لماذا لم ينجح اليسار في تونس رغم إخفاق الإسلاميين؟

تونس

لماذا لم ينجح اليسار في تونس رغم إخفاق الإسلاميين؟


11/10/2018

تحظى أحزاب اليسار التونسي بتاريخ طويل يعود إلى عشرينيات القرن الماضي؛ أي قبل تشكّل الحركة الوطنية وقبل تأسيس الحزب الحرّ الدستوري الجديد، على يد الزعيم الحبيب بورقيبة (أوّل رئيسٍ للجمهوريّة التونسيّة) العام 1934. وعُرف اليسار بموقفه الرافض للدكتاتورية ومقاومة الاستبداد في عهديْ الرئيسيْن السابقيْن الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

وخاض اليسار معارك نضاليّةٍ جعلته عرضةً للإقصاء، لجأ خلالها إلى العمل السرّي، وتعرّضت قياداته للاعتقال والتعذيب، غير أنّه لم يجرّب السّلطة بعد، ولم يستطع إقناع التونسيين بالوصول إلى الحكم.

اقرأ أيضاً: المتحولون من اليسار إلى الإسلام السياسي

كما أنّه لم ينجح في اكتساب مكانةٍ حقيقةٍ في الساحة السياسية حتّى بعد الثورة، لاسيّما بعد تأسيسه ائتلافاً سياسياً في العام 2013 ضمّ أغلب أحزاب اليسار تحت مسمّى "الجبهة الشعبيّة".

اليسار يفشل في كلّ المحطّات الانتخابية

بعد الثورة، ارتفعت آمال اليساريّين في تونس باعتبار أنّ مطالب الثورة كانت متقاربةً مع أفكار اليسار وبرامجه، غير أنّ تجربة انتخابات العام 2011 شكّلت خيبةً في رصيده، التي مُنيت فيها بهزيمةٍ كبيرةٍ، بعد أن خاضتها بشكلٍ منفردٍ، فتحصّلت كلّ أحزاب اليسار على ثلاثة مقاعد داخل المجلس التأسيسي.

أسامة الصغيّر: النهضة نجحت في الحفاظ على استقرار تونس، وإنجاح مسارها الانتقالي عبر التوافق ونعتبر الجبهة الشعبية شريكاً

في 7 تشرين الأول (أكتوبر) العام 2012، أعلنت أغلب أحزاب اليسار انخراطها في ائتلاف سياسي موحّد أطلقوا عليه الجبهة الشعبيّة، وجمعت الجبهة عند تأسيسها عشرة أحزابٍ هي؛ حزب العمّال، وحزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد، وحركة الديمقراطيّين الاشتراكيّين، وحركة البعث، وحزب الطليعة العربي الديمقراطي، وحزب النضال التقدمي، والحزب الوطني الاشتراكي الثوري، ورابطة اليسار العمالي، وحزب تونس الخضراء، والحزب الشعبي للحرية والتقدم، بالإضافة إلى جمعيّاتٍ وأشخاصٍ مستقلّين.

وخاضت الجبهة الانتخابات التشريعية التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2014 بشكل موحّد، وحصلت على 15 مقعداً من جملة 217 في البرلمان التونسي، كما رشّحت حمّة الهمّامي، الناطق باسمها، للانتخابات الرئاسيّة التي جرت في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2014، وحلّ في المرتبة الثالثة.

حمّة الهمامي الناطق باسم الجبهة الشعبية

هذه الانتخابات انتظمت بعد أن شهدت تونس هجماتٍ إرهابيةٍ أرعبت التونسيّين، وأجّجت الغضب ضد الإسلاميّين ممثّلين في حركة النّهضة التي كانت مشاركةً في الحكم، وقُيّمت فترة حكمها آنذاك بالفاشلة، كما أنّ الجبهة الشعبيّة لعبت دوراً فاعلاً فيما عُرف باعتصام الرحيل الذي مهّد "لإسقاط" الحكومة حينها.

وبعد أن أعلنت الجبهة الشعبيّة، دعمها وانخراطها في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها تونس في كانون الثاني (يناير) العام 2018، واتّهمتها الحكومة بالتحريض على الفوضى، لم تتحصّل في الانتخابات المحليّة التي اُجريت في أيار (مايو) العام 2018 سوى على 3.95 بالمائة من مجموع الأصوات.

اقرأ أيضاً: مخاوف تونسية من تحول المساجد إلى ساحات دعاية للانتخابات

وأصدرت الجبهة عقب هذه النتائج المخيّبة للآمال بياناً، أكّدت فيه عدم رضاها، معتبرةً إيّاها نتائج "لا تعكس الحجم الحقيقي لحضور الجبهة ولما ينبغي أن تكون عليه في المشهد السياسي، وأنّ هذه النتائج تقتضي من كافّة أطر الجبهة وأنصارها الانكباب على تقييم أدائها في هذه الانتخابات بكل موضوعيّةٍ للوقوف عند كافة مظاهر التقصير والخلل بهدف تجاوزها في أسرع وقتٍ ممكنٍ استعداداً للمحطات السياسية القادمة.

لهذه الأسباب لم ينجح اليسار في إقناع التونسيّين

وعن أسباب فشل اليسار، يؤكّد الأمين العامّ للحزب الاشتراكي (حزب يساريّ غير مشارك في ائتلاف الجبهة الشعبيّة) محمد الكيلاني في تصريح لـ"حفريات"، أنّ أحزاب اليسار في تونس، لا تملك مشروعاً بديلاً للحكم، لذلك لن تنجح في أن تكون بديلاً للأحزاب الحاكمة في حال واصلت عملها بنفس الطريقة الحالية.

وأوضح الكيلاني أنّ اليسار التونسيّ ظلّ خلال تجربته السيّاسيّة كاملةً، يساراً احتجاجياً مشاكساً للسّلطة، ومعارضاً لكلّ برامجها، ممّا جعله عرضةً للتفكّك، وعقّد وصوله للشعب، فحافظ على طابعه النخبويّ واقتصر فقط على الفئات المثقّفة.

حمّة الهمامي: اليسار التونسي ليس ملحداً ولا ضدّ الدين، بل ضدّ الفقر والدكتاتورية، وعليه أن يغيّر أداءه

ويرى الكيلاني أنّ اليسار لن يصل إلى السّلطة إلاّ في حال تخطّى المعيقات الموجودة في كيانه، وغيّر أساليب التنظيم، وقدّم برنامجاً واقعياً قابلاً للتطبيق يتجاوز فيه خطابه الأيديولوجي، كما عليه خاصّةً أن ينفتح على باقي القوى الاجتماعيّة في البلاد.

من جهته، يلفت المحلّل السياسي جمعي القاسمي في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ "البعد الديني للمجتمع التّونسي خاصّةً والمجتمعات العربيّة عامّةً، هو أحد أبرز العوامل التي حالت دون أن يتمكّن اليسار من تحقيق النتائج المرجوّة منه، خاصّةً أنّ الأطراف اليمينيّة استندت كثيراً إلى هذه المسألة لشيطنته".

ويضيف القاسمي أنّ "اليسار بمختلف تفرّعاته فشل في تجديد خطابه السياسي الذي اعتمد فيه دائماً على المفردات الأيديولوجيّة التي طالما شوّهت مقارباته السياسيّة والاجتماعيّة".

الكيلاني: اليسار التونسي يسار احتجاجي مشاكس للسّلطة

ورجّح أن تشهد المنطقة موجةً ارتداديّة يصعد خلالها اليسار إلى السلطة، في حال فشلت المقاربات الاجتماعيّة والاقتصاديّة للقوى اليمينيّة التي تحكم حالياً.

وعن سؤال ما إذا كان اليسار التونسي قادراً على أن يكون بديلاً، قال الناطق باسم الجبهة الشعبيّة حمّة الهمّامي في تصريح لـ"حفريات"، أنّه يستطيع أن يكون بديلاً للحكم، شرط أن يغيّر برنامجه، وأساليب تنظيمه، وأداءه الميداني، وخطابه، ويربط اهتماماته بمشاغل عموم الشعب.

وشدّد الهمّامي على ضرورة أن يبدأ اليسار في تغييرٍ شاملٍ لأدائه، وأن لا يبقى في حدود الخط العامّ، والأهداف العامّة، على أن يعمل على ضرورة الوصول إلى الفئات الكادحة وعموم الشعب. ودعا اليسار "أن يحارب عدّة أفكارٍ تُروّج عنه كأنّه ملحدٌ مثلاً أو أنّه ضدّ الدين، أو أنّه صناعة غربيّة، وأنّ عليه أن يؤكّد للشعب أنّه ضدّ الفقر، والجهل، وهيمنة رأس المال الأجنبيّ، وخاصّة ضدّ الدكتاتوريّة".

اقرأ أيضاً: كيف سيخدم عزوف الناخبين التونسيين عن "الانتخابات البلدية" حركة النهضة؟

ويرى في السياق ذاته، أنّ حركة النّهضة فشلت في إدارة البلاد؛ لأنّها حركةٌ رجعيّةٌ ومحافظةٌ، وليس لها برنامجٌ متعلّقٌ بالديمقراطيّة، وأنّه على القوى اليساريّة الثوريّة إزاحتها من الحكم بطرق ديمقراطيّة.

لهذا فشل الإسلاميّون في الحكم؟

وتؤكّد تجربة حركة النّهضة في تونس، أنّها لم تحقّق هدفاً أكثر من مجرّد "البقاء على قيد الحياة"، والالتجاء إلى التخفّي وراء الأحزاب الفائزة في الانتخابات لمشاركتهم الحكم (حزب التكتّل والمؤتمر من أجل الجمهوريّة في انتخابات العام 2011، وحزب نداء تونس في انتخابات العام 2014)، فلم تطَل قوّة السلطة، ولم تحرز شرف مقاومة الطغيان والاستبداد، رغم تاريخ أغلب قياداتها النضالي زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

يرى الكيلاني أنّ اليسار لن يصل للسّلطة إلاّ إن تخطّى المعيقات الموجودة في كيانه وغيّر أساليب التنظيم وقدّم برنامجاً قابلاً للتطبيق

وتخلّت الحركة في مؤتمرها العاشر في العام 2016، عن معظم مبادئها، وهو ما أفقدها جزءاً من شعبيّتها؛ حيث أقرّت بمبدأ التخصّص في العمل السياسي وترك العمل الدعوي والخيري للمجتمع المدني، وعرّفت نفسها أنها حزبٌ تونسيٌ مدنيٌ ديمقراطيٌ ذو مرجعيّةٍ إسلاميّةٍ، وقال رئيسها الغنوشي إنّ مصطلح الإسلام السياسي لم يعد مبرّراً في تونس وأنّه يفضّل عبارة "مسلمون ديمقراطيّون".

في هذا السياق، يؤكّد القيادي في حركة النّهضة أسامة الصغيّر في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ حركته نجحت في الحفاظ على استقرار تونس، وإنجاح مسارها الانتقالي عبر سياسة التوافق التي انتهجتها مع مختلف الأطراف الوطنيّة، مشيراً إلى أنّهم سيواصلون سياستهم التوافقيّة لمعالجة الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة المترديّة في البلاد.

العبيدي: حركة النّهضة نجحت على مستوى الحزب في حفاظها على تماسكها

ويرى الصغيّر أنّ الجبهة الشعبيّة فشلت في أن تكون بديلاً بدليل، هزيمتها في كلّ المحطّات الانتخابية منذ العام 2011، وصولاً إلى الانتخابات البلديّة في العام 2018، ويقول إنّه رغم ذلك فإنّ حركة النّهضة تعتبرها شريكاً وطنيّاً في تركيز المسار الديمقراطي.

وفي السياق ذاته، يرى المحلّل السياسي عبد اللّه العبيدي في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ حركة النّهضة نجحت على مستوى الحزب في حفاظها على تماسكها، عكس باقي الأحزاب التي انقسم أغلبها وتفكّك، ويقول إنّها نجحت في زرع عناصرها في كلّ مفاصل الدّولة.

اقرأ أيضاً: النهضة تضغط عبر الشارع لمنع تمرير وثيقة الحريات الفردية

ويؤكّد في المقابل، أن فشل الحركة خلال فترة حكمها بين عامي 2011 و2013، كان طبيعيّاً نتيجة الاغتيالات التي شهدتها البلاد حينها، ودخول الارهاب، إلّا أنّ الفشل اللّاحق الذي شهدته البلاد كان نتيجة فشل المنظومة كاملةً؛ أي فشل كلّ مكوّنات المشهد السياسي والحكومي.

وبين أحزاب اليسار واليمين يتموقع حزب نداء تونس العلماني، الذي تأسّس على خليط عجيب جمع بين دستوريّين (نسبة لحزب الدستور الذي أسّسه الراحل الحبيب بورقيبة) وتجمعيّين (نسبة لحزب التجمّع المنحلّ الذي أسّسه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي) ويساريّين ونقابيّين ومستقّلين وكوادر في الدولة، اجتمعوا استجابة للرئيس المؤسس وقتها، الباجي قائد السبسي، من أجل إنقاذ البلاد من حكم الترويكا (فترة حكم حركة النّهضة مع حزبيْ المؤتمر من أجل الجمهوريّة والتكتّل)، غير أنّه تشظّى وصدّر أزمته إلى الدولة ما جعل البلاد تعيش حالياً أزمة حكم.

الصفحة الرئيسية