ما الذي يعنيه أن تكون يمينياً متشدداً في القرن الـ 21؟

ما الذي يعنيه أن تكون يمينياً متشدداً في القرن الـ 21؟


20/05/2020

ترجمة: علي نوار


بعد التقدم الذي تحرزه الأحزاب والحركات الرجعية واليمينية المتشددة المحافظة في أوروبا والأمريكيتين، تزداد الحاجة إلى فتح النقاش حول تعريف اليمين المتشدّد.

اقرأ أيضاً: داردو سكافينو: صعود اليمين المتشدّد في أوروبا انتصار للجهاديين
لم يسبق أن دار نقاش بهذا القدر من الحدة والجدل حول تعريف اليمين المتشدد، مثل ذلك الذي نشهده في الآونة الحالية، عبر وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية، ويغذّي هذا الجدل الصعود الحثيث في الانتخابات الذي تحرزه الأحزاب والحركات والزعماء السياسيين، مثل: دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وجايير بولسونارو في البرازيل، اللذين وصلا إلى الرئاسة في البلدين بالفعل، أو أحزاب مثل "بديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا، و"فوكس" في إسبانيا، التي تهدد بدخولها في تشكيل حكومات، أو على الأقل فرض إملاءات وشروط على آلية الحكم في بلدانها.

اقرأ أيضاً: إرهاب اليمين المتطرف الخطر القادم من الغرب
ورغم سخونة الجدل الدائر، إلّا أنّ تحديد ماهية العوامل المشتركة التي تعرّف الأحزاب الجديدة، أو الحركات اليمينية المتشددة، تظلّ هي النقطة الأكثر زخماً ومحلّ خلاف، وبدلاً من الوصول إلى حالة من الإجماع، يبدو أنّ رقعة الاختلاف تتّسع شيئاً فشيئاً؛ في بعض الحالات بسبب محاولات تلميع مواقف تعكس بكلّ وضوح الفكر اليميني المتشدّد، والتي تمثّل تهديداً لمنظومة التعايش الديمقراطي، أو في حالات أخرى، نتيجة التساؤلات الصادقة التي تطرح بغية معرفة أين تقف الحدود الفاصلة بين المواقف اليمينية المتشددة واليمين المتشدد واليمين الأصولي (الراديكالي).

سانتياجو أباسكال ، زعيم فوكس، يتحدث خلال لقاء مع أنصاره في فالنسيا (رويترز)

وقد شهدت ألمانيا بالفعل نقاشاً نظرياً مطوّلاً حول هذا التقسيم، وكانت ألمانيا تحديداً مسرحاً لهذا الجدل، خاصة أنّ نموذجها الديمقراطي بات حافلاً بحركات يمينية متشددة، أو نابعة من الفكر النازي، لكنّ الأمر ليس حديثاً للغاية؛ حيث بدأ في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقيام دولتين جمهوريتين، منذ عام 1949، في الأراضي الألمانية، على أنقاض الأيديولوجية الاشتراكية القومية، وفي جمهورية ألمانيا الفيدرالية الحالية، التي نجت إثر انتهاء الحرب الباردة، يتساءل كثيرون، اليوم، عن معنى الفكر اليميني المتشدّد في خضم القرن الواحد والعشرين، الذي أحدثت فيه الرقمنة وشبكة الإنترنت تغييرات جذرية، سواء على مستوى صياغة السياسات أو مستوى نشرها.

يتساءل كثيرون عن معنى الفكر اليميني بالقرن الـ 21 الذي أحدثت فيه الرقمنة تغييرات جذرية على صعيد صياغة السياسات

وكتبت الصحفية جابرييله ناندلينجر، المتخصصة في ملفات التشدد اليميني في موقع "بليك ناخ ريشتس" الإخباري الألماني: "وذلك لأنّ اليمين المتشدد لا يمتلك في الحقيقة حزمة أفكار موحّدة، كما أنّه لا وجود لتعريف محدّد لهذا المصطلح"، قبل أن تضيف "يرفض اليمينيون المتشددون بشكل عام النظام الديمقراطي والليبرالي، عن طريق اللجوء للعنف حتى، ويتطلّعون لإرساء نظام دولة سلطوي، أو على الأقل يتّسم بالشمولية؛ حيث تصبح الأيدولوجية القومية والعنصرية هي الأساس للمنظومة الاجتماعية".
وبحسب ما تكشف ناندلينجر؛ فإنّ المكتب الفيدرالي لحماية الدستور في ألمانيا يدرس بعناية عدداً من العوامل عند إدراج حركات أو أحزاب ضمن تيار اليمين المتشدد، ألا وهي: الروح القومية الهجومية، والرغبة في تكوين مجتمع على أساس الطبقات العرقية، ومعادة ورفض التعددية، ومعاداة الأجانب المتعلقة بشكل عام بمعاداة السامية، المواقف التي تنادي بوجود دولة يتزعمها شخص شمولي، الدعوة للعسكرة، والتقليل من شأن أو غضّ الطرف عن الجرائم ذات الدوافع القومية الاشتراكية، وكذلك العمل على تشويه المؤسسات الديمقراطية ورموزها.

 

 

حدود مبهمة
رغم أنّ اليمين الراديكالي قد يتبنّى مواقف يمينية متشددة بعينها، على غرار تلك المذكورة بالأعلى، والتماهي المفرط في الحدود الفاصلة بين اليمين المتشدد واليمين الراديكالي، لكن هناك نقطة ربما تكون حاسمة بالنسبة إلى الأكاديميين الألمان: الرفض المعلن غير المستتر، الذي لا يمكن الخطأ بشأنه تجاه النظام الدستوري والديمقراطي.

اقرأ أيضاً: الحركات اليمينية وراء زيادة حالات الحصبة في أوروبا!
وتوضّح ناندلينجر: "تعتاد المؤسسات والعلوم الاجتماعية استخدام مصطلح "أصولية اليمين" للإشارة بصفة عامة إلى منظمات أو أفراد يتمركزون إلى اليمين من قلب النطاق السياسي، إلّا أنّهم ما يزالون داخل الإطار الدستوري، وبشكل معمّم؛ فإنّ اليمين الأصولي لا يتبنى مواقف عدائية تجاه النظام الديمقراطي".

يرفض اليمينيون بشكل عام النظام الديمقراطي والليبرالي، ويتطلّعون لإرساء نظام سلطوي، تصبح الأيدولوجية القومية والعنصرية هي الأساس للمنظومة الاجتماعية

لكنّ هذا الإطار النظري يفتقر، على الأرجح، للتحديث، عند محاولة تطبيقه على ما يسمى "اليمين الألماني الجديد"، أو أحزاب مثل: "بديل من أجل ألمانيا"، و"حزب الحرية" النمساوي، التي رغم حفاظها على خطاب يظهر الاحترام للمؤسسات والنظام الدستوري، لكن تربطها علاقات واضحة ووثيقة بحركات يمينية متشددة، وتحصل على أصوات النازيين الجدد، فضلاً عن تبنّيها لمواقف تعبّر عن التجاهل أو التقليل من شأن الجرائم التي لها صلة بالقومية الاشتراكية.
ومن الأمثلة الدالة على ذلك؛ تبرز تصريحات زعيم حزب "بديل من أجل ألمانيا"، ألكسندر جاولاند، الذي وصف النظام النازي بـ "براز طائر في تاريخ ألمانيا الممتد لألف عام" في محاولة للتهوين من مدى فداحة ما ارتكبه نظام الرئيس الراحل أدولف هتلر، وبشاعات الحقبة النازية، ثم تصريحات القيادي في الحزب أيضاً، بيورن هوكه، الذي رأى أنّ ضريح ضحايا المحرقة (هولوكوست) القائم في قلب برلين "أثر يبعث على العار" بالنسبة إلى ألمانيا.

اقرأ أيضاً: لماذا ينشط اليمين المتشدد في ألمانيا الشرقية؟
ورغم هذا الخروج المتكرّر عن النص من قبل زعماء بارزين في "بديل من أجل ألمانيا"، ومحاولات إعادة تأويله لتخفيف وطأته لاحقاً، أو حتى الاعتذار عنه، لكن من الجليّ للغاية ملاحظة أنّها تأتي ضمن إستراتيجية استفزازية وإستراتيجية، محاولة زعزعة استقرار واحدة من أهم الاتفاقيات التي أبرمتها الأحزاب ديمقراطية الطابع في ألمانيا، بعد كارثة الحرب العالمية الثانية، والمتمثّل في عدم استخدام النزعة القومية، والتحفّظ إزاء الأفكار النازية كأدوات سياسية وانتخابية، بيد أنّ حزب "بديل من أجل ألمانيا" يخرق هذا الاتفاق، ما يحوّله بالتبعية إلى عنصر مقوّض للنظام السياسي الألماني القائم منذ سبعة عقود، فيما يحترم القواعد الرسمية للعب الديمقراطي والمؤسسي.

ملصق حملة من البديل لألمانيا في ميونيخ، ألمانيا (رويترز)

ما هو "فوكس"؟

يعدّ "فوكس" أحدث الأحزاب التي انضمت إلى معسكر أحزاب اليمين الراديكالي في القارة العجوز، وهنا لا مناص من أن يقفز السؤال ذاته إلى الأذهان: ما هي الصفة الأكثر ملاءمة التي يجدر إطلاقها على الحزب الذي يتزعّمه سانتياجو أباسكال؟

اقرأ أيضاً: اللحظة الشعبوية: انتهاء ثنائية اليمين واليسار في أوروبا
يقول جييرمو فرناندث، خبير علم الاجتماع والباحث في جامعة "كومبلوتنسي" بالعاصمة الإسبانية مدريد: إنّ "فوكس" يتموضع في الوقت الحالي، على الأقل، على مسافة أقرب إلى اليمين الراديكالي، أكثر منها إلى اليمين المتشدّد، ويوضّح "في ضوء انخراطه في اللعبة الديمقراطية، أعتقد أنّ "فوكس" هو حزب يميني راديكالي هوياتي ومحافظ بشدة، الغالبية العظمى من كوادره هم في الأصل أعضاء سابقين في "الحزب الشعبي"، يمين وسط، وتحديداً الجناح الأكثر راديكالية من ذلك الحزب، علاوة على القطاعات الأصولية في الكنيسة الكاثوليكية، التي شعرت بتعرّضها للخداع من جانب رئيس الحكومة الإسبانية السابق، ماريانو راخوي، عند وصول الأخير للسلطة، وعدم إلغائه قانون الإجهاض، على سبيل المثال، لكنّني أرى أنّ وصف "فوكس" بأنّه حزب ينتمي لليمين الراديكالي بدلاً من اليمين المتشدد لا يسقط عنه الخطورة؛ إنّه حزب يقوم على أساس الأيديولوجية اليمينية الأكثر راديكالية في محاولة للدخول في معركة ثقافية مع اليسار".

حزب فوكس يقوم على أساس الأيدولوجية اليمينية الأكثر راديكالية في محاولة للدخول في معركة ثقافية مع اليسار

وعند محاولة إيجاد سلسلة من القواسم المشتركة الموجودة بين الحركات الجديدة من تياري اليمين المتشدد واليمين الراديكالي، بداية من ترامب حتى بولسونارو، ومروراً بـ "بديل من أجل ألمانيا"، و"حزب الحرية"، و"فوكس"، يعدّد الباحث في جامعة "كومبلوتنسي" العناصر الآتية: الغلو في المحافظة، مفهوم جوهري للهوية الوطنية، خطاب مناهض للنخب، أو "معاداة المؤسسات"، مناهضة الحركة النسوية، مكافحة ما يطلق عليه "أيدولوجية النوع".
أما فرانكو ديلي دوني، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الإعلام السياسي والمقيم بألمانيا؛ فيرى أنّ النقاش المعجمي حول استخدام لفظتي "يمين متشدد" و"يمين راديكالي" عقيم بالأساس، فيقول: "كون هذه الأحزاب لديها رغبة في احترام النظام الديمقراطي أو المؤسسي من عدمها لا تصنع فارقاً ضخماً بالنسبة إليّ؛ لأنّها لا تضع اعتباراً من أيّ نوع للمبادئ التي أجمع الكلّ عليها، وهو في رأيي أمر أكثر أهمية، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر؛ من حقّ المرأة أن تكون على قدم المساواة مع الرجل، بينما يعلن رؤساء، مثل بولسونارو دون مواراة؛ أنّه "من بين سياسات الدولة التي يتبنّونها يبرز القضاء على المساواة بين الأنواع".

اقرأ أيضاً: كيف تلتقي الإسلاموية مع اليمين المتطرف؟
وبسؤاله عمّا إذا كانت هناك قواسم مشتركة تجمع بين الرئيس البرازيلي وحزب (فوكس) الإسباني، و(بديل من أجل ألمانيا) في ألمانيا، وحركات متشددة أخرى داخل القارة الأوروبية، يذكر ديلي دوني: "منظور رجعي للهوية الوطنية يعود للماضي من أجل بناء هويات جمعية للمستقبل، والبحث الدائم عن خطر أو عدو خارجي، يربض دائماً خارج نطاق هذا المجتمع الغارق في القيم التقليدية، وقد يكون مهاجراً، أو متحولاً جنسياً، أو لاجئاً، أو اليسار، أو المسلمين، الاحتقار المتناهي للطبقات والنخب السياسية والمؤسسات ووسائل الإعلام التقليدية، التي توصم دائماً بكونها جزءاً من المؤسسات، وأخيراً الاستفزاز الحثيث والدائم والممنهج لكلّ ما هو صائب سياسياً، ومدّ رقعة النقاش السياسي لما هو أبعد من الحدود المقبولة من قبل الأحزاب السياسي القائمة؛ هذا هو ميدان المعركة الجديد الذي ستتصارع فيه الكتل السياسية والناخبون خلال المستقبل القريب.


المصدر: أندريو خيريث، صحيفة "الكونفدينثيال" الإسبانية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية