هل ستنقذ الصين النظام السوري اقتصادياً؟

هل ستنقذ الصين النظام السوري اقتصادياً؟


22/10/2020

يصادف العام المقبل الذكرى الـ 65 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسوريا. وقال السفير الصيني في دمشق فينغ بياو إنّ بكين حريصة على "مواصلة التعاون المتميز مع سوريا في المجالات الثنائية والمتعددة الأطراف، واحترام النظم الاجتماعية والطرق التنموية التي اختارها الشعب السوري بالإرادة المستقلة، وزيادة تعميق التعاون في كافة المجالات، وتعزيز الصداقة بين الشعبَين".

اقرأ أيضاً: هل أرسلت تركيا دفعة مقاتلين جديدة من سوريا إلى قره باغ؟

وأكد السفير "رفض التدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والتصدّي للأحادية والهيمنة وسياسة القوة، سعياً لأن نكون نموذجاً يحتذى به في إقامة العلاقات الدولية من نوع جديد، وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية".

وجاءت أقوال السفير الصيني في كلمة خصّ بها جريدة "الوطن" السورية، الموالية للنظام، بتاريخ 27 أيلول (سبتمبر) الماضي، وكان ذلك بمناسبة تسلّم سوريا دفعة جديدة من المساعدات الطبية الصينية لمواجهة فيروس كورونا تزن نحو 2 طن وتضمنت وسائل وقاية فردية للعاملين الصحيين من فيروس كورونا، وجهازَي دعم تنفّس آلي.

 السفير الصيني في دمشق فينغ بياو

وأشار السفير الصيني إلى أنّ "دفعة المستلزمات الطبية مقدمة من مدينة (لانشي)، مسقط رأسه، جنوب شرق الصين، وأهلها مهتمّون بدعم الشعب السوري منذ بدء الحرب الإرهابية على سوريا، منوّهاً بصداقة بلاده القوية والمتميزة معها".

ويولي النظام السوري اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة لتوطيد علاقته مع الصين، خاصّة بعد أن قرّرت أمريكا فرض عقوبات اقتصادية عليه، وتطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، والذي بدأ حيّز التنفيذ في تاريخ 17 حزيران (يونيو) من العام الحالي.

وكانت جريدة "الوطن" قد أنشأت قسماً خاصاً في موقعها الإلكتروني، تحت عنوان "العلاقات السورية الصينية"، لمتابعة كلّ التطورات المشتركة بين البلدين. 

اقرأ أيضاً:  تقرير جديد يكشف: كيف انصهر دواعش سوريا داخل الفصائل الموالية لتركيا؟

وبتاريخ 28 أيلول (سبتمبر) الماضي؛ أقامت السفارة الصينية في دمشق احتفالاً بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، حضرها نائب وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، وبحسب وكالة " شينخوا" الصينية؛ فقد قال المقداد: "نحن نقدّر عالياً ما قام به الحزب الشيوعي الصيني في قيادة الشعب الصيني نحو هذه الانتصارات العظيمة"، مضيفاً أنّه " لولا هذا الاستعداد الكبير الذي عبّر عنه الشعب الصيني بثقة بقيادة حزبه، لما كان هذا الحزب يحظى باحترام ما يقارب المليار ونصف المليار صيني، منذ عام 1949".

الصّين تملك واقعاً مليئاً بالشكوك والإشكالات والخلافات مع سوريا قبل الثورة السورية؛ حيث تعرّضت الشركة النفطية "سينوبك" لعملية احتيال، بسبب العمولات وفساد بعض الأشخاص المتنفذين

وحول توجّه النظام السوري إلى الصين وتعزيز العلاقات بين البلدَين، قال المحلل الاقتصادي السوري، يونس الكريم، لـ "حفريات": "في الحقيقة؛ الصّين تملك واقعاً مليئاً بالشكوك والإشكالات والخلافات مع سوريا قبل الثورة السورية؛ حيث تعرّضت الشركة النفطية الصينية الوطنية، أو "سينوبك"، لعملية احتيال، بسبب الشركة السورية والعمولات التي حصلت بسبب بعض الأشخاص المتنفذين في وزارة النفط السورية، وبعض رجالات النظام في بيع حقل تشرين والعوائد النفطية التي تقع في منطقتي القحطانية والهول، شمال شرق سوريا، أي ضمن مناطق الإدارة الذاتية".

اقرأ أيضاً: إيران تعزز همينتها الاقتصادية على سوريا بهذه الطريقة

وأضاف: "تعرّضت الشركة لعملية نصب؛ حيث تمّ تغيير وتزوير الطاقة الإنتاجية في هذين الحقلين، وبيعهما من شركة "دبلن إنترناشونال" الكندية إلى الشركة الصينية، وبعد ذلك اكتشفت الأخيرة أنّه تمّ الغدر بها، من خلال استثمار مناطق في منطقة "شيخ نجار"، ومناطق أخرى في محافظة حمص؛ إذ تعدّ تلك المناطق ضمن المدينة الصناعية الصينية، لكن لم يقم الجانب السوري بالايفاء بالتزاماته، هكذا كانت الأمور في ذلك، مليئة بالشكوك".

 الصين ليست بوارد الوقوع في خلافات مع روسيا

وتابع الكريم: "خلال الثورة السورية لم يقم النظام في حماية المصالح الصينية، كما لم تبادر الصين إلى الدفاع عن أملاكها، كما حدث مع شركة "لافراج" للإسمنت الفرنسية السويدية، أو الشركات الأجنبية الأخرى، أو حتى بالقيام بسحب المعدات، إذ إنّ العقود مع النظام تنصّ على تقديم حماية لهذه الشركات، وهو ما جعل النظام السوري يغرق في ديون إضافية، متى توقّفت الحرب، وتقدّمت الشركة الصينية بالمطالبة بالتعويضات عن هذه الشركات، وهذا أمر بالغ الأهمية".

اقرأ أيضاً: "وقود الحرب".. ما سر مشاركة المرتزقة السوريين في حروب ليبيا وأذربيجان؟

ولاحظ الكريم أنّه خلال الثورة السورية، "لم تعمد الصين إلى تقديم مساعدات، والنظام لم يلجأ إلى الصين في البداية حقيقة، لكن في السنوات الأخيرة، وبعد العقوبات الأمريكية والأوروبية، وقطع الأمل من أن تقوم روسيا أو إيران بتقديم أيّة مساعدات مالية لإنقاذ النظام؛ حاول الأخير إدخال الصين كشريك له، لتلافي العقوبات الأمريكية والأوروبية ولعجز روسيا وإيران، كما ذكرت سابقاً، عن تلافي العقوبات، وضعف إمكانياتهم من جهة، ومن جهة أخرى محاولة النظام السوري الانضمام إلى جهة الصين، كبديل عن الاتحاد الأوروبي وأمريكا، خاصة أنّ هذا الشريك، أي الصين، يملك إمكانيات مالية ضخمة".

الصحفي السوري مالك الحافظ لـ"حفريات": علاقة بكين مع دمشق تقوم على أساس التقارب المشترك الروسي الصيني السوري، وليست علاقة بكين بمعزل عن علاقة موسكو مع دمشق

ولم ترغب الصين، وفق الكريم، "بالدخول في منطقة مليئة بالنزاعات الدولية الكثيرة، خاصة أنّها غير مجدية اقتصادياً في الوقت الحالي، ونقصد هنا النزاع بين روسيا وأمريكا من جهة، وإيران والاتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة أخرى، إضافة إلى مكوّنات النظام السوري".

كما يرى الكريم أنّ "النظام السوري حاول جرّ الصين لتوقيع عقود بخصوص تطوير مطار حلب، وإقامة مدينة صناعية، أو إعادة تنشيط هذا الاتفاق، أو إعادة الحقول النفطية، ومحاولة الضغط على "قسد" لعودة الشركات الصينية، وبالتالي محاولة تقليض النفوذ الأمريكي في المنطقة، ومن ثم إحلال النظام مكان القوى والمليشيات الكردية من جهة، والصينية مكان الروسية، خاصة أنّ روسيا باتت تسيطر على مقاليد الحكم، لذلك أراد النظام استجرار الصين لمواجهة روسيا من جهة وأمريكا من جهة أخرى"، بحسب تعبيره.

أما الصحفي السوري، مالك الحافظ، فقال لـ "حفريات": "رغم أنّ الأزمة السورية شكّلت منعطفاً في السياسية الخارجية الصينية، فقد رأت الصين القوة الاقتصادية الصاعدة فرصة لتحجز لنفسها المقعد الذي يليق بتطورها وتقدمها المنافس لعدة دول، أهمها بالتأكيد الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنّ ذلك لا يعدّ لدى بكين الوصول إلى حدّ التناحر المعلن مع الجانب الأمريكي في سوريا، أو حتى أيضاً مع الجانب الروسي".

الدعم الاقتصادي الصيني تحتاج إليه روسيا بالتأكيد في مرحلة إعادة الإعمار بسوريا

وأضاف: "خلال الفترة الماضية، لم تسعَ الصين لتكوين وجود عسكري بقدر ما اعتمدت على القوة الاقتصادية وتعزيزها من خلال منطقة الشرق الأوسط، ومنها على وجه الخصوص سوريا، وهذا العامل يشكّل أساس الرؤية الصينية، فهي ليست في حاجة إلى قوة عسكرية خارجية حتى تفرض هيمنتها على المنطقة، التي ليست في حاجة إلى التواجد فيها، أو فرض أجندات سياسية في منطقة قد لا تكون لها، بالنسبة إليها، أيّ تأثير إستراتيجي على المدى الطويل".

اقرأ أيضاً: ما طبيعة الميليشيات السورية التي أرسلتها تركيا إلى ناغورني-كاراباخ؟

ويرى الحافظ؛ أنّ علاقة بكين مع دمشق تقوم على أساس التقارب المشترك الروسي الصيني السوري، وليست علاقة بكين بمعزل عن علاقة موسكو مع دمشق، فالعلاقة مع دمشق ليست في طور الحلف الإستراتيجي مع الصين، لكنّ الأخيرة تجد في دمشق سوقاً اقتصادية مفتوحة منذ عقود، بحكم علاقاتها الثنائية مع دمشق، فضلاً عن التفاهم حول ذلك مع الحليف الروسي".

اقرأ أيضاً: بالأدوية الإيرانية والسورية.. ميليشيا حزب الله تستغل أزمة القطاع الطبي

وخلال سنوات ما بعد الأزمة، وفي ظلّ حرب اقتصادية أمريكية صينية، لا يعتقد الحافظ أنّ الصين سترى خياراً حكيماً أن تدخل في معادلات سياسية، "فهي تدرك، منذ البداية، أنّ روسيا هي رأس الحربة في المحور المواجه للولايات المتحدة، تبقى هي في الظلّ، دبلوماسياً وسياسياً، وتدعم موسكو في توجهاتها، بشكل أو بآخر، وتستلم هي الجانب الاقتصادي".

انطلاقاً من ذلك؛ يرى الحافظ أنّ الصين ليست بوارد الوقوع في خلافات مع روسيا، ولا في أيّ حال من الأحوال؛ إذ إنّ خصمهم مشترك وتفاهماتهم أعمق بكثير من أيّ ملف طارئ.

اقرأ أيضاً: شرق سوريا وفق النموذج التركي: تشيّع ومُرتزقة وأسماء فارسية

ويرى الحافظ أنّه في حال تمّ الحديث عن أيّ دعم صيني لدمشق، فهو سيعود بالنفع على الصين أولاً، ومن ثم على روسيا ثانياً، وبعد ذلك يمكن أن تأتي دمشق في مرتبة أدنى، ضمن خانة المستفيدين.

يقول الحافظ: "الدعم الاقتصادي الصيني تحتاج إليه روسيا بالتأكيد في مرحلة إعادة الإعمار بسوريا، لكنّ الصين تتريث، سواء بسبب تحاشي أية عقوبات جديدة من قبل واشنطن، قد يكون من شأنها التصعيد بشكل كبير، ولا يمكن أن تتوقّع نتائجه، وثانياً فإنّها تنتظر روسيا فيما ستعمل عليه في الملف السوري، وكيف ستحلّ إشكاليات تداخل المصالح في مسألة إعادة الإعمار مع الأطراف الأخرى، وعلى رأسها واشنطن"، مضيفاً: "الجميع أدرك أنّه لا يوجد حسم عسكري، والحلّ السياسي يقوم تكريسه وتفعليه في سوريا بالأساس على المصالح الاقتصادية، ومرحلة إعادة الإعمار التي تلهث وراءها جميع الأطراف المتدخلة بالشأن السوري".

اقرأ أيضاً: "لم تعلن عن الأعداد الحقيقية للقتلى".. إيران تستعيد رفات جنودها من سوريا

وفي نظر الحافظ "إذا حاولت دمشق، أو بعض الأصوات، القول إنّ الصين تتدخل لدعم النظام فهذا لن يكون بمعزل عن التفاهمات مع روسيا، وضوء أخضر واضح من قبل موسكو، وأما غير ذلك فهو للاستهلاك الإعلامي من قبل طرف النفوذ الإيراني، الذي يرى أنّ الأمور باتت تزداد صعوبة عليه، ويحاول أن ينسج بعض المشاغبات في الوقت الضائع".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية