هجوم جربة: تحرك يائس لذئب منفرد أم مسعى لإرباك قيس سعيد؟

هجوم جربة: تحرك يائس لذئب منفرد أم مسعى لإرباك قيس سعيد؟

هجوم جربة: تحرك يائس لذئب منفرد أم مسعى لإرباك قيس سعيد؟


11/05/2023

 لم تكشف التحقيقات إلى حد الآن عن الجهة التي تقف وراء رجل الأمن الذي تولى تنفيذ هجوم مدينة جربة (جنوب شرق) وسعى لاستهداف كنيس الغريبة في ذروة الاحتفال السنوي لليهود، وسط تساؤلات بين التونسيين عن خلفيات الهجوم وهل أنه محاولة يائسة من “ذئب منفرد” استغل المناسبة الدينية للتحرك أم أن الأمر يرتبط بمسعى أكبر لإرباك حكم الرئيس التونسي قيس سعيد؟

يأتي هذا في وقت تعمل فيه السلطات التونسية على تطويق آثار هذا الهجوم أمنيا ودبلوماسيا وسياحيا، والتعامل معه كحدث عارض حتى أن البيانات الرسمية تجنبت وصفه بالهجوم الإرهابي.

وفيما وصفت أوساط سياسية تونسية الهجوم بأنه ردة فعل على التصعيد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، معتبرة أنه محاولة يائسة لتسجيل الحضور ولفت الأنظار، فإن محللين ومراقبين اعتبروا أن الهجوم من مخلفات اختراق وزارة الداخلية وهياكلها في مرحلة سابقة، حيث تم فتح الباب لتوظيف الآلاف من الموظفين من دون تدقيق في أفكارهم وميول البعض إلى التشدد أو ارتباطاتهم الحزبية.

وحث هؤلاء وزير الداخلية الجديد كمال الفقيه على التحرك لتنظيف الوزارة وتفكيك “الأمن الموازي” الذي يشتغل لفائدة أطراف حزبية أو يوالي مجموعات متشددة. ولم يستبعدوا أن يكون التحرك هادفا لإرباك حكومة الرئيس سعيد والتشكيك في قدرته على التحكّم في الوضع، خاصة أن الهجوم تزامن مع حدث ديني يحظى بمتابعة إعلامية واسعة في الخارج.

وأيا كانت خلفية الهجوم والجهة التي تسعى لتوظيفه، فإن الحكومة التونسية تحركت بسرعة لتطويقه وإعادة الحياة إلى طبيعتها في جزيرة جربة السياحية وطمأنة زوار الكنيس اليهودي والبعث برسالة واضحة لوسائل الإعلام الخارجية، التي شرعت في سرد تأويلات مختلفة ومتناقضة، بأن الوضع تحت السيطرة، وأن الزوار الأجانب لم يغادروا البلد وأن مطار المدينة لم يشهد أيّ اكتظاظ.

وقال وزير السياحة التونسي معز بالحسن الأربعاء إن نسق الرحلات الجوية إلى تونس وجزيرة جربة يسير بنسق اعتيادي، وإنه لم تسجل عملية إلغاء للحجوزات على خلفية الهجوم.

وأضاف بالحسن، في تصريحات للصحافيين في جربة، أن “الحجوزات أيضا حافظت على نسقها دون تغيير أو إلغاء بما يعتبر مؤشرا إيجابيا”.

واعتبر متابعون لما يجري في جربة أن الأمور سارت بشكل سلس خاصة مع توافد مسؤولين بالدولة ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية والوقوف على جدية التعاطي الأمني مع الهجوم.

وذكر جلال الهنشيري رئيس الجامعة التونسية للنزل بالجنوب أن “تونس اكتسبت تجربة في التعامل مع مثل هذه الحوادث، ولها مؤسساتها التي تجاري كل التطورات والمستجدات”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك تعاملا ممتازا مع الحدث وتم إيلاء الجرحى العناية اللازمة، كما كانت الدولة مستعدّة للتعامل مع هذه الجريمة الشنيعة والجبانة، فضلا عن التدخل الأمني السريع”.

وتابع الهنشيري “نحن على أبواب الموسم السياحي في جزيرة جربة وعلينا أن نتعامل بشكل جيّد مع تداعيات الحدث دبلوماسيا وسياحيا”.

ونُفّذ الهجوم في وقت كان فيه المئات من المصلين والسياح يشاركون في موسم الحجّ اليهودي السنوي في الغريبة والذي كان يوشك على الانتهاء مساء الثلاثاء في هذا الكنيس.

واعتبر العميد المتقاعد والرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب مختار بن نصر أن “ردود الفعل كانت متميّزة وشجاعة العناصر الأمنية كانت موجودة، كما تم تناول الحدث إعلاميا بمعلومات واضحة”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك حجوزات متواصلة في جزيرة جربة، وموسم الحج إلى كنيس الغريبة انتهى الآن، وإن كان هذا الحادث مقلقا، فإنه لن يؤثر على الجانب السياحي والدبلوماسي وعلاقة تونس بالخارج”.

وأضاف “هناك سيطرة أمنية واضحة منذ فترة، وتم القضاء على مرتكب الجريمة في وقت وجيز، لكن لا بدّ من اليقظة من مختلف الأطراف، وهذه الجرائم لا يمكن أن تخيف جربة وتونس عموما”.

وتحقق السلطات التونسية الأربعاء في ملابسات الهجوم الذي نفذه أحد رجال الأمن وقتل خلاله ثلاثة من زملائه وزائرين اثنين خارج الكنيس اليهودي قبل أن يُقتل بالرصاص.

وهذا الكنيس هو الأقدم في أفريقيا وكان استُهدِف عام 2002 بهجوم انتحاري بعربة مفخّخة ما أسفر عن 21 قتيلًا.

وأفادت وزارة الخارجية التونسية في بيان الأربعاء بمقتل عنصر أمني ثالث وقالت إنه يُجرى التحقيق من أجل “تحديد المسؤوليات في هذا الهجوم الجبان”.

وقالت الوزارة إن “الهجوم البشع والجبان الذي جد يوم أمس (الثلاثاء) على هامش موسم الحج السنوي (لليهود) بمعبد الغريبة بجزيرة جربة، لن يؤدي إلا إلى تعزيز وحدة البلاد وتصميمها على مواصلة مقاومتها بلا هوادة لكل أشكال الجريمة ودحر من يقف وراءها”.

والأربعاء انتشرت قوات أمنية حول محيط الكنيس، مما أدى إلى إغلاق جميع الطرق المؤدية إليه، بحسب مراسلين متواجدين في المكان.

وذكر وزير السياحة التونسي السابق رينيه الطرابلسي، وهو من بين المسؤولين عن الجالية اليهودية التونسية في جربة وكان موجودًا في الكنيس حين وقع الهجوم، أن القتيلين من غير الأمنيين تربطهما قرابة عائلية وهما أفييل حداد يهودي تونسي يبلغ من العمر 30 عامًا، وبنيامين حداد (42 عامًا) ويعيش في فرنسا وكان في جربة للمشاركة في الحج.

وقال لإذاعة “موزاييك أف أم” الخاصة أن منفّذ الهجوم كان يرتدي زيّا رسميا أمنيّا وبزة واقية من الرصاص، لكن بفضل تدخل قوات الأمن تم التنبه والتصدّي له بسرعة كبيرة.

وأضاف “لولا التدخل السريع لحدثت الكارثة لأن المئات من الزوار كانوا في المكان”.

ووفقًا للمنظّمين أتى هذا العام أكثر من خمسة آلاف يهودي، معظمهم من الخارج، للمشاركة في حجّ الغريبة الذي استؤنف السنة الماضية بعد انقطاع دام عامين بسبب كوفيد – 19.

ويُنظّم الحجّ إلى كنيس الغريبة سنويًّا في اليوم الثالث والثلاثين من عيد الفصح اليهوديّ، وهو في صميم تقاليد اليهود التونسيّين الذين لا يزيد عددهم على 1500، يعيش معظمهم في جربة، في مقابل مئة ألف قبل الاستقلال عام 1956.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية