ما هي مؤشرات عودة داعش في أفريقيا؟

ما هي مؤشرات عودة داعش في أفريقيا؟


25/10/2020

إنّ استعادة تنظيم داعش قوّته في أفريقيا، وخصوصاً وسط القارة، وتمكنه من تحرير 1300 عنصر تابع له أو متحالف معه من سجن تابع لدولة جمهورية الكونغو الديمقراطية، مؤشر خطير لتمدّد داعش في أفريقيا. 

تمكن داعش من تحرير 1300 عنصر تابع له أو متحالف معه من سجن في الكونغو

وحسب ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد قامت مجموعات مسلحة محسوبة على تنظيم (داعش) بمهاجمة سجن في مدينة "بيني" شمال شرق الكونغو في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء الماضي، أسفرت عن تحرير حوالي 1300 من نزلاء السجن، وقال رئيس بلدية "بيني" موديست باكواناماها": إنه لم يتبقَ سوى 100 سجين فقط في أعقاب الهجوم المتزامن على سجن كانجباي المركزي، وعلى المعسكر الحربي الذي يتولى الدفاع عنه".

اقرأ أيضاً: معارض القذافي الذي احترف الإرهاب ونشره في أفريقيا

وأضاف باكواناماها: "المهاجمون الذين جاؤوا بأعداد كبيرة تمكنوا من كسر الباب بمعدات كهربائية، ونعتقد أنّ القوات الديمقراطية المتحالفة هي التي فعلت ذلك".

إنّ استعادة تنظيم داعش أو الجماعات المحسوبة عليه لعناصره المسجونة يعني أنّ ثمة قوة دبّت في صفوف التنظيم، وربما تشهد أفريقيا تمدداً لتنظيم (داعش) سيؤرق المجتمعات هناك، فالعديد من التنظيمات التي بايعت التنظيم، سواء في وسط أفريقيا أو في غربها، يمكنها أن تحتلّ بعض الأراضي وتقيم دولة الخلافة عليها من جديد، وهذا ما يراهن عليه قادة داعش اليوم، فضلاً عن وجود 6 آلاف عنصر مسلح من أفريقيا، انضموا له وقت إقامته لدولة الخلافة المزعومة في سوريا والعراق، وهؤلاء لا يمثلون قوة عسكرية فحسب، بل قوة إيديولوجية تروّج لفكر تنظيم الدولة، وربما تعطي قبلة الحياة لتنظيم داعش ليبقى وليتمدّد.

اقرأ أيضاً: أردوغان وأخونة أفريقيا!

تُعدّ أفريقيا هي الملاذ الآمن "لتنظيم الدولة" بعد هزيمته في سوريا والعراق، وإخفاقاته في مصر وليبيا وبعض دول شرق آسيا، لهذا حرص (أبو بكر البغدادي) قبل مقتله على إنشاء 3 ولايات تابعة لتنظيم الدولة في أفريقيا: الولاية الأولى غرب أفريقيا: وهي مكوّنة من تنظيمات تابعة له في (نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون وبوركينا فاسو ومالي)، والولاية الثانية وسط أفريقيا، وتضمّ كلاً من (الكونغو الديمقراطية وموزامبيق،) والولاية الثالثة في ليبيا، وقد تم القضاء عليها في 2016.

يعود اهتمام قادة داعش بأفريقيا إلى أنّ كثيراً من بلدانها فيها تنظيمات محلية تناهض الدولة

نشط تنظيم الدولة في دول ولاية وسط أفريقيا بين عامي 2016 و2017،  وبين أوائل عام 2017 وحزيران (يونيو) 2018 تمّ رصد أموال دفعها المنسق المالي لداعش وليد أحمد زين (تمّ اعتقاله في كينيا شهر تموز (يوليو) 2018).

زين ثبت أنه قدّم أموالاً مرّة واحدة على الأقل لصالح القوات الديمقراطية المتحالفة، وهي تنظيم محلي في الكونغو ويدير عمليات عسكرية ضد دولة الكونغو الديمقراطية، عندها شعر رئيس الدولة "فيليكس تشيسيكيدي" بخطر هذا النشاط والاتصال بين داعش و"القوات الديمقراطية المتحالفة"، فصرّح في نيسان (إبريل) 2019 "أنه من المتوقع أن يحاول داعش تعزيز تواجده في القارة الأفريقية بعد دحره عسكرياً في سوريا والعراق"، وأعلن انضمامه إلى الحرب على داعش.

ولم تمر أيام حتى قام التنظيم بإعلان وجوده بهجومين على قريتين في شرق الكونغو الديمقراطية، في نيسان (إبريل) من العام 2019، وكانت مؤسسة "جايمس تاون" الأمريكية قد أعدّت تقريراً عن الهجومين على قرية كمانغو القريبة من مدينة "بني" الواقعة على مقربة من حدود الكونغو مع أوغندا، وعن هجوم آخر على قاعدة عسكرية في قرية بوفاتا في مدينة بني، وأشارت إلى أنّ المهاجمين ينسبون أنفسهم إلى تنظيم داعش الإرهابي، وقد صدر بيان من داعش يتبنّى الهجوم على القريتين، لذا لا يمكن تجاهل ادعائه بانتماء القوات الديمقراطية المتحالفة إليه.

تعيش دول وسط أفريقيا في خضم عوامل متعددة أسهمت بجذب الإرهاب للمنطقة

تمكن الجيش في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 من الردّ على تنظيم داعش والمتحالفين معه، بحملة عسكرية ضخمة حققت نصراً قصيراً، فقد تمكّن التنظيم من إعادة صفوفه واستمر في شنّ هجماته على المدنيين في مدينة بني، وقتل أكثر من 40 مدنياً منذ بداية أيار (مايو) 2020، وتعاني الكونغو من الصراع القائم بين قبيلتي الهوتو والتوتسي منذ أعوام، في ظل وجود حكومة هشة، حتى وصلت الأمور حالياً إلى درجة التفسخ بعدما تدخلت في الخلافات دول أفريقية مجاورة، من بينها رواندا.

اقرأ أيضاً: 5 أسباب وراء عدد الوفيات المنخفض جراء وباء كورونا في أفريقيا

يعود اهتمام قادة تنظيم الدولة بأفريقيا حسب "Center for global policy" إلى أنّ كثيراً من تلك البلدان فيها تنظيمات محلية تناهض الدولة يمكن استقطابها والتعاون معها، كما يمكن نظراً لطبيعة جغرافية أفريقيا السيطرة على مساحات من الأرض وإقامة دولة عليها أو ولاية تابعة للدولة الإسلامية المزعومة.

اقرأ أيضاً: تركيا وغزو شمال أفريقيا

وتوفر أفريقيا مناخاً فكرياً يمكّن من التوافق مع فكر تنظيم داعش، حيث يكثر الحديث عن الاستعمار وضرورة مقاومته، فضلاً عن ضعف الدولة الوطنية وعدم سيطرتها على الأطراف في كثير من البلاد الأفريقية، ممّا يجعل استقرار التنظيم في أفريقيا أسهل من سوريا والعراق، فضلاً عن انضمام جماعات مسلحة مناهضة لحكوماتها في الأساس.

وتعيش دول وسط أفريقيا في خضم عوامل متعددة أسهمت في جذب الإرهاب للمنطقة، أبرزها الصراعات السياسية على الحكم، فجمهورية أفريقيا الوسطى تعيش وضعاً متأزماً منذ صراعات 2012، وكذلك الكونغو الديمقراطية، والكونغو برازافيل، ونتج عن هذه الأوضاع السياسية بالضرورة تحلل اجتماعي، أفرز المزيد من الفقر والتهميش لمواطني الدول، علاوة على ذلك فإنّ المناجم والثروات المعدنية المنتشرة بوسط أفريقيا لعبت دوراً مهماً في اجتذاب داعش، لينافس القاعدة في عمليات السلب والنهب.

 


عمرو فاروق: الطبيعة الجغرافية لدول أفريقيا تمثل ملاذاً آمناً للتنظيم وتتيح فرصة التدريب
 

كما يجب ألّا نغفل التمرد الإسلامي في موزمبيق كأحد مسارات تواجد داعش في أفريقيا، فالنزاع الجاري في محافظة كابو دلكادو حيث يسعى الإسلاميون لتأسيس دولة إسلامية هناك، دفع التنظيم الرئيسي الذي يقود التمرد المسلح "جماعة أنصار السنّة" إلى مبايعة تنظيم الدولة في منتصف 2018، وبانضمام أنصار السنّة لداعش جعل لهم موطئ قدم في وسط أفريقيا، وكان أول هجوم باسم تنظيم الدولة على قوات الأمن الموزمبيقية في حزيران (يونيو) 2019، وفي نيسان (إبريل) الماضي أعلن تنظيم داعش عبر أحد منابره الإعلامية أنه استطاع السيطرة على بلدة مويدومبي بمحافظة كابو دلگادو في شمال موزمبيق. وتُعدّ منطقة شمال موزمبيق من أكثر المناطق الغنية بالنفط.

اقرأ أيضاً: كيف سعت إيران لمد أذرعها في أفريقيا؟

وحول خطورة تمدد داعش في أفريقيا، يرى الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية عمرو فاروق أنّ "تنظيم داعش خلال انهيار أركان دولته في سوريا والعراق، وفشل تمركزه في ليبيا ومصر، اتجه بشكل مباشر إلى أفريقيا، شرقاً وغرباً، باعتبارها بيئة مناسبة لتكوين التنظيمات الإرهابية بشكل عام".

اقرأ أيضاً: لمن الغلبة في أفريقيا... لـ"القاعدة" أم لـ"داعش"؟

وأشار فاروق، في حديثه، لـ"حفريات"، إلى أنّ نقل تنظيم داعش معركته إلى الداخل الأفريقي يرجع لدوافع سياسية، فضلاً عن الدوافع الحركية والتنظيمية، "إذ إنّ الدول الراعية والمحركة للتنظيم، مثل تركيا وقطر، لديهما مصالح تتقاطع مع المصالح الإماراتية السعودية في الداخل الأفريقي، بجانب محاولتهما الهيمنة على المقدرات الاقتصادية والجيوسياسية في تلك المساحات الجغرافية الواسعة وتكوين نفوذ عابر للقارات".

اقرأ أيضاً: وكالة "تيكا".. ذراع أردوغان لدعم الإرهاب بأفريقيا

 وأوضح فاروق أنّ "تنظيم داعش اتجه إلى أفريقيا بهدف تحويلها إلى محطة جديدة، يوسع فيها من نفوذه وسيطرته وفق استراتيجية المعاقل البديلة، أو الممرات الآمنة، التي تحميه من السقوط الكامل، أو الانهيار التام، بعد تكبده خسائر فادحة في مناطق متعددة".

وأرجع فاروق الدوافع الحركية لتمركز داعش في دول أفريقيا إلى مجموعة من النقاط المهمّة، منها "حالة الرخاوة الأمنية، وتراجع قدرة الأجهزة الأمنية في تلك البقاع على مواجهات الميليشيات المسلحة التي تعتمد على حرب العصابات أو حرب الشوارع، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار عصابات النهب والسرقة، وسيطرة النزعة القبلية على بعض المناطق وتحكمها في مقدراتها وخيراتها، واستقواء بعضهم بالجماعات المتطرفة التي تتخذ الدين غطاء لتبرير أفعالهم الإجرامية وتحكمهم في مصير تلك الشعوب".

اقرأ أيضاً: مؤشرات بداية أفول الإسلام السياسي في العالم العربي وشمال أفريقيا؟

وأكد فاروق أنّ الطبيعة الجغرافية لدول أفريقيا، لا سيّما المناطق الجبلية والصحراوية، تمثل ملاذاً آمناً للتنظيم وإتاحة فرصة التدريب المسلح لعناصره، فضلاً عن ضرب الأهداف والمصالح الأمريكية والغربية داخل دول أفريقيا، بهدف تعويض خسائره في سوريا والعراق، وتنفيذ عدد كبير من الضربات الإرهابية لصناعة حالة من "الشو الإعلامي"، ومخاطبة أتباعه والرأي العام الدولي بأنّ التنظيم ما زال قوياً وقادراً على التمركز في مناطق جغرافية وسياسية واسعة، ولديه القدرة على المواجهة المسلحة والوقوف أمام التحالفات الدولية العسكرية التي تسعى للقضاء عليه واستئصال جذوره.

اقرأ أيضاً: أفريقيا بعيون أردوغان: قارة تحتاج إلى مُنقذ وأطماع كبرى

وتابع فاروق: إنّ أفريقيا تمثل لداعش قبلة الحياة التي تمكنه من صناعة جيل جديد من خلال تنفيذ استراتيجية البقاء عن طريق ما يُسمّى بـ"أطفال أفريقيا"، لمحاولة استقطابهم وانتقائهم لصفوف التنظيم، والاستفادة من الطبيعة الصلبة التي ينشأ فيها أطفال أفريقيا وسط المعارك والميليشيات المسلحة، ومدّهم بأفكار التنظيم وأدبياته، وهو نوع من التمركز طويل الأمد، بهدف تكوين أجيال جديدة حاملة لجينات التنظيم ومبادئه التكفيرية المتشددة في أفريقيا بشكل عام.

اقرأ أيضاً: كيف استغلت تركيا كورونا للتغلغل في أفريقيا؟

وأشار فاروق إلى أنّ داعش لديه الكثير من الحركات والميليشيات المسلحة المتمركزة داخل دول أفريقيا، سواء في الغرب أو الوسط أوالشرق الأفريقي، المؤيدة لتوجهاته، مثل "بوكو حرام"، و"حركة الشباب المجاهدين"، و"جماعة التوحيد والجهاد" في غرب أفريقيا، وجماعة أبو الوليد الصحراوي، وغيرها من الحركات المتطرفة التي يمكنه إخضاعها لسلطته التنظيمية.

من جهته حدد مركز الإمارات للدراسات السياسية، خطورة تمدد داعش في أفريقيا في زعزعة الاستقرار الإقليمي، "فالدمج بين فروع "داعش" ما يزال من بين المخاطر المحتملة لتنامي تهديد التنظيم عبر القارة، إذ يؤدي توحيد جبهتي "داعش" في غرب أفريقيا إلى فتح جبهات جديدة للقتال والتمدد عبر الشمال الغربي لنيجيريا أو جنوباً نحو خليج غينيا، والحال كذلك بالنسبة إلى داعش وسط أفريقيا، في حال دمج التنظيمات المبايعة لداعش في الصومال والكونغو الديمقراطية وموزمبيق، إذ يؤدي ذلك إلى فتح جبهات للتمدد في دول الجوار، لا سيّما جنوب أفريقيا، وقد حذّر التنظيم في 3 تموز (يوليو) الماضي من فتحه جبهة قتال داخل جنوب أفريقيا في حال انخرطت عسكرياً ضده في موزمبيق".

اقرأ أيضاً: أردوغان وأفريقيا الجنوبية.. أجندة تطمس بريق الثروات

يستمرّ تنامي تهديد تنظيم داعش في قدرته على استقطاب مقاتلين جدد، حتى ولو لم يكونوا مؤدلجين إسلاموياً، فالمعلومات تشير إلى أنّ 70% من المقاتلين الضالعين في الهجمات هم أفراد تمّ توظيفهم من قبل عصابات إجرامية أو من منظمات غير إسلاموية، هذا التوظيف يعطي التنظيم القدرة على البقاء.

وقد حذّر مرصد الأزهر، في وقت سابق، من خطورة داعش في أفريقيا، وأنّ التنظيم بدأ يتحوّل إلى استراتيجية جديدة تعوّضه عن الخسائر البشريّة بتجنيد الأطفال‏ في أفريقيا عن طريق إغرائهم بالأموال والطعام الذي يفتقدونه؛ لذلك كانوا فريسة سهلة الاصطياد من هذا التنظيم ‏وغيره من مثيلاته النشطة في القارة الأفريقية.

الصفحة الرئيسية