لماذا تحولت "القاعدة" إلى نمط الاندماج؟

القاعدة

لماذا تحولت "القاعدة" إلى نمط الاندماج؟


15/08/2019

إنّ تنظيم القاعدة لم ينشأ إلا انطلاقاً من مفهوم سلفي يربط ما بين الجهادية والأصولية، أو بمعنى أدق الحالة الوجدانية التي صنعتها النواة الأولى من الأفغان العرب، لكن بعد أحداث "الربيع العربي"، خاصة في سوريا، وبروز "داعش"، وقع التنظيم في مجموعة من التداخلات الفقهية والفكرية العقدية، إضافة إلى جملة من الاستراتيجيات الحركية، التي تداخل فيها المحلي بالأممي، والعنقودي بالمنفرد، حتى شهدنا الآن ما يُطلق عليه النمط الاندماجي، كما شهدنا أيضاً تلك التحولات التي تشير إلى جملة من الأفكار الجديدة المعقدة، التي تجاوزت الأطروحات القديمة في الفكر والمنهج.

بمرور الوقت أصبحت القاعدة حاضنة أيديولوجية

تجديدات حركية

بمرور الوقت أصبحت القاعدة حاضنة أيديولوجية، وبؤرة لفصائل قد لا تحمل نفس الاستراتيجيات، حيث أسست وحدة افتراضية بين أفراد وجماعات لا ترتبط تنظيمياً، وكان قتالها في نشأتها الأولى تضامنياً مع الأفغان أو الشيشان، ثم انتقلت إلى مقاتلة العدو البعيد، وخلال هذه المرحلة ظهر ما يسمى (الجبهة الأيديولوجية) على يد أبو مصعب السوري في كتابه: "دعوة المقاومة الإسلامية"، وهي الجبهة التي تعمل دائماً في خطين متوازيين بين العنقودي والمنفرد، والتنظيمي والذئب المنفرد الذي يحمل الفكرة.

اقرأ أيضاً: بعد عملية الواحات: "أنصار الإسلام"... مصر تواجه اتحاد منظمات إرهابية
ولم ينتقل التنظيم من العمل حركياً من جهاد النكاية إلى التمكن وإمساك الأرض، إلا في سوريا، التي حدث فيها الصراع، ووقع فيها الدمج بين المقاتلين، وكانت ساحة للصراع بين تنظيمات متعددة أهمها داعش، الذي دمج بين مقاتليه، وكانت له سياسة واضحة، هي إمساك الأرض، عن طريق مزيج من قتال الجيوش النظامية، وحرب العصابات، وما ابتدعه من تطهير المكان (أي مذابح للمخالفين)، ثم التهجير، لكي يخلق مشكلة للجوار، وإذا انسحب يدمّر المكان تماماً كما جرى في كوباني والفلوجة، عن طريق خمسين ألف مقاتل، بينهم خمسة عشر ألفاً أطلق عليهم (قوات النخبة)، ومن هنا حدثت جملة من التجديدات في التنظيم، أهمها دمج الشبكة اللامركزية في جماعات قريبة معاً في الفكر والسلوك الاستراتيجي.

لم ينتقل التنظيم من العمل حركياً من جهاد النكاية إلى التمكن وإمساك الأرض إلا في سوريا

ما يشار إليه أنّه في تنظيم القاعدة شهدنا عدة أنواع من الأنماط، لكن النمط الاندماجي الذي يقوم على توحيد هيكل القيادة والتحكم، والدمج التام للقوات المقاتلة، هو الذي استجد خلال الثلاثة أعوام الأخيرة؛ حيث انتقل من نمط المظلة الأيديولوجية، الذي تلتزم فيه جماعات شريكة وحليفة نفس الأفكار، والتمويل وغيرها، إلى الدمج بين الفصائل الإقليمية والميليشيات.
بدأت المرحلة الجديدة (النمط الاندماجي) عقب الثورة السورية، وهي التي تستتبع بالضرورة الاستراتيجية اللامركزية، في التعامل مع الفروع، ودمج الفصائل والتنظيمات القريبة، وإدارتها من خلال قيادة مشتركة واحدة، وفق ما أورد تقرير نشرته وكالة "سبوتنيك".

اقرأ أيضاً: مقتل حمزة بن لادن ومرض الظواهري.. تنظيم القاعدة إلى أين؟
كانت سياسة القاعدة هي تقسيم العالم إلى 7 قطاعات، لكن التحول هنا جاء لكون التشكيلات الجديدة لم تعد تعتمد على التقسيم القديم؛ بل هي جامعة ومنعزلة في ذات الوقت، فهي تجمع كلّ من يعمل إقليمياً، وفي الوقت نفسه يريد الاحتفاظ بخصوصيته الإدارية وبقيادته وتكتيكاته، وهذه هي النقطة الأولى، التي استتبعها فيما بعد العملية الاندماجية بين تنظيمات هي أقرب على مستوى المكان أو الاستراتيجيات، أو ما يمكن أن نطلق عليه (تنظيمات السلسلة الواحدة) التي لا يوجد تغيير في رؤيتها السياسية والعسكرية، التي تعتمد بشكل أساسي على الارتباط بتنظيم القاعدة؛ أيديولوجياً وسياسياً.

تنظيم القاعدة يحاول حالياً تقديم نفسه كبديل معتدل لداعش ويسعى لاستعادة مكانته التاريخية
من أهم الأمثلة على ذلك ما جرى في مطلع العام 2017 حين أعلنت كبريات التنظيمات الإسلامية المسلّحة النشطة في الصحراء الكبرى، ودول الساحل الإفريقي عن حركة جديدة تحمل اسم "جماعة أنصار الإسلام والمسلمين"، وضم التنظيم الجديد جماعة أنصار الدين، وإمارة الصحراء الكبرى (ست كتائب تابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي)، وكتيبة "المرابطون"، وكتائب "ماسينا".
أعلنت هذه التنظيميات المندمجة أنّ قادتها بايعوا أمير جماعة أنصار الدين، إياد آغ غالي، أميراً للتنظيم الجديد، ثم أعلن الأخير مبايعته لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وفق ما ذكر تقرير نشرته صحيفة "صوت الأمة".

اقرأ أيضاً: هل أعاد تنظيم القاعدة بناء نفسه؟
الملاحظ هنا، أنّه رغم قاعدية هذه التنظيمات المتحالفة واندماجها إلا أنّها لم تطلق على نفسها "القاعدة" بشكل مباشر، بل "أنصار الإسلام والمسلمين"، ورغم ضمها لأكثر من عشر جماعات إلا أنّها أعلنت عن العمليات التي تقوم بها بنفس الاسم رغم تباعد الجغرافيا، وحدث هذا في مصر، في عملية الواحات.

مع النمط الاندماجي وقعت إشكالية الصراع بين العمليات القتالية المحلية والمعولمة

يقول الخبير في الحركات الإسلامية، صلاح الدين حسن، في تقرير نشرته صحيفة "حفريات"، إنّه كان لافتاً أن يقف أمير كتيبة "المرابطون" الموالية للقاعدة "مختار بلمختار" ليوجه خطاباً إلى المسلمين من المحيط إلى النيل في إشارة واضحة، "إلا أنّ القاهرة تقع ضمن ولاية تنظيمه الذي يتمركز نشاطه في الساحل الإفريقي، وضم مصريين نفذوا عمليات انتحارية ضد القوات النيجيرية والفرنسية على أراضي النيجر"، مضيفاً "لذا عندما أطلق هشام عشماوي على تنظيمه هذا المسمّى لم يكن ذلك مصادفة، فليس من المنطقي أن يتسمّى تنظيمان تابعان للقاعدة في قطاع جغرافي واحد "الشمال الإفريقي" بمسمّى واحد؛ أي إنّ تنظيم "المرابطون" الذي كان يعد نفسه للانتشار في الصحراء لبداية شن هجمات شرسة على الدولة المصرية، هو المسؤول عن عملية الواحات، لكن الذي تبنى هو اتحاد المنظمات الذي يحمل اسم "أنصار الإسلام".

اقرأ أيضاً: تركيا تواصل تصدير الإرهاب وتعيد زراعة "القاعدة" في اليمن
وفي هذا السياق، يقول الصحافي المختص في الإسلام السياسي، أحمد سلطان، في تصريح لـ "حفريات": تنظيم القاعدة يحاول، خلال الفترة الماضية، تقديم نفسه كـ "بديل" معتدل لـ "داعش" ويسعى لاستعادة مكانته التاريخية في ما يسمى بـ"قيادة الجهاد العالمي"، وهو ما دفع زعيمه أيمن الظواهري إلى أن يتحدث في مقاله الذي كتبه في افتتاحية العدد الأول من مجلة التنظيم الجديدة "أمة واحدة" إلى طرح فكرة المراجعات وتصحيح الأخطاء التي وقع فيها التنظيم والتي تسببت في إبعاد الأمة عنه، من وجهة نظره.


ويحاول الظواهري وتنظيمه، عبر هذه المناورة، إعادة تسويق نفسه من جديد، والخروج من الثوب القديم لتنظيم القاعدة الذي فقد بريقه في أعين الأجيال الجديدة التي تفتحت أعينها على مشهد تمدد تنظيم داعش، وانحسار تنظيم القاعدة.
استتبع النمط الاندماجي والسلسلة الواحدة أن تكون الاستراتيجية لامركزية، مع السماح بظهور أكثر من تنظيم "قاعدي" داخل الدولة الواحدة، على أن يقوموا بالالتزام بقواعد عدم الاشتباك، وعدم التمدد إلى مناطق سيطرة الفصائل الأخرى التابعة لـ"القاعدة"، بحسب ندوة نظمها مركز المستقبل للدراسات بتاريخ 13 كانون الأول (ديسمبر) 2018، حملت عنوان "مستقبل التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط".
صراع القتال المحلي والمعولم
مع النمط الاندماجي وقعت إشكالية الصراع بين العمليات القتالية المحلية والمعولمة، ورغم أنّ القاعدة المعولمة لم تنته إلى غير رجعة، إلا أنّ فلسفة إدارتها القديمة تغيرت، من قرأ ما كتبه أبو بصير الطرطوسي، أحد المشايخ الروحيين للقاعدة، ونقده للظواهري، يلمس بداية تلك المرحلة، وأن ما وضعه أبو مصعب السوري على مستوى الصعيد الأيديولوجي والواقعي تغير؛ حيث إنّ الأيديولوجيا الملتبسة التي تم تأسيس التنظيم عليها، وهي الحرب الشاملة للعالم، جعلها تتحرك في مساحة رمادية، بين المحلي والعالمي؛ بين قتال العدو البعيد والقريب، وجاءت الظروف الواقعية التي أعقبت "ثورات الربيع العربي"، لتحسم لدى بعض الفصائل خيارات أخرى، وكان هذا أشبه بعملية تفجير داخلي للانشقاقات، ما حدا بالتنظيم فيما بعد لرأب الصدع بدمج الفصائل القريبة مكانياً واستراتيجياً، وظهور ما يسمى تنظيمات "السلسلة الواحدة".

 

نموذج الأفرع المتحالفة والشبكة الاندماجية أدى بالضرورة إلى معسكرات متنقلة إقليمياً والتوجه إلى مناطق جغرافية جديدة

يقول الطرطوسي في رسالة للظواهري نشرها موقع "التوحيد والجهاد": لو عزم الشيخ على إزالة العقبة (الكأداء)، وهي ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة وباستراتيجيتها، التي لا تناسب قط جهاد وتطلعات الأمم والدول والشعوب، التي بات الارتباط بها ضرراً محضاً لا مرية ولا شك فيه، ولا يُقبل من الشيخ ولا غيره أن ينادي بالوحدة، ثم هو في نفس الوقت يحرص على الأسباب التي تمنع من تحقيق هذه الوحدة، التي منها إلزام أهل الشام ومجاهديهم بأن يتحدوا تحت مسمى واستراتيجية القاعدة، فيكون مثله مثل من يقول بالشيء وضده معاً، وهذا لا يليق!
تظهر في رسالة الطرطوسي إلى الظواهري تلك الإشكالية، حين أراد من "جبهة النصرة" أن تنفصل عن القاعدة، حرصاً على ما أسماه (الجهاد السوري)، وهو ما حصل فيما بعد تحت مسمى "فتح الشام ثم جبهة تحرير الشام"، وهي الاستراتيجية القائمة على "استرضاء المجتمع"، عبر ما يسمى تكوين الجبهات والتحالفات الداخلية، وهي أفكار يؤمن بها عدد كبير من قيادات القاعدة الآن، بل وتؤمن بها فصائل مثل "أحرار الشام"، وهو ما أوجد صراعاً عميقاً مع جناح القاعدة المعولم، ومشايخ التنظيم، مثل أبو قتادة، وأبو محمد المقدسي.

أيمن الظواهري
إنّ المسألة في التنظيمات التي تحمل أيديولوجيا القاعدة مثل "جبهة تحرير الشام" أو جماعات السلفية الجهادية كـ"أحرار الشام" أنّها ليست لها علاقة فقط بـ"المظلة القاعدية المعولمة"، و"المظلة المحلية"، فهي علاقة عكسية، فكلما اتسعت الأولى ضاقت الأخرى، ومن هنا ظهر تنظيم "حرّاس الدّين" الذي عمل على بناء أيديولوجية خاصة به في الشّمال السوري، قائمة على التمدّد باتجاه العراق، وإعادة نفوذ الجهاديين المرتبطين بـ"القاعدة" إلى مناطق بلاد الشّام بشكلٍ عام، بحسب مقال نشره موقع "ميدان" بعنوان "حراس الدين.. هكذا تعيد القاعدة طرح نفسها في سوريا"، وهو الذي ينضوي تحته العديد من المجموعات الجهادية، التي عمل أغلبها سابقاً في إطار تحرير الشام، منها "جيش الملاحم"، و"جيش الساحل"، و"جيش البادية"، و"سرية كابل"، و"جند الشريعة"، وكلهم يؤمنون بعولمة العمليات الجهادية، وفق المصدر ذاته.

اقرأ أيضاً: قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب
كان تشكيل "حرّاس الدّين" يسعى بشكلٍ أو بآخر، إلى أن يكون الجامع والمنعزل في ذات الوقت، فكان جامعاً لكلّ من يرفض العمل مع "جبهة النّصرة" (جبهة فتح الشّام بمسمّاها الجديد) والهاربين من مناطق "داعش"، إضافةّ للشقّ المهاجر والذي يعتبره قياديو تنظيم "حرّاس الدّين" الشقّ القادر على جذب الشّخصيات المهاجرة من سوريا وخارجها، إضافةً لكونه يستطيع التأثير على البنية الداخلية للجهاديين في باقي التّشكيلات؛ بسبب الأثر الكبير للمهاجرين على مهاجري التّشكيلات الأخرى، ولا سيّما المهاجرين الآسيويين المتّصفين بالانضباط والقوّة العسكرية، يُضاف إلى ذلك قبول الحاضنة الشعبية لهم حتّى الآن في مناطق المعارضة السّورية، كونهم كانوا أشدّ وطأةً من القيادات المتشدّدة الأخرى، خصوصاً القيادات السّورية والعراقية، والذين سببت طريقة تعاملهم شروخاً في العلاقة بين الحاضنة الشّعبية من جهة، والشقّ الجهادي في سوريا من جهة أخرى، بحسب ما أورده تقرير نشره موقع "الاتحاد برس" بتاريخ 7 آذار (مارس) الماضي بعناون "تنظيم حرّاس الدّين: الهيكلية والتحديّات والمستقبل".

اقرأ أيضاً: إيران إذ تتحالف مع "القاعدة".. هل بقي هناك شيطان أكبر؟
وحول هذه النقطة يقول أحمد سلطان: "أما عن اندماجات أفرع القاعدة، فهي جزء من استراتيجية التنظيم الكبرى في تقوية فروعه خلال مرحلة "الجهاد التضامني"؛ لأن اندماج هذه الأفرع يتيح انتشاراً أكبر له، كما يعطيه الفرصة لاستقطاب مجندين جدد بدلاً من تفرقهم بين الجماعات المقاتلة.. اندماج الأفرع القاعدية كما حدث في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين- المثال الأبرز حالياً- محاولة أخرى من القاعدة للتأكيد على مكانتها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، وهو حلقة أخرى من حلقات الصراع بين القاعدة وداعش في تلك المنطقة".

النمط الاندماجي القائم على توحيد هيكل القيادة والتحكم والدمج التام للقوات المقاتلة استجد خلال الثلاثة أعوام الأخيرة

القاعدة في إفريقيا تلعب على وتر التوترات العرقية بين القبائل وبعضها ويستغل حالة الضعف التي تمر بها بلدان القارة، ويسعى لاستكمال تمدده داخلها وخلق معاقل جديدة له لكي يستمر في العمليات الإرهابية خاصةً بعد تراجع فرعي خراسان، واليمن رأسي حربة التنظيم في العمليات الخارجية.
إنّ نموذج الأفرع المتحالفة والشبكة الاندماجية أدى بالضرورة إلى معسكرات متنقلة إقليمياً والتوجه إلى مناطق جغرافية جديدة، "ومن المحتمل أن يشبه مستقبل الحركة الجهادية العالمية ماضيها، حيث تنتشر مجموعات متشعبة ومقسمة من المسلحين إلى ساحات القتال الجديدة، من شمال إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، وهناك سينضمون إلى الحروب الأهلية الحالية، وينشئون ملاذات آمنة، ويبحثون عن طرق لشن هجمات مذهلة"، بحسب ما أورد تقرير نشره موقع "صواب" بتاريخ 17 آذار (مارس) الماضي بعنوان "خبير أمريكي يضع أربع فرضيات لمستقبل الحركة الجهادية العالمية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية