"الرايات السوداء".. كيف فوّتت الحماقة الأمريكية إجهاض داعش؟

"الرايات السوداء".. كيف فوّتت الحماقة الأمريكية إجهاض داعش؟


26/11/2019

حتى الآن يمكن رصد كتابين متميزين من المؤلّفات التي تتبّعت بالتفصيل ظهور خطر تنظيم داعش قبل أن يتم القضاء عليه ميدانياً في سوريا، ويقضي زعيمه في عملية أمريكية خاصة في سوريا بتاريخ 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2019؛ أول هذه الكتب هو كتاب ويل مكانتس (Will McCants) "داعش ونهاية العالم" الصادر العام 2015.

تفرد الكتاب برسم الخطوط الأولى لصعود الزرقاوي من الشارع الأردني ليصبح أحد أكثر الجهاديين وحشية في العالم

أما الكتاب الثاني الذي نعرض له هنا؛ فهو "الرايات السوداء.. صعود داعش" الصادر العام 2016 لمؤلفه الصحفي الأمريكي جوبي واريك الذي حاز عليه جائزة "بولتزر" في العام نفسه.
عبر رواية درامية مثيرة تتكون من 345 صفحة موزعة على ثلاثة أجزاء؛ الأول عن صعود أبو مصعب الزرقاوي من الأردن، والثاني عن الساحة العراقية، والثالث عن تنظيم داعش، يتتبع جوبي واريك كيف أنّ سلالة الإسلام المتشدد وراء داعش ظهرت لأول مرة في سجن أردني بعيد وانتشرت بمساعدة غير مقصودة لرئيسين أمريكيين هما؛ بوش الابن وباراك أوباما.

غلاف الكتاب
اعتماداً على معلومات فريدة من نوعها عالية المستوى لوكالة الاستخبارات المركزية والمصادر الأردنية، نسج واريك التفاصيل العملية لحظة بلحظة مع وجهات نظر الدبلوماسيين والجواسيس والجنرالات ورؤساء الدول، وكثير منهم توقع تهديداً أخطر من "القاعدة" وحاول بشكلٍ يائس وقف ذلك.

اقرأ أيضاً: "البغدادي"... فكرة تدرك أمريكا أنّها لم تمت
يبدأ واريك تتبعه السردي من الأردن، ومن السجن الذي كان يُحتجز فيه الإرهابيون والمشتبه بهم، وضمنهم الشخصيات القيادية والنشطاء الجهاديون الذين سيؤدون أدواراً محورية في الإرهاب لاحقاً في العراق وسوريا، والشخصيات الرئيسية في الأجهزة الأردنية المعنية (الذين ذكر أسماءهم الوهمية).

الكتاب بالمحصلة استعراض بالتفاصيل لكيفية بروز تنظيم داعش حيث يلعب الزرقاوي دور الأب الروحي

من المعروف اليوم لدى خبراء ومنظري الإرهاب أنّه لا يمكن الحديث عن الإرهاب المعاصر، وجذور تنظيم داعش دون المرور على المحطة الرئيسة التي دشنها أبو مصعب الزرقاوي؛ ولذلك نلاحظ أنّ واريك بدأ كتابه من الأردن ومن سجونها التي شهدت بدايات ظهور أبو مصعب الزرقاوي، ثم استعرض بالتفصيل-الممل أحياناً- كافة العمليات التي نفّذها الزرقاوي في الأردن وعلى رأسها عملية اغتيال الأمريكي لورنس فولي في العاصمة عمّان.
لكن؛ مع الوصول غير المسبوق إلى المصادر الأولية للمعلومات، التي يُحرم منها الكثير من الخبراء والصحفيين في العالم العربي عادة، تمكن واريك من إنتاج صورة مفصلة عن صعود الزرقاوي إلى السلطة، شخصيته، رسالته القاتلة، ولماذا سقطت تلك الرسالة على آذان صاغية من مجاميع كبيرة من الساخطين خاصة في الأردن والعراق آنذاك.
وحسب واريك فإنّ الشخصية الجهادية الرئيسية في الرايات السوداء هي أبو مصعب الزرقاوي، زعيم الفصيل المنشق عن تنظيم القاعدة في العراق ومؤسس داعش المتطرف الديني الحقيقي، ومعروف أنّ الزرقاوي سافر بعد الإفراج عنه من السجون الأردنية العام 1999 إلى أفغانستان لمحاربة الأمريكيين "الكافرين".

اقرأ أيضاً: هل حسمت عملية البغدادي الصراع الاستخباري بين التكنولوجيا والبشر؟
وعلى الرغم من أنّ إسهاماته في ساحة المعركة أظهرت شجاعة غير عادية، إلا أنّ بن لادن وجماعته كانوا يكرهونه ولا يثقون به وأبقوه بعيداً، وبما أنّ الأمريكيين انتزعوا معاقل طالبان، تراجع الزرقاوي إلى جيب غير شرعي من العراق لا تسيطر عليه حكومة صدام حسين، ومن هذا الجيب في 2002 وضع الزرقاوي الهيكل التنظيمي لجماعة جهادية من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف الى قيادة التمرد ضد الأمريكيين في العراق، بالطبع فإنّ هذه التفاصيل كثيرة جداً ومتعددة وليس في نيّتنا في هذا العرض المكثف للكتاب، أن نستعرضها بالتفصيل.


هذا الكتاب بالمحصلة استعراض بالتفاصيل لكيفية بروز تنظيم داعش؛ حيث يلعب أبو مصعب الزرقاوي دور الأب الروحي ويستعرض الجهود التي قام بها الكثير من الأشخاص الذين أطلق عليهم المؤلف "الأبطال" في تتبع نشاطات الزرقاوي لدى الاستخبارات المركزية الأمريكية، مع الإشارة الى الأخطاء الكارثية التي ارتكبها الرئيس بوش الابن باحتلال العراق.

حماقة غزو اعراق قد ولّدت تنظيم داعش وخلقت العديد من الفرص الضائعة لوقف الزرقاوي بسرعة

تفرّد كتاب واريك بأنّه رسم الخطوط الأولى لصعود الزرقاوي من الشارع الأردني الى أحد أكثر الجهاديين وحشية في العالم، وهو يبين مدى ارتباط مقاتلي "داعش" بإرث الزرقاوي، الذي قتل في العام 2006-ليس فقط أيديولوجيتهم؛ بل حتى لون الملابس التي يرتديها الإرهابيون السجناء في مقاطع الفيديو، وفيها يقول مقاتلو "داعش" إنّهم "أطفال الزرقاوي".
ركّز المؤلف على نقاط الوميض الدرامية وأدوار اللاعبين الرئيسيين في بروز تنظيم داعش من رحم تنظيم الزرقاوي، ثم الأدوار التي لعبها مختلف اللاعبين الدوليين خاصة الأجهزة الأمنية الأردنية والاستخبارات الأمريكية، مؤكداً كيف أنّ "حماقة الغزو العراقي قد ولدت تنظيم داعش وخلقت العديد من الفرص الضائعة لوقف الزرقاوي بسرعة".

اقرأ أيضاً: هل البغدادي ميتاً أخطر منه حياً؟
من المؤكد أنّه سيكون هناك كتب أخرى كثيرة حول الجهود التي تبذل على مستوى العالم لسحق الإرهاب العالمي، لكن يبقى أن نقول إنّ كتاب الرايات السوداء يُقرأ مثل رواية سريعة الخطى، كجزء من فيلم عن الجاسوسية، وجزء كقصة حرب، وجزء عن المؤامرات السياسية التي غالباً ما تنتصر على مصادر الخطر الحقيقية للإرهاب العالمي الذي لن ينتهي بالقضاء على تنظيم داعش.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية