الأردنيون والفتوى .. عمّ يتساءلون؟!

الأردنيون والفتوى .. عمّ يتساءلون؟!
تحقيقات

الأردنيون والفتوى .. عمّ يتساءلون؟!


03/10/2018

"هل تعتبر الخادمة من ملك اليمين؟".. "الحب حلال أم حرام؟".. "ما حُكم أمّ تعمل السحر لولدها حتى يكره زوجته؟"...
ليست هذه أسئلة افتراضية من محض الخيال، وليست مسائل مستخرجة من بطون الكتب، وإنما هي أمثلة لأسئلة تصادف المتصفح للصفحة الأولى من الفتاوى المنشورة على موقع دائرة الإفتاء الإلكتروني، وهي الخدمة التي فعّلتها الدائرة منذ العام 2009 لتسهيل عملية الاستفتاء على المواطنين، حتى بلغ عدد المستفتين عبرها أكثر من 16 ألفاً خلال العام الماضي 2017. 
 موقع دائرة الإفتاء الإلكتروني

الموقّع.. عن الله
تَرِد اشتقاقات كلمة "فتوى" في عدّة مواضع من القرآن الكريم، وذلك في مقدمة إيراد الإجابات والردود على عدد من الأسئلة التي كان يبادر الصحابة، رضي الله عنهم، إلى طرحها وطلب الإيضاح بخصوصها، وذلك سعياً منهم لمعرفة الحكم الديني في المسائل التي كانت تطرأ وتواجههم في حياتهم اليومية.
بعد نهاية العهد النبوي، ومع توسع بلاد المسلمين وبناء الأمصار الجديدة خلال عهد الخلفاء الراشدين، انتشر الصحابة، رضي الله عنهم، وتوزعّوا على الأمصار والبلدان الجديدة، فكان عامة المسلمين من التابعين يأتونهم ليسألوهم عن أحكام الدين والشرع، خصوصاً مع ظهور مسائل كثيرة مستجدّة مع توسع دولة المسلمين ودخول أعداد كبيرة في الدين.

اقرأ أيضاً: من يحمي ضحايا فوضى الفتاوى في المغرب؟

وهو ما ارتفعت وتيرته في العهد التالي؛ فمع اتساع مظاهر الترف والفساد وتغيُّر أـحوال المجتمعات، ازداد حرص طائفة كبيرة من المسلمين على حفظ دينهم، وكان المسلمون يلجأون للصحابة، رضي الله عنهم، بدايةً، واشتهر من فقهاء الصحابة ومفتيهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وعبدالله بن الزبير، رضي الله عنهم. وبعد انقضاء جيل الصحابة، بدأ الاعتماد على الفقهاء من التابعين، كسعيد بن المُسيّب في المدينة، والحسن البصري في البصرة، وإبراهيم النخعيّ في الكوفة. وكان الاختلاف يقع بين المفتين بسبب الاختلاف في جمع النصوص والتثبت منها، وفي تأويل معانيها، وهو ما تطوّر لاحقاً عبر ظهور المذاهب والمدارس الفقهية المتباينة منذ القرن الثاني الهجري.

اقرأ أيضاً: حوار مع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية حول فوضى الفتاوى
تطوّرت العلوم الشرعية عبر القرون اللاحقة، فتوسّعت مدونات الفقه والحديث، وتطوّر علم أصول الفقه، وتطوّرت معه منظومة الافتاء والاجتهاد ووضعت لها الشروط والضوابط. وفي القرن الثامن الهجري، ظهر كتاب ابن القيّم المعنون بـ"إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين"، وهو كتاب في الفقه وأصوله، اعتبر فيه ابن القيّم بأن المفتي هو بمثابة "موقّع عن الله"، وعلّل ذلك بأن الإفتاء منصِب تولّاه الله ذاته، وذلك حين قال: "قل الله يفتيكم…"، في عدّة مواضع من القرآن الكريم، وبالتالي فإن المفتي ينوب عن الله بعد انقضاء زمن الوحي، ومع تجدد المسائل.

كتاب ابن القيّم "إعلام الموقعين عن ربّ العالمين" - القرن الثامن الهجري

ومنذ ذلك الحين، يتكرر استخدام هذا التعبير كمُسَمّى للمفتي، وهو ما استدعى إثارة جدل معاصر، باعتبار أنّ هذا الادّعاء يقضي باعتبار المفتي ممثلاً لله في الأرض ونائباً عنه، بحيث يكون قول المفتي هو قول الله، وهو ما يذكر بثقافة "الكهنوت" وطبقة "الإكليروس" (رجال الدين) التي جاء الإسلام لتخليص الناس وتحريرهم منها.

الفتوى في الأردن.. البداية والتنظيم
يعود تأسيس نواة جهاز الإفتاء في الأردن إلى العام 1921 مع تأسيس الإمارة، حين كان يُعيّن مع كل قاضٍ شرعي مفتٍ في المدن الكبيرة والصغيرة. وفي العام 1941 تم استحداث منصب المفتي العام لأول مرة، وفي العام 1986 تم استحداث دائرة الإفتاء، والتي كانت مرتبطة بوزارة الأوقاف في حينه.

الاختلاف بين المفتين سببه الاختلاف بجمع النصوص والتثبت منها وتأويل معانيها ما أدى لظهور المذاهب

مع تزايد وانتشار وسائل الاتصال والإعلام المختلفة منذ مطلع الألفية بدأت "الفتوى" بالتوسع والتمدد إلى أشكال ووسائل ومنصّات جديدة، فبالإضافة إلى الدروس الدينية في المساجد، والفتاوى الصادرة عن جهات مدنية كجماعة الإخوان المسلمين، ظهرت البرامج الدينية المُخَصّصَة للفتوى عبر الفضائيات وإذاعات الراديو، وعبر المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت.

وفي العام 2006، جاءت مناقشة وإقرار مجلس النواب لقانون الإفتاء، وذلك بغرض ضبط فوضى الفتاوى القائمة، بموجب هذا القانون استقلت دائرة الإفتاء عن وزارة الأوقاف، وأصبحت رتبة المفتي تعادل رتبة وزير في الدولة، واعتبر القانون أنّ مهمة الدائرة الإشراف على شؤون الفتوى في المملكة وتنظيمها، وأنّه تكون لها مهمة تقديم الرأي والمشورة في الأمور التي تُعرض عليها من أجهزة الدولة.

استقلت دائرة الإفتاء عن وزارة الأوقاف بموجب القانون الصادر العام 2006

أثار إقرار القانون جدلاً واسعاً، وتحديداً حول الاعتبار بأن جهة واحدة هي المسؤولة عن إصدار الفتاوى، فاعتبر المنتقدون أنّ ذلك بمثابة سيطرة من الدولة على المجال الديني وتضييق له، وبأنّ ذلك نوع من مأسسة الدين، وفيه خلق لطبقة "رجال دين" تحتكر الشأن الديني. إضافة إلى التساؤل عن آلية الضبط، وخاصّة مع ظهور المنصّات الجديدة التي ليس بالإمكان ضبطها، كالقنوات الفضائية التي تبث من الخارج، والمواقع الإلكترونية، وما زاد من الجدل، أن الدائرة في ذلك الحين لم تكن تمتلك منصّات إلكترونية لاستقبال الفتاوى عبرها، فكان يتوجب على السائل أن يتوجه إلى الدائرة شخصياً، أو إلى أحد مكاتبها في المحافظات، أو يقوم بالاتصال هاتفياً، وذلك قبل أن تقوم الدائرة بإطلاق موقعها الإلكتروني العام 2009، ومن ثم إطلاق صفحاتها لاحقاً على منصّات التواصل الاجتماعي، مما سهّل على السائلين طرق الوصول وتلقي الإجابات.

اقرأ أيضاً: آخر فتاوى الداعية الجزائري المثير للجدل شميسو
واليوم، يُبث برنامج "المفتي" على الفضائية الأردنية، ويقوم بتقديمه المفتي العام، كما تستمر هذه النوعية من البرامج  عبر الإذاعات، وأشهرها برنامج "فتاوى على الهواء"، عبر إذاعة القرآن الكريم (تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية)، الذي عادةً ما يكون المفتي فيه هو أمين عام دائرة الافتاء، أو مفتي القوات المسلحة، إضافة إلى وجود برامج فتوى عبر اذاعات دينية أخرى، كإذاعتَيْ "حياة إف إم" و"يقين إف إم".

يُبث برنامج "المفتي" على الفضائية الأردنية

أما بخصوص الإفتاء عند الطوائف المسيحية، فقد صدر قانون خاص باسم "قانون الطوائف الدينية غير المسلمة" العام 1938، اعترف بوجود ست محاكم لست طوائف مسيحية مختلفة يحقّ لها إصدار الفتوى لأتباعها. وفي العام 2014، أقرّ مجلس النواب قانون جديد، عُرف بـ"قانون الطوائف المسيحية"، ليحلَ محلّ القانون السابق، وأصبح يخضع لأحكام هذا القانون إحدى عشرة طائفة مسيحية. وتخضع جميع محاكم الاستئناف الشرعية، ومحاكم استئناف مجالس الطوائف، لرقابة محكمة التمييز الأردنية.
المذهب المعتمد
تعلن دائرة الإفتاء عن اعتمادها المذهب الشافعي في الإفتاء، وتعلّل ذلك بأنه المذهب "الأكثر انتشاراً في بلادنا عبر التاريخ"، هذا أولاً، وثانياً: لأنه "مذهب وسطي، جمع بين أصول مًدرَسَتَي الحديث والرأي، وخرج باجتهادات فقهية كانت وما تزال سبباً في تحقيق مصالح الأمة وجمع كلمتها".
ولكن الدائرة تؤكد أنّها في قضايا الأحوال الشخصية، كالنكاح والطلاق والحضانة والميراث، "تعتمد في الفتوى قانون الأحوال الشخصية الأردني ولا تخرج عنه"، وذلك حتى لا يحدث تضارب بين الإفتاء والقضاء الشرعي في المملكة.
فتاوى إلكترونية.. الأعداد والتصنيف
بحسب النشرة الإحصائية التي نشرتها الدائرة للعام 2017، فإن عدد الاستفتاءات التي وردت خلال العام 2017 جاءت موزعة على النحو الآتي:

وبالنظر في الفتاوى الواردة عبر الموقع، فقد بلغ عددها خلال العام الماضي 2017 (16,913) فتوى، وتنشر الدائرة على الموقع أهم الأسئلة وأكثرها تكراراً، ويبلغ مجموع الفتاوى المنشورة (2168)، منها (594) منشورة في قسم "فتاوى مختصرة"، أما المنشورة في قسم "فتاوى بحثية"، فعددها (1572). أما أعلى التصنيفات التي جاءت الفتاوى المنشورة ضمنها فهي:

يُلاحظ أن النسبة الأعلى هي للفتاوى المتعلقة بالعبادات، بنسبة تصل إلى 35%، تليها الفتاوى المتعلقة بـ"المعاملات المالية" وتصل إلى 29%، ثم فتاوى "فقه الأسرة" وتصل نسبتها إلى 11%، أما الفتاوى المصنفة ضمن تصنيف "عادات" فتصل نسبتها إلى 8.3%.
ورع زائد
جاء في القصة الشهيرة عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه رأى رجلاً يحمل تمرة وينادي في السوق: "من صاحب هذه التمرة؟" فقال له: "كلها يا صاحب الورع البارد!"؛ الورع البارد، هو الوصف الدقيق الذي يُطلق على الاكتراث والحرص الزائد على التقوى ومعرفة الحكم الديني لمسألة لا يضرّ فعلها ولا ينفع تركها، ويكون السؤال عنها نوعاً من التظاهر، أو نوعاً من الوسوسة. وينطبق هذا الوصف على أسئلة عديدة واردة إلى الدائرة ومنشورة على موقعها، ومن ذلك مثلاً، سؤال نصّه (رقم الفتوى: 1589):

وهنا تأتي الإجابة لتزايد على السائل بالورع: "لا يفعل هذا أهل الورع"! وفي سؤال آخر، يسأل المستفتي (رقم الفتوى: 1593):

يبين المستفتي هنا أن المسؤول عنه هو طعام زائد بكمية كبيرة، وهو معرض للتلف في حال عدم تناوله؛ أيّ إنه يكاد يكون قد أجاب على سؤاله، ولكن، وبالرغم مما أورد من وصف، جاءت الإجابة أكثر حرصاً: "يجب مراجعة وزارة التربية والتعليم في هذا الأمر؛ لأن المال العام لا يجوز الأخذ منه إلا بإذن المخوّل بالإنفاق منه". وفي أسئلة أخرى أشدّ تمحيصاً وتدقيقاً، نجد من يسأل (الفتوى رقم: 1592):

ويحاول المفتي هنا تقديم إجابة فريدة ومبتكرة: "بالإمكان تقطيع الحروف حتى لا تقرأ كلمة واحدة (العزيز)". ويتكرر مثل هذا السؤال بصِيَغ أخرى، فنجد من يسأل (الفتوى رقم: 1598):

وتأتي الإجابة: "من حفظك لأحكام الشريعة أن تحفظ ما كتب عليه اسم الله تعالى…".
في السياسة.. "العودة للدين" إجابة معتمدة
في العام 2012، وبينما كان المعلمون في الأردن يخوضون يومهم الأول في الإضراب من أجل تلبية مطالبهم، تداولت المواقع الالكترونية فتوى صادرة عن دائرة الإفتاء، تنصّ على أن "اليوم الذي يتغيب فيه الموظف عن عمله دون عذر أو يمتنع عن أداء عمله بالشكل الأمثل فإنه يكون آثماً شرعاً ولا تحل له أجرته" (منشورة على الموقع، رقم الفتوى: 2000)، وهو ما فُهم في حينه على أنه تحريم غير مباشر للإضراب، وبالتالي ظهور نوع من التسييس للدائرة والفتاوى الصادرة عنها، باعتبارها جهة حكومية تسعى لمواجهة مطالب احدى الفئات المهنية.
للبحث أكثر في المقاربة التي تتبناها الدائرة للمسائل السياسية، والتي يُشار إلى أنها لم تطغَ على أسئلة المستفتين، سنتوقف عند فتوَيين، يسأل المستفتي في الأولى: "ما رأيكم بما حدث ويحدث في فلسطين والعراق وغيرهما من بلاد المسلمين؟" (396)، وهنا يجيب المفتي باختصار: "ما يحصل في بلاد المسلمين سببه البعد عن الدين، والذي أدى إلى فرقة المسلمين والأمة، وإذا تفرقت ضعفت، ونال منها أعداؤها".
يُلاحظ هنا كيف أن ذات المنطق الذي فسّر فيه المتدينون هزيمة العام 1967 مايزال مستخدماً ومعتمداً عند الدائرة، حيث يتجاوز المفتي أي ذكر لأسباب سياسية، أو عسكرية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، ويقرر أن السبب هو "البعد عن الدين"، دون أي تفصيل وبيان لطبيعة هذا البُعد، وكيف يَكون، وكيف يؤدي -في الواقع- إلى التفريق بين المسلمين.
وتتكرر الإجابة ذاتها في فتوى أخرى، عند سؤال المستفتي عن واجب المسلمين تجاه بيت المقدس والمسجد الأقصى (رقم الفتوى: 3366) - وهو السؤال الذي يتكرر بصيغ مختلفة - يجيبه المفتي: "أول ما يجب على الأمة الإسلامية سلوكه تجاه المسجد الأقصى عودتها إلى دينها"، وهنا يستطرد المفتي موضحاً: "ولنا في مدرسة حجة الإسلام الغزالي خير مثال على ذلك؛ فمدرسة إحياء علوم الدين أنتجت جيلاً ربانياً خرج منها نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي"، وهنا نرى التمسك بمعادلة "الجيل الرباني" الذي يأتي التحرير والانتصار بعد الانتهاء من إعداده، والتي تدور في ذات فلك "البعد عن الدين"، فيتم اختزال صراعات وأحداث ذات أبعاد مركبة في مسألة ذات طبيعة روحانية-أخلاقية (مستوى التديّن).
"الأرأيتيون".. لم ينقضِ زمنهم بعد
كان الفقيه والمحدّث الإمام الشعبيّ يقول: "ما كلمة أبغض إليّ من: أرأيتَ"، ومن هذه الكلمة اشتق الاسم "أرأيتيون"، الذي أطلق قديماً على فئة اعتادت السؤال عن حكم أمور لا وجود لها، يتخيلونها ويسألون عنها، وسيجد المتصفح للفتاوى المنشورة على موقع دائرة الافتاء غير قليل من هذا الصنف، فمن سائل يسأل: "هل يجوز صيد السمك يوم السبت؟" (رقم الفتوى: 1301)، في بلد تضيق سواحله، ويقلّ أعداد الصيادين فيه، ثم هل ضاقت الأيام إلّا عن يوم السبت؟ وآخر يسأل عن حكم الشرع في أكل كل من "القنفذ، والثعلب، والضبع" (رقم الفتوى: 5)، وآخر عن حكم "أكل لحم الضبع" (321)، وآخر عن جواز أكل لحم "الفيل، والضفدع، والأفعى" (590)، فأين الفيل، والضفدع، والقنفذ، والأفعى؟ وأين من يصطادها؟ وأين من يريد أكل أيّ منها أو لديه الاستعداد لذلك؟
العلاقات بين الجنسين.. تحريم تامّ
تبرز من بين فتاوى "العادات"، الفتاوى المتعلقة بمسألة العلاقة بين الجنسين، وفيما يأتي أمثلة عليها: من السائلين مَن يسأل عن مجرد شعور الحب (الفتوى: 1596)، وكانت الإجابة: "الحب بمعنى الميل القلبي اللاإرادي لا يؤاخذ به الإنسان، أما ما يتبعه من نظر ونحوه محرمٌ لا يجوز"، ومنهم من خصّص وبيّن طبيعة هذا الحب فجعله "حب في الله"، ومن "فتاة مسلمة محافظة"، كالسؤال: "هل يجوز لفتاة مسلمة محافظة أن تحبّ شاباً في الله؟" (1187)، أجابها المفتي: "دعوى الحب في الله بين الجنسين من تلبيس إبليس، والمسلمة الطاهرة تحذَر من خطوات الشيطان، ولا تخالط الرجال غير المَحارم"، ويُلاحظ هنا استخدام تعبيرات مثل "تلبيس إبليس" و"خطوات الشيطان"، والتي كثيراً ما يتم تعليل النهي عن أمور باستخدامها، وهي تعبّر عن حالة من الحيطة والحذر مع الافتراض بأن ما سيقع هو الأسوأ.

أناط قانون الإفتاء لعام 2006 بدائرة الإفتاء مهمة الإشراف على شؤون الفتوى في الأردن

وتركزت أسئلة أخرى على السؤال عن العلاقات والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي،  كالسؤال: "هل يجوز أن تتحدث الفتاة مع الشاب في مواضيع دينية على الماسنجر؟" (310)، وكانت الاجابة: "تحرم المحادثة الخاصّة بين الشاب والفتاة عبر ما يسمى بـ"الشات"، ولو في أمور عامة ومباحة"، ثم يعلل المفتي الحكم: "وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث ورقّة في القَوْل، يدعو إلى الاعجاب والافتتان غالباً"، هكذا يتم تحريم التواصل عبر التطبيقات في بلد يصل عدد مستخدميها إلى نسب عالية.

اقرأ أيضاً: مجلس الإفتاء الإماراتي: ضبط الفتوى المنفلتة
ويُلاحظ هنا كيف يطغى الاعتبار الجنسي عند المفتي، وهو ما يتكرر عند الإجابة على السؤال: "هل تجوز الحوارات بين الجنسين على الهاتف للتناصح وضمن دائرة الأدب؟" (1196)، حيث ينهى المفتي عن الحوارات بين الجنسين على الهاتف ويعلل ذلك: "لأن فيه إفساداً للقلوب، وقد يؤدي إلى التعلّق المحرّم"، ثم يردف التعليل بالآية (ولا تتبعوا خطوات الشيطان)، ومرة أخرى نجد ذات التعليل عند الإجابة على السؤال: "هل التكلم مع صديق من الجنس الآخر حلال أم حرام؟" (1528)، ونصّ الإجابة: "هذا العمل حرام شرعاً؛ لما فيه من مفسدة، وقد يؤدي إلى المحذور الشرعي" إلى أن يقرر: "ولا يجوز أن يتخذ الإنسان صديقاً من الجنس الآخر"، هكذا، حتى الصداقة، وحتى أي شكل من الكلام، ومن دون النصّ على أي استثناءات مباحة، فالمفتي يستبعد تماماً أي احتمال لأن تكون العلاقة أو الحديث متضمناً لأبعاد أخرى، من دراسة، أو عمل مثلاً، فقط الاعتبار هو للبعد الجنسي ولـ "خطوات الشيطان".

اقرأ أيضاً: الفتاوى بين التوظيف السياسي وفخ التناقضات
ولكن الفتوى الأخطر كانت عند الإجابة على سؤال أحد المستفتين عن حكم عمل المرأة (717)، فجاءت الإجابة بإجازة عمل المرأة، ولكن "ضمن الضوابط الشرعية، وأوّلها عدم الاختلاط"، واستشهد بالآية التي تتحدث عن تجنب بنات الرجل الصالح في مدين سقاية الغنم مع الرعيان (لا نسقي حتى يصدر الرُعاء، وأبونا شيخ كبير)، وهو أقرب إلى تحريم العمل للمرأة عموماً؛ فالغالب في الوظائف المُتاحة اليوم أنها لا تقتصر على جنس دون آخر.
في أدقّ التفاصيل
عند الحديث عن الفتاوى يفترض أنها تتعلق بمسائل تمسّ مصالح الناس ولها أثر مهم في شؤون حياتهم، بحيث يتوقف عليها دفع ضرر أو جلب منفعة، ولكن الناظر في الأسئلة المنشورة على موقع الإفتاء يجد أسئلةً عن دقائق وتفصيلات، لا يضرّ فعلها من عدمه بشيء، كالسؤال عن حكم صبغ الرجل شعره باللون البني (307)، أو السؤال عن حكم لبس اللون الأحمر الخالص للرجال (1906).
ما هو الغائب في الفتاوى؟
ويُلاحظ المتصفح غياب الفتاوى المتعلقة بمسائل الحدود وإقامتها والسؤال عن دور ولاة الأمور في إقامتها، أو الأسئلة التي تتعلق بنظام الحُكم ومدى ارتباطه وصلته بنظام الخلافة المُتَخَيّل إسلامياً، وما يتصل بذلك من قضايا تطبيق الشرع، وإعلان الجهاد. وقد يكون ذلك راجعاً لانصراف السائلين عن هذه الأسئلة، سواء بدافع التجنب والتخوف أو لعدم الاهتمام، وربما لعدم قيام الموقع بنشر مثل هذه الفتاوى.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية