عودة الجدل حول جماعة "العدل والإحسان" المغربية بعد إغلاق بيوتها

المغرب

عودة الجدل حول جماعة "العدل والإحسان" المغربية بعد إغلاق بيوتها


16/03/2019

أعاد إغلاق السّلطات في المغرب مؤخراً لمنازل ستّة أعضاء في جماعة "العدل والإحسان" الجدل من جديد حول أنشطة الجماعة، التي تعد  من أكبر التنظيمات والحركات الإسلامية بالمغرب.
وأسس الشيخ عبد السلام ياسين جماعة "العدل والإحسان" في العام 1973 لتصبح أكبر تنظيم إسلامي في المغرب، ويبدأ معارضته الشديدة للنظام المغربي ومسيرته السياسية في الحكم.
ما بعد عبد السلام ياسين  
في أيلول (سبتمبر) 1974 أرسل ياسين نصيحة مفتوحة مكتوبة للملك الحسن الثاني في أكثر من مئة صفحة بعنوان "الإسلام أو الطوفان" سُجن بسببها  ثلاث سنوات ونصف السنة.

اقرأ أيضاً: جماعة العدل والإحسان تلتف على القوانين المغربية لعقد اجتماعات سياسية
ثم فرضت السلطات المغربية الإقامة الجبرية على مرشد الجماعة ومنعت عنه الزوار، في الثلاثين من كانون الأول (ديسمبر) 1989 حتى أيار (مايو) 2000، وكان العام 1998 شهد تأسيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان.
وفي 13 كانون الأول (ديسمبر) 2012 توفي عبد السلام ياسين في إحدى مصحات الرباط، وخلفه محمد بن عبد السلام عبادي الذي لُقّب بالأمين العام للجماعة.

أسس الشيخ عبدالسلام ياسين الجماعة في العام 1973 لتصبح أكبر تنظيم إسلامي في المغرب
يقول المحلل السياسي والمتخصص في الجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري، إنّ "الجماعة خفت صوتها بشكل كبير بعد رحيل عبد السلام ياسين، وتبدد إشعاعها؛ لأن الراحل كان يتوفر على كاريزما  ومشروعية لتأسيس والتنظير لذلك كان يجمع بين الشيخ والمرشد".
وأوضح الكنبوري، في حديثه  لـ "حفريات"، أنّ عبد السلام ياسين لطالما نجح في حلّ الخلافات داخل جماعته، مضيفاً أنّ "هذه الخلافات ستظهر بعد وفاته، وستقع انقسامات وصراعات وأحياناً انشقاقات"، على حد تعبيره.

أعربت جماعة "العدل والإحسان" عن استيائها مما وصفته بـ"التضييق" الذي تتعرض له من السلطات المغربية

ويتابع المحلل السياسي: "تقلّصَ الحضور الشعبي للجماعة بعد الربيع العربي وتولي الإسلاميين للشأن العام بالمغرب، وذلك راجع لأنها تتقاسم مع العدالة والتنمية نفس المرجعية"، ذاهباً أنّ "فقدان المواطن المغربي الثقة في حزب العدالة والتنمية يرجع لسوء تدبيرها لبعض الملفات، ما أثّر على الجماعة ومكانتها في المجتمع المغربي".
وكان معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، نشر دراسة عن " جماعة العدل والإحسان"  من إعداد الباحثة الأمريكية، فيش ساكتيفيل، أجرت فيه لقاءات مع قيادات في جماعة
" العدل و الإحسان"، وكشفت الدراسة "أنّه من أبرز نقاط ضعف الجماعة هي أنّها ترفض الاعتراف بإمارة المؤمنين، ما يجعل المواطنين المغاربة يتخوّفون منها نظراً لمكانة الملكية لديهم".
رؤيا "القومة"
وأشارت الدراسة: "إلى أنّه برغم من أنّ الجماعة تصرّح دائماً أنّها تبتعد عن العمل والعلاقات مع الخارج فأكبر تواجد لها يوجد في إسبانيا"، وكشفت الباحثة أنّ الجماعة عرفت ضربات قوية، أولاها رؤيا عبد السلام ياسين لما أسماه القومة (النهضة) العام 2006 التي شكلت إحراجاً كبيراً للجماعة، ما أدى إلى انسحاب أعضاء من الجماعة عقب الترويج لهذه الرؤيا".
وقال أحد المنشقين للباحثة: "الشيخ توفي بالنسبة لي يوم  نشر رؤياه وأحلامه التي لا تستقيم والعمل السياسي".
وتؤكد الدراسة أنّ الحركة تلقت ضربة أخرى بعد وفاة الشيخ نفسه، "إذ حدث انفصال بين الدائرة الدينية الدعوية بقيادة عبد الواحد المتوكل والدائرة السياسة بقيادة فتح الله أرسلان"، مشيرة إلى أنّ "الدائرة الدعوية معروفة بأنّها محافظة وتحاول العمل بنفس طريقة الشيخ الراحل، بينما الدائرة السياسية مرنة إلى درجة شعبوية ومستعدة للتفاوض سواء مع الملكية أو الحركات السياسية الأخرى".
وكشفت الباحثة أنّ "أكثر عدد من المنشقين والمستقيلين كان بعد وفاة الشيخ، وأغلبهم من النساء؛ لأنّهن حسب الدراسة كنّ يقدسن الشيخ المرشد، ويرين فيه الأب المبجل لذلك فقدن صلتهن بالجماعة بعد وفاته".
الفراغ السياسي
من بين أبرز المنشقين عن "العدل والإحسان"، سعيد بن جبلي؛ يقول في حديثه لـ "حفريات": "كانت الجماعة قوة تستقطب الشباب بسبب الفراغ السياسي، وموجة الأسلمة التي واكبت الثورة الإيرانية والجهاد الأفغاني، وغيرها من موجات التدين والتناسل لحركات الإسلام السياسي التي تطمع في مناصب بالحكومة". 

بن جبلي: الجماعة اليوم تتواجد على الهامش وتحوّلت إلى زاوية صوفية
ويضيف القيادي السابق في جماعة العدل والإحسان، الذي تحول إلى أبرز منتقدي حركات الإسلام السياسي، أنّ "موقفي من الجماعة هو موقفي من جميع تيارات الإسلام السياسي التي تستخدم الدين للوصول إلى الحكم، وتحويل النظام السياسي إلى نظام ديني سياسي فاشي يمارس الوصاية على الشعب وعلى النخب المثقفة".
ويذهب بن جبلي إلى أنّ "الجماعة اليوم تتواجد على الهامش وتحوّلت إلى زاوية صوفية، تركز جهودها على العمل الدعوي والتربوي الصوفي برغم مما تقوم به من أنشطة موازية طلابية، وعمالية في إطار نقابات تقليدية"، على حد تعبيره.
اتهامات من الجماعة بالتضييق
وأعربت جماعة "العدل والإحسان" عن استيائها مما وصفته بـ"التضييق" الذي تتعرض له من طرف السلطات المغربية بعد إغلاق بيوت الجماعة، وفي هذا الصدد يقول حسن بناجح  القيادي في جماعة العدل والإحسان في حديثه لـ "حفريات"  إنّ "إغلاق بيوت الجماعة غير قانوني يصنف في إطار الشطط في استعمال السلطة".

اقرأ أيضاً: ما قصة اعتكاف "العدل والإحسان" المغربية في رمضان؟
موضحاً أنّ "هذه البيوت يمتلكها أعضاء الجماعة وأصحابها لا يفتحونها للعموم، إنما مخصصة لأصدقائهم وأيضاً لأعضاء من جماعة العدل والإحسان، وليست للقاءات عامة بل خاصة".
وأشار بناجح  إلى أنّ الجماعة "قانونية"، معتبراً وصفها بالمحظورة "افتراء وتضليلاً"، مضيفاً أنّ الجماعة لديها أحكام قضائية نهائية تؤكد مشروعيتها وقانونيتها.
ويقول بناجح: "لا يحق لسلطة أن تقتحم بيوت الناس، مبررة ذلك بأنّ أصحاب البيوت ارتكبوا تجاوزات في التعمير، وهذا غير صحيح وفي حالة صح ذلك، فالمسطرة القانونية للتعامل مع تجاوزات التعمير والبناء لا تتضمن تشميعها وإغلاقها".
معركة مستمرة
ويتضمن ملف إغلاق بعض بيوت جماعة العدل والإحسان روايتين، حسب المحلل السياسي والمتخصص في الجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري، إذ يقول في حديثه لـ"حفريات": "إنّ الجماعة  تؤكد أنّ البيوت خاصة بالسكن لأعضاء الجماعة، وتعتبر أنّ هذا التشميع غير مشروع لأنّه بمثابة اعتداء على حرية المواطنين، بينما للدولة وجهة نظر أخرى، تقول إنّ هذه البيوت هي بيوت سكنية فعلاً، لكنها معدة بطريقة معينة لتستقبل اجتماعات الجماعة".

يعتبر الكنبوري أنّ المعركة بين الجماعة والدولة تظهر من فترة إلى أخرى، مشيراً إلى أنّها أصبحت "نوعاً من التقليد

وأضاف المحلل السياسي: "ربما للدولة معطيات لذلك قامت بإغلاق بيوت الجماعة، والملف معروض على القضاء ويجب على الجماعة أن تثبت أنّ هذا القرار غير قانوني".
ويعتبر الكنبوري أنّ المعركة بين الجماعة والدولة تظهر من فترة إلى أخرى، مشيراً إلى أنّها أصبحت "نوعاً من التقليد في كل مرة تحمل عنوان مختلف"، مستدركاً أنّ "الدولة تعتبر الجماعة جماعة محظورة قانونياً ولا يحق لها العمل، بيد أنّها تسمح لها بهامش تتحرك فيه، لكن الجماعة تعمل بطريقة تسعى من خلالها لتوسيع هذا الهامش واعتباره نوعاً من المكسب".
واعتبر الكنبوري  أنّ الدولة ترغب بين الفينة والأخرى في أن تعيد الجماعة إلى الأصل وتذكّرها أنّها جماعة غير مرخص لها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية