الكنائس: تراجع في أوروبا وانتعاش في إفريقيا

الكنائس: تراجع في أوروبا وانتعاش في إفريقيا


07/09/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


من الجزء الخلفيّ للقاعة ذات الإضاءة الخافتة، يحلّق نظر المرء فوق عشرات الصّفوف من الكراسي؛ حيث يجلس أناسٌ في ملابس ملوّنة وثياب فضفاضة ملفوفة بإحكام وبدلات سوداء، وصولاً إلى المسرح؛ حيث يقبع زعماء جماعات دينيّة مختلفة.

دراسة: سكّان أوروبا الوسطى والشّرقية أكثر عُرضة من الأوروبيّين الغربيّين لاعتبار الدّين شيئاً في غاية الأهميّة في حياتهم

إنّها الدّورة العاشرة لـ "الجمعيّة العالميّة للأديان من أجل السّلام"، وهي منظّمة عالميّة متعدّدة الأديان مكرّسة لتعزيز السّلام. الدّورة، الّتي استمرت من 20 إلى 23 آب (أغسطس) الماضي، في بلدة لينداو، على ضفاف بحيرة كونستانس في جنوب ألمانيا، تأخذ صورةً مصغّرة من الكون، حيث يحضرها ما يقرب من 900 مشارك من 125 دولة.
ومن بين هؤلاء الأسقف ديفيد ماسوبا (59 عاماً) عضو حركة "عيد الخمسين" البروتستانتيّة. وهو يعمل رئيساً لـ "الكنائس المستقلّة في زامبيا"، وهي منظّمة جامِعة مسكونيّة تتّخذ من الدّولة الواقعة في وسط إفريقيا الجنوبيّة مقرّاً لها. ويوجد فيها أكثر من 1.500 كنيسة ونحو 200.000 من الأتباع المسيحيّين - ولا تتوقّف عن النّموّ.

اقرأ أيضاً: ما قصة استهداف حزب العدالة والتنمية المغربي الإسلامي للكنائس؟
"إنّ الإيمان بالتّعاليم المسيحيّة ينتشر بوضوح في زامبيا"، يقول. "كلّ شهر أتلقّى طلبات من 10 كنائس على الأقلّ تريد الانضمام إلينا".
وفي القاعة نفسها، على بعد بضعة صفوف فقط، يجلس الكاهن الكاثوليكيّ فرانز بريندل. وعلى مدار أعوام، قاد الكاهن (78 عاماً) أبرشية كاثوليكيّة بالقرب من لودفيغسبورغ، وهي مدينة تقع شمال مدينة شتوتغارت في جنوب غرب ألمانيا. وهو اليوم يحتلّ منصب رئيس الفرع الألمانيّ لـ "الأديان من أجل السّلام".

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أول مسلمة تنشد الترانيم في الكنائس
وفيما يبثّ حفل افتتاح الجمعيّة شعوراً إيجابيّاً بداخله، فإنّه لا يستطيع القول إنّ هذا الشّعور يمتدّ إلى الكنيسة في ألمانيا.
"غالباً ما أكون في الأبرشيات يوم الأحد بوصفي بديلاً، وأحياناً ما كنت أصغر شخص هناك تقريباً، وأنا عمري أكثر من 70 عاماً. وهذا بالتّأكيد أمر محبط جدّاً بالنّسبة إليّ".

جمعت جمعية رابطة الأديان من أجل السلام مشاركين من جميع أنحاء العالم ومن مختلف الديانات

تراجع في أوروبا الغربيّة

بريندل ليس وحده في ذلك. ففي كافّة أنحاء أوروبا الغربيّة، يستمرّ عدد الأشخاص الّذين يعرّفون أنفسهم ضمن أيٍّ من الطّوائف المسيحيّة في التّناقص كلّ عام. وقد وجد مسح أجراه "مركز بيو للأبحاث" في الولايات المتّحدة عام 2018 أنّ سكّان أوروبا الوسطى والشّرقية أكثر عُرضة من الأوروبيّين الغربيّين لاعتبار الدّين، وليس المسيحيّة على وجه التّحديد، شيئاً في غاية الأهميّة في حياتهم. وفي ألمانيا، اعتبر 11 في المائة فقط من المشاركين في المسح أنّ الدّين له أهميّة كبيرة في حياتهم. وفي منطقة كهذه؛ حيث كانت المسيحيّة راسخة بقوّة فيما مضى، لا يبدو أنّ مستقبل الكنائس في حالة جيّدة.

ديتليف بولاك: في كلّ أوروبا الغربيّة نرى أنّ مشاعر الارتباط بالكنيسة تتراجع

ويقول ديتليف بولاك، أستاذ علم الاجتماع الدّينيّ بجامعة مونستر بغرب ألمانيا: "في كلّ أوروبا الغربيّة، نرى أنّ مشاعر الارتباط بالكنيسة تتراجع". وهو يعتقد أنّ التّغيير يرجع إلى أنّ الأوروبيّين لديهم قدرة أكبر بكثير على إدارة حياتهم اليوم مقارنة بالماضي.
"وهذا يؤثّر على كافّة مجالات الحياة، من اختيار شريكٍ إلى اختيار مهنةٍ وبالطّبع الفضاء الدّينيّ"، يقول ديتليف. هذه الحرّيّات الجديدة لا تتوافق مع الكنيسة، الّتي غالباً ما يُنظَر إليها على أنّها مؤسّسة سلطويّة، كما يضيف.
ويوافق بريندل على أنّ: "هذه البنى الهرميّة، خاصّة في الكنيسة الكاثوليكيّة - لا يقبلها الشّباب اليوم".

شبكة قويّة في زامبيا
الأمر مختلف تماماً في زامبيا. فهناك، يبدو أنّ الشّباب ممتنّون للكنيسة بشكل خاصّ. وكما يوضّح ماسوبا، فإنّ الكنيسة تُساعِد الكثيرين منهم في الحصول على التّعليم أو العثور على عمل، ولديها صِلات قويّة في كافّة أنحاء البلاد. وهو نفسه عضو في مجالس إدارة مؤسّسات خاصّة وعامّة مختلفة.
ومثل هذه المساعدات تحظى بتقدير كبير في بلده، كما يقول. ويبلغ المعدّل الرّسميّ للبطالة في زامبيا حوالي 8 في المائة فقط، لكن ماسوبا يشكو من بعض المشكلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة الخطيرة. فكما يقول، يشرب النّاس الكحول بشكل أكبر، والعنف الجنسيّ في تزايد. "تلعب الكنائس دوراً كبيراً جدّاً هنا في مراقبة العلل الاجتماعيّة"، كما يضيف.

اقرأ أيضاً: ألمانيا تلاحق لاجئي الكنائس
وفي العديد من البلدان الإفريقيّة، تلعب العائلة أيضاً دوراً مهمّاً إلى جانب الكنيسة في الحفاظ على المسيحيّة ونشرها، كما يوضّح بولاك. فعلى عكس العديد من الدّول الأوروبيّة، لا توجد في زامبيا دولة رفاهية. والأقارب يعتنون ببعضهم البعض. يقول: "الأسرة لها مكانة قويّة، وينتقل الدّين بشكل طبيعيّ من خلالها". ويضيف أنّ هياكلها يصعب الهروب منها، كما أنّ التّبعية الاجتماعيّة والماليّة تتناقض مع الحرّيّة الفرديّة الّتي يتمتّع بها الأوروبيون.

مصطفى يقود منظمة مظلة الكنائس المسيحية في زامبيا

التّحدّث بلغة النّاس

يعتقد بريندل أنّ هذه الحرّيّة هي بالتّحديد ما يجب على الكنائس الألمانيّة أن تأخذه على محمل الجدّ إذا كانوا يريدون تحفيز النّاس مجدّداً للذّهاب إلى الكنيسة. كما دعا الأبرشيات إلى أن يكون لها رأي أكبر وأن تعمل على إعادة بناء علاقة وثيقة برعايا الكنيسة.

بولاك: في العديد من البلدان الإفريقيّة تلعب العائلة دوراً مهمّاً إلى جانب الكنيسة في الحفاظ على المسيحيّة ونشرها

ويقتبس بريندل من زعيم الإصلاح البروتستانتيّ، مارتن لوثر، الّذي دعا في القرن السّادس عشر الكهنة الكاثوليك إلى الاستماع إلى احتياجات عامّة النّاس وعدم التّشبّث بالتّقاليد السّابقة الّتي لم تعد مناسبة اليوم. وهذا يعني، بالنّسبة إلى بريندل، السّماح للنّساء بأن يصبحن كهنة، وكذلك الرّجال المتزوّجين.
من جانبه، لا يحتاج ماسوبا إلى الانهماك في هذه الأسئلة. فمن وجهة نظره، أن تكون عصريّاً في زامبيا يعني أن تكون مسيحيّاً، ويأتي ذلك عبر رسالة واضحة: "الإيمان بالتّعاليم المسيحيّة يمنح النّاس في زامبيا الأمل، الأمل في أنّ الله سوف يرعاهم وأنّهم سيتمكّنوا من التّغلّب على المشكلات الّتي يواجهونها حالياً".
وهو واثق من أنّ هذا الإيمان سيرافق النّاس لأعوام عديدة قادمة.


المصدر: تيسا كلارا فالتر، دويتشه فيله



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية