قوانين فرنسية جديدة تعبّد الطريق أمام أخونة المساجد

المسلمون في فرنسا

قوانين فرنسية جديدة تعبّد الطريق أمام أخونة المساجد


11/06/2019

نشر موقع موندافريك (www.mondafrique.com) مقالاً بعنوان (المساجد الفرنسية التي تستسلم للإغراءات)، لقي تفاعلاً واسعاً من طرف الأذرع الإعلامية للإخوان المسلمين، وبعض الإذاعات التي تعيش عن طريق ابتزاز أبناء الجاليات العربية وغيرها، في محاولة منهم للتشويش حول حقيقة ما يجري من قبلهم من محاولات للسيطرة على المساجد وسوق "الحلال" والحج والعمرة.

اقرأ أيضاً: "الإسلام والجمهورية والعالم": هل تعادي فرنسا المسلمين؟
لكي تكتمل الصورة فمنذ تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية حصلت المؤسسات الإسلامية، منها المغربية، التي تصنفها السلطات الفرنسية في خانة "المؤسسات المعتدلة"، في مختلف الانتخابات التي نظمها المجلس في كل فتراته (من 2003 الى 2017) على أزيد من 60% من المقاعد، في الوقت الذي تقاسمت فيه باقي الجمعيات الجزائرية والتركية والإخوانية والإفريقية والتبليغ والدعوة نسبة 40% من المقاعد.
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية

"فرنسة الإسلام"
في الآونة الأخيرة وعقب مشروع "فرنسة الإسلام" الذي قاده ماكرون بنصائح من صديقه التونسي حكيم قروي، سارت بعض المساجد في طريق الأخونة دون وعي من السلطات التي فشل وزير داخليتها الأسبق جان- بيير شوفينمو في إدارة "مؤسسة الإسلام في فرنسا" - وكان تنصيبه لرئاستها قد أثار استياء المسلمين، ما شجع الدولة على عرض مشروع "الإمامة العظمى"، وتعيين القيادي الإخواني المعروف طارق أوبرو على رأسها.

هل تستطيع القوى الديموقراطية والتنويرية وقف تفشي جماعة الإخوان المسلمين في المجتمع الفرنسي ومساجد المسلمين وضواحي المدن؟

وجاء المؤتمر، الذي تعقده الجماعة الإخوانية، وفق تقارير صحافية، خلال هذا الشهر بمسجد فينيو بضواحي باريس، بمشاركة كل من: التونسي د. عبدالمجيد النجار (القيادي في حركة النهضة، وعضو المجلس التأسيسي التونسي)، والتونسي عبدالله بن منصور (المراقب السابق لإخوان أوروبا)، والمغربي طارق أوبرو (مرشح الإمامة الكبرى في فرنسا)، والمايوتي محمد بجرفيل (عضو إفتاء إخوان فرنسا)، والمغربي محمد بن علي (عضو هيئة تدريس كلية إخوان باريس)، والمغربي محمد الحمري (عضو اتحاد المنظمات الإسلامية)، ليدلل كيف أنّ حكيم القروي يحاول توريط السلطات الفرنسية إلى تبني سياسة جديدة في تمثيل المسلمين في فرنسا، انتهت إلى التمكين للعناصر الإخوانية من قيادة مؤسسته الجديدة، وهو المعطى الذي أحدث شرخاً هيكلياً وتنظيماً أفرز لنا أزمة خانقة في تمثيلية المسلمين في فرنسا.

اقرأ أيضاً: حزب معارض في فرنسا يدعو ماكرون لتصنيف الإخوان "جماعة إرهابية"
فرغم أنّ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مؤسسة رسمية للمسلمين الفرنسيين؛ إلا أنّه بشكل عملي يمثل سياسة أردوغان منذ تولّي التركي أحمد أوغراس، بالإضافة إلى المشروع الجديد الذي تم إشهاره كمؤسستين في باريس: الأولى تحت بند الباب الثقافي من قانون 1901، والأخرى تختص بجانب العبادة وتخضع لقانون 1905. وترأّس الأولى "حكيم القروي"، بينما تولّى الثانية "طارق أوبرو"، إمام جامع بوردو، وهي رئاسة المؤسسة المختصة بالعبادات، ويساعده "محمد باجرافيل" إمام مسجد ايفري سور سي، والدكتور محمد بنعلي، إمام مسجد سان توان، وكلاهما من جماعة الإخوان!
هنا نولي البحث عن تمويل أنشطة الإخوان في المساجد أولوية؛ حيث إلى جانب سيطرة التنظيم على سوقي الحلال والحج والعمرة، عهد إلى غالب بنشيخ، رئاسة مؤسسة الأعمال الخيرية الفرنسية لجمع الأموال من الدول الخليجية، لذا أتت زياراته الأخيرة لكل سفراء دول الخليج لإقناعهم بالانخراط في مشروع الجمعية!

اقرأ أيضاً: فرنسا: ما قصة المسجد المختلط الذي تؤم فيه امرأة الذكور والإناث؟

غالب بنشيخ، هو محاضر نشط في كل مؤتمرات وتجمعات الإخوان، سواء على المستوى المحلي (أي المدن)، أو على المستوى الجهوي ( كمؤتمر الرابطة الإسلامية للشمال، ورابطة الزاس، واتحاد جمعيات الجنوب، وغيرها من التجمعات، مثل اللقاء السنوي لمسلمي فرنسا، وهو موعد التقاء إخوان أوروبا مع إخوان البلدان العربية ليتم التنسيق بين الداخل والخارج وتجديد البيعة.

شرعية الاستيلاء على المساجد
الكاتبة الفرنسية المتخصصة في حركة الإخوان المسلمين، باربرا ليفبفر، قالت في مقال مطول نشرته causeur.fr إثر حضور وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير إفطار رمضان بدعوة من جماعة الإخوان بمنطقة ستراسبورغ: "اتضح أنّ حكومة ماكرون تريد إضفاء الشرعية على استيلاء جماعة الإخوان على الإسلام الفرنسي".
وتشير ليفبفر إلى يوم 29 أيار (مايو) الماضي عندما فضّل كاستانير الإفطار المنظم من طرف الاخواني المغربي عبدالحي النبوي، رئيس المجلس الإقليمي للمسلمين بالزاس، وبالشراكة مع أتراك أردوغان (ديتيب)، ما يدل على أنّ هناك إستراتيجية مقلقة للسلطة التنفيذية الفرنسية، فيما يتعلق بتنظيم الدين الإسلامي، الذي يبقى أحد النقاط العمياء لـ "الفكر السياسي" للقوة الماكرونية، وفق قول الكاتبة.

اقرأ أيضاً: حلّ 4 جمعيات شيعية في فرنسا.. لهذه الأسباب
تضيف المتخصصة في شؤون جماعة الإخوان المسلمين أنّ الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي حاول في عام 2003 وهو وزير مكلّف بالأديان، إنشاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، لكنه، وفق تعبيرها، نجح فقط في تليين الإسلام السياسي للإخوان، الذي سرعان ما أوجد لهم سلطات فاقمت الوضع خلال فترة الخمسة أعوام التي قضاها عندما قرر أنّه سيتم انتخاب الممثلين في CRCM (المجلس الإقليمي)، وبعدها اتضح أنّ خلفياتهم الأيديولوجية لم تكن "معتدلة".
 "الإسلام الفرنسي" كما يحلم به ماكرون لا يمكن أن يتحقق لأسباب مختلفة

المسلمون أقلية دينية
وترى أنّ "الإسلام الفرنسي" كما يحلم به ماكرون لا يمكن أن يتحقق لأسباب مختلفة؛ فالمسلمون أقلية دينية استقروا حديثاً في فرنسا، وتدار شؤونهم الدينية ولفترة طويلة من قبل بلدان المنشأ (الجزائر، المغرب، تونس، إلخ)، إذ إنّ أكثر من 75٪ من أئمة فرنسا هم من أصول مغربية، مما يدفع ببعض مثقفي الإخوان، من أمثال صادق سلام، إلى الانزعاج من تدخل الدول الأصلية في إدارتها للشأن الروحي لجاليتها، وتحصينها من "الأيديولوجية السلفية الإخوانية، التي تتغلب على التعبد التقليدي الأصلي، ولتزود الأجيال الجديدة بهوية جديدة"، وتجسد هذا بشكل يومي في الحركية النشطة أتباع زعماء الصحوات السعودية، التي نجح بعض شبابها في اختراق المعهد الفرنسي للعلوم السياسية  Science Po، بل وصل بعضهم إلى اختراق المدرسة الحربية الفرنسية  École Militaire، التي تعمل على تكوين قيادات حربية واستخباراتية.

اقرأ أيضاً: إذا كان لدى فرنسا ملايين المسلمين فلماذا تستورد الأئمة؟
ويرى كتاب وباحثون، ومنهم الأكاديمي المغربي د. عبدالحي السملالي، أنّ الديناميكية الديموغرافية التي يعرفها الإسلام، تفرض تنظيم المسلمين لكن ليس على هذا النحو، الذي جعل الإخوان يحصلون على وضع محدد وترتيبات فردية ومكان منفصل، مثل  CFCM، ووجود شخصية مثل عبد الحق نبوي، الذي يرأس المجلس الإقليمي لمسلمي الألزاس، وطارق أوبرو، النجم الإخواني الذي منح وسام الشرف الجمهوري في نيسان (أبريل) 2017، وهو مرشح من قبل حكيم القروي، مستشار ماكرون، لإمامة المسلمين، رغم أنّه ناشط ملتزم في اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ـ الإخوانيةـ UOIF.
"إرهابية" جماعة الإخوان
على هذا المستوى، بدأت أصوات تتعالى وتتحدث عن "إرهابية" جماعة الإخوان ودورها في دعم جماعات كداعش. وكردة فعل على هذا الواقع الجديد جاء راشد الغنوشي يوم 14/05/2019 على رأس وفد مكون من: رفيق عبدالسلام، مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب، وعضوي مجلس نواب الشعب عن فرنسا الشمالية حسين الجزيري، وكريمة التقاز، وعضو المكتب التنفيذي للحزب رضا إدريس، وكريم عزوز مسؤول حركة النهضة بفرنسا الشمالية، والتقى اورليان لوشوفاليه أحد المستشارين الديبلوماسيين لدى الرئيس ماكرون، وعدداً من العاملين بإدارة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية، ليناقش منع اعتبار الجماعة "إرهابية"، وتكريس جماعة الإخوان المسلمين العابرة للقارات وجميع الشبكات السلفية المتحالفة معها، ليواصلوا بسلام طريقهم في تجنيد المسلمين الفرنسيين.
حكيم القروي والإسلام الممكن
أطلق حكيم القروي، في نهاية عام 2018، الجمعية الإسلامية لإسلام فرنسا (AMIF) بموافقة صديقه إيمانويل ماكرون، لكن الإشكالية أنّه وضع على رأسها قيادات إخوانية، ومنهم طارق أوبرو، الذي رشحه لإمامة المسلمين الكبرى.

اقرأ أيضاً: الأوروبيون الجدد: مسلمو فرنسا وبريطانيا
يعمل حكيم قروي في معهد "مونتانجي"، ويوصف بأنّه "عراب أحد الدول الخليجية الداعمة للإخوان في فرنسا"، وهو مستشار غير رسمي للرئيس ماكرون، ساهم مشروعه الذي قدمه في تدعيم شبكة الإخوان بمساجد وجمعيات فرنسا، بحجة تمويل الإسلام من الداخل، من خلال ضريبة اللحم الحلال، والذي تبلغ قيمته المالية حوالي 8 مليار يورو سنوياً.
اللحوم الحلال

المصادقة على اللحوم الحلال
اللحوم الحلال تمر عبر جمعيات معتمدة في فرنسا "للمصادقة عليها وهي تابعة لجماعة الإخوان، ومنها: الجمعية الإسلامية في خدمتكم / باريس – فرنسا (الداعمة للإخواني طارق رمضان)، ورابطة الفينستر للثقافة العربية الإسلامية / بريست – فرنسا (تابعة للإخوان المسلمين)".
في هذا السياق، يقول د. محمد البشاري، أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي، إنّ المصادقة على اللحوم الحلال التي يتم تصديرها إلى الدول الإسلامية، تتم مقابل رسوم تتجاوز في مجموعها 200 مليون يورو، وهو مبلغ ضخم تحاول التنظيمات الإخوانية احتكاره لتمويل باقي الخلايا العنقودية في العالم.

اللحوم الحلال تمر عبر جمعيات معتمدة في فرنسا للمصادقة عليها وهي تابعة لجماعة الإخوان ومنها "الجمعية الإسلامية في خدمتكم"

ونشرت صحيفة "لوموند" في عددها الصادر في 6/7/2018، خطة مقترحات درسها الإليزيه، وقالت إنّها قوبلت بردود فعل فرنسية رافضة، خصوصاً فيما يتعلق بمقترحاتها الرامية لإدخال جماعة الإخوان ضمن مشروع مراقبة الجمعيات الإسلامية في فرنسا، وتشكيل لجنة تضم فى عضويتها أعضاء بارزين من المنتمين لجماعة الإخوان.
ومن بين المحاور الأساسية التى كشفت عنها "لوموند" أنّ خطة حكيم القروي تركز على مصادر التمويل الأساسية لنشاط العمل الإسلامي، وأولها تجارة الحلال أو ما يسمى "وفق الشرع"، التي ستصل خلال السنوات الخمس المقبلة إلى ٦٠ مليون يورو من أرباح خدمة مجال اللحوم؛ حيث سيكون للجمعية صلاحية منح الترخيصات للهيئات والمساجد التي ترخص بدورها المنتجات الحلال وهو ما سيعطي طابعاً رسمياً لهذه التجارة.
في ضوء ذلك، يرى مراقبون أنّ القوانين الجديدة تعبّد الطريق أمام أخونة المساجد، رغم أنّه حتى الآن يبقى ملف "تجريم الإخوان كمنظمة إرهابية" مطروحاً في مجلس الشيوخ الفرنسي عن طريق السناتور ناتالي غوتييه. فهل تستطيع القوى الديموقراطية والتنويرية وقف تفشي الجماعة في المجتمع الفرنسي، ومساجد المسلمين، وضواحي المدن، ومراكز البحث العلمي في الجامعات والمدرسة الحربية الفرنسية؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية