هل تخطّط مصر لإطلاق مبادرة لحلّ القضية الفلسطينية؟

هل تخطّط مصر لإطلاق مبادرة لحلّ القضية الفلسطينية؟


07/06/2021

أثارت التحركات المصرية الكبيرة، منذ الهبّة الشعبيّة في القدس، وما تلاها من حرب غزة، تساؤلات كثيرة حول تحوّلات الدور المصري، أو بروز التحوّل بشكل كبير، خصوصاً من ناحية التحرك لما بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بالإعلان عن مبادرة إعادة الإعمار، والزيارات المتعددة للوفود الأمنية، واصطحاب وزراء من السلطة الوطنية إلى قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: الحفاظ على الفلكلور الشعبي يزجّ بفلسطيني في أقبية السجون الإسرائيلية

وإلى جانب ذلك، جاءت دعوة القاهرة للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة، وبحث إحياء المصالحة التي تعطلت بقرار من السلطة الوطنية على خلفية إجراء الانتخابات في القدس، لتكشف عن دور مصري أكبر من مجرد وقف الحرب على غزة، وأنّ هناك رؤية متكاملة لحلحلة الجمود في مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل.

تحركات مصرية مكثفة

منذ الهبة الشعبية في القدس على خلفية أحداث حي الشيخ جراح تصدّرت القضية الفلسطينية الأجندة الإعلامية والسياسية ومتابعة الرأي العام في العالم، وزادت الحرب على غزة من هذا الاهتمام الدولي، لتجعلها من أهم جولات الصراع تأثيراً في مسار القضية خلال العقد الأخير، الذي شهد حربين سابقتين على القطاع، لكن هذه المرة كانت مختلفة؛ حيث بدأ الصراع بهبّة شعبية في القدس، وامتدّ إلى مناطق السلطة الوطنية وغزة والداخل، وحظي بدعم شعبي دولي كبير بخلاف المرات السابقة.

الرئيس الفلسطيني مستقبلاً مدير المخابرات المصرية

وانتهت الجولة، مثل سابقاتها، بوقف إطلاق النار، وإعلان كلّ طرف نصره، لكن هذه المرة مالت الكفة لصالح المقاومة في غزة بما حققته من تقدم نوعي وكمي في الإطلاق الصاروخي الذي بات يمثّل آلية المقاومة، للرد على القصف الإسرائيلي، دون تدخل بري.

اقرأ أيضاً: منذ النكسة... مليون أسير فلسطيني في سجون الاحتلال

وعزز ذلك لجوء إسرائيل إلى أسلوب عقابي بقصف الأبراج السكنية، ما جلب عليها ردّ فعل عالمي شديد، إلى جانب سأم الإدارة الأمريكية من استنفاد جهودها لاحتواء تبعات السياسة الإسرائيلية في وقت تواجه فيه تحديات أكبر في الداخل لمواجهة تبعات جائحة كورونا، وانعاش الاقتصاد الأمريكي، وخارجياً تواجه التحدي الأكبر مع النمو الهائل لخطر الصين على مكانة الولايات المتحدة، وغيرها من الملفات.

مصر تدرك أن الإعمار والبحث عن حلّ للصراع يحتاجان إلى وحدة فلسطينية، تتمثل في التوافق على تشكيل حكومة تضطلع بمسؤولياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة

وتزامناً مع ذلك جاءت التحركات المصرية مختلفة عن سابقاتها من حيث الأسلوب والعمل، فلم تكتف القاهرة بقيادة جهود تثبيت إطلاق النار، وسعت إلى تقديم معالجة متكاملة لضمان عدم حدوث الصدام المسلح، والذي يتطلب إحياء مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو الأمر الذي تقف أمامه عقبات عديدة من بينها ملف إنهاء الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس.

اقرأ أيضاً: أيار الفلسطيني مثقل بالدماء

ولتحقيق ذلك اتبعت القيادة المصرية رؤية متكاملة منذ العدوان على غزة، عبرت عن نفسها من خلال الإعلان عن مبادرة إعادة إعمار القطاع، والسعي لتولي قيادة عملية الإعمار مع الأمم المتحدة، وبالتنسيق مع السلطة الوطنية التي تراجعت شعبيتها بشكل كبير، إلى جانب التنسيق المصري مع واشنطن ودول إقليمية وأوروبية لزيادة الزخم حول جهودها، ومن ذلك التواصل مع الأردن وفرنسا منذ القمة المشتركة في باريس.

القيادي بحركة فتح، د. أسامة الفرا

ويرى القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا، أنّه مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة تحركت مصر ضمن خطة متعددة الجوانب؛ المرحلة الأولى منها تتعلق بوقف العدوان وتثبيت وقف إطلاق النار، ودفعت بثقلها من أجل تنفيذ ذلك، ونجحت في ذلك.

اقرأ أيضاً: الحلقة المفقودة في العمل الوطنيّ الفلسطينيّ

وأضاف الفرا، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ مصر كانت تدرك أنّ التهدئة لا بدّ من أنّ تقود إلى ما بعدها، وهو الانتقال إلى المرحلة الثانية المتمثلة في إعادة إعمار قطاع غزة، بما يتطلبه من فكّ الحصار وملفّ تبادل الأسرى، والذي بدوره يفضي إلى هدنة طويلة الأمد، ولعلّ مصر، التي رمت بثقلها في مسألة إعادة إعمار قطاع غزة من خلال تبرعها بمبلغ ٥٠٠ مليون دولار، وأيضاً حثّها المجتمع الدولي على تشكيل لجنة دولية لذلك، تكون الحاضنة لها، وترجمة ذلك بشكل سريع إلى عمل على الأرض تمثل بدايته بوضع حجر الأساس لمدينة سكنية مصرية في قطاع غزة أثناء زيارة وزير المخابرات المصرية للقطاع.

القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا لـ "حفريات": لجأت مصر إلى العمل بعد تحقيق التهدئة على ثلاثة خطوط متوازية وهي؛ إعادة الإعمار، وتبادل الأسرى، والمصالحة الفلسطينية

وأشار الفرا إلى أنّ مصر ماضية في خطتها  ذات الأهداف الواضحة وصولاً إلى إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، فهي تريد في المرحلة الثانية أن تحقق هدنة طويلة الأمد تمنع من خلالها أيّة اعتداءات إسرائيلية على القطاع، والبدء في إعادة الإعمار فيه رسالة واضحة؛ بأنّ مسار الإعمار يجب أن يكون بمعزل عن ملفّ تبادل الأسرى، وفي الوقت ذاته تدرك القاهرة أهمية إنجاز التبادل لتثبيت هدنة طويلة الأمد تسمح بالخوض من جديد في إيجاد حلّ للصراع.

اقرأ أيضاً: هل تطور الخطابُ الأمريكي تجاه فلسطين؟

وفي السياق ذاته، أوضح عضو المجلس الوطني الفلسطيني، شفيق التلولي، أنّ التحرك المصري الأخير يهدف لإحياء المسارين؛ السياسي المتمثل في إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والوطني المبني على أساس استكمال تحقيق المصالحة الفلسطينية تمهيداً لتحرير العملية السياسية من بازار الصفقات التصفوية، وبعض الاتفاقيات التطبيعية التي أحدثتها إدارة ترامب المنصرف.

معالجة الانقسام الداخلي

وتعطلت جهود المصالحة التي رعتها مصر قبل الأحداث الأخيرة، بعد إرجاء الرئيس عباس عقد الانتخابات بذريعة عدم التمكّن من عقدها في القدس، لكن تكمن الأسباب الحقيقية حيال خوفه من خسارة الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد إخفاق فتح في الخروج بقائمة موحدة، ووجود منافسة حقيقية من قوائم مستقلة محسوبة على فتح.

اقرأ أيضاً: مصر تواصل الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد الهدنة... كيف؟

وجاءت الحرب على غزة لتُعلي من رصيد حماس الشعبي، ما يجعل المخاوف مستمرة لدى السلطة، ويهدّد جهود المصالحة التي تسعى مصر لإحيائها، إلى جانب رفع حماس من سقف مطالبها بعد الحرب، والإعلان صراحة عن رفض أية حلول وسيطة لا تفضي إلى مشاركتها هي وفصائل المقاومة في المؤسسات الفلسطينية كاملةً، بدايةً بالمجلس الوطني ومنظمة التحرير وبقية الأجسام السياسية الوطنية.

عضو المجلس الوطني الفلسطيني، شفيق التلولي

ويقول القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا، إنّ مصر تدرك أيضاً أن الإعمار من جهة والبحث عن حلّ للصراع يحتاجان إلى وحدة فلسطينية، تتمثل في طيّ صفحة الانقسام والتوافق بما يتطلبه من تشكيل حكومة تضطلع بمسؤولياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعمل على توحيد مؤسسات السلطة بين شقَّي الوطن ويكون من مهامها الإشراف على إعادة الإعمار، لذا لجأت مصر إلى العمل بعد تحقيق التهدئة على ثلاثة خطوط متوازية وهي؛ إعادة الإعمار، وتبادل الأسرى، والمصالحة الفلسطينية، حيث وجهت الدعوات للفصائل الفلسطينية للحضور للقاهرة للتوافق حول الملفات الثلاثة.

مفاوضات السلام

وكانت إسرائيل قد أعلنت ربط إعادة الإعمار بالتوصل لاتفاق حول الأسرى مع حركة حماس، لكنّ الأخيرة رفضت بشكل قاطع الربط بينهما، وجاء دخول آليات مصرية لإزالة الركام إلى قطاع غزة ليعزز من مطلب عدم ربط إعادة الإعمار بملف الأسرى.

وترتبط إعادة الإعمار بتوافق السلطة الوطنية وحركة حماس؛ فالمانحون الدوليون اشترطوا أن تتولى السلطة ملفّ إعادة الإعمار، وهو الأمر الذي لم تعارضه حماس، لكنّها حذّرت من محاولة إقصائها باستغلال الانقسام.

اقرأ أيضاً: وفد أمني مصري رفيع المستوى إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية لبحث هذه الملفات

وأضاف القيادي الفرا، أنّ القاهرة وجهت الدعوات للفصائل الفلسطينية للحضور للقاهرة للتوافق حول الملفات الثلاثة، ونجاح مصر في تحقيق متطلبات المرحلة الثانية سيجعلها تنتقل الى المرحلة الثالثة المتعلقة بالبحث في سبل إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهناك من الأسباب ما يعزز قدرة مصر على تحقيق ذلك، وتتمثل في التهدئة، وطرح مبادرتها حول إعادة الإعمار، إلى جانب أنّها الأقدر على تحقيق المصالحة حيث إنّها تقف على مسافة واحدة من مكونات العمل الفلسطيني.

ويؤكد عضو المجلس الوطني الفلسطيني، شفيق التلولي، أنّ المناخ الإقليمي والدولي مهيأ الآن لإعادة ترتيب أوراق المنطقة برمتها، وهذا ما تشير إليه التقاربات الحاصلة بين دول عربية وإقليمية، إذ ألقت مصر بثقلها لإعادة العربة إلى السكة بعد أن انحرفت بفعل الحرب الأخيرة التي كادت أن تفجر الوضع، وتشعل المنطقة برمتها.

الصفحة الرئيسية