هل تنبّأ ميشيل ويلبيك في أحدث رواياته باحتجاجات السترات الصفراء؟

هل تنبّأ ميشيل ويلبيك في أحدث رواياته باحتجاجات السترات الصفراء؟


15/01/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


يصف السّارد والبطل الرّئيس لأحدث روايات ميشيل ويلبيك، "سيروتونين"، نفسه بأنّه رجل غربيّ في منتصف العمر ما من أصدقاء له أو أقارب، ودون مشاريع أو مصالح شخصيّة. وبالرّغم من عدم معاناته من أيّة مشكلات ماليّة، فإنّه يشعر بخيبة أمل عميقة بسبب حياته المهنيّة.

اقرأ أيضاً: السترات الصفراء تعود للشارع وهذا رد الحكومة الفرنسية

فلوران - كلود لابروست (46 عاماً) هو مهندس زراعيّ وموظّف في وزارة الزّراعة يقرّر تغيير حياته بشكل راديكاليّ. ولأنّه متهكّم ومتصلّب، ولكن مع رتوش رومانسيّة، يلعب دور البطل-الضدّ الويلبيكيّ بامتياز.

اقرأ أيضاً: هل انتهى زمن الرواية؟

وكان المؤلّف الفرنسيّ قد تطرّق إلى العديد من القضايا الاجتماعيّة في رواياته، سواء "التّقدّم" العلميّ في الهندسة الوراثيّة (في روايته "الجسيمات الأوليّة" الصّادرة عام 2000) أو السّياحة الجماعيّة كنتيجة للعولمة (في روايته "رصيف" الصّادرة 2002). والأكثر شهرة كانت روايته الصّادرة عام 2015، "خضوع"، الّتي تتعاطى مع الإسلامويّة والإرهاب، والّتي نُشِرت يوم الهجوم على المجلة السّاخرة شارلي إبدو، ممّا أضاف قيمة "نبوئيّة" لعمل الرّوائيّ المثير للجدل.

Submission

توقّع احتجاجات السّترات الصّفراء

"سيروتونين" [السيروتونين هو ناقل عصبيّ يلعب دوراً كبيراً في الصّحة العقليّة والسّلامة النّفسيّة للإنسان]، الرّواية السّابعة لويلبيك، الّتي صدرت الآن بالفرنسيّة والألمانيّة (ومن المقرّر أن تصدر النّسخة الإنجليزيّة في أيلول/سبتمبر)، يمكن وصفها بأنّها أيضاً رواية نبوئيّة، بما أنّها تصوِّر - من بين أشياء أخرى - انتفاضة الجماعات المحرومة في فرنسا، ممّا يعكس احتجاج حركة "السّترات الصّفراء" على إصلاحات الرّئيس ماكرون. في "سيروتونين"، فلّاحو مزارع الألبان اليائسين هم من يقوموا بالثّورة على نحو عنيف ضدّ النّظام.

يمكن وصفها بأنّها رواية نبوئيّة إذ تصوِّر انتفاضة الجماعات المحرومة في فرنسا، ممّا يعكس احتجاج حركة "السّترات الصّفراء" 

وتصف بضعة مشاهد في "سيروتونين" بدقّة ما يحدث في فرنسا. بيد أنّ الاحتجاجات الّتي تسردها الرّواية تتجاوز وضع الحواجز على الطّرق السّريعة والهجوم الّلفظيّ على المؤسّسة السّياسيّة؛ حيث تقود إلى وجود قتلى. فهل ستجد التّحذيرات الّتي تعلنها رواية ويلبيك مرّة أخرى صدى لها في الحياة الحقيقيّة؟

خيبة أمل من الحياة

ومع ذلك، لا ينبغي النّظر إلى "سيروتونين" على أنّها أطروحة سياسيّة؛ إنّها بالأحرى تصوير أدبيّ لرجل سيئ الحظّ يواجه أزمة منتصف العمر، كما هي الحال غالباً في روايات ويلبيك.

ومصدر إحباط بطل الرّواية لا يعود فقط إلى حياته المهنيّة ولكن أيضاً علاقاته الفاشلة. يقطع لابروست علاقته مع صديقته اليابانيّة، يوزو، وينتقل إلى فندق في وسط باريس دون أن يترك أيّ رسالة، قاطعاً مع جوانب مختلفة من حياته السّابقة.

تصف بضعة مشاهد في "سيروتونين" بدقّة ما يحدث في فرنسا

لكن مشكلة لابروست الحقيقيّة أنّه يعاني من الاكتئاب. فيشرع في تناول "كابتوريكس"، وهو مضادّ للاكتئاب يعمل على زيادة مستويات السيروتونين لكنّه يؤثّر أيضاً على الرّغبة الجنسيّة.

لا ينبغي النّظر إلى "سيروتونين" على أنّها أطروحة سياسيّة؛ إنّها بالأحرى تصوير أدبيّ لرجل سيئ الحظّ يواجه أزمة منتصف العمر

لكن هذا لا يعني أنّ ويلبيك قد خلق - من باب التّغيير - بطل رواية لا يفكّر في الجنس. لابروست، بالأحرى، مهووس بالجنس، وتنكشف لنا في الرّواية قصصاً حول عشيقاته السّابقات،...وتشتمل "سيروتونين" على مشاهد بورنوغرافيّة مفصّلة تُعزّز سمعة ويلبيك باعتباره سليلاً أدبيّاً للماركيز دو ساد.

السّياسة والبورنوغرافيا، المعاناة الفرديّة والمنظورات العالميّة: ثيمات ويلبيك المفضّلة تجد مكانها هنا، مغلّفة مرّة أخرى بقتامة العدميّة وبُغض البشر. لن تخيّب هذه الرّواية ظنّ معجبيه، وإن كان هذا لا ينطبق على جميع القرّاء.

نقدٌ للعولمة

إلى جانب تصويره الموثوق لشخصيّات قاتمة نفسيّاً، فإنّ الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في العمل الأخير للرّوائيّ الفرنسيّ هو انتقاده الحادّ لعواقب العولمة.

اقرأ أيضاً: السترات الصفراء ونزع السحر عن الديمقراطية

من أجل الابتعاد عن حياته السّابقة، يقوم لابروست بزيارة إيميرك، صديقه الوحيد الّذي اكتسبه حين كان طالباً للاقتصاد الزّراعيّ. يدير إيميريك مزرعة للألبان وتعاني شركته من انخفاض الأسعار الّذي تسبّبت فيه سياسات التّجارة الدّوليّة وأنظمة الاتّحاد الأوروبيّ.

وبهذه الطّريقة يلتقط ويلبيك روح العصر الّتي عبّرت عنها احتجاجات "السّترات الصّفراء".

المؤلّف متهكماً: "ترامب من أفضل الرّؤساء الّذين رأيتهم في حياتي"

مقاسمة النّظرة القوميّة عند ترامب

قبل وقت قصير من نشر روايته، ساهم المؤلّف بمقالة لمجلة هاربرز ادّعى فيها بتهكّم أنّ "الرّئيس ترامب، كما يبدو لي، من أفضل الرّؤساء الأمريكيّين الّذين رأيتهم في حياتي".

عندما تقرأ "سيروتونين"، سيَسهل عليك فهم السّبب. إنّ السّياسة الاقتصاديّة الحمائيّة الّتي ينتهجها ترامب يُنظَر إليها باعتبارها وسيلة للخروج من أزمة العولمة، الّتي تدمّر الزّراعة المحليّة والتّقليديّة. ويبدو أنّ شوق الكاتب "للأيام الخوالي" يتألّق في روايته الأخيرة: لقد ماتت فرنسا القديمة - والمستقبل لا يبدو مفعماً بالأمل.

المصدر: يوخن كورتن، دويتشه فيله


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية