ماذا يحمل تنامي دور النساء في صفوف حركة الشباب الجهادية؟

الصومال

ماذا يحمل تنامي دور النساء في صفوف حركة الشباب الجهادية؟


15/08/2019

في ظهيرة الرابع والعشرين من تموز (يوليو) الماضي، فجّرت امرأة كفيفة نفسها في اجتماع أمنيّ عُقد في مكتب عمدة العاصمة ومحافظ إقليم بنادر، عبد الرحمن عمر عثمان "المهندس يريسو"، مما أسفر عن مقتل عدة مسؤولين لمديريات مدينة مقديشو، وإصابة عمدة العاصمة بجروح خطيرة، أدّت إلى وفاته في وقت لاحق في قطر؛ حيث كان يتلقى العلاج.

كانت مهمات النساء في حركة الشباب تقتصر سابقاً على تجنيد العرائس للمقاتلين حيث كنّ يقمن بالطهي والتنظيف في المعسكرات

على الفور، تبنّت حركة الشباب الجهادية مسؤوليتها عن الانفجار، وأوضحت الحركة؛ أنّها كانت تستهدف مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال، جيمس سوان، الذي كان قد غادر المبنى قبل وقع الهجوم بقليل.
وتكشف ملابسات هذه الحادثة تنامي دور المرأة في "حركة الشباب"؛ حيث تبدلت الأدوار التقليدية المحددة للنساء في داخل الحركة، لا سيما على صعيد التجنيد والعمليات الانتحارية والدعاية للتنظيم الإرهابي، ففي السابق؛ كانت تقتصر مهمات النساء في الحركة في المقام الأول على تجنيد النساء كعرائس للمقاتلين؛ حيث كنّ يقدّمن الطهي والتنظيف في معسكرات الحركة.
أما الآن؛ فقد باتت النساء يضطلعن بأدوار أكبر في القتال، وجمع المعلومات الاستخباراتية، والتخطيط، والتنسيق، وتنفيذ الهجمات، ووفق موجز أمني كيني سرّي، نشرته صحيفة "صنداي نيشن" الكينية، فإنّ الحركة أصبحت تعطي للشابات أدواراً بارزة على نحو متزايد في تنفيذ عمليات الاستخباراتية؛ حيث إنهنّ أقلّ عرضة لجذب الانتباه، خاصة أنّ هذه هي المرة الرابعة المعروفة التي تستخدم فيها حركة الشباب امرأة في هجوم انتحاري.

تشييع جثمان عمدة مدينة مقديشو المهندس يريسو

ملابسات الحادثة
أشارت التحقيقات الأولية الصادرة عن وزارة الداخلية الصومالية؛ إلى أنّ التحقيقات كشفت أنّ السيدة التي فجّرت نفسها كانت تعمل في البلدية، ونفذت العملية الانتحارية بدعم من امرأة أخرى، كانت تساعدها لكونها كفيفة، وكانت تعمل هي الأخرى في البلدية، واعترفت الوزارة بالتقصير في الإجراءات المطلوبة عند توظيفهما.

اقرأ أيضاً: الجهاديات.. هكذا تغير دور المرأة في صفوف التنظيمات المتطرفة
وفق مصدرين أمنيين؛ طلبت المرأة الكفيفة الانتحارية، وتُدعى مريم، إجازة في حزيران (يونيو) الماضي؛ حيث أخبرت العمدة أنّها ستقوم بزياة طبيّة إلى الهند، وقد ساعدها العمدة وأعطاها مبلغ عشرة آلاف دولار لتغطية نفقاتها الطبية، وفق مسؤول كبير، لكن ثبت أنّ المعلومات التي قدمتها كانت غير صحيحة، وأنها بدلاً من ذلك سافرت إلى منطقة تخضع لحركة الشباب، وفق ما نقلته إذاعة صوت أمريكا عن مصادر أمنيّة.
وسجلت كاميرات الدوائر الأمنيّة في يوم وقوع الهجوم، دخول المرأتين إلى مقرّ العمدة في وقت مبكر من بعد الظهر؛ حيث طلبت مريم مقابلة العمدة، لكنّ سكرتيره أصرّ على أنّه مشغول، وفي الأثناء استقبل "المهندس يريسو" مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى الصومال، جيمس سوان، في مكتبه.

اقرأ أيضاً: النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟
ووفق المصدر الأمني الذي تحدث مع إذاعة صوت أمريكا؛ وصلت المرأتان بعد أن غادر سوان مكتب العمدة، ودخلتا المبنى دون أن يفحصهما أيّ شخص، ودون أن يتم مسحهما ضوئياً، وقال المسؤول الأمني عند البوابة المكلّف بفحص النساء إنّه كان في استراحة في تلك اللحظة.
بدأ الاجتماع بين العمدة ومسؤوليه قبيل الساعة الرابعة مساء بالتوقيت المحلي، ووقع الانفجار بعد 30 دقيقة، ووفق ما قاله عبد القادر محمد عبد القادر، مدير منطقة حمروين، الذي أصيب في الهجوم، وصلت مريم إلى الغرفة في وقت مبكر وجلست على مسافة خمسة مقاعد من كرسي العمدة، وقد حملت العبوة الناسفة في جسدها، وفجرت نفسها أُثناء عقد الاجتماع.

هذه هي المرة الرابعة المعروفة التي تستخدم فيها حركة الشباب امرأة في هجوم انتحاري

اتجاه جديد
حسبما أشارت التقارير الإعلامية، عُرفت مريم؛ المرأة الكفيفة الانتحارية، بنشاطها ودفاعها عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد شكّلت، عام 2015، جمعية الصوماليين المعاقين، ودُعيت لإلقاء خطابات في المؤتمرات والفعاليات في مقديشو، والتقت بأفراد بارزين من بينهم الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، والرئيس الحالي محمد عبد الله فارماجو.

اقرأ أيضاً: الجهاديات في تونس
ووفق صور تمّ نشرها على وسائل الإعلام الصومالية، ظهرت أمام مكتب الأمم المتحدة في الصومال وهي تشارك في فعاليات لصالح ذوي الاحتياجات الخاصة.
ووفق بعض المراقبين؛ فإنّ الاتجاه الجديد لحركة الشباب التي تقوم بتجنيد عدد كبير من النساء في أعمالها الإرهابية، يرجع بشكل رئيس إلى أنّ النساء أقل ميلاً إلى إثارة الشبهة عند القيام بأنشطة إرهابية؛ حيث على عكس الرجال، تعدّ النساء أقلّ عنفاً وبالتالي قد يفلتن من الفحص من قبل ضباط الأمن.
وأول حالة مسجلة قامت حركة الشباب بنشر انتحارية لها، كانت في حزيران (يونيو) 2011؛ عندما قُتل وزير الداخلية الصومالي، عبد الشكور شيخ حسن، على يد ابنة أخته المراهقة، في هجوم انتحاري في منزله، لكن عدا ذلك، تستخدم حركة الشباب، في المقام الأول، المقاتلين الذكور لتنفيذ الهجمات الانتحارية في الصومال، وفي كينيا، ودول شرق إفريقيا الأخرى.

اقرأ أيضاً: التقليد الديني.. الجهاديات والتطرف

بينما تستخدم الحركة النساء في مهمام التجسس، وأبرز مثال لتلك القضية؛ حالات الطالبات الجامعيات الثلاث: خديجة أبو بكر أحمد، مريم سعيد عبود، وأم الخير صدري عبد الله؛ واللاتي تمّ القبض عليهن في الحدود الصومالية الكينية، في آذار (مارس) 2015 للاشتباه في أنّهنّ يحاولن عبور الحدود إلى الصومال للانضمام إلى جماعة التمرد، وتعتقد الأجهزة الأمنية الكينية أنّ الفتيات الثلاث قد تمّ تجنيدهنّ عبر الإنترنت، من قبل حليمة عدن علي؛ وهي إحدى المجندات المعروفات في الحركة.

تستخدم حركة الشباب في المقام الأول المقاتلين الذكور لتنفيذ الهجمات الانتحارية

نسبة أٌقل مقارنة بـ "بوكو حرام"
لكن، مع ذلك، تبقى مشاركة النساء في قتال حركة الشباب أقل، مقارنة بالتنظيمات والحركات المثيلة، مثل جماعة "بوكو حرام"، وقد أشارت دراسة مطولة، نشرتها مجموعة الأزمات الدولية الشهر الماضي، بعنوان "تمرد حركة الشباب والنساء"؛ إلى أنّ التمرد الوحشي الذي تمارسه الحركة يعدّ عموماً قمعياً للمرأة، لكنّه من جانبٍ آخر يوفر لها أيضاً مزايا مهمة، لا سيما من خلال معاقبة العنف القائم على النوع الجنسي، ودعم حقوق المرأة بموجب قانون الأسرة الإسلامي.

صارت الحركة تعطي للشابات أدواراً بارزة على نحو متزايد في تنفيذ عمليات استخباراتية كونهنّ أقلّ عرضة لجذب الانتباه

وحددت الدراسة مهمات وأدوار النساء في الحركة، بأنّها "تتنوع ما بين الزواج من أفراد الحركة، إلى التجنيد والدعاية في الحركة، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتهريب الأسلحة، وجمع الأموال"، وأَضاف تقرير المجموعة؛ أنّ مسؤولي الأمن الصوماليين لا ينظرون إلى تهديد النساء الملتحقات في الحركة بجدية كافية، وبالتالي لا يفعلون الكثير لمنع الإناث من حركة الشباب من نقل المتفجرات عبر نقاط التفتيش.
وتقول الدارسة: إنّ حركة الشباب يمكن لها أن تستفيد من هذه الهفوات الأمنية من خلال استخدام النساء كانتحاريات، وهي لا تفعل ذلك عادة؛ حيث لا تسمح للإناث بمشاركة مباشرة في القتال، وتتعارض سياسات "الشباب" في هذا الصدد مع سياسات "بوكو حرام"؛ إذ تقول الدراسة: إنّ تلك القوة الإسلامية في شمال شرق نيجيريا تقوم بتكليف النساء والفتيات بتنفيذ هجمات انتحارية مباشرة، لكن في حالة الشباب، شكلت الإناث أقل من خمسة في المئة من هذه العمليات، منذ عام 2006.

اقرأ أيضاً: حركة الشباب الصومالية تتخذ من إيران نقطة عبور لتهريب العاج
وتلفت الدارسة النظر إلى أنّ زوجات أعضاء كبار في حركة الشباب، يتنقلن في جنوب وسط القرى الصومالية، لحشد الدعم لقيم الجماعة وأهدافها، كما تجنّد هذه النساء، اللواتي تزوّجن مقاتلين، كي يصبحن ناشطات في عمليات الحركة.
وتخلص دارسة مجموعة الأزمات الدولية؛ إلى أنّه "رغم عنفها الوحشي، وأخلاقيات السلطة الأبوية، والمعايير الجنسانية الصارمة، يشكل نظام القانون الإٍسلامي الذي تطبقه الحركة على رعاياها أفضل مما تقدمه الحكومة الصومالية، وهو ما يدفع النساء اللواتي يعانين من غياب العدالة الاجتماعية إلى اللجوء إلى نظام العدالة لدى الحركة"، وتقترح الدارسة بهذا الصدد على الحكومة الصومالية وشركائها الأجانب؛ تطوير نظام أكثر كفاءة، وأن تضع الحكومة الصومالية إستراتيجية لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفعل ما في وسعها لتحسين وضع المرأة الصومالية، ودمج المزيد من النساء في قوات الأمن، مما يمكن أن يحدّ من مسألة تنامي اللجوء إلى محاكم الحركة، وبالتالي منع استقطابهم ضمن نشاطات الحركة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية