انسحاب أمريكا من سوريا: لمن تترك الساحة يا ترامب؟

سوريا

انسحاب أمريكا من سوريا: لمن تترك الساحة يا ترامب؟


07/01/2019

منذ إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عزم بلاده سحب قواتها من سوريا، وأطراف عديدة تتحدث عن مكاسبها وخسائرها التي يمكن أن يتسبب بها هذا القرار، فتركيا تتربص بالأكراد منتظرة تنفيذ القرار على الأرض، فيما تفرح لذلك إيران، بينما تلتزم بعض الدول العربية الصمت.

اقرأ أيضاً: قراءة في تداعيات الانسحاب الأمريكي المفترض من سوريا

ولعلّ التخبط الحاصل منذ مطلع هذا العام، مرده أنّ الرئيس ترامب عاد من جديد ليتعامل مع أمر انسحاب قواته على أنه ورقة تصلح للمساومة وربما الابتزاز السياسي أيضاً، متحدثاً عن عدم وجود جدولٍ زمنيٍ محدد للانسحاب. فلماذا يجعل ترامب من انسحاب قواته المحتمل أشبه بمسرحية درامية سياسية؟

إعلانات استعراضية

في العشرين من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قال الرئيس الأمريكي إن "تنظيم الدولة الإسلامية قد هزم". مبرراً قرار سحب قواته من سوريا، ورغم أن جزم ترامب بهزيمة التنظيم الإرهابي بصورةٍ نهائية تستدعي سحب قوات بلاده هو أمرٌ مشكوكٌ فيه واقعياً، إلا أن أول ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية، تمحور حول "المخاوف من تزايد نفوذ روسيا وإيران في سوريا ومناطق أخرى بعد انسحاب قوات الولايات المتحدة من سوريا" وفقاً لما نقلته "بي بي سي" في 20 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

قرار الرئيس ترامب متناقض واستعراضي ولا يغطي عليه سوى ارتباك حلفائه وغموض من يمكن وصفهم بأعداء أمريكا السياسيين

وبالبحث عن حلفاء القوات الأمريكية في سوريا، يمكن القول إنهم مجرد أصدقاء وهميين تارةً، وحقيقيين تارةً أخرى، فالأكراد ممن شكلوا قواتٍ تحت حماية ورعاية الأمريكان (قوات سوريا الديموقراطية)، يناقض وجودهم كحلفاء لأمريكا في سوريا، السماح لتركيا بالتوغل في عفرين السورية ومناطق كردية واسعةٍ شمال سوريا تحت أعين الأمريكان منذ العام 2017. بينما ينصّب الإيرانيون أنفسهم كمحتفلين بجلاء هذه القوات، رغم أنه لم يحصل أي اشتباكٍ حقيقيٍ بينهم وبينها طوال مدة وجودها في سوريا، وحتى الآن.

ورغم أنّ السياسة الأمريكية تعتمد الحليف بديلاً عن الصديق، وهو حليف قابلٌ للاستبدال طالما لم يحقق المصالح المنشودة، أو أنه لا يعود موضوعاً للدعم، فإنّ الخائفين من انسحاب القوات الأمريكية كان يجب ألا يكونوا متفاجئين من تخلي القوات الأمريكية عنهم، فلم يمض أسبوعان على تصريحات ترامب التي أطلقها من صفحته في موقع تويتر وأعادت نشرها مواقع عالمية عديدة، حيث قال: "هل تريد الولايات المتحدة أن تكون شرطي الشرق الأوسط؟ وألا تحصل على شيء غير خسارة أرواح غالية وإنفاق آلاف تريليونات الدولارات لحماية أشخاص لا يثمنون في مطلق الأحوال تقريباً ما نقوم به؟ هل نريد أن نبقى هناك إلى الأبد، حان الوقت أخيراً لكي يقاتل الآخرون".

ويبدو أنّ ترامب يشير، بطريقةٍ ضمنية، إلى أنه لا حماية لمن لا يدفع، ولا يوجد حليف دائمٌ محتمل، سوى ذلك الذي يدفع الثمن! أما تبريره الأول بشأن الانسحاب، والذي يعتمد على أن التنظيم الإرهابي "داعش" قد هزم، فإنه يناقضه بتغريدته ذاتها حين يقول:  "روسيا وإيران وسوريا والعديد غيرهم ليسوا مسرورين بخروج الولايات المتحدة رغم ما تقوله الأخبار الكاذبة، لأن عليهم الآن قتال تنظيم الدولة الإسلامية وغيره ممن يكرهونهم، بدوننا".

وفي هذا السياق، قالت وكالة "سبوتنيك" بتاريخ 20 كانون الأول (ديسمبر) 2018 إن مسؤولاً أوروبياً يرى أنه "لم تعد الولايات المتحدة ترغب في إقامة تحالفات دائمة في العالم وأنها سوف تعتمد على تغيير الحلفاء وفقاً للظروف على وجه الخصوص، في سياق تطور الصراعات، لكنّ الأوروبيين غير مستعدين لهذا النهج الجديد".

اقرأ أيضاً: ماذا يفعل ترامب في العراق؟ وما علاقة الزيارة بالانسحاب من سوريا؟

ويشير المسؤول إلى أنه لا وفاء للتحالفات إلا بما يخدم المصالح الأمريكية، كما يؤكد في باقي حديثه أن أمريكا سوف "تواصل التأثير على الأوضاع في سوريا عن طريق الوسائل المتاحة لحلفاء أمريكا".

ويبدو أن قرار الرئيس الأمريكي، متناقض واستعراضي، ولا يغطي عليه سوى ارتباك حلفائه، وغموض من يمكن وصفهم بأعداء أمريكا السياسيين.

ينصب اهتمام القوات الأمريكية على مصالحها سواء انسحبت من سوريا أم لم تنسحب

الوكلاء المخلصون

من جهتها، فإنّ تركيا التي هددت مطلع العام الحالي بعمليةٍ عسكريةٍ واسعةٍ شمال سوريا، لم  ولن تتحرك "إلا بعد تفاهماتٍ مع أمريكا، أكد عليها رجب طيب أردوغان بنفسه" وفقاً لتقرير سابق نشرته "بي بي سي" في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2018 أكدت فيه تحذير البنتاغون لأردوغان التحرك عسكرياً دون "ردٍ إيجابيٍ أمريكي" أو إذن إن صح التعبير، وهو ما أكد أردوغان أنه موجود، وأنه يتضح من خلال قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا.

لأمريكا وجود في سوريا عن طريق الأتراك على الأقل والأكراد في حال تطلب الأمر وعن طريق الضربات الجوية الصهيونية

وبحسب التقرير ذاته، فإن "انسحاب القوات الأمريكية يعزز الوجود التركي لمدةٍ طويلة في عفرين ومناطق من شمال سوريا، كما إنه سوف يبقي الصراع الكردي التركي قائماً"، وبالتالي فإن الانسحاب لا يجيء لمصلحة استقرار سوريا، والزعم بالقضاء على الإرهاب، بل سيحل مكانه صراع عسكري مرير ربما يدوم لأعوام ويسهم في تقسيم سوريا المحطمة أصلاً بعد سبعة أعوام من حربٍ لم تنتج شيئاً كذلك سوى الحطام.

ومن ناحيةٍ أخرى، يستمر التناقض، بحديث أمريكا عن إعادة إعمار سوريا، وأنه وفقاً لترامب "يجب أن يكون للدول العربية يد في إعادة إعمار سوريا"، وهذا كلام موضوعي لأن ترامب يطلب من الدول العربية التعاون مع بعضها البعض، إلا أنه متناقض واقعياً، لأن الانسحاب الأمريكي عسكرياً، والحديث عن "2000 جندي" وفقاً لتقرير "بي بي سي" لا ينهي التدخلات والصراع على الأرض من خلال دولٍ كتركيا، تتحدث عن مصالحها ضد الأكراد، لكنها لا تتحرك إلى بمستوى الوكيل لأمريكا على الصعيد السياسي، فالأذونات أمريكية، والتفاهمات أمريكية، وحتى من جهة روسيا، فإن الروس تهمهم مصالحهم المحددة، ولا يهمهم مصالح السوريين في عدم احتلال تركيا لمساحة من أرض سوريا.

أما بخصوص إيران، التي تحول أي قرارٍ أمريكي يتضمن كلمة انسحاب إلى احتفالٍ خطابي، دون دراسة الواقع على الأرض، فإنها ترى وجودها في سوريا، وبالتالي في لبنان، امتداداً إستراتيجياً لمصالحها، بصفتها مشاركةً في (انتصار) ما يعرف باسم محور المقاومة ضد المؤامرة الدولية على سوريا. وما يثير الجدل بشأن هذه الفكرة، هو أن هذه المؤامرة الدولية المزعومة، لا زالت حتى اللحظة متحققةً في سوريا، فلأمريكا وجود في سوريا عن طريق الأتراك على الأقل، والأكراد في حال تطلب الأمر، وعن طريق الضربات الجوية الصهيونية على دمشق وغيرها من مدنٍ سورية، وبألف وجهٍ آخر. بينما روسيا لها حصتها في سوريا، وربما فيما بعد سوريا، وما سوف يعرف لاحقاً بمرحلة إعادة الإعمار، بينما لم تتكشف مواقف الدول العربية تجاه ملفاتٍ عديدة، من إعادة الإعمار، أو سواها، أو ما يتعلق بانتهاء (الثورة) كذلك، من عدم انتهائها.

اقرأ أيضاً: هل تنسحب فرنسا من سوريا أيضاً؟

وهكذا، فإن فكرة إيران عن انتصار محور المقاومة، تبدو فكرةً ساخرة، تماماً مثلما هي جملة "انسحاب القوات الأمريكية" التي سارع محللون عرب في الصحف العربية للقول إنها بداية عالمية جديدة لتفعيل إستراتيجية "عدم التدخل في الشرق الأوسط" مثلما ورد في صحيفة "الحياة" مثلاً في 21 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وكل هذا يقود إلى أن شيئاً لم ينسحب من سوريا فعلياً، فهي لا تزال معرضة لجولات جديدة من الصراع، سواء من قبل الوكلاء، أو اللاعبين الكبار، وهو ما ليس مرجواً أبداً، لكنه وبصورةٍ مؤسفة: محتمل.

الصفحة الرئيسية