حركة الشباب المجاهدين الصومالية: كلما خفت بريقها توحّشت أكثر

الصومال

حركة الشباب المجاهدين الصومالية: كلما خفت بريقها توحّشت أكثر


04/12/2017

ظهرتْ حركة الشباب، أوّل مرة في عام 2006، كجزء صغير من تشكيلات الفصائل المسلّحة المعارضة للحكومة الصومالية الانتقالية التي تُساندها القوّات الإيثوبية، لكنّها سرعان ما تمايزت عن باقي الفصائل الإسلامية والعشائرية التي تتشكّل منها المعارضة المسلحة، بعد قبول التّفاوض مع الحكومة الصومالية الانتقالية في جيبوتي وأسمرة، في عاميّ 2007-2008، واتّخذتْ الحركة، منذ ذلك الحين، لبوساً أيديولوجياً متطرفاً، وأعلنتْ نفسها كمنظمة جهادية متمايزة عقائدياً وعسكرياً وتنظيمياً عن باقي واقع الإسلاميين المتشعّب والطويل، وعُرفت بكونها واحدة من أعنف الحركات الجهادية في العالم.
 

من المحلّية إلى الارتباط بالجهادية العالمية
في أوّل الأمر، لم يكنْ بمقدور الحركة التي يقدر عددها بنحو 5000 إلى 7000 عضو فقط، أنْ تقوم بدون دعم ورضى شعبيين، ويعود هذا الرّضا إلى أحد أمرين؛ أوّلهما، اعتقادٌ شعبيٌّ بأنّ الحركة قد تجلب الاستقرار في الأماكن التي تحكمُها، أسوةً بتجربةِ المحاكم الإسلامية التي أنهتْ حكم أمراء الحرب في البلاد. وأيضاً بروز الحركة بوصفها المقاومة الوحيدة المتبقية أمام التدخّل الإيثوبي، لهو أمرٌ لاريب، يعطيها قدراً من الشرعية أمام المجتمع.

لم تعلن الحركة ولاءها للقاعدة إلا في عام 2012، إلا أنّها كانت تحتفظ بعلاقات غير معلنة مع التنظيم

وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أنّ البيئة المجتمعية التي تحتضن "الشباب"، مهما كانت مسوغاتها، هي بيئة قد تمّت "سلفنتها" مسبقاّ، فقد كان التّيار السّلفي الجهادي ينشط في الصّومال منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان يركز جهوده على "التربية" بترجمةِ أطروحات سيد قطب وغيره إلى اللغة الصومالية، إلى أن حانت اللحظة التي خرجت فيها "الدعوة" إلى العلن، بتوفّر الظروف الموضوعية لحدوث ذلك.
انتهجت الحركة، كباقي الحركات الجهادية المتطرفة، سلوكاً عنيفاً للحكم، فبدأتْ بتطبيق أحكام الشريعة القاسية في المناطق التي تخضع لسيطرتها، ومنعت مشاهدة كرة القدم، والأفلام، ومصافحة النساء والرجال في الأماكن العامة، واعتبرتها تصرفات متنافية مع الدين، ولا تليق بالمجتمع المسلم.
لم تقتصر الحركة على هذا فحسب؛ بل وصلت إلى مستويات مذهلة من العنف، فراحت تنبش قبور علماء الصوفية، بحجة أنّهم خطر على صفاء عقيدة المسلمين. وبالتوازي مع تطرف الحركة كانت شيئاً فشيئاً تفقد قاعدتها الشعبية، ويظهر تذمر شعبيّ ضدها، حيث ظهر في المناطق التي تحظر فيها الحركة الممارسات الدينية الصوفية، فصيلٌ  صوفي مسلح، كقوة مجابهة لممارسات الحركة، يدعى "منظمة أهل السنة والجماعة".

عمر شفيق حمامي، المعروف بـ أبو منصور الأمريكي أحد الأجانب الذين اغتالتهم الحركة بسبب خلافه مع قيادتها

وتزايد الاستياء الشعبي من الحركة بفعل ضلوعها بعنف مستباح دفع أثمانه الباهظة المدنيون في المقام الأول، وغدت منبوذة شعبيّاً تماماً بعد استهدافها المتكرر للمدنيين، ومن هنا كانت حاجة الحركة إلى الدعم النفسي والمعنوي والحصول على شعور التضامن من قبل الأيديولوجيا الواسعة التي تنتمي إليها، فأعلنت ارتباطها بتنظيم القاعدة.

الارتباط بتنظيم القاعدة
لم تعلن الحركة ولاءها لتنظيم القاعدة إلا في عام 2012، إلا أنها كانت تحتفظ بعلاقات غير معلنة مع التنظيم، وفق ما أشارت إليه خطابات تم الحصول عليها من مقر إقامة بن لادن عام 2011، تبيّن بأنّ الحركة كانت شديدة الحماسة للانضواء تحت لواء "القاعدة" بشكل رسمي، لكن أسامة بن لادن كتب في رسالة بعثها إلى أمير الحركة مختار أبوالزبير في عام 2010 يخبره بأنه من الأفضل إبقاء الصلة بين التنظيمين تحت الطاولة، وحمايتها من جذب أنظار العالم، خشية الانعكاس السلبي لذلك.

خاضت الحركة في السنوات الأخيرة تصفيات داخلية فيما بينها، استهدفت فيها المقاتلين الأجانب، واغتالت أيضاً قياديين بارزين من صفوفها

وتتخلص أسباب ولاء الحركة لتنظيم القاعدة، بحاجتها إلى تدريبات عسكرية احترافية للجيل الثاني من المقاتلين، فالجيل الأول كان من عناصر القاعدة المقيمين في الصومال وأفراد الشباب الذين تدربوا في معسكرات أفغانستان وكانوا ذوي خبرات احترافية: (غودني، روبو، عيرو، إلخ).. وباختفاء معظم تلك القيادات ظهرت الحاجة إلى الكوادر المدربة بفنون القتال وحرب العصابات، وكذلك تطوير أسالبيها القتالية بشكل عام، فمثلاً كانت غالبية تكتيكات حركة الشباب في السابق تعتمد على الاغتيال، لكنْ بعد ارتباطها بتنظيم القاعدة، ظهر استخدام التفجيرات الانتحارية بوتيرة متزايدة، وبدأت الحركة باستخدام الأجهزة المتفجرة والقنابل المزروعة على جوانب الطُرق على نطاق واسع.
كما أنّ الحركة استفادت من علاقتها بتنظيم القاعدة في إنتاج المواد الإعلامية الدعائية لجذب المقاتلين إلى صفوفها، اذ بثّت الحركة العديد من المواد المرئية على الإنترنت، التي تحث من خلالها على المشاركة في الجهاد، ومؤازرة المسلمين، كما أنتجت أيضاً العديد من المواد الدعائية المحترفة، التي ترمي الحركة إلى إظهار مدى قوتها.

دخول داعش على الخط
منذ الإعلان عن "داعش" عام 2014، اتجهت جهادية الأطراف إلى مبايعة المركز القيادي الجديد للجهادية العالمية، كشأن بوكو حرام، لكنّ حركة الشباب أحجمت عن الانفصال عن تنظيم القاعدة الذي يوفر لها الدعم اللوجستي.
وبعث زعيم القاعدة أيمن الظواهري رسالة إلى قيادة الحركة، يحثّ فيها على ألّا توافق على منهج "داعش"، وأنْ تُراعي ظروفها، وعلى "أنْ تركّز تحرير بلدها من القوات الصليبية".
وظهرت أيضاً دعوات وعروض وُجّهت للحركة بالانضمام إلى تنظيم "داعش" من قبل المكتب الإعلامي لتنظيم الدولة في سيناء مثلاً، الذي بعث في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 رسالة إلى الحركة بعنوان "من سيناء إلى الصومال" دعا فيه أحد عناصر التنظيم للحركة إلى مبايعة أمير داعش أبوبكر البغدادي، وهو الأمر الذي بَثّهَ المكتب الإعلامي في ولاية حمص أيضاً، الذي نشر إصداراً مرئيّاً بعنوان "رسالة للمجاهدين في أرض الصومال"، دعا خلاله أسامة الجزراوي، وهو سعودي، حركة الشباب لمبايعة البغدادي.

منعت مشاهدة كرة القدم، والأفلام، ومصافحة النساء والرجال في الأماكن العامة، واعتبرتها تصرفات متنافية مع الدين، ولا تليق بالمجتمع المسلم

وبعد أشهر قليلة، وتحديداً، في نيسان (أبريل) 2016 نشرت مؤسسة "البتّار" الإعلامية إصداراً مرئياً بعنوان (بيعة ثلة من مجاهدي الصومال) يظهر مجموعة من حركة الشباب المجاهدين الصومالية يعلنون انشقاقهم عن الحركة ويتعهدون بالولاء لزعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي. وأحد المقاتلين في هذا الفيديو هو زعيم حركة الشباب السابق عبد القادر مؤمن، وهو بريطاني الجنسية، وعاد إلى الصومال من لندن في عام 2010، وساعد الحركة في تعزيز ولاء قادة المجتمع المحلي من منطقة عشيرته.
لكن الحركة لم تتأخر بالرد على أنّ أيّ إنقسام في صف الحركة، سيعاقب بالإعدام، وأنها "ستقطع حلق كل من يفكر بتقويض الوحدة".

القائد المنشق.. عبدالقادر مؤمن

مستقبل الحركة: بين تقهقر وخطر قائم
خاضت الحركة في السنوات الأخيرة تصفيات داخلية فيما بينها، استهدفت فيها المقاتلين الأجانب، واغتالت أيضاً قياديين بارزين من صفوفها، لكن أعنف هزة جاءت بمقتل زعيمها ومؤسسها الفعلي مختار أبو الزبير بهجمة أمريكية أوخر عام 2014، وهو الرّجل الذي يرجحّ المراقبون أنّه في وجوده ما كان ليظهر أيّ إنشقاق عن الحركة. فرغم أنه كان يقود تصفيات ميدانية داخل الحركة، لكنه لم يتجرأ أحدٌ على الانشقاق عنه؛ بل كانت تختفي الفصائل الجهادية الأخرى لحسابه.

أمير الحركة السابق، أحمد غوداني ، المعروف بـ مختار أبو الزبير

أتى بعد الرجل القوي للحركة مختار أبوالزبير، قياديٌ جديد يدعى أحمد عمر، ليحل زعيماً جديداً لحركة ويؤكد على ولائه للقاعدة وللظواهري.
وبوجهٍ عام، تم دحر الحركة من المدن الرئيسية إلى الضواحي والأرياف، ولا تتواجد منذ ست سنوات في أي مدينة معتبرة. ورغم ذلك، تبدو الحركة حريصة على أن تبقى نواتها صلبة، وتحاول أن تظهر بين الفينة والأخرى، لإثبات وجودها وقوتها وقدرتها على تدبير هجمات فتّاكة، كالتي نفذتها في 14 تشرين الثاني (اكتوبر) في مقديشو وقتلت ما يقارب 400 شخص من المدنيين في لحظة واحدة.
وفيما يتعلق بالطرف المنشق، فإنّ مستقبله مرهون ببقاء التنظيم الأم في العراق وسوريا، بإعتباره المصدر الوحيد الذي يتلقى منه المساعدة عبر فرعه في اليمن. وفي المجمل، فإنّ التقهقر الذي يمر به داعش الأم، ينعكس بلاريب على وضع المجموعة المنشقة، بسبب شح الموراد والتمويل.
وبخلاف ذلك، فإنّ الحركة تمتلك إكتفاءً ذاتياً من حيث التدريب والتمويل. وتركز على حربها في التفجيرات. وتحتاح بالطبع إلى البحث عن أساليب مقاومة مختلفة تتجاوب مع تكتيكاتها الحربية الجديدة.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية