تقرير خاشقجي: جريمة ابتزاز!

تقرير خاشقجي: جريمة ابتزاز!


14/03/2021

عماد الدين أديب 

لماذا هناك إصرار في واشنطن على ربط ولي العهد السعودي بأمر قتل جمال خاشقجي رحمه الله؟

المشكلة في واشنطن ليس عنوانها حقوق الانسان، وليس عنوانها خاشقجي شخصياً، ولكن عنوانها مشروع محمد بن سلمان!

محمد بن سلمان ليس صناعة أجهزة أميركية، لكنه صناعة وطنية سعودية بامتياز اختاره والده أمير الرياض -حينئذٍ- ليلتحق بمكتبه في الإمارة، ثم تدرج في التعلم والتدرّب السياسي والإداري حتى أصبح مديراً لمكتب وزير الدفاع، ثم رئيساً لديوان ولي العهد، ثم وزيراً للدفاع، ثم ولياً لولي العهد السعودي، وأخيراً، ولياً للعهد مع احتفاظه بمنصب وزير الدفاع والمسؤول الأساسي عن خطط التنمية والإصلاح والاستثمار والدفاع في المملكة.

صناعة الامير محمد بن سلمان، ليست صدفة أو مفارقة ظروف سياسية، وليست رغماً عن ولكن بالاختيار الكامل المقصود والمحدّد من الملك سلمان بن عبدالعزيز القادر وحده من دون سواه الاختيار والترشيح لأي أمير ضمن آلاف أبناء أو أحفاد الملك عبدالعزيز.

الملك سلمان اختار ولي عهده، والرجل الثاني القوي الذي أوكلت له أهم ملفات الحاضر والمستقبل.

إذن خيار الأمير محمد بن سلمان جاء من خارج دائرة الرغبة أو الدعم الاميركية لشكل ومستقبل الحكم في السعودية.

في دائرة السلطة في السعودية كان هناك على الأقل 8 رجال، بحكم مناصبهم، وعلاقاتهم التاريخية، لديهم «جسور» و»علاقات» مميزة مع واشنطن ومؤسساتها الرسمية والأمنية، أكثر من محمد بن سلمان الذي جاء من خارج هذه الدائرة.

أكثر ما يقلق واشنطن من ولي العهد السعودي ليس أي ملف داخلي سعودي، ولكن كونه يضع مسألة المصلحة الوطنية العليا السعودية فوق أي اعتبار، بمعنى أنه بعقليته البراغماتية وأسلوب إدارته الصارم للغاية يمكن أن يتخذ قراراً في أسعار النفط أو مشتريات السلاح أو تصنيع التكنولوجيا أو إعطاء إمتيازات المشروعات العملاقة لمن هو أفضل وليس -بالضرورة- ليس لمن هو أميركي.

من هنا يمكن فهم طبيعة العلاقة المميزة بين ولي العهد السعودي والرئيس الصيني تشي، وعلاقة التفاهم الجيّدة بينه وبين الرئيس بوتين.

إذا كان مقياس الإقتراب أو الإبتعاد عن التعاون الاميركي مع السعودية هو الإصلاح، فإنّ حجم الإصلاحات الغير مسبوقة التي شهدتها السعودية في السنوات الخمس الماضية تشفع لأي إدارة حكم سعودية.

لذلك كله، بدلاً من الحوار المباشر مع ولي العهد السعودي، عدنا الى ملف ابتزاز جريمة مقتل جمال خاشقجي.

وإذا كان المقياس هو حقوق الانسان فإنّ العقل لا يقبل إتخاذ إدارة بايدن سياسة خشنة ضد السعودية لجريمة واحدة تم الإعتراف بها سعودياً وصدرت ضد فاعليها أحكام نهائية، في ذات الوقت الذي يتم فيه إعادة تأهيل النظام الإيراني الذي يقتل ألف خاشقجي كل يوم في إيران وخارجها!

إذن انه تقرير المخابرات الاميركية الذي تم تداوله ونشره يوم الخميس الماضي حول جريمة مقتل خاشقجي.

دعونا نناقش التقرير وملابساته بشكل موضوعي تماماً:

أولاً: تاريخ الإنتهاء من التقرير: ربيع عام 2018.

ثانياً: مصدر التقرير لجنة خاصة في المخابرات الاميركية معروفة داخل الجهاز باسم ODNI.

ثالثاً: تاريخ نشر وتداول التقرير هو 11 فبراير 2021.

لاحظ النشر بعد 41 يوماً من تولي بايدن الحكم، رغم انه في خزانة الجهاز منذ 28 شهراً.

رابعاً: تم الإعتماد في هذا التقرير على تحقيقات المدعي العام التركي، وزيارة لفريق التحقيق لتركيا، وبعض الشهود أبرزهم السيدة خديجة خطيبة جمال خاشقجي رحمه الله.

وجاء بيان الخارجية السعودية للرد على تقرير خاشقجي رافضاً بشكل قاطع لكل الإدعاءات التي نظمها التقرير المنحاز.

هذه عناصر أساسية من ناحية الشكل والملابسات. اما من ناحية المضمون وما انتهى إليه فإنه يمكن ملاحظة الآتي:

أولاً: انه التقرير ينتهي الى أنّ ولي العهد السعودي أمر باختطاف أو قتل جمال خاشقجي في اسطنبول.

ثانياً: رغم ان هذه الخلاصة هي السطر الاول في نتائج التحقيق، فإنه لا يوجد في التقرير كله أي دليل مادي مباشر أو غير مباشر، أو وجود وثيقة أو تسجيل صوتي أو مرئي أو شهادة شاهد أو نتيجة أي اختراق أمني أميركي يدعم أو يؤكد هذا الادعاء.

ثالثاً: ان التقرير يقول في الفقرة رقم (2) من الخلاصة ما يقول حرفياً «نحن نبني هذه النتيجة على أساس ان الامير محمد بن سلمان يتحكم في صناعة القرار في المملكة.

وهذا في عرف القانون أولاً والسياسة ثانياً ليس دليلاً جنائياً ولا يعد إدانة مقرونة بفعل مادي، لكنه يقوم على «افتراض منطقي».

وفي هذا المجال قال الامير محمد في مقابلة إعلامية عام 2018 «إنه يتحمّل المسؤولية كاملة للحادث لأنه حدث في زمن إدارته السياسية للبلاد».

ما قاله ولي العهد السعودي هو التحمّل للمسؤولية الأدبية للحادث لكنه لا يتحمّل المسؤولية الجنائية.

رابعاً: استند التقرير أيضاً على مسألة شكلية، تبدو للوهلة الأولى جوهرية، وهي ان المتهمين الذين أدينوا ينسبون أجهزة أمنية، لذلك -بناء عليه- يمكن تحميل ولي العهد المسؤولية.

وفي هذا المجال، قال الامير محمد بن سلمان «مثل هذه الأخطاء واردة، وأنا مسؤول عن شعب يبلغ 27 مليون نسمة فيه 3 مليون موظف حكومي».

هنا أيضاً يمكن فهم ان ملف قتل خاشقجي من ناحية الفكرة، القرار، التنفيذ، ما بعد الجريمة يمكن، رغم فداحته، في اي جهاز أمني كبير في العالم المعاصر.

هذا الأمر قابل للحدوث، بل حدث في أعتى أجهزة المخابرات العالمية.

يوجد في هذا العالم ما يُعرف بمؤشر أهم أجهزة الاستخبارات في العالم وهي:

1- المخابرات الباكستانية.

2- المخابرات الهندية.

3- المخابرات الألمانية.

4- المخابرات الاميركية.

5- الموساد الاسرائيلي.

6- المخابرات البريطانية.

7- المخابرات الصينية.

8- المخابرات الاوسترالية.

9- المخابرات الفرنسية.

كل هذه الأجهزة الكبيرة، ذات التاريخ في العمل الاستخباري والميزانيات الضخمة والعقول الفذّة، والأنظمة الأمنية والإدارية وقعت -باعترافها- في ارتكاب أخطاء جسيمة وصدرت عمليات مارقة خارجة عن القرار السياسي والسيادي بسبب ملابسات العملية النوعية أو انفلات أو عدم انضباط أو سوء تخطيط.

لاحظ تقرير لجنة تشيرش الشهير في الكونغرس الاميركي عن أخطاء وخطايا الـ»سي آي إيه».

لاحظ كتاب «الخطايا السبع للتخطيط الاستراتيجي للمخابرات» للمؤلف الخبير «لوك جونسون».

لاحظ خطأ المخابرات الفرنسية في جريمة المهدي بن بركة في باريس.

لاحظ أخطاء ما يُعرف بالوحدة الامنية الروسية للنشاط الاستخباري في أوروبا المعروفة برقم: 29155 المسؤولة عن محاولة قتل ألكسي نافالني بغاز نوفوشتوك، وغيره من المعارضين الروس.

لاحظ نفس الأخطاء للمخابرات الصينية تجاه معارضين في هونغ كونغ، والمخابرات التركية في ألمانيا وشمال أوروبا.

لاحظ أيضاً تقرير الخارجية الاميركية السنوي الذي يصدر في فبراير من كل عام الذي يوجه انتقادات شديدة عن مخالفات جسيمة داخل الولايات المتحدة نفسها.

هنا، يأتي السؤال العظيم، والأهم هل تحريك موضوع خاشقجي هو دفاع عن مبدأ أم محاولة إبتزاز للسعودية وولي عهدها؟

من الواضح تماماً أنّ المسألة من بدايتها حتى نهايتها، رغم استنكارنا للجريمة، ليست مسألة مبدئية، لكنها عمل إبتزازي سياسي بامتياز.

عن "الشرق" 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية