة، ويبدو أنّ الدور جاء اليوم على نهر الفرات.

 واستمراراً للسياسة ذاتها، تواصل تركيا تشييد وإدارة السدود على نهر الفرات بشكل جائر، ما تسبّب بتراجع حصة السوريين من النهر إلى أقل من 25 في المئة من النسبة المتفق عليها دولياً. وهو أمر يحدث للمرّة الأولى منذ توقيع الاتفاقيتين الدوليتين في العامين 1996 و1997 بين الدول الثلاث؛ تركيا وسوريا والعراق. وأضخم تلك السدود اليوم هو سد أتاتورك في أورفة، بالإضافة إلى سد إليسو على نهر دجلة الذي يعبر الأراضي السورية في طريقه إلى العراق، وهذا السد أدّى بالفعل إلى انحسار نسبة المياه في دجلة بنسبة 60 في المئة بسبب تشغيل مولدات الكهرباء.

أمّا فيما يتعلق بالثروات الزراعية، فقد نشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" في شهر آذار (مارس) الماضي تقريراً يحمل عنوان "الاحتلال التركي ينشئ نقطة عسكرية جديدة بريف الحسكة ويسطو على كميات كبيرة من القمح وينقلها إلى تل أبيض بريف الرقة"، كما نقلت شبكة "روسيا اليوم" الخبر نفسه.

القوات التركية تسطو على كميات كبيرة من القمح السوري وتنقلها إلى تل أبيض بريف الرقة

واتّهمت السلطات السورية عناصر القوات التركية بسرقة ونهب كميات كبيرة من القمح المخزّن ببلدة السفح القريبة من مدينة رأس العين (شمال شرق) ونقلها لريف الرقة الشمالي.  

وقالت مصادر أهلية لوكالة الأنباء السورية: إنّ قوات تركية نقلت ما تبقى من الأقماح المسروقة والمخزّنة في صوامع السفح إلى مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي.

ولم تتوقف هذه الجرائم عند هذا الحد، بل عمدت تركيا، بالتعاون مع مرتزقتها من التنظيمات المسلحة، إلى الاستيلاء على قطعة أرض شرقي بوابة رأس العين وتجهيزها لاستخدامها ساحة تجارية لتصريف البضائع التركية المهربة.

سانا: قوات تركية نقلت ما تبقى من الأقماح المسروقة والمخزّنة في صوامع السفح إلى مدينة تل أبيض

أمّا فيما يتعلق بالذهب الأسود "النفط"، فقد كشف الكاتب الروسي دميتري روديونوف، في "سفوبودنايا بريسا"، لعبة أردوغان ومحاولاته السيطرة على النفط السوري؛ وجاء في المقال الذي نُشر في شهر نيسان (أبريل) الماضي: دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى دعم وتطوير حقول النفط في سوريا لاستعادة اقتصاد هذا البلد. ووفقاً لأردوغان، يمكنه تقديم هذا الاقتراح للزعيم الأمريكي دونالد ترامب أيضاً، لاتفاً إلى أنّ دعوات أردوغان دليل حي على تطلعاته وأطماعه بخصوص النفط في سوريا.

اقرأ أيضاً: تقرير: التدخل التركي في سوريا يخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية

يذكر أنّ قوات أردوغان أقدمت على اجتياح الأراضي السورية في 9 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ما أدى إلى موجة تنديد دولية، ونزوح كبير للمدنيين في بلد يعاني من أزمات منذ العام 2011.

وعلى مدى الأعوام الخمسة الأخيرة، شنّت تركيا عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية بمعدل عملية واحدة كلّ عامين، فكانت الأولى "درع الفرات" العام 2016 التي غزت فيها الدبابات التركية الأراضي السورية لأول مرّة عام 2011. ثمّ جاءت عملية "غُصن الزيتون" في 2018 التي هدفت إلى إنهاء وجود القوات الكُردية في مناطق الحدود بين البلدين، وانتهت باحتلال تركيا عدداً من المدن في الشمال السوري.

وبعدها جاءت عملية "درع الربيع" في آذار (مارس) 2020 التي سعت لوقف تقدُّم الجيش السوري في محافظة إدلب، وانتهت نهاية فاشلة، وقَبِلَ الرئيس التركي الشروط الروسية لوقف القتال في القمّة التي عُقدت بينهما يوم 5 آذار (مارس) الماضي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية