لماذا انقلب أمراء الحرب في سوريا إلى مرتزقة تقودهم تركيا؟

سوريا

لماذا انقلب أمراء الحرب في سوريا إلى مرتزقة تقودهم تركيا؟


09/01/2020

عندما يجري الحديث عن خيبة أمل يعاني منها جزء كبير من الشعب السوري، ممن حلموا، في منتصف آذار (مارس) 2011، أن يحدث تغيير حقيقي في مستقبل سوريا، في خلاصها من حكم الاستبداد لعائلة الأسد ونظامه، فإنّ هذه "الخيبة" لا تقف عند حدود "انتصار" نظام الأسد، الذي لولا دعم إيران وروسيا والمليشيات التي تم تصديرها لتحارب بجانبه، من لبنان والعراق وإيران، لما كان ليحقّق "انتصاراته"، هذا عدا عن تخلّي المجتمع الدولي عن دعم حقيقي وجدّي تجاه القضية السورية، والتغاضي عن المجازر التي ارتكبها النظام السوري بحق السوريين.
امتداد خيبة الأمل يشمل أيضاً السخط على المعارضة السياسية، والفصائل المسلحة "المعارضة" بتنوعاتها كافة؛ المتشددة دينياً والمتطرفة، وحتى ممن يدّعون "الاعتدال".
تخبط المعارضة السياسية
كان لتخبط المعارضة السياسية في بداية الثورة السورية، في مواقفها من الفصائل المتشددة دينياً، دور كبير في شرعنة وجود الأخيرة على الأرض؛ فتصريحات رئيس الائتلاف السوري المعارض سابقاً، جورج صبرا، عام 2012، في اجتماع مجلس الأمن الدولي؛ بأنّ جبهة النصرة جزء من الثورة السورية، شكّل صدمة لمؤيدي الثورة، وللمجتمع الدولي آنذاك.

اقرأ أيضاً: كابل متخوفة من تحول العائدين من سوريا إلى "جيش سري لإيران"
منذ الهجوم العنيف الذي شنّه النظام السوري وروسيا على منطقة الغوطة الشرقية، أواخر شهر شباط (فبراير) 2018، والذي أدّى لتهجير جزء كبير من أهل المنطقة، وانسحاب الفصائل المعارضة هناك، وانتقالها إلى الشمال السوري، لم نشهد أي تحرّك عسكري نوعيّ من هذه الفصائل ضد النظام وحلفائه.
وباتت الفصائل المعارضة المتواجدة في الشمال السوري؛ من هيئة تحرير الشام التي تضم داخلها أكثر من فصيل عسكري، وفيلق الشام، و"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، وجميعهم بشكل عام يحتكمون لسياسة تركيا بالمنطقة، بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا تخلو في المقابل صراعات هذه الفصائل بين بعضها البعض، باستثناء ممارساتها القمعية، وانتهاكاتها بحق المدنيين، كما حصل، على سبيل المثال، من قتل ونهب وتهجير للناس في منطقة عفرين، إثر هجوم القوات التركية ومعها قوات الفصائل السورية التي تدعمها في معركة "غصن الزيتون" العام الماضي.
وفي حال تخلّت هذه الفصائل عن القتال ضدّ النظام السوري، والتي كانت قد تشكلت، مع انطلاقة الثورة السورية، منذ ثمانية أعوام، للدفاع عن المدنيين، ولإسقاط النظام السوري، ما هو الدور السياسي و"الوطني"، وتأثيرها الاجتماعي في المناطق الخاضعة لسيطرتها؟

 

الحركات المسلحة في سوريا ظاهرة محلية
يقول الكاتب والباحث السوري، موريس عايق، لـ "حفريات"؛ إنّ "الحركات المسلحة في سوريا ظاهرة محلية، حركات ريفية وطرفية اعتمدت أساساً على عصبيات مفرطة في المحلية (جهوية وقرابية) للتعبئة، والأيديولوجيا الإسلامية في أغلب الحالات كانت مجرد رداء واستمرار لعقلية شعبية محافظة، ما ترتب عليه غلبة اقتصاد أمراء الحرب، والتمويل عبر النهب أو السيطرة على حاجز مهم للتهريب والريع من بئر نفط".

توقعات باندماج هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل ضمن جيش واحد في المستقبل، بعد التخلص من القادة والمتشددين والمعارضين

وارتبط ذلك، كما يرى عايق، "بغياب قيادة عسكرية أو سياسية ونزاعات فصائل مستمرة على الموارد والنهب، عملياً؛ وكان هذا معاكساً لكلاسيكيات حروب العصابات، من خلال قيادة موحدة تضع الإستراتيجية وتدعيم القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية الداعمة للمقاتلين. أمراء الحرب لن يكونوا سوى مرتزقة، وكانت الحرب مصدر دخل لهم".
الحركات القادرة على تجاوز هذا المأزق، هي الحركات المنظمة حول أيديولوجيا إسلامية، كتنظيم داعش وجبهة النصرة، "لكنّ الحركتين لا تتحركان من داخل أفق الثورة السورية الممكن، أي تغيير نظام الحكم واستبداله بنظام حكم آخر، على قاعدة الدولة السورية والوطنية السورية، وفق عايق الذي يرى أيضاً أنّ هذه الحركات هجينة، تقدم إسلاماً محلياً جهادياً؛ فجيش الإسلام فقد قاعدته (دوما)، وأحرار الشام انهارت تحت وطأة التناقض الأساسي بين أيديولوجيا إسلامية جهادية مضادة لمشروع الدولة، وبالتالي لمشروع إنجاز الثورة وتطوير خطاب وطني سوري، وبالتالي حصل الانشقاق".

اقرأ أيضاً: بعد سقوط "داعش" في سوريا.. أين البغدادي؟
ويشير الباحث السوري إلى شكلين هيمنا على العمل المسلح؛ عصبيات مفرطة بالمحلية تنتج أمراء حرب، وتنتهي بتشكيل فصائل مرتزقة، أو أيديولوجيا قادرة على تجاوز هذه الشللية، لكنها بالمقابل تتعارض مع أيّ منطق يسمح بإمكانية انتصار الثورة، تسود في الشمال هدنة بين هذين الشكلين، برعاية الحامي التركي، فصائل تتوقف إمكانية استمرارها (سواء بمواجهة النصرة أو بمواجهة النظام وحلفائه) على الحماية التركية، وبالتالي لها علاقة ارتزاق معه، والنصرة التي بدون غطاء تركي ستصبح ملاحقة من الجميع.
فشل الحركات الجهادية
ويعتقد عايق أنّ "تجارب الحركات الجهادية انتهت إلى الفشل في كل مكان، وسوريا لن تكون استثناء، خاصة في وجود بيئات معادية صراحة، على الأرجح؛ إنّ سوريا لن تكون استثناء في قاعدة أنّ الحركات الجهادية لا تتعلم من تجاربها السابقة أيضاً، وقدرة الحركات الجهادية على الهيمنة معدومة، وسيطرتها تتوسطها غالباً حالة التوحش، تحطيم للمجتمعات الأهلية بفعل الحرب".

اقرأ أيضاً: طرد داعش من سوريا... هل هي هزيمة إقليمية رمزية فقط؟

أما الناشط السوري، علاء المعري، الذي يعيش في إدلب، فصرّح لـ "حفريات" بأنّ الفصائل المتواجدة الآن في سوريا لا تملك القرار في أيّ عمل عسكري على النظام وحلفائه لعوامل عدة، منها؛ ضعف إمكانيات جميع الفصائل، باستثناء هيئة تحرير الشام، التي تزعمت وسيطرت على المنطقة؛ لأنها الكيان العسكري الأقوى. وهناك أيضا تأثر القرار الداخلي بشكل كبير جداً من قبل تركيا، التي تدعم سائر الفصائل المتواجدة في سوريا، ووجود نقاط المراقبة التركية التي أصبحت أشبه بقواعد عسكرية في محيط المناطق المحررة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ آخر عمل عسكري لهيئة تحرير الشام كان قبل حوالي عامين، وكان الغرض منه إفشال بعض الاتفاقيات وتقديم ذرائع للنظام لتفشيل الاتفاق والتقدم على حساب المناطق المحررة.

اقرأ أيضاً: هذه حصيلة 8 أعوام من الحرب في سوريا
ويردف "بالنسبة إلى الجيش الوطني (المدعوم من تركيا)، فهو لا يعمل إلا لمصلحة تركيا، لأنّه العصا التركية المباشرة الموجودة في الداخل السوري، التي يحارب فيها (قوات سوريا الديمقراطية)، ونلاحظ ذلك في أنّ الجيش الوطني من لحظة تشكيله قبل حوالي 3 أعوام، وحتى الآن، لم يقم بعمل عسكري واحد ضد النظام وحلفائه".

 

اندماج الفصائل في جيش
ويتوقع المعري اندماج هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل ضمن جيش واحد في المستقبل، "طبعاً بعد التخلص من القادة والمتشددين وكل المعارضين للاندماج، وتجري الآن عملية إعادة تسويق لهيئة تحرير الشام، وإعطائها الشرعية بواسطة حكومة الإنقاذ، وبعض المؤتمرات (المسلسلات) لتجريدها من عباءة الإرهاب".

هناك شكلان هيمنا على العمل المسلح؛ عصبيات تنتج أمراء حرب أو أيديولوجيا شللية لا تسمح بانتصار الثورة

أما بالنسبة إلى الأهالي المقيمين في إدلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل الضعيفة؛ فيرى المعري أنه لن يتم تقديم أيّ شيء لهم؛ "بل على عكس ذلك، تقوم هيئة تحرير الشام بتمويل نفسها عن طريق فرض الضرائب والرسوم على الأهالي القاطنين في أماكن سيطرتها (رسوم بضائع، رسوم قضائية، ضرائب على السيارات، رسوم تعليم، ضرائب على المحلات، الوقود، المياه، المشافي، ...إلخ)، ولن تقدم لهم أي شيء من حقوقهم وأبسطها توفير الأمن والأمان لهم".
أما بالنسبة إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني؛ فالوضع أفضل نسبياً، في نظر المعري، من خلال توفر فرص العمل وعدم وجود الكم الهائل من الضرائب والرسوم، مع توافر المنشآت الحيوية، وأغلبها مجانية.
ويرى أنّ "أيّ قرار خارجي هو قرار سلبي، وللأسف تركيا هي المتحكمة في المنطقة بنسبة كبيرة جداً، سياسياً وعسكرياً، وبالطبع تدخلها يأتي من أجل مصالحها أولاً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية