أنصار الأدب الإسلامي يقيدون الإبداع بأحكام أخلاقية تلجم الخيال

الثقافة والأدب

أنصار الأدب الإسلامي يقيدون الإبداع بأحكام أخلاقية تلجم الخيال


06/12/2017

"يا أحمد مراد.. إنّ الأدب في التأدب مع الله، وإلا يسمى قلة أدب مهما كانت جودته ودواعيه".
بهذه الكلمات انتقد أحد القراء على موقع القراءة جود ريدز رواية الكاتب المصري أحمد مراد "موسم صيد الغزلان" الصادرة حديثاً عن دار الشروق بمصر. وفي السياق نفسه وجه مئات القراء انتقادات لرواية مراد الأحدث بدعوى أنها رواية إلحادية غير أخلاقية.
تقييم رواية مراد المنطلق من منظور ديني ومطالبته بكتابة روايات تحترم التصور الإٍسلامي، أعاد للأذهان مرة أخرى المسألة التي انشغلت بها دول العالم الإسلامي في حقبة الثمانينيات، والخاصة بالحديث عن مصطلح الأدب الإسلامي، والتي انبثقت عنها "رابطة الأدب الإسلامي العالمية" بدعوى من الشيخ أبو الحسن الندوي  في الهند، وتأسست الرابطة في السعودية عام 1984 لتخرج عنها سلسلة من الإصدارات ما بين الكتب والدراسات والمجلات الأدبية التي تحدثت عن وجود أدب إسلامي منذ بعثة الرسول قبل 1400 عام وحتى اليوم.
اعتراضات القراء على رواية مراد ليست بجديدة، إذ بدأتها الرابطة قبل ثلاثين عاماً حين وضعت 16 شرطاً لتحقيق أهدافها وأعمالها، كان على رأسها تعريف مصطلح الأدب الإسلامي وهو: "التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي" وأيضاً: "الأدب الإسلامي أدب ملتزم، والتزام الأديب فيه التزام عفوي نابع من التزامه بالعقيدة الإٍسلامية، ورسالته جزء من رسالة الإسلام العظيم".

رابطة الأدب الإسلامي وضعت قبل ثلاثين عاماً 16 شرطاً لتحقيق أهدافها لضمان عدم تجاوز التابوهات الدينية والاجتماعية

الدكتور جابر قميحة (1934 - 2012) أستاذ الأدب بجامعة عين شمس بالقاهرة وعضو جماعة الإخوان المسلمين كان أحد المدافعين عن مصطلح الأدب الإسلامي، حيث قال في  تعريفه لهذا النوع من الأدب إن "الإسلام شرط أساسي في وصف الأديب المسلم، أي أن مبدع الأدب الإسلامي يجب أن يكون مسلماً...". وفي وصف قميحة لوضع الإبداع الموجود حالياً قال: "والإبداعات الموجودة على الساحة الآن في بعضها ملامح من الأدب الإسلامي، ولكن كثيراً منها يعتبر أدباً ساقطاً ماجناً، يرفضه لا أقول الأدب الإسلامي فحسب، ولكن الإسلام نفسه".
أنصار مصطلح الأدب الإسلامي وأعداؤه حصروا المواجهة دائماً من خلال الحديث عن بعض رموز الأدب الإسلامي في العصر الحديث مثل: مصطفى صادق الرافعي، ونجيب الكيلاني، وسيد قطب، ومحمد سعيد العريان، وآخرين، في محاولة للتدليل على وجوده، دون التقيد بشروط أو معايير أو شكل ما للأدب الذي يحاول رافضو المصطلح تصديره خلال توجيه اعتراضاتهم لكتابات هذه الأسماء، والدفع بأنها كتابات لا يتوافر فيها الشكل المتعارف عليه للأدب.. فقد كان الصراع دائماً على أرضية أكاديمية بحتة بين القائل بأنه لا قيد على الأدب، أو الحديث عن ضرورة أن ينطلق الأدب من تصور إسلامي أخلاقي، إلا أنّ المسألة التي أخذت بعدًا أكاديمياً في الظاهر، لم يكن تفسيرها ينفصل عن البعد السياسي الذي سيطر على المشهد العام في دول العالم العربي والإٍسلامي فترة السبعينيات والثمانينات، فى محاولة لاستخدام كل الامكانات المتاحة دفاعاً عن مشروع الدولة الإسلامية التي سعت لتقديمه جماعات الإٍسلام السياسي المعاصرة.

المؤسس أبو الحسن الندوي
مؤسس المصطلح الشيخ أبو الحسن الندوي ( 1914- 1999 )، أنشأه فى شبه القارة الهندية؛ من أجل مقاومة التمييز ومواجهة السيخ والبوذيين وغير المسلمين من جهة، ولمقاومة الاستعمار الإنجليزي من جهة أخرى؛ ويظهر البعد السياسي في السعي من أجل تصدير المصطلح عند محاولة التنقيب عن الأسماء التي وضعت ضمن معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين، والذي صدر في الأردن بالتنسيق مع رابطة الأدباء الإسلاميين العالمية، لنجد اسم شكري مصطفى (1942- 1978) مؤسس جماعة "التكفير والهجرة" المتطرفة قاتلة الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصري حقبة السبعينات، وجاء فى تعريف معجم الأدباء الإسلاميين: "شكري مصطفى كان معروفاً بين زملائه بكنية أبو سعد الأسيوطي.... كان داعية إٍسلامياً منذ صباه.... كان شاعراً منذ نعومة أظفاره، وكانت أولى قصائده عام 1957 عندما كان في السادسة عشرة من عمره".
الكتابة الجديدة والدعاة الجدد
المواجهات فترة الثمانينات انحصرت فى مناظرات أكاديمية بين متخصصين في الأدب والنقد من كلا الجانبين، غير أنها لم تلقَ الرواج نفسه والاهتمام بين قراء تلك الحقبة، خصوصاً مع تراجع مستوى القراءة مصرياً وعربياً فترة الثمانينات، مع صعود نجم تيارات الإٍسلام السياسي وتراجع نفوذ اليسار، المسألة التي اختلفت نهاية التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة، مع ظهور ما عرف إعلامياً بظاهرة الدعاة الجدد؛ حليقي اللحى أًصحاب الياقات البيضاء، والذين سعوا لتقديم صورة أكثر حداثة وليبرالية للإسلام؛ فخرج الداعية عمرو خالد كنموذج بمحاضرات عن الحب الإسلامي والمصيف الإسلامي، وقدم الداعية راغب السرجاني محاضرة عن القراءة بعنوان "القراءة منهج حياة" قسم فيها مراتب القراءة عند الفرد المسلم إلى عشر درجات، بدأها بقراءة القرآن فى المرتبة الأولى، وختمها بقراءة الأدب فى المرتبة الأخيرة، مع مطالبة الشباب بالحرص في القراءات الأدبية حتى لا تؤثر على بقية القراءات الأهم من حديث وفقه وعقيدة.

صدرت في 5 سنوات 26 رواية لعشر كاتبات منقبّات في مصر تدعو إلى الفضيلة والتمسك بتعاليم الدين

نتج عن صورة الإسلام الليبرالي الذي قدمه الدعاة الجدد جيل من القراء والكتاب تربى على يد هؤلاء الدعاة، جيل يضع قيوداً حول إبداعه حين يكتب أو يقرأ، جيل قد تصدمه كلمة بذيئة فى رواية "من وجهة نظره" أو وصف لعلاقة جنسية بين بطلي رواية، أو رؤية شاطحة عن الله والأديان.
تلك الميول التي سيطرت على القراء والأدباء الشباب بعد ثورات الربيع العربي فى تفضيل الأدب ذي البعد الإسلامي، انتبهت لها دور نشر الشباب التي تأسست بكثرة في القاهرة بداية من عام 2012، بعد تراخي القيود الأمنية التي عملت على تحجيم صناعة النشر والصناعات المرئية والمسموعة قبل عام 2011، إلى جانب فتح المجال لدور النشر التابعة لتيار الإسلام السياسي لتلتحق عشرات الدور التابعة لجماعات الإسلام السياسي باتحاد الناشرين المصريين، حيث ارتفع عدد دور النشر صاحبة العضوية فى الاتحاد من 260 دار نشر عام 2012 إلى 560 دار نشر عام 217، وكانت سبباً في نجاح عضو جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة عاصم شلبي في انتخابات رئاسة الاتحاد عام 2012، وسعت تلك الدور للتحكم فى ضوابط ومعايير نشر وعرض وبيع الكتابات الأدبية للشباب، حيث أشار  كتاب مصريون من الأجيال الأكبر إلى منع مكتبات بيع الكتب عرض أعمالهم المنشورة بسبب تضمنها تداخلات مع الجنس والدين أو السياسة بشكل لا يستهويه القراء الشباب الآن، وسعى بعض الناشرين الى توجيه الأدباء الشباب قبل نشر أعمالهم ومطالباتهم بحذف الفقرات التي تنتهك تلك التابوهات.
المنتقبة الحسناء
تناول مصطلح الأدب الإسلامي سابقاً لم يكن يحتاج للتعامل مع تيار الإسلام السياسي ككتلة واحدة، فإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تسعى كنموذج لاستخدام جميع الأدوات المتاحة للترويج لفكرتها عن الدولة الإسلامية الحديثة، فإن جماعات السلفية التقليدية أو السلفية الجهادية كانت تنظر للأدب باعتباره علماً لا ينفع، وأن الأفضلية لقراءة القرآن وكتب الحديث والفقه وعيش الفرد في كنف الله بعيداً عن ملهيات الحياة. هذه الرؤية ربما تغيرت جذرياً في السنوات الخمس الأخيرة التي أعقبت ثورات الربيع العربي، إذ صدرت خلال هذه السنوات 26 رواية لعشر كاتبات منقبّات في مصر فقط. تدور معظم هذه الروايات في فلك الدعوة إلى الفضيلة والتمسك بتعاليم الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل روايات: "المنتقبة الحسناء"، و"الرجل ذو اللحية السوداء"، و"قالت لي" و"شاهدت زوجي في الأتوبيس" ومن "وراء حجاب"، وأعمال أخرى متنوعة للكاتبات المنقبات، دعاء عبد الرحمن، ومنى سلامة، وحنان لاشين، وشيماء عفيفي، وفاطمة الزهراء فتحي، وروان صادق، وريهام رجب الشاذلي، وأسماء أبو العطا.
أصبح المشهد الثقافي في التعامل مع المصطلح مختلفاً بعد ثورات الربيع العربي عن الفترة التاريخية التي عاصرت نشأة المصطلح؛ فبعد أن كان الحديث عن الأدب الإسلامي حديثاً وليداً يلقى التعنت ومحاولات التحجيم من اليسار المصري الذي كان مسيطراً على عملية نشر الإبداعات وتقديمها للقراء من خلال مطبوعاته الأدبية، تبدلت المسألة وأصبحت إبداعات اليسار تواجه بالتحجيم من قبل منافذ بيع الكتب ونشرها، في حين تتصدر واجهات بيع الكتب فى القاهرة كتابات المنتقبات الأعلى مبيعاً، والكتابات التي تنطلق من التصور الإسلامي، المتماهية مع البعد الأخلاقي والديني المنطلق من عقيدة جماعات الإسلام السياسي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية