الرفض الفلسطيني لصفقة القرن هل يدفع واشنطن للبحث عن قيادة بديلة؟

فلسطين

الرفض الفلسطيني لصفقة القرن هل يدفع واشنطن للبحث عن قيادة بديلة؟


27/05/2019

تثير سياسات واشنطن المنحازة للكيان الصهيوني أسئلة ومخاوف عن توجهات الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتها البحث جدياً عن بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية تتوافق مع مبادئها وتوجهاتها، بعد رفض السلطة الفلسطينية "صفقة القرن" والخطط الأمريكية "التصفوية"، لعدم استجابتها للثوابت والحقوق الفلسطينية العادلة.

جرينبلات: في حال استمرت السلطة الفلسطينية في توجيه الانتقادات، دون أخذ دور فعال، فإنّ آخرين سيقومون بسدّ هذا الفراغ

وكانت الولايات المتحدة اتخذت إجراءات تصعيدية ضدّ السلطة الفلسطينية، كان بدايتها قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إعلان القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساعدات المقدمة للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالضفة الغربية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، للضغط على السلطة وإجبارها على القبول بـ"صفقة القرن".
ودعا الموفد الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط، جايسون جرينبلات، في أغسطس (آب) الماضي، السلطة الفلسطينية إلى المشاركة في المساعي لإيجاد حلّ للأزمة في قطاع غزة، موضحاً أنّه "يجب على السلطة أن تكون جزءاً من الحلّ للفلسطينيين في قطاع غزة، وللفلسطينيين بشكل عام، وإلا سيكون لها بديل"، وحذر جرينبلات، في بيان نشره على صفحته في موقع تويتر، من أنّه "في حال استمرت السلطة الفلسطينية في توجيه الانتقادات، دون أخذ دور فعال في حلّ الأزمة، فإنّ آخرين سيقومون بسدّ هذا الفراغ".

كانت الولايات المتحدة اتخذت إجراءات تصعيدية ضدّ السلطة الفلسطينية

لا قيادة فلسطينية بديلة

المحلل السياسي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، غيث العمري، يقول لـ "حفريات": "لا أرى أية بوادر لمحاولات أمريكية لإيجاد قيادة بديلة، وما تحاول إدارة الرئيس ترامب القيام به، هو الضغط على القيادة الفلسطينية، وليس تغييرها، وما يزال المسؤولون الأمريكيون يتوجهون بمطالبهم وخطاباتهم إلى قيادة السلطة الفلسطينية، والأهم من ذلك أنّه لا توجد اتجاهات عملية تحاول تقوية أشخاص، أو اتجاهات سياسية فلسطينية بعينها، على حساب القيادة الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: غزة.. بيضة قبان "صفقة القرن" وموقف حماس الصعب

ويضيف: "في بداية عهد الرئيس الأمريكي، ترامب، اعتقدت واشنطن أنّه من الممكن تجاوز الفلسطينيين وإقناع بعض الدول العربية بأن تتحدث باسم الفلسطينيين، أو أن تقيم سلاماً منفصلاً مع إسرائيل، غير أنّ المواقف العربية التي رفضت التعاطي مع هذا المنحى أقنعت الإدارة بالعدول عن ذلك، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ الإدارة الأمريكية لن تقوم بممارسة ضغوطات شديدة ضدّ القيادة الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: الانقسام وصفقة القرن ليسا قدراً على الشعب الفلسطيني

إدارة ترامب تأخذ مقاربة مختلفة عن سابقاتها فيما يتعلق بتقديم الدعم الخارجي، والذي يقوم على أساسين، وفق العمري؛ "الأول: خفض الدعم الخارجي بشكل عام، وهو ما ظهر في عهد ترامب، بتخفيض الدعم للدول كافة، بما فيها الدول الصديقة لواشنطن في الشرق الأوسط وخارجه، باستثناء إسرائيل والأردن، وأما الأساس الثاني؛ فهو عدم تقديم الدعم للدول التي تعارض سياسات واشنطن، وعلى هذا الأساس؛ فإنّ رفض السلطة التعاطي مع إدارة ترامب وسياساتها، جوبه بقطع كل المساعدات عن الفلسطينيين، وهو ينسجم مع المنحى العام للسياسة الخارجية الأمريكية، والتي تتمثل في ممارسة أقصى الضغوطات لتحقيق النتائج المطلوبة".

تجاوز السلطة

وعن مساعي الإدارة الأمريكية لإيجاد بدائل للمساعدات تتجاوز فيها دور القيادة الفلسطينية، من خلال تأمين قنوات مالية ومساعدات إلى قطاع غزة دون المرور عبرها، قال العمري: "لا توجد أية إجراءات اقتصادية بعد تتجاوز القيادة الفلسطينية، وأن قطع المساعدات لم يطل فقط دعم موازنة أو مشاريع السلطة، بل شمل كافة أوجه الدعم، حتى تلك التي كانت توجه للقطاع الخاص أو المجتمع المدني، وهناك بعض المبادرات في الكونغرس لإعادة بعض الدعم المباشر للقطاع الخاص، غير أنّ هذه المبادرات لا تحظى بدعم الإدارة الأمريكية، لوجود بعض المؤشرات التي تفيد بمحاولة تجاوز السلطة في المجال الاقتصادي عند نشر خطة السلام الأمريكية، والتي ستشمل الجانب الاقتصادي بمحاذاة الجانب السياسي".

اقرأ أيضاً: هل ستكون حماس الطرف الفلسطيني الذي سيمرر "صفقة القرن"؟

ولفت إلى أنّ "الولايات المتحدة الآن لا تقوم بأيّ دور في غزة، والمساعدات التي تصل، إما عربية أو أوروبية أو أممية، وأنّ كلّ هذه الجهات، باستثناء قطر، كانت تفضل إيصال المساعدات إلى غزة من خلال السلطة الفلسطينية، وهذا كان أحد العوامل، وليس العامل الرئيس الذي دفع بمصر لتنشيط جهودها لتحقيق المصالحة الفلسطينية، منذ عام 2017".
العمري يستدرك "ولكن رفض السلطة القيام بأي دور في غزة، وما تبعه من إجراءات عقابية ضدّ القطاع، حذا بالدول المانحة إلى تجاوز السلطة فيما يتعلق بغزة، وتكمن المعضلة أيضاً في أنّ حماس، بسبب مواقفها وتصرفاتها، تصنف كحركة إرهابية لدى الغالبية العظمى من الدول المانحة، وعليه فإنّ المساعدات لغزة تتجاوز حماس أيضاً، وبالتالي ما يصل إلى غزة يبقى محدوداً ومحصوراً بالحد الأدنى الذي يمكن تقديمه من خلال الأمم المتحدة وما شابهها".

إدارة ترامب تأخذ مقاربة مختلفة عن سابقاتها فيما يتعلق بتقديم الدعم الخارجي

دعم أردني متواصل

ويرى العمري أنّ قطع المساعدات الأمريكية عن الأونروا "كان نتيجة لقناعة بعض أركان الإدارة بأنها تساهم في استمرارية قضية اللاجئين، وبالتالي كان القرار محاولة لتحجيم القضية، وأما في ما يتعلق بالأجهزة الأمنية، فلن يكن هناك قرار لقطع المساعدات ولكن بموجب قانون أمريكي جديد لم تبادر به الإدارة، لكنّها لم تعارضه أيضاً، فإنّ قبول السلطة بأية مساعدات أمريكية، يجعلها عرضة للمساءلة القانونية أمام المحاكم الأمريكية، مما دفع بالسلطة إلى رفض استلام تلك المساعدات، ورغم بعض المحاولات لتعديل القانون، فلا توجد بوادر لنجاح هذه الجهود على المدى القصير".

اقرأ أيضاً: إسرائيل تبتلع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.. عن أي صفقة قرن يتحدثون؟

ويتصدر الأردن الجهود الدولية لحشد الدعم للأونروا، بالتنسيق مع منظمة التحرير، "لما يمثله موضوع اللاجئين من أهمية لعمّان، وقامت بعض الدول العربية بدعم هذا الجهد دبلوماسياً، خاصة دولة الكويت، ومالياً السعودية وقطر، إضافة إلى الدعم الدولي، ومن المتوقع أن يتم التجديد في الموازنة القادمة".

واشنطن ورعاية عملية السلام

وبسؤاله عمّا إذا كانت واشنطن ما تزال وسيطاً نزيهاً لإتمام عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قال العمري إنّ "هذه الإجراءات، وغيرها، لا شكّ في أنّها تنتقص من مصداقية الولايات المتحدة، غير أنّ الفيصل في هذا الأمر سيكون محتوى الخطة الأمريكية عند طرحها، فإذا جاءت متوازنة وملبية للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، فإنّ دور واشنطن كوسيط سيعود، أما إذا تجاهلت الحقوق الفلسطينية فلن يكون دور للولايات المتحدة فيها".

اقرأ أيضاً: صراعات حماس وفتح ..هل تعبد الطريق أمام صفقة القرن؟

وبيّن العمري؛ أنّه "لا توجد أية دولة قادرة على رعاية العملية السلمية غير الولايات المتحدة، وعندما حاولت فرنسا عقد مؤتمر دولي، قبل حوالي عامين، فشل هذا المؤتمر، كذلك الأمر فيما يتعلق بروسيا، التي لا تعدو عروضها للتوسط في حلّ الصراع مجرد استعراضات إعلامية، وهذا لا يعني أنّ هذه الدول، وغيرها، بما في ذلك الدول العربية، لا تستطيع لعب دور إيجابي، ولكنها لا تستطيع قيادة ورعاية العملية السلمية بمجملها".

السلطة الفلسطينية ترى في الجانب الأمريكي وسيطاً غير نزيه في أيّة اتفاقية سلام مع إسرائيل

هل تتشكل قيادة فلسطينية بديلة؟

من جهته، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حجازي، أنّ "السياسات الأمريكية الحالية التي يتبعها دونالد ترامب، منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، وتهديده بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، ورفع الصفة الرسمية عن المكتب، تُبيّن أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى إيجاد قيادة بديلة عن السلطة الفلسطينية، وتغيير نظامها السياسي لتمرير صفقة القرن، أو القدوم بقيادة فلسطينية جديدة، أو إعادة هيكلة المنظمة بما يتوافق مع السياسية الأمريكية والإسرائيلية".

اقرأ أيضاً: هل سيقبل القادة العرب "صفقة القرن"؟.. عمرو موسى ودنيس روس يُجيبان

وأضاف لـ"حفريات": "السلطة الفلسطينية ترى في الجانب الأمريكي وسيطاً غير نزيه في أيّة اتفاقية سلام مع إسرائيل، ودعم مسار حلّ الدولتين، بعد اعتراف واشنطن، في 6 كانون الأول (ديسمبر) 2017، بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتوقيف مساعداتها للأجهزة الأمنية، ووكالة الأونروا، للضغط عليها للعودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما دفع واشنطن للتلويح بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على السلطة الفلسطينية، في حال تحركت دولياً لإيجاد بدائل لإتمام عملية السلام، بما لا يتماشى مع المصالح الإسرائيلية".

ويؤكد حجازي أنّ إسرائيل تخشى من العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة على السلطة الفلسطينية، وأنّ القيادة الفلسطينية ما تزال تعوّل على المساعدات المقدمة من بعض دول الاتحاد الأوروبي، والتي تتبنى سياسة الرئيس عباس، "وهو ما يتضح بعد تصويت مجلس الأمن ضدّ قرار الإدارة الأمريكية، الأمر الذي قد يدفع السلطة لتنفيذ قرارات المجلس الوطني ردّاً على السياسات الأمريكية والصهيونية بتحقيق المصالحة الفلسطينية، والتخلص من بعض الاتفاقيات الموقعة بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي".

خفض واشنطن تمثيلها الدبلوماسي

وقررت الولايات المتحدة الأمريكية، في آذار (مارس) الماضي، تخفيض تمثيلها الدبلوماسي لدى السلطة الفلسطينية، عبر دمج قنصليتها بالقدس، بالسفارة التابعة للاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما أعلنه مسؤول أمريكي. وكانت القنصلية تمارس بحكم الأمر الواقع مهام السفارة لدى السلطة الفلسطينية، منذ اتفاقات أوسلو في التسعينيات، ستحلّ محلّها وحدة تسيير خدمات الفلسطينيين ضمن السفارة.

اقرأ أيضاً: هل تقبل حماس بـ"صفقة القرن" على قاعدة دولة في غزة؟

ورأى مسؤولون فلسطينيون القرار الأمريكي خطوة ضدّهم من قبل إدارة ترامب، عقب تجميد اتصالاتهم مع البيت الأبيض، منذ الاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل".

وعلّق أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات على القرار الأمريكي، بالقول: إنّ "دمج القنصلية الأمريكية بالسفارة يمثل المسمار الأخير في نعش دور الإدارة الأمريكية في صناعة السلام".

وأشار عريقات، في تغريدة نشرها على موقع تويتر، إلى أنّ "القنصلية عملت 175 عاماً في القدس، وإغلاقها يتعلق بالأيديولوجيا المتعصبة التي ترفض أن يكون للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية