سيناريوهان وحزمة هواجس تشعل انتخابات الرئاسة الجزائرية

الجزائر

سيناريوهان وحزمة هواجس تشعل انتخابات الرئاسة الجزائرية


05/12/2019

يطرح محللون جزائريون سيناريوهَين وحزمة هواجس على أهبة سادس انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد، والمقررة يوم الخميس 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.

وفي تصريحات خاصة بـ "حفريات"؛ برز تباين بشأن مؤدَّى الاقتراع المرتقب، وسط إقرار بأنّ الموعد يستهوي أقلية محدودة، في ظل رفض غالبية عظمى متمسكة بتعاطٍ مغاير مع الأزمة الناشبة منذ بدء الحراك الشعبي قبل عشرة أشهر.

اقرأ أيضاً: عبدالقادر بن قرينة مرشح إسلامي لرئاسة الجزائر بسيرة ذاتية غامضة

في نظر الخبير الإستراتيجي، محمد بغداد؛ فإنّ التداعيات التي صاحبت التحوّلات العميقة التي حلّت بالعالم العربي منذ 2011، لا نرى منها سوى المرحلة الاولى، وإنّ التداعيات الأكثر دراماتيكية لم يأتِ وقتها بعد، وستكون تكلفتها باهظة إلى درجة لا يمكن لبعض العقول أن تتصورها، ومع ذلك فإنّ الحالة التي تمر بها المنطقة العربية لا تظهر الجوانب الكارثية فقط؛ بل هناك إيجابيات يمكن رصدها والانتباه إلى أهميتها والبناء عليها والجزائر جزء من المنطقة العربية.

ويقول بغداد لـ "حفريات": "المشهد الجزائري اليوم يعيش لحظة متميزة في تاريخ البلاد، ويشهد تحولاً عميقاً لا تظهر تداعياته في الوقت القريب، لكن ستكون هذه التداعيات مساعدة على الانتقال نحو مرحلة قادمة، وستكون النخب السياسية والفكرية الأكثر من يدفع التكلفة الباهظة من خلال التغيرات الجذرية التي ستحصل على البنية الهيكلية لهذه الفضاءات، مما يجعلنا في هذه اللحظة في موقع المنتظر للمشهد الجزائري القادم، الذي بالضرورة سيكون في موقع المتقدم من تحقيق مستويات أعلى من الديمقراطية وممارسة مغايرة عن سابقتها للسياسة وإدارة الشأن العام".

الجيش الجزائري لن يخرج عن الدور الذي يلعبه حالياً وهو ضمان تمرير انتخابات الرئاسة مهما كان الأمر

ويلاحظ د. بغداد؛ أنّ المشهد الجزائري اليوم بقدر ما هو مشحون بمؤشرات يصعب على البعض فهم جوهرها وطبيعة تمظهرها، إلا أنّ المعطيات المتوفرة اليوم تؤكد أنّ الغالبية الواسعة من الشعب الجزائري، متفقة على حتمية الذهاب إلى الانتخابات، وأنّ الظروف العامة مساعدة على إجراء الانتخابات الرئاسية.

ويذهب الخبير الإستراتيجي إلى أنّ الموجود في الساحة هو كمّ معتبر من النقاش حول جزئيات وتفاصيل لا تؤثر على المجرى العام لإمكانية تنظيم الانتخابات، كون الإرادة السياسية لقيادة البلاد والحرص الكبير الذي توليه القيادة العليا للجيش، وما تعبّر عنه الفئات الاجتماعية الواسعة والنخب ذات التأثير الفاعل، يجعل من إجراء الانتخابات الرئاسية، يوم 12 كانون الأول (ديسمبر)، حتمية زمنية وواقعاً قائماً بذاته.

وفي نظر بغداد؛ فإنّ أهم عامل يؤكد حتمية إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها، يوم 12 كانون الأول (ديسمبر)، هو ذلك الإحساس المرّ والتجربة المؤلمة التي خاضها الشعب الجزائري في تسعينيات القرن الماضي، ويستدلّ: "كلنا نتذكر كيف خرج الشعب الجزائري في عز العشرية الدموية، عام 1995، وتمت الانتخابات الرئاسية والتي تمكّن من خلالها من مواجهة أقوى وأشرس موجة إرهابية في العصر الحديث".

هناك إيجابيات يمكن رصدها والانتباه إلى أهميتها والبناء عليها

حتمية الموعد
يسجّل بغداد أنّ التقييم الموضوعي للمشهد الجزائر، بكلّ مكوناته، ومنذ شباط (فبراير) الماضي، يجعل المتتبع الحريص على الحقيقة، وباستخدام كلّ الوسائل العلمية والتقصّي الميداني، توصل إلى نتيجة واحدة، وهي حتمية إجراء الانتخابات، وفي موعدها المعلن.

اقرأ أيضاً: وزير الطاقة الجزائري لـ"حفريات: لا نبيع نفطنا بالمجان

وعن دور الجيش، يردّ بغداد: "التاريخ السياسي للجزائر منذ الاستقلال، عام 1962، يؤكد بكل معطيات مراحله أنّ مؤسسة الجيش تقوم عقيدتها على الوفاء للوطن والالتزام بحماية البلاد والاستجابة لتطلعات الشعب، ومنذ بدء الحراك، في 22 شباط (فبراير) الماضي، التزمت المؤسسة العسكرية بمرافقة الشعب في مطالبه، وتعهدت بحماية (الحراك الشعبي)، والتزمت بتحقيق كلّ تطلعاته، وأعلنت في كلّ المناسبات أنّه لا طموح سياسيا لها، وأنها تعمل على مساعدة الشعب في تقرير مصيره".

اقرأ أيضاً: الأمن الجزائري يقمع إضراب القضاة المفتوح

وبحسب المعطيات المتوفرة من خلال ما تمّ إنجازه منذ أول  نيسان؛ "حماية البلاد، وتسيير الشأن العام، وتعديل القوانين، وتوفير الأدوات والهياكل"، والإعلان الرسمي في كثير من المناسبات، فإنّ عهد صناعة الرؤساء قد انتهى في منظور بغداد الذي يشدّد على أنّ مؤسسة الجيش لن تساند أيّ مرشح، وليس للنظام مرشح.

الأكاديمي عبد الكريم غريبي: الانتخابات أصبحت تفرض سياسة الأمر الواقع وستكون عسيرة التنفيذ، ولكن أرى أنّها ستقوي الحراك الشعبي

ويضيف: "الشعب وحده من يختار رئيس الجمهورية القادم، والنظرة الموضوعية والمسؤولة، تؤكد أنّ الجيش كان وسيبقى مكتفياً وملتزماً بدوره الدستوري في حماية البلاد والدفاع عن السيادة الوطنية.

ويذهب محمد بغداد إلى أنّ التحدي الأكبر أمام النخب السياسية والفكرية الجزائرية، سيكمن في بلورة أنموذج جديد للحكم، ومنظومة سياسية تكون قادرة على تحمّل تكاليف هذا الموقف، كونه يجعل الجزائر الأنموذج الذي سيكون محلّ اهتمام ودراسة المهتمين بالنظم السياسية وإدارة الأزمات، كون الجيش الجزائري الوحيد (على الأقل في العالم الثالث) الذي التزم بالدستور والقوانين ومبادئ الديمقراطية في هذه الأزمة.

اقرأ أيضاً: انقسامات جبهة الإنقاذ تنهي أسطورة الأحزاب الإسلامية في الجزائر
  
من جانبه، ينفي المحلل السياسي، هيثم رباني، أية ضبابية في المشهد السياسي؛ "لأنّ أطراف الوضع الحالي واضحة، وهي: الجيش الوطني الشعبي، الإدارة، سلطة مراقبة الانتخابات، قضاء، مترشحون، حراك مناصرون للانتخابات ومعارضون لها، رغم اعتقاده أنّ الانتخابات الرئاسية هذه المرة هي انتخابات أقلية محدودة في مقابل غالبية عظمى لا تريد التصويت أو تعارضه أو لا تبالي به".

ويبدي رباني ثقة بأنّ المشهد السياسي المنظور، في تقديره، "سيتميز بالهدوء؛ لأنّ لا أحد من الأطراف التي ذكرها، ترغب في التصعيد لكن هذا الاحتمال سيتغير وقد يتعقد الوضع بدخول أطراف غير جزائرية في الموضوع، خاصة العربية منها؛ لأنّها تحمل أجندات جيوسياسية غاية في الخطورة، ولا تتناسب مع حجمها السياسي والإستراتيجي؛ فهي مغرورة بمالها وتريد الحلول مكان مصر والجزائر، بعد أن ساهمت في تدمير سوريا والعراق".

الظلّ الأجنبي
يضيف رباني: "هذه ليست ديماغوجية؛ بل سأمضي معك إلى أبعد حدّ، فلو فرضنا أننا نريد أن نصل إلى مجلس تأسيسي ونلغي انتخابات الرئاسة، فإنّ تأثر هذا المجلس بتدخل أجنبي، مهما كانت بساطته، قد يدمّر المعبد ومن فيه".

لكن رباني يعود ليؤكد لـ "حفريات": "الانتخابات ستجرى في موعدها؛ لأنّه، ورغم الرفض الكبير لها، إلّا أنّها ستتمّ بسبب رفض كلّ الأطراف التصعيد، كما أنّ قانون الانتخابات الجزائري يفتقد إلى مادة تحدّد النسبة الأقل من المصوّتين التي بسببها تلغى الانتخابات، وبالتالي فإنّه ومهما كانت نسبة الأقلية المصوتة، ستجرى الرئاسيات ويخرج منها رئيس جزائري".

الانتفاضة الشعبية الجزائرية، التي تدخل شهرها العاشر، كان لها الدور الحاسم في إسقاط المنظومة السلطوية والسياسية والأجهزة المؤسّسة لها

وعن مدى تمتع الرئيس المقبل بـ "الشرعية"، يردّ رباني: "إذا كانت الشرعية السياسية تكتسب من الغالبية، فإنّ الأقلية لا تعدّ شرعية بمعنى الدعم الشعبي، وليست شرعية قانونية؛ لأنّ القانون المحلي لا يحدّد الأقلية المصوتة ولا دخل له في الشرعية البعدية".

ويتفق الناشط طاهر دزيري مع هيثم رباني في استبعاد إلغاء الاقتراع الرئاسي؛ لأنّ "مسبّبات الإلغاء ضعيفة، والسبب المباشر هو ضعف زخم الحراك الشعبي وليس توقفه، فهو وإن ما يزال مستمراً، إلاّ أنّ عدد المشاركين ليس كما كان في الأسابيع الأولى، عندما ألغي موعدان انتخابيان، وكان هذا منتظراً بسبب غياب وجوه شعبية قوية متفق عليها شعبياً، تواجه الوجوه التقليدية.

ويتصور دزيري ورباني أنّ الجيش يريد الوصول إلى برّ الأمان من خلال الرئاسيات مهما كانت الظروف، وأنّ "الجيوش في العالم تتحرك بمنطق قوة الواقع فتتأقلم معه أو تحاول ترويضه، وبما أنّ الوضع السياسي الجزائري غير مستقر، بسبب عدم الاتفاق الحراكي ومن ثم الاجتماعي، أطلب من الجيش مواصلة نهجه الحالي، الذي يتميز بحرية الانتخاب، وألا يتدخل، كما وعد، للتأثير في نتائج انتخابات الرئاسة".

اقرأ أيضاً: هاجس الأزمة وضغط الشعب يشعلان الصراع على الرئاسة في الجزائر

ولا يؤيد رباني سياسة الاعتقالات التي طالت الحراكيين الوطنيين، وهم الغالبية، لكنّه يفتح قوساً: "من قبل أموالاً خارجية، أو تعاون مع جهات غير جزائرية، من خلال تقديم المعونة وسؤال المشورة، فهذا من واجب القضاء سؤاله؛ لأنّ التعامل مع الأجنبي بهذه الطريقة يرفضه الجزائريون جملة وتفصيلاً".


في المقابل؛ يرى الأكاديمي عبد الكريم غريبي، أنّ الانتفاضة الشعبية الجزائرية التي تدخل شهرها العاشر، كان لها الدور الحاسم في "إسقاط كلّ المنظومة السلطوية والسياسية والأجهزة المؤسّسة لها ووضعها في حجمها الحقيقي وحدودها ومداها".

ويقدّر الباحث والمتابع لراهنية الحراك أنّ تسارع الأحداث السياسية والاجتماعية قد يؤثر على الحراك ويقلّص فاعلية الشعب، لذا يرى غريبي أنّ "الانتخابات أصبحت تفرض سياسة الأمر الواقع وستكون عسيرة التنفيذ، ولكن أرى أنّها ستقوي الحراك الشعبي". ويلاحظ، كما أبلغ "حفريات" أنّ الجيش الجزائري أصبح يسيّر جبهتين؛ "إحداهما داخلية منقسمة، والأخرى خارجية جيوسياسية، وليس له غير المضي في الإستراتيجية المرسومة منذ قضية تيقنتورين، وسيلعب دوراً حاسماً في الأعوام الخمسة القادمة، كمرحلة انتقالية تحت إشرافه، أمنياً وسياسياً واقتصادياً".

اقرأ أيضاً: إسلاميو الجزائر يناورون في التعاطي مع الانتخابات الرئاسية

ويستطرد غريبي: "الإشكال الخطير يتمثل في التسيير الأمني والانتخابي فقط، والتعتيم الإعلامي، وعدم مشاركة النخبة السياسية والمثقفين في نشر الوعي والحوار على كلّ الأصعدة، وعليه تبقى الانتخابات وسيلة مرحلية وليست غاية في حدّ ذاتها" .

وفي السياق ذاته، يلفت الكاتب الصحفي، صديق يحياوي؛ إلى أنّه في مقابل تسخير السلطة لكلّ الوسائل، تتوجه الانتخابات لأن تكون دون ناخبين، ويتكئ على فشل الحملة الدعائية للانتخابات بعد مرور أكثر من أسبوعين على انطلاقها، ويعدّ ذلك "المؤشر الأحسن".

ويحيل يحياوي إلى أنّ المرشحين الخمسة مطاردون في كلّ المحافظات، بينما المسيرات الداعمة للانتخابات لا تحظى بالشعبية، رغم كلّ ما سُخّر لها من إعلام ودعاية في مقابل دعوات إسقاطها التي تتبناها المسيرات الجماهيرية ورغم التعتيم الإعلامي الممارس.

اقرأ أيضاً: حملة انتخابية مبكرة لإخوان الجزائر بحثاً عن تموقع في مشهد متأزم

ويخلص يحياوي: "كلّها مؤشرات لا تبعث على الارتياح، بجانب دعوات الإضراب العام، بداية من الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، إلى غاية يوم الاقتراع، ودعوات الاعتصام والتظاهر أثناء العملية الانتخابية".

وينتهي يحياوي، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ دور الجيش لن يخرج عن الدور الذي يلعبه حالياً، "وهو ضمان تمرير انتخابات الرئاسة، مهما كان الأمر، إلّا إذا تفطنت قيادته إلى الخطر على الوحدة الوطنية والاستقرار، إن تمت الانتخابات من دون ناخبين، واتساع المقاطعة سيفرض على الجيش إلغاءها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية