الإخوان وأكذوبة حقوق الإنسان: كيف ابتلع الغرب الطُعم؟

الإخوان وأكذوبة حقوق الإنسان: كيف ابتلع الغرب الطُعم؟


26/12/2020

نجح الإخوان المسلمون في صناعة صورة ذهنيّة عن أنفسهم في الغرب، منسوجة من القيم والمبادئ التي يؤمن بها الرأي العام الغربي، وعلى رأسها؛ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والإسلام المعتدل، والتعايش الدولي.

ولم تكتمل هذه الصورة إلا عبر حملات ممنهجة من تشويه صورة الخصوم، من الأنظمة العربية، ونجح الإخوان عبر ذلك في كسب تعاطف واسع بين النخب الأكاديميّة والسياسيّة والإعلاميّة الغربيّة، حتى إنّ مراكز الأبحاث الغربية، التي يسترشد بها صناع القرار، نجحت في تصدير فكرة ترى أنّ الحلّ الوحيد للعالم العربي، هو استبدال أنظمة الحكم بالإخوان المسلمين، لمواجهة الإرهاب المتنامي، وإصلاح المنطقة.

على مستوى التنظير؛ لم تصدر دراسة واحدة عن أيّ من منظّري الإخوان تؤسّس لمفهوم حقوق الإنسان، بمعناه الحديث الذي يتشدقون به، ويهاجمون به خصومهم 

وعقب أحداث الربيع العربي؛ تُرجمت هذه الصورة إلى واقع، حين دعم الغرب بقوة تصعيد الإخوان لسدّة الحكم في عدّة دول عربية، دون أن يكون ذلك السبب الوحيد، فهناك مصالح غربية ارتأت هذه الدول أنّ وصول الإخوان للسلطة سيضمنها بقوة.

وعقب هزيمة المشروع الإخواني، خاصة بعد ثورة 30 يونيو في مصر، وتضامن الدول الوطنية العربية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، مع الدولة الوطنية في مصر، لجأ الإخوان إلى صنع مظلومية دولية، لحشد النفوذ الغربي، خاصة الرأي العام المؤثر في أوروبا، ضدّ الدول التي تصدّت لأطماعهم.

هل يؤمن الإخوان بحقوق الإنسان؟

من الجليّ أنّ الإخوان المسلمين الذين يكفّرون المختلف معهم، ويستبيحون دمه، لا يؤمنون بأيّ شكل في مفهوم حقوق الإنسان، الذي تجلّى في أكمل صوره في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، سعيد عبد الحافظ

وفي شهادته في محاكمة قتلة فرج فودة، قال الشيخ محمد الغزالي، أحد قياديي الإخوان، عن القتلة: "إنّهم قتلوا شخصاً مباح الدم ومرتداً، وهو مستحق للقتل، ففرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسؤول عن تطبيق الحدّ، والتهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد".

ويقول رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان في مصر، سعيد عبد الحافظ: "تقوم مرجعية جماعة الإخوان الفكرية على مشروع أممي، يتلخص في إقامة دولة الخلافة، التي لا تعرف دستوراً، سوى شعارهم القرآن، بحسب تفسيرهم، ولا يعترفون بالجيوش النظامية، فهم لديهم كتائبهم وميليشياتهم الخاصة".

ويتابع عبد الحافظ، في حديثه لـ "حفريات": "هذا المشروع لا يعترف بالتنوّع، ولا الآخر، ويقوم على استغلال الهوية الدينية (الإسلام)، باعتباره كائناً متميزاً، ومبدؤهم السمع والطاعة لخليفة المسلمين، وهذه الفكرة الأممية تتناقض مع فكرة التنوع والتسامح والقبول بالآخر، وفكرة المواطنة باعتبارها مناطاً للحقوق والواجبات في أيّ دولة، وأيديولوجيتهم تتناقض مع المفاهيم الحديثة التي يدعونها".

اقرأ أيضاً: ازدواجية الإخوان واعتلال الميزان في قضايا حقوق الإنسان

ويقتصر مفهوم الحقوق لدى الإخوان على التنديد بمن يطيح مخططاتهم، ولذلك يهاجمون الدول التي تخلص شعوبها منهم، أما حقوق الإنسان؛ من حرية الاعتقاد، وحرية التعبير، والحقّ السياسي، وحقوق الطفل والمرأة، فلا مكانة لها لديهم.

وكشفت التجارب السياسية للإخوان، قديماً وحديثاً، عن ذلك؛ ففي السودان التي حكمها نظام الإنقاذ الإخواني، لمدة ثلاثة عقود، ارتكب البشير جرائم حرب بحقّ المدنيين، وبحقّ المعارضين، وتورّط في دعم الإرهاب، حتى جلب على البلاد عقوبات دولية تسببت في إفقار الشعب، وضياع مستقبل أجيال عديدة، وهي حقوق اقتصادية، من ضمن حقوق الإنسان.

وبالعودة إلى ماضي الجماعة، تحضر فكرة الاغتيال، والتي طالت كلّ من كان عقبةً أمام مشروعهم، الذي يهدف إلى السيطرة على السلطة في الدول العربية، بكلّ الوسائل، وصولاً إلى حلم أستاذية العالم، وهي أحلام لن تتحقق دون سفك الدماء، ويحفل سجلهم بجرائم اغتيالات، سلبوا فيها أهم حقوق الإنسان، وهو حقّ الحياة.

وبدايةً بالقاضي الخازندار، عام 1948، وفي العام نفسه رئيس وزراء مصر، النقراشي باشا، مروراً بسجل حافل في معظم الأقطار العربية، وحديثاً أشهر اغتيالاتهم، هو النائب العام المصري، هشام بركات، في 2015، أكّد الإخوان أنّ أيديولوجيتهم تخوّلهم الحكم بالحياة أو الموت على أيّ إنسان.

وعلى مستوى التنظير، لم تصدر دراسة واحدة عن أيّ من منظّري الإخوان تؤسّس لمفهوم حقوق الإنسان، بمعناه الحديث الذي يتشدقون به، ويهاجمون خصومهم من خلاله، بل يلجؤون لآليات عدّة تُفرغ حقوق الإنسان من جوهرها، مثل دفاعهم عن حدّ الردّة، والاسترقاق، وغير ذلك.

الأدوات الديمقراطية 

ولم يكن الإخوان ليكسبوا مكانتهم الكبيرة في الغرب، كممثلين للإسلام المعتدل، لو خاطبوا الغرب بمثل ما يعتقدون، ولذلك يتبنون خطابين؛ الأول يحمل قيمهم الحقيقة، وهو للمسلمين، والثاني يلتحّف عباءة القيم الإنسانية، ويخاطبون به الغرب.

ويوضح ذلك سعيد عبد الحافظ: "في سبيل إقامة دولة الخلافة يعتقدون أنّ من المسموح إزهاق الأرواح، والاستيلاء على أموال الغير، ويحللون كلّ ما يقومون به من أفعال تخالف القانون، بل والشريعة التي يتحدثون عنها".

ويردف رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، قائلاً: "في الوقت نفسه، يستخدمون الأدوات الديمقراطية للتودّد والتواصل مع الآخرين، لمساعدتهم في إضفاء مظلّة ديمقراطية وحقوقية على أفعالهم المخالفة للقانون، ولذلك فإنّ لهم خطابَين؛ الأول للشعوب الإسلامية، والثاني للغرب، والأخير يلتحف عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان".

الناشط الحقوقي سعيد عبد الحافظ لـ"حفريات": صوّر الإخوان أنفسهم على أنّهم ضحايا الأنظمة العربية الديكتاتورية، وأرادوا بذلك طمأنة الغرب بأنّهم تيار ديمقراطي 

والسلوك الازدواجيّ ليس حكراً على هذه القضية، بل يكاد يُسبغ كلّ سياسات الجماعة، وحين وصل محمد مرسي إلى منصب رئاسة الجمهورية في مصر، عام 2012، خاطب إسرائيل بكلّ ودّ وألفة، مؤكداً على رعاية أمنها، بينما كان مرسي ذاته يهاجم إسرائيل قبيل ذلك بسنوات.

ومن المثير للسخرية أن يؤسس الإخوان مؤسسة لحقوق الإنسان، تحمل اسم "مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان"، ويكون مقرها إسطنبول، وتحظى برعاية الرئيس التركي، أردوغان، ونظامه، الذي يرتكب جرائم يومية بحقّ الأتراك، وكان آخرها جريمة تعرية النساء في السجون، وإذلالهن نفسياً، والتحرش بهن جسدياً، دون أن تستنكر مؤسسات حقوق الإنسان الإخوانية ذلك.

وتقدّم تركيا مثالاً واضحاً على زيف دعاوى حقوق الإنسان الإخوانية؛ إذ تبرّر الجماعة جرائم أردوغان بحقّ معارضيه، ولم يصدر بيان يستنكر ذلك، أو يتبرأ من هذه الجرائم.

وفي الدول التي يشارك فيها الإخوان في السلطة، أو لهم نفوذ فيها، مثل شمال سوريا واليمن وغرب ليبيا، تجري عمليات انتهاك حقوق الإنسان بيد الإخوان.

وفي قطر، التي تتابع التقارير الدولية عن استعباد العمالة، وتركهم فريسةً للأمراض، والموت في ظروف العمل الشاقة، يبرّر الإخوان هذه الانتهاكات على منابرهم الإعلامية.

مرشد الإخوان، محمد بديع، في لقاء مع السفيرة الأمريكية في مصر، عام 2011

تبييض صورة الإخوان

وهناك عدّة آليات وظّفها الإخوان لبناء علاقات قويّة في الغرب، منها؛ الهيمنة على المسلمين في دول الغرب، واحتكار تمثيلهم عبر المراكز والجمعيات والمساجد الإسلامية، التي حظيت بتمويل كبير من أعضاء الإخوان ودولة قطر، وهو ما سمح لهم بتمثيل الإسلام، ومكّنهم من توطيد صلاتهم بدوائر صنع القرار، والمؤسسات الإعلامية والأكاديمية.

وساعدت في ذلك حالة السيولة الفكرية في الأوساط الثقافية الغربية، في العقود الأخيرة، التي تعيش حالة من الاضطراب الفكري، والخلط بين الحداثة والاستعمار، وما ينتج عنه من حالة ردّة عن قيم الحداثة، وهو ما مكّن الإخوان من التغلغل في الأكاديمية والإعلام وبين النخب، باسم التنوع الثقافي.

وفي هذا السياق؛ يقول رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، سعيد عبد الحافظ: "عقب أحداث 11 سبتمبر، ظهرت رؤيتان في الغرب للتعامل مع الإرهاب، الأولى تتبنى استئصال التطرف، والثانية تبنّت دعم نموذج إسلامي معتدل، يحافظ على المصالح الأمريكية، ويحارب التطرف، فوقع الاختيار على الإخوان، الذين حصدوا نجاح عقود من العمل على تصدير أنفسهم كممثلي الإسلام المعتدل".

اقرأ أيضاً: المنظمات الحقوقية والإخوان: علاقات معقدة وأكاذيب ممنهجة

ويضيف عبد الحافظ: "صنع الإخوان مظلومية بين حركة حقوق الإنسان، وصوّروا أنفسهم على أنّهم ضحايا الأنظمة العربية الديكتاتورية، بحسب زعمهم، وأرادوا بذلك طمأنة الغرب، بأنّهم تيار ديمقراطي سيحافظ على مصالحهم، ولا يتناقض مع قيم الغرب".

ويمتاز الإخوان بالعمل الدؤوب، طويل المدى، لتحقيق الهدف، وفي هدف اختراق الحركة الحقوقية، اتبع الإخوان آليات عديدة؛ من بينها تمويل المؤسسات الحقوقية الدولية، واختراقها عبر الموظفين، وإنشاء مراكز حقوقية مستقلة، والعمل على ربطها بالمؤسسات المشهورة.

وعقب الإطاحة بمشروع الإخوان في المنطقة، بات هدفهم صنع مظلومية إنسانية من تجربتهم، ومن أجل ذلك نشط عناصرهم في المشاركة بشكل مكثف في الاجتماعات الحقوقية الدولية، سواء ‏في المجلس الدولي لحقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، أو تنظيم اللقاءات ‏مع أعضاء الكونغرس الأمريكي، أو البرلمان الأوروبي.

ويقول عبد الحافظ، لـ "حفريات": "جزء من تمويل المنظمات الدولية يدفعها التنظيم الدولي للإخوان، للدفاع عن الإخوان، وإظهارهم بصورة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وإخفاء حقيقتهم كجماعات متشدّدة تقف ضدّ قيم حقوق الإنسان في الأساس".

ومن بين 14 جمعية لحقوق الإنسان تتبع للإخوان المسلمين في أوروبا، هناك 5 جمعيات في لندن، وهي المدينة الحاضنة للتنظيم الدولي للإخوان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية