نسويات مغربيات في مرمى تكفير المتشددين والتحريض على قتلهن

المغرب

نسويات مغربيات في مرمى تكفير المتشددين والتحريض على قتلهن


01/07/2019

نساء مغربيات واجهن التّكفير وتحريض على القتل؛ لأنّهن اخترن التّعبير عن آرائهن بكل جرأة، مواقفهن في نظر المتشددين، ممنوعة ومحرمة.
قوبل فكرهن المتحرر بالعنفِ من قبل المتشددين، والرفض لأي خروج عن الإطار الذي يُحدده "الحلال والحرام"، وفق تفسيراتهم وقناعاتهم.
"الاسلاميون الذين هاجموني ربيت أطفالهم"
في ثمانينيات القرن الماضي، أسست الناشطة الحقوقية المغربية عائشة الشنا، جمعية "التضامن النسوي"، بهدف دعمِ ومساعدة الأمهات العازبات وأطفالهن، ما عرضها للانتقادات، ووصفت بأنّها تُحرض على الفساد الأخلاقي، ووصلت الحملة ضدها إلى حد تحريضِ على قتلها وهدر دمها.
ويُطلق على عائشة الشنا لقب "الأم تيريزا المغربية"، بعد تكريسها حياتها للدفاع عن حق الأم العازبة في الاحتفاظ بابنها.

اقرأ أيضاً: في ذكرى رحيل المرنيسي: من يواصل الدفاع عن كرامة تاء التأنيث؟
وهدد إسلاميون باغتيال عائشة الشنا في عام 2000، مُعتبرين أنّها "كافرة وتشجع على الرذيلة"، وفي العام ذاته منحها العاهل المغربي محمد السادس وساماً ومساعدة مالية.
ووفقاً لحوار أجرته معها وكالة "رويترز" حينها، قالت عائشة الشنا "الإسلاميون الذين هاجموني ربيت أطفالهم لقد جاءتني نساء من تيارات إسلامية تزوجن بالفاتحة و/إني زوجتك نفسي/ ليتملص الزوج من مسؤوليته بعد أن تحبل المرأة."
هدد إسلاميون باغتيال عائشة الشنا مُعتبرين أنّها "كافرة وتشجع الرذيلة"

كفروها وهددوها بالقتل
وتساءلت الشنا: "كيف أشجع الدعارة والفتاة تأتيني بطفلها بين ذراعيها.. هل أخذ الطفل وأضعه في المحرقة.. أم أحاول حل المشكل بالتي هي أحسن، بما أن ما لا يجب أن يحدث قد وقع، والتشدد سيزيد من استفحال المشكل."
وكانت المناضلة المغربية قد فكرت حينها في التراجع عن عملها الجمعوي، خوفاً على أسرتها التي صارت مُعرضة للخطر، لكنها تراجعت عن قرارها بسبب تضامن عدد كبير من المغاربة معها.

العقل الفقهي الذكوري عجز عن تقبل المرأة ككائن مستقل وكذات مفكرة لأنّها مهدِدة لنسق فقهي شيّد على القوامة والأحقية

برغم من التكفير والتهديد بالقتل، ناضلت عائشة الشنا لأجل حقوق الأمهات العازبات بالمغرب، كما هو الحال بالنسبة  لعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، التي ناضلت لأجل حقوق المرأة، ونالت نصيبها هي أيضاً من التكفير واتهمت بالزندقة.
اختارت المرنيسي أن تناضل وتفكر معرفياً من داخل النّسق الثقافي الإسلامي، واعتبرت في مؤلفاتها حريم السياسة والسلطانات المنسيات، وغيرها من المؤلفات التي تناولت فيها الكاتبة التراث الإسلامي، أنّ الاسلام أعطى للمرأة مكانة وكان لديها حقوق، يتوجب العمل باستمرار على استعادتها، حتى لا تظل ثقافة إقصاء المرأة واستعبادها مسيطرة في المجتمعات العربية. فالنساء في العالم العربي برأيها هنّ "وقود لكثير من التداعيات السلبية في غالب القضايا المعاصرة، وهنّ طرف المعادلة الخاسر دائماً، بالرغم من التركة الأخلاقية الغابرة للمجتمعات العربية المسلمة".
الرفيقي: كنا نشحن ضد المرنيسي ولم نكن من شدة الشحن نفرق بينها وبين إبليس

"لم نكن من شدة الشحن نفرق بينها وبين إبليس"
شحن المتشددون الشباب ضد المرنيسي وكتاباتها، ووصمها بالكافرة والزنديقة، كان سبب في عدم اطلاع نسبة كبيرة من المغاربة على كتاباتها وأفكارها.

اقرأ أيضاً: المرنيسي تكشف تهافت الحديث عن ولاية المرأة بوقائع من زمن النبي
وأشار عبد الوهاب الرفيقي الباحث في الفكر الإسلامي والسلفي السابق، إلى دور الذي لعبته الجماعات الإسلامية المتشددة في شحن الشباب ضد فكر المرنيسي.
ويقول عبد الوهاب الرفيقي: "لا زلت أذكر كيف كنا نشحن ضد امرأة باحثة وأكاديمية في قيمة وقدر الأستاذة فاطمة المرنيسي، لم نكن من شدة الشحن نفرق بينها وبين إبليس، نراها داعية للفجور والانحلال وضد كل قيم الخير والصلاح، كل هذا دون أن نقرأ ولو حرفاً واحداً مما كتبته المرحومة وسطرته في كتبها."
"تكفير المرنيسي حرم أجيالاً من فكرها"
وأضاف رفيقي في حديثه لـ "حفريات": "جرأة فاطمة المرنيسي وكتاباتها العميقة جرّت عليها  انتقادات الإسلاميين الذين وصفوها بالزنديقة الخارجة عن الدين".

اقرأ أيضاً: شيرين عبادي: نعم أنا نسوية ومسلمة.. أين التعارض؟
ويعتبر الباحث في الفكر الإسلامي أنّ هذه الحملات التي كفرت فاطمة المرنيسي "حرمت أجيالاً من الاستفادة من أفكارها، وجعلت من كتابات المرنيسي منحصرة فقط على تيارات التي تقاسمها افكارها".

اختارت المرنيسي أن تناضل وتفكر معرفياً من داخل النّسق الثقافي الإسلامي

"خوف متأصل من المرأة في الذهنية الفقهية"
وكان الشيخ السلفي محمد الفزازي قد علق على موت عالمة الاجتماع المغربية: "لن أدعو للكاتبة الراحلة، فاطمة المرنيسي، لا بالجنة ولا بجهنم، لأنها كانت تقول إنّ الله ظالم... وعن آيته الكريمة: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين،" إنها قسمة جائرة، إذن فالله جائر سبحانه عز وجل، إذا كانت تابت وماتت على ذمة الإسلام وهي تائبة من أباطيلها التي كتبت، وقضت حياتها كلها وهي تدافع عنها وهي باطلة، فسأترحم عليها في السجود".

اقرأ أيضاً: عاملات لا يصرخن عبر "هاشتاغات" .. نسويات بلا نسوية
ويتابع رفيقي: "قيل عنها ملحدة وقيل عنها محاربة لله ورسوله؛ لأنها حاولت تخليص الإسلام مما علق به من بعض الموروثات التراثية التي احتقرت المرأة، ودافعت عن تنقيح التراث من كثير من الأدبيات المسيئة للمرأة…".
ومن جهته، أشار الباحث المغربي يوسف مساتي إلى أنّ هناك خوفاً متأصلاً من المرأة في الذهنية الفقهية، معتبراً أنّ "الفقه الاسلامي حاول منذ بواكيره الأولى محاصرة المرأة والتنقيص منها".
"الفكر النسوي .. إحياء لموؤودة ظنوا أنهم دفنوها"
وأضاف المساتي في حديثه مع "حفريات": "لا أستغرب أن نجد أنّ الشافعي واضع أصول الفقه الإسلامي يقول في أحد مصنفاته "ثلاثة إنّ أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك: المرأة والخادم والنبطي"، ولا غرابة أيضاً أن نجد أبو حامد الغزالي صاحب إحياء علوم الدين وهو الذي وصفه الكثير بأنه عالم مجدد، يقول عن المرأة "كيدهن عظيم والغالب عليهم سوء الخلق وركاكة العقل."

المرنيسي: النساء في العالم العربي وقود لكثير من التداعيات السلبية في غالب القضايا المعاصرة وهنّ طرف المعادلة الخاسر دائماً

ويُشير المساتي إلى أنّه "إن تأملنا في كتب التراث التي تصور لنا الحياة الاجتماعية خاصة كتب الأدب والنوادر وغيرها وقارناه بكتب الفقه والتفسير أمكننا أن نفهم سبب التحامل الفقهي على المرأة ومحاولة محاصرتها، وجاز لنا القول إنّ رجال الفقه التقليديين كانوا يستشعرون الخطر من مزاحمة المرأة لهن في الحياة العامة ويضيقون بسلطتها الرمزية".
فالفكر النسوي، حسب المساتي، يُشكل بعثاً لما حاول الفقهاء محاصرته من قرون وإحياء لموؤودة ظنوا أنّهم دفنوها تحت التراب، مشيراً إلى أنّه لا يستغرب من رد فعلهم العنيف اتجاه أي صوت نسائي باعتباره يشكل تحديا لمنظومتهم.

 

 

"عجز العقل الفقهي الذكوري عن تقبل المرأة"
ويذكر الباحث المغربي ما يلجأ إليه الفقهاء والمتطرفون من "أساليب وإستراتيجيات عدة تقوم على أساس لي عنق النصوص وخلط الحابل بالنابل والترويج لكل الموروث الذي ينقص من المرأة، وفي نفس الوقت التركيز على فكرة أساسية وهي أنّ المرأة سبب الغواية والفتنة ورأس الشر".

يُطلق على عائشة الشنا الأم تيريزا المغربية لدفاعها عن الأم العازبة وهدد إسلاميون باغتيالها باعتبارها كافرة وتشجع الرذيلة

وعندما لا يسعفهم النص القرآني لتحقيق ذلك، "فإننا نجدهم يرتكزون على موروث آخر من النصوص الحديث والإسرائيليات، حتى تصبح المرأة مخرجة لآدم من الجنة وسبب غواية الملكين ببابل هاروت وماروت وغيرها من التأويلات التي تزيد من ترسيخ فكرة خطر المرأة، والانتقاص منها وإسقاطها المباشر على واقع تميز بخروج المرأة الى الحياة العامة"، بحسب الباحث المغربي المختص في التاريخ والتراث الذي يضيف "ما يلجأ إليه رجال الدين أيضاً هو الترويج لتاريخ مزيف والربط بين الانحطاط وخروج المرأة للحياة العامة، حيث تحفل أادبيات الفقهاء بتصوير أزهى العصور عندما كانت النساء تبقين في بيوتهن، وبالتالي تحمل المرأة وزر الخروج إلى الحياة العامة الذي سبب الانحطاط".
ويُشير الباحث المغربي إلى "إستراتيجيات عديدة تكشف في عمقها عن عجز العقل الفقهي الذكوري عن تقبل المرأة ككائن مستقل وكذات مفكرة؛ لأنّها تظل مهدِدة لنسق فقهي شيّد على القوامة والأحقية وعلى موروث ديني ذكوري يصعب التخلص منه".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية