هل تنجح فرنسا في اجتثاث خلايا الإرهاب النائمة على أراضيها؟

هل تنجح فرنسا في اجتثاث خلايا الإرهاب النائمة على أراضيها؟


12/10/2020

أصبحت فرنسا إحدى أهم البؤر الأوروبية التي يضربها الإرهاب باستمرار، كانت آخر الضربات محاولة شارلي إيبدو قبل أسابيع، الذي كشف عن خليّة إرهابية، لتمويل التنظيمات الإرهابية في سوريا؛ حيث ألقت قوات الأمن القبض على 29 شخصاً، تتراوح أعمارهم بين 22 إلى 66 عاماً، يرسلون أموالاً من فرنسا إلى سوريا، لمساعدة التنظيمات المسلحة، بحجة إرسالها لمساعدة الأطفال.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: دفاع عن الإرهاب وانقسام ومناورات جديدة

وقالت نيابة مكافحة الإرهاب في بيان لها: "هذه العملية تخللتها 55 عملية دهم في 26 دائرة مختلفة، وأدّت إلى توقيف 29 شخصاً، يشتبه بأنّ معظمهم ضخّوا أموالاً في الشبكة لصالح أقرباء لهم موجودين في سوريا".

المؤسسات الخيرية مفتاح اللغز

أصدرت الحكومة الفرنسية مرسوماً يحمل رقم)  2020-115)، الذي ينقل توجيه الاتحاد الأوروبي (2018/843)، المؤرّخ في  30 أيار (مايو) 2018، الصادر عن البرلمان الأوروبي والمجلس، والمعروف باسم "التوجيه الخامس لمكافحة غسل الأموال"، في 12 شباط (فبراير) 2020، للمساعدة في جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في فرنسا؛ حيث تتركّز مصادر التمويل الذي يتمّ ضخّه لصالح الجماعات الإرهابية، على شكل تمويلات من الجمعيات الخيرية، والتي تحمل رايتها بعض الدول العربية.

 ويتهم الكاتب الصحفي والباحث في الإسلام السياسي، وشؤون الجماعات الإرهابية، حسام السويفي؛ دولة قطر "بتبني تمويل عدد كبير من الجماعات المسلحة، وذلك عن طريق مؤسساتها التي تحمل صفة العمل الخيري؛ إذ تعمل قطر على نشرها، منذ أعوام طويلة".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تناقضات داخل الجماعة ومحاولات العودة وسط إثارة الفوضى

ويتابع السويفي، في تصريح لـ "حفريات": "أرى أنّ من أهم أسباب عدم نجاح فرنسا تحديداً، كأكثر دول أوروبا تضرراً من الإرهاب، في السيطرة على نشاط هذه الخلايا، هو أنّ أهم الكيانات الإرهابية التي تموّل العمليات الإرهابية في فرنسا، هي مؤسسة قطر الخيرية المتواجدة في بريطانيا؛ حيث تعتمد في دعمها وتمويلها على  98٪ من التمويل القطري".

سلفيو فرنسا يمثلون قوة تهيمن على عدد كبير من مساجد البلاد، فضلاً عن حصولهم على تمويلات مالية من الجاليات العربية والإسلامية والاستحواذ على الصدقات والتبرعات

 ووفق عدة دراسات سياسية ومالية؛ فإنّ "جمعية قطر الخيرية دفعت، حتى عام 2014، 71 مليون يورو لأكثر من 130 مشروعاً للمساجد والمراكز الإسلامية، بما في ذلك التابعة للإخوان في فرنسا، إضافة إلى المساعدة المباشرة للمدارس والكليات الخاصة، ومراكز تدريب الأئمة والشخصيات، كما  تلقت شركة قطر الخيرية في بريطانيا، نحو 28 مليون جنيه إسترليني، من دولة قطر، عام 2017، لتمويل الأعمال الإرهابية في عدة دول أوربية، وعلى رأسها فرنسا؛ حيث ترأس تلك الجمعية مسؤول قطري، لبثّ خطاب الكراهية والعنف على المواقع الإلكترونية عبر الإنترنت، وساهم موقعها في بريطانيا في عدم سيطرة الحكومة الفرنسية على تجفيف مصادر التمويل للجماعات الإرهابية المتواجدة على أراضيها".

اقرأ أيضاً: متى تعلن واشنطن رسمياً ميليشيات الحوثيين منظمةً إرهابية؟

ومما ساهم في صعوبة نجاح فرنسا في القضاء على الجماعات الإرهابية أيضاً، هو وجود مصرف الريّان، الذي تملكه مؤسسات قطرية، بنسبة 70٪، حيث يتهم بـ"تمويل منظمات إرهابية، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تضعه على قائمة المنظمات الإرهابية."

قطر والإخوان... تمويل بلا حدود

وتتهم دولة قطر بتمويلها لعدة جماعات إسلامية مسلحة، وبحسب آخر تقارير شبكة "فوكس نيوز"، الذي أعقب انفجار بيروت، في آب (أغسطس) الماضي، فإنّ شبكات تمويل الإرهاب طالت حزب الله، وهو المعسكر الإسلامي الشيعي، وتقدّم له ما تقدّمه لجماعة الإخوان الإرهابية،  وبحسب ما نشره الصحفيان الفرنسيان، كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو، في كتابهما "أوراق قطر"، فإنّهما أكّدا "وجود أكثر من 140 مشروعاً تموّلهم قطر، تابعين لجماعات إرهابية، من بينها جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا وأوروبا، للقيام بعمليات إرهابية، فضلاً عن قيام قطر بدفع راتب شهري، لطارق رمضان، حفيد حسن البنا، مؤسّس جماعة الإخوان".

السويفي يعتقد أنه "يتم التخطيط للعمليات الإرهابية في فرنسا، من منطقة تولوز، التي يقع بها مسجد النور الكبير، والذي بدأ العمل فيه عام 2009، ويخضع في إدارته لجمعية مرتبطة بجماعة الإخوان في فرنسا، وأتباع الإسلام السياسي، وتبلغ ميزانيته نحو 28 مليون يورو، نصفها يأتي من جمعية قطر الخيرية، التابعة للدوحة، وذلك بهدف العمل على انتشار تنظيم الإخوان، والمنظمات التابعة لها في فرنسا في جميع الأقاليم، خاصة في الغرب، حيث أماكن تكتلهم، مثل ائتلاف مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا، ومنظمة مسلمي فرنسا".

الباحث المصري عمر فاروق لـ"حفريات": الرئيس الفرنسي ماكرون لديه مشروع جادّ ومهمّ لوقف المدّ الإخواني والسلفي في الداخل الفرنسي، وغلق الباب نهائياً من خلال إجراءات حاسمة

 تساهم زيادة عدد المنضمين لجماعة الإخوان بفرنسا في تقليل فرص نجاح الحكومة الفرنسية في القضاء على العمليات الإرهابية؛ حيث يقدّر عدد الإخوان  بـ 50 ألفاً في فرنسا، ومجموعة من السلفيين يقدر عددهم بـ 40 ألفاً، وتقدّر حصة التمويل الأجنبي للمساجد من 20 إلى 30%، ويشكّل الأجانب 80% من أئمة المساجد في باريس.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. تضارب في التصريحات وتصفية للحسابات

 ويرى الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة ومكافحة الإرهاب، عمرو فاروق، أنّ فرنسا تلقّت عدداً من الهجمات الإرهابية على يد جماعات العنف المسلّح، نتيجة لمجموعة من الأسباب توافرت لديها دون غيرها من دول العالم الغربي، أهمها: انتشار التيار السلفي وتمركزه، حيث أصبح بيئة خصبة لاستقطاب العناصر المتطرفة، فكرياً ومنهجياً، وتوظيفهم في الأعمال الإرهابية المسلحة التي تستهدف الداخل الفرنسي.

اقرأ أيضاً: ما الإستراتيجيات العربية لتجفيف الوجود الإيراني في سوريا؟

وأضاف فاروق، لـ "حفريات": "سلفيو فرنسا يمثلون قوة تهيمن على عدد كبير من مساجد البلاد، فضلاً عن حصولهم على تمويلات مالية من الجاليات العربية والإسلامية، الداعمة لتوجهاتهم، والاستحواذ على الصدقات والتبرعات، التي تعدّ مصدراً مالياً مهماً لنشر أفكار المشروع السلفي المتغلغل في مفاصل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والمراكز الإسلامية".

حلم الخلافة من قلب مدينة النور

ويشير فاروق إلى أنّ هناك تواجداً كبيراً جداً لجماعة الإخوان التي توسّعت في تأسيس المراكز الإسلامية الداعمة لفكرة إقامة دولة الخلافة، والمموّلة من قطر من خلال مؤسسة قطر الخيرية ومؤسسة أمل، وصندوق الرحيق القطري، وهي منظمات ذات دعم مالي لنشر المشروع الإخواني، وتعمل منذ سبعينيات القرن الماضي في الداخل الفرنسي، وتتبع التنظيم الدولي، تحت مسمى "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، وتحوّلت فيما بعد إلى "مسلمي فرنسا"، كما أنّ تحركات اللوبي التابع للإسلام السياسي والحركي في باريس، أسّس ما يعرف داخلها بالدولة الموازية، التي تعمل على تغيير عادات وتقاليد هذه البقعة الجغرافية، وفق ما يعرف بـ "أسلمة أوروبا"، وهناك وثائق كثيرة فضحت مخطط الإخوان وغيرهم، لاختراق الدول الغربية، في مقدمتها وثيقة "المشروع الكبرى"، أو "المشروع السرّي لاختراق الإخوان للغرب"، ووثيقة "إستراتيجية الإخوان في الغرب".

الدور الذي تمارسه فرنسا في مواجهة جماعات العنف المسلح في الداخل الأفريقي، جعلها في مرمى التنظيم الإرهابية، واستهدف بشكل مباشر من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، من خلال خلايا "الذئاب المنفردة"، أو "خلايا التماسيح"، التي تخطط لاستهداف مؤسسات الدول المعادية للمشروع الجهادي المسلح، وهو ما يؤيده فاروق، بقوله إنّ "فرنسا أصبحت خلال السنوات الماضية، محطة ترانزيت لتشكيل الخلايا الإرهابية، واستقطابها من العناصر الأوروبية، أو من يطلق عليهم "أصحاب العيون  الزرقاء "، الذين يتمّ الدفع  بهم نحو مناطق التدريب والمسلح، مثل أفغانستان وليبيا وسوريا والعراق، وغيرها من مناطق ارتكاز الجماعات الإرهابية التي تتّخذ من الدين ستاراً لتبرير جرائمها ضدّ الإنسانية" .

اقرأ أيضاً: هل تنقل واشنطن قاعدة "إنجرليك" من تركيا إلى اليونان؟

ورغم خطاب الرئيس الفرنسي الأخير، الذي استفز كافة أبناء الإسلام السياسي، وردّت عليه تركيا بعنف معهود منها، يرى فاروق؛ أنّ الرئيس ماكرون لديه مشروع جادّ ومهمّ لوقف المدّ الإخواني والسلفي في الداخل الفرنسي، وغلق الباب نهائياً من خلال إجراءات حاسمة، ضدّ تغلغل هؤلاء في المؤسسات الفرنسية، وتطويعها لأهدافهم تدريجياً، وتعقّب مصادر تمويلهم وتحجيم نشاطهم المريب بين الجاليات العربية والإسلامية واستقطابهم للعنصر الفرنسي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية