لماذا يعتقد مسلمو فرنسا أنّ الشريعة أهم من القانون؟

لماذا يعتقد مسلمو فرنسا أنّ الشريعة أهم من القانون؟

لماذا يعتقد مسلمو فرنسا أنّ الشريعة أهم من القانون؟


12/03/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

أبرزَت ردود فعل مسلمي فرنسا المتنوّعة بشأن القانون المزمع طرحه من جانب الرّئيس، إيمانويل ماكرون، للحدّ من الإسلامويّة الرّاديكاليّة وتعزيز سُلطات الدّولة العلمانيّة حقلَ الألغام السّياسيّ الذي تُواجهه الحكومات الّتي تتصدّى للتّطرف الدّيني.

وأعرب بعض مسلمي فرنسا عن غضبهم ممّا يرونها إستراتيجيّةً متشدّدةً بشكلٍ متزايد، وردّدوا الاتّهامات بالإسلاموفوبيا التي أطلقها زعماء تركيا وباكستان، بينما أعرب آخرون عن دعمهم المخلص للرّئيس.

اقرأ أيضاً: من يحمي العلمانية في فرنسا: القانون أم العدالة الاجتماعية؟

بين هذين النّقيضين، يشعر بعض مواطني فرنسا ذوي الخلفيّات المسلمة، والّذين يُقدّر عددهم بـ 5.7 مليون، وهي أكبر أقلّيّة من هذا النّوع في أوروبا الغربيّة، بعدم الارتياح إزاء التّوترات المتزايدة بشأن الهجمات الإرهابية الإسلامويّة الأخيرة وردكلة الشّباب الّذي هاجر آباؤه أو أجداده من المستعمرات الفرنسيّة السّابقة في المغرب العربيّ أو أفريقيا جنوب الصّحراء.

ويرى نجيب أزرغوي، الذي يرأس حزباً سياسياً صغيراً أسّسه قبل ثمانية أعوام، ويُسمّى اتّحاد الديمقراطيّين المسلمين الفرنسيّين، أحد أقسى منتقدي ماكرون؛ "إنّنا حقّاً مواطنون من الدّرجة الثّانية، أعداء وزارة الدّاخليّة"، ويضيف: "الإسلاموفوبيا تتفجّر في بلادنا".

مشروع قانون ماكرون

ويقول أزرغوي إنّ مشروع قانون ماكرون "لحماية مبادئ الجمهوريّة"، هو جزء من حملة "مطاردة السّاحرات" الّتي تضمّنت أيضاً إغلاق المساجد وإغلاق المدارس الخفيّة أو غير المسجّلة، ويُتابع: "إنّهم يصنّفون أيّ شخصٍ مسلمٍ ملتزمٍ بأنّه إرهابيّ محتمل في فرنسا".

يعتقد 57 في المئة من مسلمي فرنسا، الذين تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً؛ أنّ الشّريعة أكثر أهميّةً من قانون الجمهوريّة الفرنسيّة

 

التّشريع الجديد، الّذي لم تتمّ مناقشته بعد في الجمعيّة الوطنيّة، والّذي لا يَذكر مجموعاتٍ دينيّةٍ معيّنة، يحظر "شهادات العذريّة" ويَحدّ من التّعليم المنزليّ، ويحظر الفصل بين الجنسين في حمّامات السّباحة العامّة، ويحمي الموظّفين العموميّين من خطاب الكراهية على الإنترنت، وهذا إجراء تمّ تقديمه بعد قطع رأس المعلّم، صمويل باتي، في الشّارع خارج مدرسته، في تشرين الأوّل (أكتوبر)، على يد شابّ إسلامويّ غَضِب من باتي لأنّه استخدم رسوماً كاريكاتوريّة للنّبي محمّد في فصلٍ دراسيٍّ حول حرّية التّعبير.

اقرأ أيضاً: هل تنجح فرنسا في كف يد أردوغان عن مسلميها؟

بالنّسبة إلى أزرغوي، يُعدّ القانون مثالاً على "عمليّة إلهاءٍ تستخدم الإسلام"، على قيام الحكومة بمهاجمة المسلمين لإخفاء عدم كفاءتها، في حين يُعدّ ذِكر شهادات العذريّة "كليشيهاً مهيناً".

الجالية المسلمة

 يقول: "لم تَعُد الجالية المسلمة تفعل هذا النّوع من الأشياء القبليّة"، ويضيف: "هذه ليست حقيقة المجتمع الفرنسيّ".

فتيحة عجاج بوجلات، وهي معلّمة في تولوز، هاجر أسلافها من الجزائر، تتبنّى وجهة نظرٍ معاكسةٍ تماماً وترحّب بالقانون، وترفض "النّظام البطرياركيّ" الإسلاميّ، وتنتقد الأمريكيّين، وغيرهم من الغربيّين الذين يتبنّون "سياسات الهويّة"، ويرون الأقلّيّة المسلمة في فرنسا ضحيّةً لدولةٍ علمانيّةٍ مستبدّةٍ تحت قيادة ماكرون.

تقول: "بصفتي ابنة لمهاجرين، فإنّني سعيدة للغاية بأن أعامل كمواطنة، لا كمسلمة"، وتضيف: "أريد أن أحصل على انعتاق النّساء البيض نفسه، لسنا هويّات، وإنّما بشر. ليس لديّ دماغ "مسلم"، أو (رَحِم مسلم)".

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل زيارة السيسي لفرنسا ذات أهمية استثنائية؟

وتتابع: "أعتقد أنّ هذا هو أكثر مشاريع القوانين طموحاً منذ قانون 2010 الّذي حظر تغطية الوجه في الشّارع. أخيراً، نَقِف في وجه الإسلامويّين والأنغلوساكسونيّين [من الخارج]؛ ففرنسا تتعرّض للهجوم على الجبهتين".

ولفتَ ماكرون وحكومته الانتباه إلى ما يقولون إنّه نفوذ إسلامويّ، في 15 مقاطعةٍ في كافّة أنحاء فرنسا، تمّ تحديدها، منذ عام 2018، على أنّها مناطق "استرجاعٍ جمهوريّ".

اقرأ أيضاً: تفاصيل المشروع السري للإخوان بفرنسا.. وما حقيقة الدعم القطري؟

حسن شلغومي، وهو إمام معتدل من درانسي، شمال شرق باريس، يدعم ماكرون ويخوض حملةً ضدّ معاداة السّامية بين المسلمين، لا يساوره أدنى شكّ بشأن مخاطر التّطرّف و"المناطق المحظورة" الّتي يسيطر عليها الرّاديكاليّون.

 لقد تعرّض مراراً وتكراراً للتّهديد بالقتل على وسائل التّواصل الاجتماعي، ويحظى بحماية حراسٍ شخصيّين حكوميّين على مدار 24 ساعة في اليوم، ويقول إنّه يرتدي أحياناً سترةً واقيةً من الرّصاص عندما يَعِظ.

ليس ضدّ المسلمين، بل ضدّ الإسلامويّين

يقول: "هذا القانون ليس ضدّ المسلمين، بل ضدّ الإسلامويّين"، ويضيف: "إذا لم تَرد الحكومة على هذا النّحو، فسوف نتّجه نحو حربٍ أهليّة. فثمّة تصاعد في الكراهية والعنصريّة".

ومع ذلك، يصرّ معارضو القانون على أنّ الحكومة؛ إمّا أساءت فهم المشكلة، أو تعمّدت تقديمها بشكلٍ خاطئ، عن طريق مساواة الولاء الدّينيّ بالتّطرّف العنيف.

يقول أزرغوي: "نحن في حاجةٍ إلى فهم أنّ لدينا عدوّاً مشتركاً، الإسلامويّين والإرهابيّين"، ويضيف: "كلّ هؤلاء الّذين تحوّلوا إلى الإرهاب لم يذهبوا إلى المساجد، هؤلاء أناسٌ على هامش المجتمع حقّاً".

هناك بعض المناطق الّتي تلتقي فيها تحليلات السّلطات والقادة المسلمين، فهم يتّفقون على أنّ السّجون ومراكز الاعتقال تمثّل أرضاً خصبةً لتكاثر ردكلة الشّباب المسلم

ويقول طارق أوبرو، وهو إمام مغربيّ المولد من بوردو، كان يلتزم ذات يومٍ بالمبادئ المتزمّتة للسّلفية وجماعة الإخوان المسلمين، لكنّه تبنّى منذ ذلك الحين آراء أكثر اعتدالاً: إنّ "الطّريقة التي يعيش بها المسلمون ويتعبّدون في فرنسا تميل إلى فصلهم عن بقيّة المجتمع وتعرّضهم لخطر الرّدكلة".

ويضيف: "المسلمون، وهم مجتمع متنوّع في فرنسا يضمّ مغاربة وجزائريّين وأتراكاً وأفارقة من جنوب الصّحراء وإسلامويّين وعلمانيّين راديكاليّين، شعروا بالضّعف و"الوصم"".

هناك بعض المناطق الّتي تلتقي فيها تحليلات السّلطات والقادة المسلمين، فهم يتّفقون، على سبيل المثال، على أنّ السّجون ومراكز الاعتقال تمثّل أرضاً خصبةً لتكاثر ردكلة الشّباب المسلم، كما حدث في بلدانٍ أخرى، وثمّة إجماع على أنّ الجيل الأخير من الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة المسلمة يشعر بشكلٍ متزايد بالغربة عن العادات الفرنسيّة التي تبنّاها الآباء والأجداد.

اقرأ أيضاً: قانون الأمن الشامل: هل تسير فرنسا على خطى الاستبداد والشمولية؟

ووفق استطلاعٍ للرّأي أجرته مؤسّسة "آي إف أو بي"، في تشرين الأوّل (أكتوبر)، يعتقد 57 في المئة من مسلمي فرنسا، الذين تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً؛ أنّ الشّريعة أكثر أهميّةً من قانون الجمهوريّة الفرنسيّة، بزيادةٍ قدرها 10 نقاط مئويّة عن أربعة أعوام مضت.

وتقول عجاج بوجلات: "ثمّة تعصّب، أورثوذكسيّة دينيّة آخذة في الازدياد في الجيل الجديد".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

فيكتور ماليه، "الفاينانشيال تايمز"، 17 كانون الأول (ديسمبر) 2020

الصفحة الرئيسية