هل ينتهي التنمّر في مصر بقوة القانون؟

هل ينتهي التنمّر في مصر بقوة القانون؟


23/07/2020

استقبلت الناشطة آية محمد (26 عاماً) بسعادة قرار الحكومة المصرية قبل أسبوع تعديل قانون الجنايات لإضافة موادّ خاصة بالتنمّر، فيما تتوارد على ذاكرتها وقائع طفولتها ومراهقتها التي عانت فيها من التنمّر، بصورة زعزعت ثقتها بنفسها، وما زالت تحاول تحجيم آثارها إلى الآن.

تقول آية لـ "حفريات": ما زلت أتذكّر كيف كان فصلي الدراسي كله يتنمّر عليّ لهيئة معيّنة كانت عليها أسناني، ويطلقون عليّ اسم "أرنوب"، ثم أطلقوا عليّ اسم الشاب الغبي في فيلم "غبي منه فيه" سلطان، بدعوى أنّ أسناني تشبهه.

اقرأ أيضاً: التعصب والتنمر.. هل من رابط؟

لسنوات ظلت آية تعاني من التنمّر في المدرسة، وكذلك في المنزل، كرهت الذهاب إلى المدرسة، ومعظم الوقت تقضيه بين النوم أو عدم التركيز، حتى شبّت ودرست علم الاجتماع، وباتت قادرة على تشريح الظاهرة، ومواجهتها مع من حولها، ورغم ذلك، ما زالت لا تستطيع الضحك ضحكة كاملة، بحسب قولها.

لسنوات قد يظل الشخص يعاني من التنمّر في المدرسة (صورة تعبيرية)

وقد وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون بتعديل مواد العقوبات يتضمن، للمرّة الأولى، تضميناً للفظ "التنمّر" كفعل يستوجب العقوبة، ويُنتظر عرضه أمام البرلمان تمهيداً لصدوره، علماً بأنّ الخطوة لاقت ترحيباً مجتمعياً وبرلمانياً واسعاً، ومن غير المتوقع أن تواجهها عقبات.

وينصّ التعديل على أنّه "يُعدّ تنمّراً كلّ استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحطّ من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي".

وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون بتعديل مواد العقوبات يتضمّن للمرّة الأولى تضميناً للفظ "التنمّر"

كما أقرّ مشروع القانون عقاب المتنمّر بالحبس مدة لا تقلّ عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ونصّ المشروع على تشديد العقوبة إذا وقعت الجريمة (التنمّر) من شخصين أو أكثر، أو إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته (...) لتصبح الحبس مدة لا تقلّ عن سنة وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، بحسب بيان الحكومة.

واستقبل المجتمع المصري والناشطون التوجّه الحكومي بتشجيع بالغ، على اعتباره خطوة مهمّة لمواجهة التنمّر، غير أنّها تظلّ خطوة تحتاج إلى تدعيمها لترسيخ ثقافة جرائمية فعل التنمّر داخل المجتمع، وخصوصاً أنّ غالبية أفراده يمارسون التنمّر كسلوك سائد، بقصد أو بدون قصد، تحت مظلة "المزاح" أحياناً.

اقرأ أيضاً: الفيديو.. طفل مصري يسخر من تعرضه للتنمر بهذه الطريقة 

لذا، فإنّ تعريف الحد الفاصل بين التنمّر والمزاح مسؤولية مجتمعية وتربوية، تحتاج إلى تضافر كافة المؤسسات، وحملات توعوية ضخمة، خصوصاً أنّ مؤسسات الأسرة والمدرسة والعمل أكثر البيئات التي تشهد عمليات تنمّر بين أعضائها.

وبخلاف وقائع التنمّر التي يتعايش معها المصريون على اعتبارها اعتيادية، فقد طفت على السطح خلال الشهور الماضية، حوادث فجّة أرّقت المجتمع، منها التنمّر على مراهق أفريقي، حيث قام مجموعة من الشبّان بضربه وتصويره والتشهير به، وهذا ما استدعى تدخل الأمن بعد حملة إلكترونية.

ا أقرّ مشروع القانون عقاب المتنمّر بالحبس مدة لا تقلّ عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه،

 كما كان لانتشار جائحة كورونا، والتنمّر الذي تعرّض له المصابون في بداية الجائحة، أثر في تسليط الضوء على الظاهرة.

ومؤخراً لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تغيير ديناميكية المجتمع، وخلق حالة من المواجهة والصدام مع عاداته الراسخة، فلولا تسليط الضوء على بعض تلك الوقائع عبر السوشال ميديا، لظلّت تتكرّر دون انتباه أو تحرّك لوقفها.

كما تجدر الإشارة إلى الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في ذلك، والتي بفضل حملاتها الإعلامية وموادها بمشاركة سفرائها من المشاهير، بات لفظ "التنمّر" رائجاً في المجتمع، وأصبح معناه معلوماً لدى الجميع.

استقبل المجتمع المصري والناشطون التوجّه الحكومي بتشجيع بالغ باعتباره خطوة مهمّة لمواجهة الظاهرة

وتُعدّ معركة التنمّر المعركة الثانية التي يخوضها المجتمع المصري، بعد التحرّش، بعدما حققت مواجهته قفزة لافتة على مدار الأسابيع الماضية، بعد حادثة المتهم أحمد بسام زكي، والتي تحرّكت عبر مواقع التواصل، علماً بأنّ قوانين التحرّش شهدت تعديلات قبل 3 سنوات أضافت عقوبات جديدة.

تقول الناشطة ندى سيد لـ "حفريات": حوادث التنمّر تحدث في مصر دائماً، لكنّ أسوأ أنواع التنمّر الذي عايشته خلال عملي، هو ما يتعرّض له الأفارقة.

عملت ندى العام الماضي ضمن فريق هيئة TDH  (هيئة دولية) لدعم الأفارقة في مصر، وتوفير مساحة للبوح عبر الفن، تقول لـ"حفريات": عملنا مع فئات من 18 إلى 25 عاماً، وفي ورش أخرى مع أطفال، الشكاوى والقصص كانت متشابهة إلى حد كبير، نعت بـ"الشيكولاته" لأصحاب البشرة السمراء، أو نبذهم.

اقرأ أيضاً: تنمر وسرقات وعنصرية... كورونا ينال من أخلاق البشر

تضيف: أكثر واقعة لا أستطيع نسيانها هي ما رواه شاب عن إرغام سائق لشاب ترك السيارة التي يستقلها، حتى يقلّ مصرياً، غير أنّ من تصدّى له هم الركّاب الآخرون، ورفضوا مغادرة الشاب الأفريقي.

 التشريع خطوة مهمّة، لكنها ليست الوحيدة، يجب أن يتبعها توعية وتشجيع لمن يتعرّضون لتلك الوقائع بالإبلاغ عنها

تقول ندى: التشريع خطوة مهمّة، لكنها ليست الوحيدة، يجب أن يتبعها توعية وتشجيع لمن يتعرّضون لتلك الوقائع بالإبلاغ عنها، الناس ربما يردعهم الخوف جزئياً من العقاب، لكن لا بدّ أن يشعروا بوجود آليّة حقيقية لكي ينالهم ذلك العقاب.

اقرأ أيضاً: التنمر بين الأطفال.. ليس مجرد عنف لحظي.. هذه أضراره

والمبشّر هو وعي نواب البرلمان بذلك، حيث صرّحت النائبة في البرلمان المصري عضو لجنة حقوق الإنسان، مارجريت عازر، تعليقاً على مشروع القانون الحكومي: لا بدّ أن يتضمّن التشريع آليات بكيفية الإثبات (واقعة التنمّر)، حتى لا يكون هناك تجنٍّ على الطرف الآخر، وأن يتضمّن قواعد في سهولة التطبيق، مؤكدة أنّ هذا التشريع سيسهم في الحدّ من الأذى النفسي للمتنمّر به، والتي تصل إلى حدّ تضرّره بمرض نفسي مزمن، بحسب صحيفة "اليوم السابع".

لعبت مواقع التواصل دوراً مهماً في تغيير ديناميكية المجتمع وخلق حالة من المواجهة والصدام مع عاداته الراسخة

وأضافت النائبة أنّ التشريعات وحدها لا تكفي لانتهاء الظواهر، فلا بدّ من تبنّي خطة موسّعة تتضافر فيها جهود كافة الوزارات التربوية والتعليمية والثقافة والشباب، وأيضاً بمشاركة المجتمع المدني لتغيير ثقافة المجتمع في احترام الآخر وعدم التنمّر به، بجانب الدور الكبير للدراما التلفزيونية في تغيير الثقافة.

وربما لا ينجح القانون وحده في القضاء على ظاهرة راسخة، مثل التنمّر، داخل المجتمع، لكنّها ستوفر آليّة للأكثر وعياً فيه لمواجهة ما يتعرّضون له، أو يتعرّض له ذووهم، وبتناوب أخبار تلك الوقائع، مع تضافر الأدوار الأخرى للمؤسسات، قد يُقوّض التنمّر في مصر خلال السنوات القادمة.

آية، التي لطالما تعرّضت للتنمّر وباتت ناشطة تواجهه، تقول: بعد صدور القانون، سيصبح في يدي سلاح إضافي، لن أسمح مستقبلاً أن يواجه أطفالي ما واجهته في طفولتي بصمت، الآن بات لدينا تجريم للفعل، وهذه هي البداية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية